طوال عشرة أيام، كان الباحثون عن عناوين أدبية وعلمية ودينية وتاريخية وغيرها على موعد مع الدورة ال24 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء. من كل مكان، يتوافد الزوار، صغارا وكبارا؛ لكن الشهادات المستقاة ترسم صورة أخرى عن واقع المبيعات، وتزكي تفاقم أزمة القراءة وتدني مستواها. إقبال كثير ومبيعات أقل ! قبل أن تلج البوابة الرئيسية، تخال نفسك أمام مهرجان خاص بالأطفال. عشرات السيارات التابعة للمؤسسات التعليمية الخاصة والحافلات القادمة من كل حدب وصوب، متوقفة أمامه. جلبة وضوضاء كبيرة تجعلك تفكر في تأجيل الزيارة إلى موعد لاحق. لا يقتصر الحال فقط على الأطفال، مراهقون ومراهقات حوّلوا أروقة المعرض الدولي للنشر والكتاب إلى فضاء لالتقاط "السيلفيات"، بعيدا عن الهدف الكبير للمنظمين بتشجيع القراءة وتسهيل الوصول إلى بعض العناوين. الشاعرة لبنى المانوزي، بالرغم من تقبلها لتوافد التلاميذ على المعرض، معتبرة إياه فرصة لاطلاعهم على الشعر والرواية والقصص وتشجيعا لهم على المطالعة، فإنها سجلت تراجعا في قراء الشعر والقراءة بصفة عامة. وأكدت الشاعرة، في حديثها لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "هناك تراجعا في القراءة بسبب الأنترنيت والشبكات الاجتماعية؛ ولكن هذا لا يعني أن نفقد الأمل، فهناك تلاميذ يزورون الأروقة، ودورنا أن نقرب الشعر والأدب منهم". ولفتت المتحدثة نفسها إلى أن الأنترنيت "أسهم في ضعف من المبيعات وأثّر بشكل كبير في ترويج الكتب؛ لكن يمكن أن نعتبر توجه القراء صوب "البي دي إف" للقراءة أمرا جيدا". من جهته، اعتبر علي هشام، مسؤول عن رواق اتحاد كتاب المغرب، أن "الإقبال ضعيف مقارنة مع السنوات الماضية"، مبررا ذلك بغياب إصدارات جديدة خصوصا لدى الكتاب المغاربة. وأشار المتحدث نفسه إلى أن سوق القراءة يعرف ركودا؛ "فالمغاربة لا يقرؤون كثيرا، باستثناء الطبقة المثقفة"، مشيرا إلى أنه حتى حدود يوم الخميس الماضي لم يتم بيع سوى 60 كتابا. وسجل المسؤول عن المبيعات في هذا الرواق أن "ضعف المبيعات هذه السنة مقارنة مع السنة الماضية التي كانت خلالها المبيعات مرتفعة، ونحن الآن لم نسجل حتى نسبة 25% من النسبة المسجلة في الدورة السابقة". دعامة للكتاب أمام هذه النظرة السوداوية التي رسمها بعض مسؤولي دور النشر الذين تحدثنا إليهم والذين رفضوا الظهور بوجه مكشوف مخافة تعرضهم للإقصاء من الحضور السنة المقبلة، يرى أحد الشبان أنه وجد ضالته بمعرض الكتاب. وأضاف المتحدث نفسه أنه ظل يفتش عن بعض العناوين؛ غير أنه عثر عليها بعد زيارته للمعرض الدولي للكتاب والنشر بالدار البيضاء، فيما أكد طالب جامعي أن هذا الموعد هو متنفس للطالب الذي يجد ضالته فيه. من جهته، اعتبر الباحث عبد الصمد بلكبير أن هذا التقليد للاحتفاء وتعريف بالكتاب "شيء محمود، بالرغم من تأخر المغرب فيه"، مضيفا أن "المعرض شيء إيجابي، خصوصا للكتاب الذي يعتبر مهمشا والإقبال عليه ضعيف والدعاية له منعدمة والمدرسة لا تشجع عليه، وبالتالي هو مناسبة لاستدراك هذا النقص". وأوضح بلكبير، في حديثه لهسبريس، أن المعرض "مناسبة للتعريف بالكتاب، ولقاء الكاتب المغربي بغيره، وتعاون الناشرين فيما بينهم، واستقدام التلاميذ والطلبة، وبالتالي هناك جمهور حتى ولو لم تكن له إمكانية الشراء فهو سيطلع على العناوين والإصدارات الجديدة". المعرض لن يحل أزمة القراءة بالرغم كون المعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، تخصص له ميزانية تقدر بحوالي 5 ملايير سنتيم، فإن الوزارة الوصية على قطاع الثقافة تنظر إليه كحدث ثقافي وليس وسيلة لحل أزمة القراءة. حسن الوزاني، مدير المعرض الدولي للكتاب، اعتبر، في حديثه لجريدة هسبريس، أنه وجب النظر إلى هذا الحدث "في حجمه الطبيعي كحدث ثقافي، فالمعرض يعد أكبر حدث ثقافي في المغرب، ويوفر مساحة للنقاش"، مضيفا أنه "لا يحل مشكل القراءة، وإنما قد يحفز القراء على ذلك؛ فهناك عدد ضخم من الأطفال الذين يلمسون الكتاب لأول مرة وهو أمر مهم". وأوضح مدير مديرية الكتاب بوزارة الثقافة أن "حل مشكل القراءة أكبر من ذلك ويتم عبر تحديث شبكة القراءة، حيث تعمل الوزارة على إنشاء نقط القراءة في عدة مناطق قروية، لذا فإن المعرض لا يمكن تحميله حجما أكبر من حجمه". وفي الوقت الذي تحدث فيه بعض الناشرين عن انخفاض المبيعات، بسبب غياب قراء، لم يكشف الوزاني في تصريحه عن عدد الكتب التي تم بيعها، مرجعا ذلك إلى عدم موافاة الناشرين للوزارة بذلك. وقال في هذا الصدد: "لقد أدمجنا ضمن دفتر تحملات المعرض ضرورة موافاتنا كل يوم بأرقام المبيعات؛ لأنه أمر مهم، حيث يمكننا معرفة حاجيات القراء. للأسف الناشرون لم يلتزموا بذلك، وقد نلجأ السنة المقبلة إلى تفعيل القانون الزجري". وأردف المتحدث نفسه أن المبيعات تبقى بشكل عام مهمة "من خلال مقارنتنا ما يدخل للمعرض وما يخرج في نهايته، ونؤكد أن هناك مبيعات على مستوى مختلف أنماط المعرفة ومجالاتها: الدين والأدب والأطفال". وبخصوص الأثمنة التي يشتكي منها بعض القراء، اعتبر الوزاني أن "الناشرين من المفروض أن يقوموا بتخفيضها، بالرغم من كونهم غير ملزمين بذلك؛ لكن، في جميع الأحوال، أظن أن هناك عرضا متعددا يستجيب لمختلف القدرات الشرائية الخاصة بالزوار". وعرف المعرض، طوال تسعة أيام، مشاركة 700 عارض مباشر وغير مباشر ينتمون إلى 45 بلدا من المغرب والعالم العربي والبلدان الإفريقية والأوروبية والأمريكية؛ فيما تجاوز عدد العناوين المعروضة فيه 125 ألف عنوان. وشارك في هذه الدورة الرابعة والعشرين، التي كانت مصر ضيف شرف فيها، حوالي 350 متدخلا من الباحثين والمبدعين من المغرب وخارجه، مع تنظيم 14 نشاطا في اليوم.