يواصل مهرجان فاس للموسيقى الروحية بنجاح مساره في نشر المحبة والسلام بين الناس، أيا كانت ديانتهم أو عرقهم أو لغتهم، عبر الموسيقى، التي تكسر الحواجز فاسحة المجال أمام تعايش يحتاج العالم إلى جرعات كثيرة منه، علّ وطأة الصراعات والحروب الطاحنة التي يشهدها تخفّ. ليلة أمس الجمعة، التأم عازفون ومغنّون من أتباع الديانات السماوية الثلاث على منصّة باب الماكينة وسط المدينة العتيقة لفاس، يقودهم الموسيقار كوران بريغوفيتش، القادم إلى فاس حاملا معه ثلاث رسائل من سراييفو، قُرء مضمونها من طرف نخبة من العازفين من أتباع الديانات السماوية الثلاث. الرسائل الثلاث التي حملها معه كوران بريغوفيتش وجوقه الموسيقي الكبير الذي يعكس التعددية الدينية والإثنية في أبهى تجلياتها، هي قصيدة توحّدت فيها الإيقاعات الشرقية والغربية، يبتغي صاحبها من ورائها تحقيق توافق بين الأديان عبر لفيف من الموسيقيين المسيحيين والمسلمين واليهود. ترعرع كوران بريغوفيتش في مدينة سراييفو بصربيا، في حي قال إن الوقت فيه كان يقاس بأجراس الكنائس، وبالأذان المنبعث من المآذن، وكان لذلك تأثير على نوع الغناء الذي اختاره، وقوامه نشر المحبة والسلام والتضرع من أجل أن يسود السلام العالم. وبدأت المسيرة الفنية لصاحب "ثلاث رسائل من سراييفو" في ستينات القرن الماضي، حيث تعلم العزف على الكمان في مدرسة سراييفو للموسيقى، وفي نهاية الثمانينات أسس أوركسترا سماها "الزواج والدفن"، هي التي أمتعت جمهور فاس للموسيقى الروحية ليلة أمس الجمعة بأنغام وأصوات عازفين ومغنين من أصول صربية وتونسية وإسرائيلية. وفيما كان جمهور باب الماكينة منغمسا في الاستماع إلى "رسائل سراييفو الثلاث"، في جو من الهدوء والسكينة، كانت منصة باب بوجلود، غير بعيد، تعيش أجواء مختلفة تماما، حيث كان صخب الجمهور يملأ الساحة، وتتمايل الأجساد على إيقاعات موسيقى الراي بصوت الشاب يونس. وفي دار التازي كان جمهور مهرجان فاس للموسيقى الروحية على موعد مع نوع آخر من الموسيقى، مع فرقة الطريقة العيساوية، إحدى الطرق الشهيرة، التي أتحف أعضاؤها الجمهور الذي غص به المكان بكشكول من الأمداح النبوية، على إيقاع أصوات آلات موسيقية قديمة، تفاعل معها الجمهور إلى آخر السهرة. وسيُسدل الستار على فعاليات الدورة الرابعة والعشرين من مهرجان فاس للموسيقى الروحية، الذي نظم هذه السنة تحت شعار "معارف الأسلاف"، مساء اليوم السبت، بحفل ستحييه فرقة صوفيتو كوسبل شوار، من جنوب إفريقيا، في باب الماكينة.