هل يمكن اعتبار إلغاء بعض الحفلات أو تغيير أماكنها في آخر لحظة دليل على ارتجالية في البرمجة والتنظيم في الدورة الثانية والعشرين من مهرجان فاس للموسيقى الروحية؟ فباستثناء إلغاء حفل مجموعة "أويي"الغانية بسبب عدم وصول آلاتهم الموسيقية، فإن باقي الإلغاءات أو التغييرات في الأماكن على الأقل إلى حدود الساعة كان مردها للأحوال الجوية. فمنذ اليوم الأول للمهرجان شكلت التساقطات المطرية كابوسا مرعبا للمنظمين، حيث أفسدت حفل الافتتاح إذ اضطر الجمهور "النخبة"الحاضر من مغاربة وأجانب إلى الجلوس تحت المطر ومتابعة عرض شيق لا من حيث الإخراج ولا من حيث أداء شخوص عرض في إخراج فني دام لأزيد من ثلاث ساعات مزج بين الموسيقى والإضاءة والرقص مستحضرا فترات من تاريخ نساء، لعبن أدوارا طلائعية وبصمن التاريخ لتبقى أسماؤهن خالدة كل واحدة منهن في مجالها. العرض كان مبهراً، بتعابيره وإيقاعاته وتقنياته البصرية وصوره الضوئية وأغانيه و تموجاته الموسيقية، التي أبدعت في عزفها أوركسترا أعطت للتاريخ نكهته وأصالته وعبقه وعراقته. جمهور غفير من النخبة تابع العرض الفني الإبداعي مخرجه الفرنسي الذي اختار له مخرجه عنوان "سماء مليئة بالنجوم" في إشارة إلى نساء عالمات وشاعرات ومتصوفات وحوريات لمعن مثل النجوم في سماء باب الماكينة قدمت خلاله الممثلتان المغربيتان " ناديا كوندا " في دور شهرزاد الشخصية الاسطورية و" ذكرى اقلعي-" في دور دنيا زاد، حكايات عن نساء مشيدات بصمن بأعمالهن تاريخ المغرب، من ضمنهن كنزة الأوربية زوجة المولى إدريس مؤسس الدولة المغربية، والتي وحدت بين الأصل الامازيغي والعربي الإسلامي، إضافة إلى " أم البنين "، فاطمة الفهرية مؤسسة جامعة القرويين. ووقف العرض الفني، عند حكايات شاعرات ومتصوفات من " ميرا باي " الهندية الى رابعة العدوية القيسية العراقية، في حكايات جسدتها ممثلات ومغنيات وراقصات من اذريبجان وإثيوبيا ومنغوليا والصين والهند وفرنسا وايطاليا وإيران و لبنان وفلسطين، واللواتي رسمنا صورا فنية تفاعلت مع الصور المتحركة ( المابيتغ) والتي رصعت أسوار باب الماكينة التاريخي، في تناغم كبير مع إيقاعات أندلسية و افريقية و هندية. وقد شهد الفضاء التاريخي " باب المكينة " السبت الماضي حفلا موسيقيا هنديا بامتياز افتتتحته المغنية "راغيشتي داس " على اعتبار أن الهند ضيف شرف الدورة حيث استحضر العرض الفني ? " الداربار " الذي هو مناظرة موسيقية - الإرث التاريخي للهند، مجموعة من العازفين والناقرين على الآلات الايقاعية الكلاسيكية الى جانب منشدين من " جارستان " وفرقة الرقص " الكاتهاك ". وقدم أيضا خلال هذا العرض العازفان على آلة الناي "شاشان سوبرامانيام"و "راكيش شاوراسيا وصلات فنية تجسد التقاليد الهندوستانية والكارناتيكية الى جانب الأستاذ إرشاد خان العازف على آلة السوربهار"وسوميك داطا العازف على الصارود. وأتحفت هذه الوصلات الفنية التي أداها فنانون هنديون مرموقون عشاق ومحبي الموسيقى الروحية الذين ينتمون لمختلف الجنسيات والديانات. وتم خلال العرض الافتتاحي الذي أخرجه آلان فيبر تقديم العديد من اللوحات الفنية والإبداعية التي مزجت بين الأغاني والمعزوفات والرقصات مدعمة بتعبيرات فنية مستوحاة من تقنية المابينغ ( الصور الضوئية ) والإيقاعات والأنغام المتناسقة التي عزفتها أوركسترا ضخمة مما أضفى على هذا الحفل رونقا خاصا. وقد حالت التساقطات المطرية التي شهدتها مدينة فاس الأحد الماضي دون تقديم بعض الفنانين لعروضهم الفنية منهم الفنانة الفرنسية المغربية هندي زهرة والفنان المالي أومو سانكاري. وتوالت فقرات المهرجان بانطلاق حفلات ليالي المدينة حيث قدمت مجموعة ( أوفيتشينازووي ) من إيطاليا بجنان السبيل مجموعة من المقطوعات الغنائية التي تتغنى بالحب والعمل والعلاج والتي تعكس تنوع وغنى الموروث الفني للجنوب الإيطالي الذي حافظ على طابعه الرعوي والديني والدنيوي المترابط في الجوهر . وأدى أعضاء الفرقة الإيطالية رفقة ماريا ماتزروتا وماريستيلا مارتيلا لوحات فنية تمجد تقاليد أرض (سالينتو) بإيطاليا. من جهتها رددت فرقة موسيقية ضمت فنانين هنديين من كالكوتا وشيناي ومومباي وجودهبور وجيبور إلى جانب آخرين قدموا من مدن الدياسبورا الهندية كلندن ومانشيستر وتورينتو المقامات الساحرة التي تميز الموسيقى الهندية خلال حفل فني أعاد أجواء التأمل والانتشاء التي تصاحب لون (الراغا) الهندية. كما تميزت الحفلات الأولى ل "ليالي المدينة" بتقديم عرض فني عبارة عن توليفة موسيقية أصيلة أبدعها سوميك داتا بمشاركة كورماك بيرن الذي يتقن العزف على الآلات الإيقاعية وهي عبارة عن تحفة فنية تجريبية للمخرج الكبير ساتياجيت راي بمشاركة الجوق الكلاسيكي المغربي بقيادة الفنان عزيز الأشهب. وتستمر سهرات المهرجان تحت رحمة التساقطات المطرية التي تهددها بالإلغاء في أية لحظة وكأن المنظمين لم يستفيدوا من أخطاء الدورة السابقة في اختيارهم لمأماكن العرض وتهيئتها بالشكل المطلوب.