استثمر محمد زكرياء الخديم اهتمامه المبكر بالمعلوميات وتطويراتها من أجل شق مساره نحو مراتب مادية واجتماعية أرقى، إلى أن بلغت تجربته محطة الاستقرار في دولة الإمارات العربية المتحدة. الشاب ذاته، المفرد جهوده حاليا لشركة متخصصة في الأمن المعلوماتي، يلوح مثالا صارخا للمثابرة والاعتماد على الذات، مع تغييب كل صنوف المثبطات، في سبيل تحقيق أحلام اختمرت على مدى سنوات. سيدي قاسم يقوم محمد إنه كان مواظبا على التأخر في الولوج إلى فراشه، ما جعله معتادا على تأنيبات والديه وهما يطالبانه بالخلود إلى الراحة كي يستطيع التركيز في أشواط الدراسة. ويزيد الخديم أن استقراره في مدينة سيدي قاسم، التي رأى فيها النور وكبر بين أرجائها، كان ملازما للحاسوب طوال الوقت، بإقبال على الإنترنيت لتوسيع المدارك في المعلوميات. اعتزل محمد زكرياء اللعب في الأزقة وهو ينهل من علم البرمجة في ربيعه 15، بينما اختار الحصول على باكالوريا تقنية عند وصوله المرحلة التعليمية الثانوية، بمؤسسة "الأمير مولاي عبد الله". خسارة الأسْتذَة حصل الشاب ذاته على شهادة الباكالوريا في شعبة العلوم والتكنولوجيات الكهربائية، ثم ولج المدرسة العليا للأساتذة، محاولا الانخراط في العمل من بوابة التأطير التعليمي بصفة مدرس. "كنت أحصل على نقط جيدة خلال مرحلة التكوين في المدرسة، لكن هذا المشوار انقطع في منتصفه، أو بالأحرى تم اتخاذ طردي من هذه المؤسسة"، يسرد الخديم وابتسامة تعلو وجهه. انخرط "ابن سيدي قاسم" في التعليم العالي لنيل الإجازة في الرياضيات والمعلوميات من جامعة ابن طفيل، بمدينة القنيطرة، ثم قرر الرجوع إلى ميوله الأولى بالتركيز على النظم المعلوماتية وفق مقاربة تميل إلى العصامية. انفتاح مبكر "التواجد على الإنترنيت جعلني أتعرف على أناس عديدين من داخل المغرب، كما أتاح لي الانتماء إلى مجتمعات افتراضية أغلب أفرادها من الخارج"، يكشف المولوع بالتكنولوجيات الحديثة. رصد الخديم ميله إلى "الأمن المعلوماتي" خلال قيامه بهذا التعاطي، فأفرد كل وقته لضبط هذا الميدان الرقمي المعقد، ساعيا إلى مواكبة كل مستجدات النت للوصول إلى طريقته الخاصة في التعامل مع "الشبكة العنكبوتية". هذا الانفتاح دفع محمد إلى رصد فرص متاحة أمامه مستقبلا بعدد من الدول التي تمنح تقديرا كبيرا للفاعلين في ميدان تأمين المعاملات الإلكترونية، إلى أن اتخذ قرار التحرك صوب إمارة دبي. في الإمارات يرى محمد زكرياء أن التموقع في الإمارات يجعله وسط فضاء نشيط رقميا يحتاج حماية لأدائه، وبالتالي المشاركة في تأسيس شركة تقدم خدمات "تأمين معلومياتي" للزبناء الراغبين في ذلك. يعلن المغربي نفسه أنه مهد للهجرة بأسفار من خلال برنامج "سفراء غوغل بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، ومنها تنقلات قادته للتعرف على أبوظبيودبي في الإمارات العربية المتحدة. "البنية المجتمعية في هذا البلد تثق في الموهبة والخبرة والكفاءة، غير مولية اهتماما للأشكال والأعمار وغيرها من المظاهر، لذلك قررت المراهنة على الحضور في الإمارات لتحقيق أحلامي"، يعلق الخديم. VUL09 لاقى محمد زكرياء، بمعية شريكه في مشروع "فول 09" محمد أمين بلعربي، صعوبات مالية في المرحلة التأسيسية لتقديم خدمات "الأمن المعلومياتي"، ما حذا به إلى التركيز على السبل الكفيلة بجلب صفقات للشركة. استراتيجية الانطلاق ب"VUL09" ارتبطت بالتعامل مع الشركات الكبرى الحاضرة على الإنترنيت بعد العثور على ثغرات في الحمايات التي كانت تتوفر عليها، حيث يتم التواصل مع هذه المؤسسات لعرض خدمات تأمين أرقى. تسارع اسم الخديم في النمو، بناء على ثقة مستثمرين كبار على الشبكة العنكبوتية في ما يقوم به من اجتهادات غير مسبوقة، ليجلب إلى شركته حزمة من التعاقدات التي وضعتها في الريادة، أبرزها مع "سوق" و"كريم" و"أراميكس". قرصنة نبيلة عن طبيعة الاشتغال يقول الخديم: "نقرصن الشركات حتى لا نمكن أحدا غيرنا من قرصنتها، أي أننا نحدد الثغرات المعلوماتية ثم نساعد الفرق التقنية لهذه الشركات كي تغلقها". ويردف الخبير الإلكتروني نفسه: "الأداء ينصب على معرفة الأسباب الكامنة وراء وجود هذه الثغرات، حتى يتم تجنبها مستقبلا، ثم العمل على محو آثارها كي لا تستغل من طرف قراصنة آخرين". يشدد محمد على أن هدف "فول 09" الأساس هو تحسين مستوى تأمين الأنظمة المعلوماتية، بالموازاة مع تنظيم دورات تكوينية تقنية للمبرمجين من الشركات المتعاقد معها. وصلت القيمة المالية للاستثمار، الذي يشارك فيه محمد زكرياء القديم، إلى 3,5 ملايين دولار، مع استمرار النمو المستقطب لراغبين آخرين في ضخ أموالهم في "VUL09". يكشف المهاجر المغربي أن التفكير منصب في شركته على القادم من الأعوام كي تكون نظاما مناعاتيا إلكترونيا لمنطقة الخليج خصوصا، والشرق الأوسط عموما، دون إغفال استقطاب "الهاكرز الأخلاقيين" إلى المؤسسة. وصفة غائبة يأسف المنتمي إلى فئة "مغاربة العالم" على عدم وجود وصفة سحرية توصل كل أبناء وطنه إلى النجاحات التي يبتغونها، ويواصل: "مقابل ذلك ينبغي عدم الاقتصار على التمني والإقبال على العمل الجاد". يرتكز محمد على تجربته الشخصية كي ينصح الطامحين إلى توسيع آفاقهم في الهجرة باللجوء إلى استراتيجيات ذكية، كما يشدد على ضرورة التحلي بمخزون من الصبر أمام كل المعيقات التي يجابهها البادئون مساراتهم. "روح المبادرة لن تكفي إذا لم يتواجد الحرص على إعطاء قيمة مضافة لها، كما أن النظر إلى النماذج الناجحة عبر العالم من شأنه أن يغيب ثقافة التباكي ويولد العزم الشديد الذي لا يعرف المستحيل"، يختم محمد زكرياء الخديم.