ويحدث أن "تَنزل" عليَّ الكثير من الأسئلة الحمقاء كما تنزل على حكام العرب ومسؤوليهم المشاريع التافهة، والأفكار المعاقة، والملذَّات المريضة...كأن أستيقظ ذات صباح مثلا، وعوض أن أفرك النوم من عينيَّ الكسولتين وأطرده..أجدني أتساءل بتأمل فيلسوف مراهق. يا ترى كم من "براد" شايٍ شربت طوال حياتي الممتدة على ربع قرن من الزمن؟. وكم من قلم "بيك" أفرغت دمه الأزرق منذ أن ولجتُ المدرسة؟ مذ ولجت الحياة دون إذن مني...؟ أليست المدرسة هي الحياة؟. كم مرة كتبت اسمي، كاملا حينا، ومختصرا أحيانا أخرى، على الدفاتر، وفي مقدمة الكتب، وعلى سراويل الجينز الرخيصة، وعلى حيطان المدرسة وطاولاتها المنهوكة وكأنها بقايا حرب؟ في حين أنها بقايا نصب واختلاس وسلب... أكتب اسمي وكأنه علامة ماركة شهيرة... أسئلة إن تَبْدُ لكم إجابتها تسؤكم... لا تحكموا عليَّ بالسفاهة، لو تفضلتم، صبرا عليَّ، فالصبر حكمة كما تقول العرب. اصبروا علي ولو قليلا لو تفضلتم، فمازالت عندي بعض الأسئلة في جيب ذاكرتي، كأن أتساءل عن عدد المرات التي "عاكست" فيها النساء، علما أني رجل بدأ "المعاكسة" منذ زمن طويل، فأنا ممن أصيبوا –ولحسن الحظ/ لسوء الحظ- بالمراهقة المبكرة، عكس جمع غفير ممن تغزوهم المراهقة والثلج قد غطى شعرهم وهجم على لحيتهم... فيرهِقون العالم بنذالتهم وانفصاماتهم... أو أتساءل كم مرة حملقتُ طويلا في المرآة كعروس تحرس أن تفتح شهية زوجها لمعركة العمر...وغيرتُ تسريحة شعري، وابتسمت أمامها كي أرى جمال ابتسامتي، وربما بشاعتها؟. وأحيانا أخرى أتساءل عن عدد الامتحانات التي اجتزتها طوال 20 عاما من الجلوس على الطاولة حتى تآكلت جنباتي وجنباتها...؟ وعن عدد الأحلام التي رافقت كل هذه الامتحانات والأعوام.. أحلام كانت تثقل محفظتي، أكثر من ثِقل الكتب؟. كم من أستاذة كنت أنتبه وأركز على نهديها، ابتسامتها، قوامها، أكثر من تركيزي على المعرفة التي تخرج من ذلك الثغر الجميل؟. كم قلت "لا" لتلميذة تصير بجمال "ليوناردو ديكابريو ورقة براد بيت" في عينها كلما اقترب موعد الامتحان؟. ويا ترى، كم كذبت في حياتي من "نَوْبَةٍ"؟ ومتى كانت آخر مرة؟ وكم من رسالة كتبت ومزقت، أيامَ لم تكن الرسائل تنقل في أجهزة صمَّاء وتمحى بضغطة خفيفة على زر "suppr" الموجود يمين أو شمال الجهاز/الذات/ الإله... أوَ لم تصر الأجهزة الذكية آلهة القرن الحادي والعشرين...؟ أتساءل كم من المسودَّات كتبت واستغنيتُ عنها في سلة المهملات المعلقة على مشجب الذاكرة؟. كم مرة يا ترى كنت في الصلاة وأفكر في أشياء بعيدة عن الصلاة، أفكر في كل شيء عدا...الصلاة؟. كم مرة نسيت السور والآيات التي صليت بها؟ وأضفت أو حذفت من الركعات؟. كم مرة كنت أستمع إلى القرآن في هاتفي أو حاسوبي، وغيرته إلى الموسيقى أو العكس في اللحظة نفسها؟. أو أتساءل، لمَ لمْ أقل في حياتي العامرة علاقات لامرأة يوما "أحبك" "كنبغيك"، مع أن أول كذبة يتعلمها المراهق/ة وتستمر معه حتى الرجولة فالكهولة...هي هذه الكلمة مرفوقة بنظرة كاذبة، وضحكة ماكرة أيضا...؟. ولماذا لا أطيق أن تتأبَّط خليلتي ذراعي في الشارع، وأسمح لها أن تتأبط كلِّي، في زاوية قصيَّةٍ من الشارع نفسه؟. أسئلة حمقاء، أعلم ذلك، لكنها تنزل على مادتي الرمادية، كما تنزل المشاكل على الأمم التعيسة، والتي تتصدرها أمتي، خير بلاد الله، وأرض "الشرفا"، هذا ما قرأناه في درس التاريخ... تاريخهم... لا تنزعجوا لو سمحتم من سذاجة أسئلتي، فأنا أوشكت أن أنتهي منها: أتساءل، لماذا كنت عنيدا كل ذلك العناد في أن أقترف الأخطاء؟ هل كنت أحاول أن أبيِّن للشيطان بالملموس، كمّاً وكيفًا، مدى قدرتي وجدارتي على مقارعة الأخطاء والزلات...؟. وكم من مرة حلقت ذقني التي أحبها وأحرص على حلاقتها كل يومين، وكأني خليجي يملك بئرا من زمزم، عفوا...بئرا من بترول؟. أو أتساءل، لماذا أنتقد العديد من الظواهر وألبس جلباب الفقيه، و"كوستيم" عالم الاجتماع، وأحلل/انتقد/أعطي بدائل/ أفسر... في الوقت الذي كنت أنا أول من يمارس تلك الظواهر؟. كم مرة أقسمت أن أتغير وفشلت؟. ولماذا أنصح تلامذتي، أخي الأصغر ومراهقي عائلتي المُفرِّخة... بأن لا يدمنوا هذا العالم الافتراضي، وأنا أدمنه؟. لماذا أنصح بأهمية القراءة اليومية ولا أفعل؟ أهمية الأخلاق، الانضباط، المسؤولية..وأنا لست كذلك؟. لماذا يا كل العالم ننافق العالم؟. أظن أنني أشبعتكم أسئلة حمقاء، مثلي، فأسئلة المرء انعكاس له... لذلك أكتفي بهذا العدد، مذيِّلا إياها بسؤال أخير، مع أن أسئلتي لا تنهي عادة... لماذا أشارككم أسئلتي الحمقاء هذه؟.