مرةً أخرى تَأْبَى الكويت إلاَّ أن تَخلقَ المفاجأة بخرجاتها "المُبهمة" وضبابية مواقفها، فبعد التأييد العربي الذي لقيه قرار المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، إثر الدعم الذي يقدمه حزب الله اللبناني الشيعي لجبهة البوليساريو الانفصالية، إذ سارعت عدد من الدول العربية إلى صياغة بيانات تضامنية رسمية معه، جاء موقف الكويت محتشماً وباردا، لا يعكس صلابة التحالف الذي يجمعها بالمملكة. وكان لافتاً أن يتأخر إعلان موقف الخارجية الكويتية بعد قرار طرد السفير الإيراني من المغرب، خاصة أن عددا من العواصم العربية كانت قد عبرت في بيانات رسمية عن موقفها مما يجري بعد مرور ساعات فقط عن القرار المغربي؛ فيما اختارت الكويت في آخر لحظة تكليف مسؤول في خارجيتها لنقل موقف الدولة، دون أن تصدر بيانا رسميا مثلما فعلت باقي الدول العربية. وكانت الكويت خلقت قبل أيام ضجة كبيرة إثر موقف سفيرها في الأممالمتحدة الملتبس حول "حق تقرير المصير للشعب الصحراوي"، قبل أن تعود لتؤكد دعمها لمغربية الصحراء ووقوفها إلى جانب الرباط في قضية وحدتها الترابية. ويبدو أن الكويت تتجه إلى الانفتاح أكثر على إيران، خاصة بعد تصريحات نائب رئيس مجلس الوزراء، صباح خالد الحمد الصباح، الذي أكد أن بلاده تسعى إلى بناء علاقة طبيعية مع إيران، وتحرص على وجود علاقات بين طهران ودول الخليج، وأن "التعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضروري باعتبارها جارًا ذا حضارة عريقة". أحمد نور الدين، الخبير في العلاقات الدولية، اعتبر أنه "لا يمكن قراءة ضبابية الموقف الكويتي بمعزل عن قرار مجلس التعاون الخليجي الأخير، الذي ندَّد بالتدخل الإيراني في المملكة، وأعرب عن تضامنه مع وحدة المغرب، بما فيه الكويت، التي لم تبدِ أي اعتراض على نقاط البيان التضامني"، وزاد: "كما أعلنت الجامعة العربية بدورها وقوفها إلى جانب المغرب في أزمته مع الجمهورية الإسلامية". وعند تحليله لأبعاد الموقف "الضبابي" للكويت من القضية الوطنية، عاد المحلل السياسي إلى سنة 2016، "عندما هاجمت الرباطالكويت بعدما لم تلتزم بموقف أغلب الدول العربية التي انسحبت من القمة العربية الإفريقية الرابعة التي احتضنتها جمهورية غينيا الاستوائية، والتي شهدت انسحاب المغرب و8 دول عربية، باستثناء الكويت ومصر وتونس، بالإضافة إلى الجزائر طبعاً، بعد وضع علم ويافطة باسم كيان تندوف الوهمي؛ وبالتالي قد تكون هذه الحادثة رداً على المملكة بطريقة غير مباشرة"، وفق تعبيره. وتابع نور الدين: "الكويت لم تستسغ حينها أن يخرج بيان عن الخارجية المغربية يندد بموقفها، علماً أنّها بررت ذلك بإلزامية حضورها القمة بوصفها رئيسة للقمة السابقة، من أجل تسليم المهام للرئاسة الجديدة. كما أن الخارجية المغربية لم تستبق الأحداث واكتفت بردّ الفعل، ما جعل الكويتوغينيا الاستوائية في حرج". وزاد المتحدث ذاته: "على الرباط أن تتجه إلى الكويت لاستعادة حصانة موقفها، وألا تتم معالجة الموضوع بالبيانات والبلاغات، وإنما بالحملات الدبلوماسية المتواصلة، لتفادي أي اختراقات محتملة من طرف الجزائر داخل الجامعة العربية". وتوقف نور الدين عند ما اعتبرها "نواقص الخارجية المغربية التي تعاني من ضعف في التواصل الدبلوماسي؛ وهو ما يظهر جلياً في تعاملها مع بعض الدول الصديقة، إذ تعتقد أن مواقفها مكتسبة سلفاً ولا تحتاج إلى التحرك تجاهها من أجل تعبئتها للدفاع عن الوحدة الوطنية والترابية للمملكة"، على حد قوله. وأكمل الأستاذ الجامعي: "مقابل جمود خارجيتنا، رأينا كيف تحركت الخارجية الجزائرية نحو عدة عواصم دولية، منها موسكو وباريس، شهرين قبل انعقاد مجلس الأمن"، وزاد: "هذا المشكل انعكس على مداخلات أعضاء مجلس الأمن التي كانت في غالبيتها تستعمل القاموس الجزائري الانفصالي، من قبيل "الحق في تقرير المصير"، واستعمال مصطلح "الشعب" المزعوم عوض التزام الحياد واستعمال مصطلح "الساكنة" مثلاً. وقد رأينا هذا مع المندوب الكويتي أيضا". وختم المحلل السياسي تصريحه بالقول: "غياب إستراتيجية شاملة ومندمجة لدى الخارجية المغربية لحسم الصراع، واكتفاؤها للأسف بمنطق تدبير الصراع، قد يلعب ضد مصالحنا الوطنية مع مرور الوقت".