لم يكن أيّ من أقارب ريم الأنصاري ومعارفها يتوقع أن تتحول "بنت لفشُوش"، المعتادة إحاطتها بعناية مفرطة من قِبَل والديْها، إلى اسم لامع في مجال الفندقة على المستوى الدولي، إلى أن تمكنت ابنة الدارالبيضاء من مفاجأة كل هؤلاء بمسارها بين فرنساوأمريكاوالبحرين. "كنت دائمة الاعتماد على والديّ في حل المشاكل التي أواجهها، سواء داخل المغرب أو في أوروبا، إلى أن جاء الوقت الذي اخترتُ فيه خوض التجربة الأمريكية"، تقول الأنصاري؛ ثم تردف: "الوضع جاء مغايرا وراء مياه المحيط التي تفصل الولاياتالمتحدة عن المملكة، واعتمدتُ على نفسي لتحقيق قفزة شخصية ومهنية كبيرة في فترة وجيزة". أسلوب فرنسي أول هواء دخل رئتيها كان من جو الدارالبيضاء، بينما التعليم الذي تلقته في طفولتها أتى فرنسيا، في مؤسسة "موليير" المجاورة للمركز الثقافي الفرنسي بالعاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية، ثم حصدت باكالوريا من ثانوية "ليوطي" المستقرة بالمدينة نفسها التي ترعرعت وسطها. الدرب الدراسي الذي سارت عليه ريم الأنصاري، ابتدائيا وإعداديا وثانويا في المغرب، أتاح لها إمكانية النهل من التعليم العالي فوق التراب الفرنسي؛ فالتحقت بجامعة "سوربون" الباريسية لضبط قواعد "إدارة الأعمال" بناء على التنظير الأكاديمي، واستمر ذلك طيلة 4 سنوات. "لم أواجه أي مشكل في الاندماج بداية تجربتي في الهجرة. القرب الجغرافي من وطني الأم ساعدني على قصد المغرب مرة كل شهر، وكوني مغربية تلقت تكوينا فرنسيا في الدارالبيضاء سهل الأمر علي كثيرا، زيادة على وعيي بالبيئة الأوروبية بفعل زيارات كثيرة قمت بها إلى بلدان هذه القارة وأنا تلميذة"، تعلق الأنصاري على هذه المرحلة. إبهار أمريكي بعد حصولها على الإجازة من جامعة "باريس سوربون"، اختارت الشابة المغربية "بلاد العم سام" وجهة لقضاء عطلتها، فحزمت حقائبها كي تحل ضيفة على صديقة لها في واشنطن، كاسرة بذلك اعتيادها على قصد وجهات أوروبية خلال العطل السابقة، دون أن تعلم بأن رحلة عبورها المحيط الأطلسي جوّا تجعلها سائرة إلى تجربة جديدة تقلب حياتها رأسا على عقب. "انبهرت بالعقلية الأمريكية وإيقاع الحياة في الولاياتالمتحدة، لذلك لم استغرق وقتا طويلا في التفكير قبل أن أخلص إلى تشبثي بالاستقرار في هذا العالم الجديد بالنسبة إلي"، تورد ريم.. "اتصلت بأسرتي كي أخبرها بما جرى، وأني سأعتمد على نفسي بالكامل لبناء حياة جديدة في أمريكا، فشجعني والداي على المبادرة دون كثير من الإيمان بإمكانية نجاحي"، تردف المتحدثة. عطلة دائمة كبرت ريم الأنصاري في مدينة الدارالبيضاء وهي تصغي إلى أحاديث أمها وأبيها حول المال والأعمال.. فالاثنان متصلان بعوالم "البيزنس" الخاصة بمواد التجميل وصناعة النسيج، على التوالي.. وذاكرتها لا تزال تخزن كثيرا من جدلهما حول نجاعة بعض النماذج الاقتصادية وفشل أخرى، وسيادة "لغة الأرقام" في كلامهما المتطرق إلى طرق التسيير وحلول الإشكالات. لذلك، اختارت ريم إطلاق دراستها الجامعية بباريس، من خلال بوابة إدارة الأعمال. وفي استحضار للماضي الطفولي نفسه، تقول المهاجرة المغربية: "لديّ أخوال يعملون في مؤسسات للإيواء السياحي بمدينة مراكش؛ في صغري كنت أرى أبناءهم يقيمون في فنادق، ولم يكن هذا يعني لي، حينها، إلاّ أنهم يستفيدون من عطلة دائمة"، تضحك ريم الأنصاري ثم تسترسل: "أردت أن أغدو مستخدمة في فندق حتى أسكنه وأصبح مثلهم". متأثرة بهذه الذكريات التي تعود إلى عقدين مضيا، أعادت الأنصاري الإقبال على دراسة عامة لإدارة الأعمال في واشنطن، وبعد إنهائها هذا التكوين في 4 سنوات مرت إلى "ماستر" متخصص في الفندقة.. وكأنها تبحث عن "العطلة الدائمة" التي تسكن مخيالها آبية الرحيل. "بنْت الفْشُوش" فارقت ريم الأنصاري "بنت الفشوش"، كما تصف نفسها بنفسها، وهي تنخرط في العمل من أجل الوفاء بالتزاماتها في الولاياتالمتحدةالأمريكية. وتقول إنها كانت تعتمد على والديها من أجل حل مشاكلها في المغرب وفرنسا، موقنة بأن مهاتفتهما كفيلة بتحريكهما من أجل التدخل لصالحها وإعادة الأمور إلى نصابها؛ لكن الوضع تغير في واشنطن بتحملها مسؤولياتها والاعتماد على مردوديتها وحدها. حرصت الشابة البيضاوية على المزاوجة بين الدراسة، من جهة، والعمل في مطعم، من جهة ثانية.. "كنت أقوم بجمع الأطباق ومخلفات الوجبات من الموائد، ثم أخذت في نقل الأكل من المطعم إلى من يقدمونه للزبناء، ثم ترقيت إلى نادلة. الدراسة في أمريكا تتطلب مصاريف كثيرة، وقد عملت ثلاث سنوات دون الاستفادة من أي عطلة حتى أتجنب الاقتراض وأضمن الوفاء بالتزاماتي المالية"، تعلق على هذه الفترة. وتضيف الأنصاري: "كان حظي جيدا وأنا ألتقي في المطعم الذي أشتغل فيه برئيس فنادق Ritz-Carllton عبر العالم، وكان ذلك قبل أسبوع واحد من نيل ماستر الفندقة.. حين علم بكوني مغربية عرض علي الالتحاق بالمؤسسة، خاصة أنها برمجت افتتاحا قريبا ل3 منشآت خاصة بها في المملكة؛ فكان ذلك". عقب ساعات تخرجها؛ التحقت الشابة المغربية ب"ريتز-كارلتون" في واشنطن، وفيه وضعت مشرفة على خدمات مطعمه، وغدت مديرة للمطعم ذاته بعد 6 أشهر من ذلك، وعند استيفاء سنة من الأقدمية التحقت بفندق "بل هاربر" مع افتتاحه في ميامي، وكانت مهمتها تحمل مسؤولية خدمة الإطعام بالمنشأة الضخمة.. عقب مرور سنة ونصف السنة من وجودها في ميامي طلبت من الأنصاري المساعدة في أجرأة مخطط يروم تحسين أداءات Ritz-Carllton بكل من نيويورك سانتربارك وكولورادو وفيلاديلفيا. العرض البحريني "التنقل إلى مملكة البحرين جاء بمحض صدفة، فقد كان شهر رمضان قريبا حين اتصل بي المدير العام لريتز- كارتون في المنامة عارضا إدارة خيمة رمضان"، تسرد ريم الأنصاري، ثم واصلت: "استحضرت إيقاعي الأمريكي وحاجة المؤسسة التي أعمل فيها إلى خدماتي، وقد اعتذرت عن قصد الخليج؛ لكن المسؤول نفسه أعاد الاتصال بي، بعد أيام قليلة معدلا الطلب عن طريق ربطه بخدمات الإيواء، وذكر إمكانية وضعي نائبة للمدير العام في الفندق البحريني.. فوافقت على خوض التجربة". تستقر الأنصاري حاليا في المنامة، متحملة مسؤولية 13 مصلحة في Ritz-Carllton بالعاصمة البحرينية، أكبرها تهتم بإرضاء 5000 زبون من نادي الأعضاء في المنشأة، الأكبر في كل بلدان الخليج العربي، وجعل التعامل معهم يسهل ولوجهم إلى الشاطئ والمسابح والملاعب والقاعات الرياضية. وتكشف ريم الأنصاري التزامها المهني الحالي بقولها: "من بين مهامي الكبرى، أذكر الإشراف على الإيواء في الغرف والفيلات، وأيضا ضمان الأمن في الفندق الضخم بضبط مردود 130 عنصرا مؤهلا، ثم مراقبة مستوى أداء المتاجر المتصلة بالفندق". وتدقق ابنة الدارالبيضاء المستقرة في المنامة: "ليس الأمر هينا، خاصة أن الفندق الذي أتولى منصب نائبة مديره العام يستقبل ضيوفا من كبار الشخصيات العالمية، بوتيرة دائمة؛ بينهم ملوك ورؤساء، يتنقلون إلى مملكتي البحرين والعربية السعودية". كل شيء ممكن ترى المراكمة تجارب هجرة إلى فرنساوأمريكاوالبحرين، استنادا على مسارها، أن تحقيق الاندماج في بلدان الاستقبال يطالب الراغبين في الالتحاق بصفوف مغاربة العالم الوعي بصعوبات تنتظر مواجهتها بالقوة والإصرار المناسبين. "حياتي في فرنسا كانت سهلة، بفضل دعم أسرتي وتكويني المدرسي؛ لكن العيش في الولاياتالمتحدة لاح صعبا جدا في بدايته، متأثرا بضعف ضبطي للتواصل باللغة الإنجليزية، على الخصوص، وتطلب مني شهورا من تعلم إتقان لسان الأمريكيين"، تذكر ريم. وتضيف: المهاجرون مطالبون بإبقاء شعلة الأمل تضيء مساراتهم خارج المغرب، ينبغي أن يطوروا أنفسهم باستمرار، وأن يواظبوا على التعلم لتحقيق ضبط المهارات في محيطهم الجديد، بلا إغفال لأهمية الانفتاح على المستجدات، والوعي بأن الأوقات الصعبة تستلزم الثبات على الأهداف، ووضع مخططات لكل التحركات المهنية، وأيضا البحث النصح من الحكماء في صفوف الأهل والأصدقاء". بعدما أبدت إعجابها بالاشتغال في مملكة البحرين، وتأكيدها على أنها لم تلق من البحرينيين غير الاحترام التام، بعيدا عن الصور النمطية الملتصقة بشريحة من النساء في الخليج، تعلن ريم الأنصاري عن سرورها بما حققته إلى غاية الحين، وتشدد: "قبل 5 سنوات وبضع شهور، كنت أجمع الأطباق من موائد مطعم في واشنطن، وأطمح دائما إلى التطور، راغبة في التحول إلى مديرة عامة للفندق الذي أعمل فيه الآن بحاضرة المنامة، ومتمنية العودة إلى المغرب للعمل في فنادق المجموعة نفسها التي ستفتتح بالمملكة.. كل شيء ممكن!". وتختم المغربية المقيمة في مملكة البحرين بوحها ب: "بالرغم من الاستفادة من حزمة امتيازات كبيرة جدا خلال تجوالي في عدد من بلدان الخارج، فإن المغرب، وطني الأم، يبقى موجودا في مكانة خاصة لدي، ويحتل وضعا اعتباريا في القلب والعقل، وأبقى واحدة من المغاربة الذين يطمحون إلى خدمة المملكة بكل ما راكمته مهنيا".