بين الكلاسيكية والتجريب امتد مسار محمد أمين بلعربي وهو يحرص على تكوين نفسه، وتطوير مهاراته، مرتادا بلدانا من أربع قارات، ومثبتا بأن زمن اكتساب المعرفة قابل للاختزال. يستقر هذا المغربي في دبي منذ نهاية العشرية الأولى من الألفية الحالية، مفردا جهوده، الآن، للإدارة التنفيذية لشركة "فول ناين" المتخصصة في تقديم خدمات الأمن المعلوماتي لمؤسسات رائدة. تركيز كلاسيكي ولد محمد أمين بلعربي في الرباط، وبمؤسسات تعليمية خاصة عديدة تدرج تعليميا قبل أن يختار خوض غمار "العلوم الرياضية" بوصوله إلى المرحلة الثانوية. يعود بلعربي بذاكرته سنوات إلى الوراء ويقول: "ركزت انتباهي خلال الطورين الإعدادي والثانوي على دروسي التعليمية، مع ميل غير خفي نحو المواد العلمية". ويقر الشاب نفسه بإقدامه، في عدد كبير من المرات، إن لم يكن دائما، على اعتزال الناس خلال فترة التحضير للامتحانات، مبرزا أن سهر أسرته على تفوقه كان عاملا رئيسا وراء ذلك. "سكنني حلم بأن أغدو مهندسا في بلدي، وهذا واحد من بين الأحلام الكلاسيكية التي يحمل بها التلاميذ في المملكة، ولم أكن أعي بأنني مقبل على طفرة في بدايات المرحلة الثانوية". رحيل مبكر شروع بلعربي في تعلم اللغة الإنجليزية جعله يعتمد على هذه اللغة في مساعيه إلى الانفتاح على آفاق أخرى، مستعينا بالإنترنيت في مواكبة تجارب ومستجدات تغزو أركان العالم. طور محمد أمين ميوله الأنغلوسكسونية بشكل جعله يراكم معطيات عن الدراسة في بلدان كثيرة، بينها كمٌّ كبير من البيانات عن التكوين في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي قدَّم إلى مؤسسات فيها طلبات التحاق. ويقول الشاب عينه: "توقفت عن الدراسة بالمغرب قبل الوصول إلى مستوى الباكالوريا؛ إذ تمكنت من الظفر بمنحة تقدمها حكومة أوسلو للأجانب الراغبين في التعلم بالمؤسسات النرويجية". في أحضان العالم انخرط "ابن الرباط" في هجرة تعليمية قبل بلوغ ربيعه ال17، لكنه اضطر إلى استهلال التجربة بضبط كامل لإيقاع الحياة من أجل التأقلم في النرويج، بعد حياة كاملة وسط المخيال المغربي. "وجدتني واحدا من بين 200 جنسية في فضاء داخلي بالمؤسسة التي التحقت بها، وهذا حفزني على اكتشاف ثقافات متنوعة، واكتساب ملكة الانفتاح، مع تحقيق الإدراك بكون العالم قرية صغيرة فعلا"، يقول بلعربي. استغرق محمد أمين زمنا من سنتين لنيل شهادة "باكالوريا دولية" في النرويج، ثم تحرك من أقصى الشمال الغربي الأوروبي صوب جامعة نيويورك في أبوظبي، رغم قبول طلبات احتضانه في جامعات أمريكية لدراسة الاقتصاد. الخيار الإماراتي برر بلعربي تفضيله أبوظبي على "بلاد العم سام" بقوله: "حاولت الخطو بعيدا عن الكلاسيكية التي تدفع الجميع صوب الولاياتالمتحدة، بينما رصدت قدرة الإمكانيات المتاحة في الإمارات على دفعي نحو مزيد من التطور". درس الشاب المغربي ثلاث سنوات في إمارة أبوظبي قبل قضاء العام الرابع فوق التراب الأمريكي، وبعد التخرج في العلوم الاقتصادية عاد، من جديد، إلى الإمارات العربية المتحدة. وعن هذا المشوار، علق قائلا: "الدراسة في أبوظبي جعلتني أضبط طريقة الاشتغال في بلدان الخليج عموما، زيادة على الإلمام بفوائد القرب من قلب قارة آسيا، والاطلاع على نماذج اقتصادية غير معروفة في المغرب". الاقتصاد والأمن اختار محمد أمين بلعربي دخول سوق العمل اعتمادا على التشغيل الذاتي بخلق مشروع خاص به، مستفيدا من الكم الهائل من الفرص المتاحة وسط البيئة الإماراتية. قبل ما يعادل سنتين، دخل المغربي نفسه شريكا في تأسيس "VUL09" المتخصصة في الأمن الإلكتروني، وبتدرج أخذت الشركة في النمو حتى بلغت مستويات عالية. "الإمارات العربية المتحدة تشجع حمَلة الأفكار المتوخين تحقيق مبادرات عملية جيدة. ومن كان يطمح إلى تنفيذ ما يخطر بباله، فإن الطريق أمامه سالكة بهذا البلد"، يصرح بلعربي. ويواصل محمد أمين: "لم أكن على علم بوجود ما يسمى الأمن الإلكتروني، لكن عزيمة النجاح والاستعانة بفريق خبير أتاحا البصم على نتائج فوق ما كنت أتصور". بصفته مديرا تنفيذيا ل"فول ناين"، يهتم بلعربي ب"شِقّ الأعمال" في الشركة، مفردا جهوده لتطوير العلاقات مع الزبناء والتواصل مع المستثمرين، إضافة إلى الإشراف على ضبط المعاملات القانونية بكل تشعباتها. نظرة إلى الماضي مجلة "فوربس الشرق الأوسط" خصصت غلافها للاحتفاء ب"VUL09" وما حققته في مجال الأمن الإلكتروني ببلدان الخليج، معرّفة بالمؤسسة وأنشطتها والواقفين وراءها. "هذا الخيار أبرز أن إدارة مشاريع متميزة أمر غير مرتبط بالتقدم في العمر، مثلما كان تكريما لروح المبادرة الشبابية التي تستحضر في أدائها قسطا وافرا من الجدية"، يعلق المستثمر المغربي. أما بخصوص مساره، فإن محمد أمين بلعربي يرى أن تقييمه يكون بالنظر إلى الماضي، مشددا على أن المقارنة بالمستقبل تبقى غير ممكنة، مفسرا بالقول: "الدراسة في النرويج كانت خيارا صائبا، وكذلك كان الاستقرار في الإمارات". مناهضة التنميط بناء على تجربته التي استوفت 8 سنوات في البيئة الإماراتية، يقول بلعربي: "اللجوء إلى الهجرة ينبغي أن ينأى عن التنميط، والمهاجرون المغاربة مدعوون إلى البحث عن إمكانيات تسند أفكارهم وإبداعهم في التقنيات". كما يعتبر المنتمي إلى شريحة "مغاربة العالم" أن دولا كثيرة تبحث عن أشخاص بمهارات خاصة، يزخر المغرب بعدد كبير منهم، وهذا يستدعي من مهاجري اليوم والغد الانخراط في بحث دؤوب من أجل اقتناص ما هو متاح وإبراز مواهبهم. ويشدد محمد أمين على ضرورة إمساك الناس بزمام قراراتهم حين تسطير خطاهم، لا أن يتركوا غيرهم يحسم بالكامل في المستقبل، ويختم قائلا: "المغاربة المقبلون على الهجرة يحتاجون تسطير مسارات هادفة من البداية، مع معرفة كل فرد بما يميزه بنية الاستثمار في ذلك".