اعتبر محمد مجاهد الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد في حوار لأسبوعية "المشعل" أن اجتماع المجلس الوطني القادم لحزبه هو الذي سيتخذ قرار المشاركة من عدمها في الانتخابات القادمة، وأكد الأمين العام لحزب الاشتراكي الموحد أنه إلى جانب حلفائه لن يزكي الممارسات السياسية التي أعادت البلاد إلى نقطة الصفر، وتحدث عن تصوره للربيع الديمقراطي ومهام قوى اليسار وضرورة الانتقال السلمي الديمقراطي نحو الملكية البرلمانية وتجاوز حالات البلوكاج السياسي الذي عرفه المغرب منذ 2002، مستحضرا متغيرات الواقع السياسي بفضل الدينامية الاجتماعية التي خلقتها حركة 20 فبراير. - مع اقتراب عقد حزبكم اجتماعا للمجلس الوطني لتحديد موقفه من الانتخابات، يبدو أن كل المؤشرات تذهب إلى أن الحزب الاشتراكي الموحد سائر نحو مقاطعة الانتخابات، كما يظهر بأن هناك شبه إعداد قبلي للمناضلين والرأي العام بمقاطعة حزبكم للاستحقاقات القادمة ؟ أولا اجتماع المجلس الوطني القادم سيتضمن جدول أعماله ثلاث نقط، الأولى تهم حركة 20 فبراير وتقييم مسارها ودور القوى الديمقراطية وتحالف اليسار الديمقراطي داخل الحراك الشعبي الذي عرفه المغرب بعد 20 فبراير، ثانيا مسألة الانتخابات وموقف الحزب منها، ثالثا تحديد وقت مؤتمر الحزب. فيما يخص سؤالك حول الانتخابات، فالمجلس الوطني السابق أصدر بياناً حدد فيه تصور الحزب ومنظوره حول نزاهة الانتخابات وطرح مجموعة من النقط، في مقدمتها إشراف لجنة مستقلة على الانتخابات، ووضع لوائح انتخابية جديدة على قاعدة البطاقة الوطنية وليس التسجيل في قائمة اللوائح، لأن هناك ثمانية ملايين من المغاربة مقصيون من ممارسة حقهم الانتخابي، ثالثا إيجاد مناخ للإصلاح سواء الذي يهم محاربة الفساد، أو الحق في الإعلام والحق في التظاهر وحقوق الإنسان عموما... ومجموعة من القضايا التي تعطي الثقة بأننا بالفعل ندخل في منطق الإصلاح، رابعا إيجاد الوقت الكافي لنقاش الأحزاب للقوانين الانتخابية. من خلال المؤشرات الموجودة الآن نحس أن ما طرحه الحزب من شروط سياسية وقانونية لم يتم التفاعل الإيجابي معه، وهناك إرادة للتحكم و الهيمنة والتسرع وفرض الأمر الواقع، فالمجلس الوطني سيتدارس كل هاته المستجدات، فالانتخابات غير مطروحة كنقطة مفصولة عن المرحلة الجديدة بل الموقف منها سيكون متلازما مع الخط السياسي للحزب في مرحلة ما بعد حركة 20 فبراير، فجميع هذه القضايا سيتدارسها المجلس الوطني وسيأخذ الموقف المناسب منها. - المُسَتشَفّ أن القرار المنطقي الذين تسيرون فيه هو عدم مشاركة حزبكم في هذه الاستحقاقات؟ أنا كأمين عام للحزب لا يمكن أن أستنتج قراراً لم يُتخذ بعد في الهيأة المخول لها اتخاذه، أثق في ذكائك كصحافي وأحترم استنتاجاتك، لكني كأمين عام للحزب لا يمكنني أن أتخذ قرارا لم تتخذه بعد الهيأة الحزبية المكلفة باتخاذ مثل هاته القرارات. - السياسة دائما هي فن الممكن، والسياسة تلعب في ملعب خاص يراعي ظروف واقع المجتمع بكل إكراهاته ولا تُتَّخذ في الذهن، وبذلك نمارس السياسة بأخذ واقع المجتمع المغربي بعين الإعتبار، هذا المجتمع الذي توجد فيه معيقات كثيرة كطبيعة المشهد الحزبي والسياسي، وعي المواطنين، الثقل التاريخي للسلطة السياسية وطبيعتها.. مختلف الهيئات السياسية اليسارية سواء على عهد منظمة العمل الديمقراطي الشعبي أو في زمن الاتحاد الاشتراكي على عهد المهدي بنبركة أو الراحل بوعبيد، كانت دوما تتخذ من المشاركة في الانتخابات فرصة للتعبير عن مواقف الحزب واستقطاب نخب جديدة، رغم غياب شروط النزاهة؟ نحن نناقش موضوع الانتخابات بناء على معطيين أساسيين على الأقل، الأول هو أن المغرب منذ 1975 حين ابتدأ بالعملية الانتخابية في ظل ما سمي ب "المسلسل الديمقراطي"، مرورا ب 1996- 1998 والتي سُميت بالانتقال الديمقراطي، ومرورا بسنة 2002 حين تم تنصيب حكومة يترأسها تقنوقراطي، وصولا إلى سنة 2007، التي عمليا عدنا فيها إلى نقطة الصفر، وذلك بتشكيل حزب إداري جديد وهو عنوان مشروع تحكمي كان يريد أن يقودنا إلى النموذج التونسي، هذا واضح، إنه عمل على إعادة هيكلة الأحزاب الإدارية ولجأ إلى كل الوسائل التقليدية من وسائل الإغراء وأساليب الاحتواء، بالنسبة للأحزاب التي لها قرارها المستقل والدفع بها إلى الهامش، هذا هو المنطق الذي ساد كلا من تونس ومصر.. بمعنى أن هذا النقاش بدأ واقعيا في 2007، على اعتبار أننا في هذه السنة أصبحنا أمام عائق سياسي (بلوكاج سياسي)، حيث إن العملية السياسية لم تفتح آفاقاً وأعادتنا إلى بداية الإنطلاقة. والعامل الثاني هو ما وقع في العالم العربي وليس في المغرب فقط، يجب أن نفهم أن الثورات العربية التي نجحت لم تأت من العمل بالمؤسسات، بمعنى أن العالم العربي عموما والمغرب على الخصوص كان يشهد ديناميتين، دينامية العملية السياسية الرسمية التي تبين فيما بعد أنها سطحية ومصطنعة ومغشوشة ومزورة وغير مقنعة للشعوب، وبدأت دينامية ثانية تتطور في عمق المجتمع حتى انفجر الوضع، فهذه الدينامية لم تأت فجأة بل عبر تراكم ومخاض طويل داخل تلك الشعوب، فنحن لا نناقش ما وقع في 1963 أو 1975 أو حتى 2002... بل نحن نناقش الأمر بعد ما وقع زلزال بحجم ما وقع في الثورة الفرنسية، فهذا الزلزال بالنسبة لنا حد فاصل للشعوب العربية والمغرب جزء منها، لأنه فتح آفاقاً جديدة للتغيير الديمقراطي، وهي النضال الشعبي بقيادة الشباب وبمساندة كل الفئات الشعبية، عن طريق التظاهر وعن طريق طرح ملف الإصلاحات وإسقاط الفساد والمطالبة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية، لذلك أنا لا أتفق مع المقاربة التقليدية في نقاش الممكن، بل نحن نناقش بناء على أن العملية السياسية الحالية استنفذت مهامها ووصلت إلى نهايتها وأعادتنا إلى نقطة الصفر، فهي لم تعد تستقطب المواطنين ولا تقنع أحداً، فحتى وإن أخذنا الإحصائيات الرسمية في آخر مشاركة في العملية الانتخابية ف 37 المائة التي كانت مسجلة كنسبة للكتلة الناخبة قبل ظهور هذه البراكين في الشوارع العربية، ثمانية ملايين لم تشارك، مليون صوت ملغى بمعنى أننا كنا أمام أقل من 20 في المائة فقط من المشاركين، وهو ما يعني أننا سواء شاركنا أم لم نشارك، فالعملية السياسية بشكلها الحالي أصبحت على هامش المجتمع، هذا واقع لا يمكن إنكاره. - يبدو أن خطابكم مغر لي حتى أكاد أقول لكم: سيدي أعطني بطاقة الإنتماء إلى حزبكم وأنا أقول لك مرحباً بك من الآن، فالحزب مفتوح. - لكن ليس كل ما هو عقلاني واقعي، كما أنه ليس كل ما هو واقعي عقلاني، ففي المغرب حتى بعد هذه الثورات هناك ما يسمى بالاستثناء المغربي الذي أصبح واقعا، هذا الواقع سمته الأساسية هو عدم القدرة على المغامرة، لدينا الحركات الشعبية كلها وبامتداداتها غير قادرة على المغامرة ولدينا سلطة سياسية بدورها غير قادرة على المغامرة، كما أن لدينا نخباً سياسية بين البين لا تستطيع المغامرة والذهاب إلى أبعد من ذلك، فهذا معيق ويمكن أن يكون صمام أمان، فكيف يمكن أن نستثمره لتحقيق الديمقراطية بأقل الخسائر الممكنة؟ أولا أعتقد وهذا تقديري للعالم العربي بعد الثورات العربية، لن يكون هناك أي استثناء، مصر، تونس وليبيا دخلت في المخاضات العسيرة لبناء الديمقراطية، أقول المخاضات العسيرة إذ لا شيء يأتي بسهولة، ولكن أخذت هذا الطريق بصعوباته وتقدمه وتراجعه، ولكن الخط العام الذي ستذهب فيه هذه البلدان هو النموذج الديمقراطي العربي الذي سيكون له تميزه في تقديري، فالعالم بأكمله وبكل شعوبه يتجه نحو المشترك العالمي، وهذا التميز لا يتناقض مع القيم المؤسسة للديمقراطية والحداثة. ثانيا هناك اليمن وسوريا التي تسير فيهما الأمور من أجل قلب النظامين الحاكمين، وهناك دول الخليج بالتحديد التي لها وفرة مالية كبيرة وتساعد حكامها على تأجيل التغيير الديمقراطي لا أقل ولا أكثر، فكن متيقناً بأن شعوب الدول الخليجية بعد نجاح الثورات العربية وتأسيس الديمقراطية في هذه الدول، سوف يريدون العيش مثل الشعوب القريبة منهم، أما بالنسبة للمغرب والأردن فهناك حراك سياسي ولكنه لم يصل بعد إلى مستوى التغيير الديمقراطي المنشود، فالتقديرات التي لدينا أنه أكثر من مائة مدينة عرفت مظاهرات أسبوعية والإحصائيات الرسمية قدرت المتظاهرين بمئات الآلاف، ثالثا صحيح أن المغاربة وحتى نحن كديمقراطيين لسنا مع المغامرة ولا نطرح المغامرة باستقرار ومستقبل المغرب، بل طَرَحْنا أنه حتى تتقدم حركة 20 فبراير يلزمها من الوضوح اللازم ما يُطمئن كل الفئات المتوسطة وكل الشعب المغربي على أن ما نحن بصدده هو تغيير ديمقراطي في إطار سلمي يحافظ على استقرار البلاد، لكن في نفس الوقت يحقق له مقومات الديمقراطية والتقدم والتنمية، ولذلك نحن حريصون في حزبنا أن نطرح شعارات الملكية البرلمانية، الدولة المدنية والديمقراطية، وحقوق الإنسان في بعدها الكوني، ونعمل على أن تكون هذه المطالب واضحة داخل 20 فبراير. - في سياق حديثك تبدو إغراءات ما حدث في مصر وتونس وليبيا من قلب النظام عبر الثورة عليه حاضرة، هل هي امتدادات الماضي أم طموح حاضر ضمني؟ أبدا، أعتقد أن الأوضاع تختلف، فالمغرب ليس هو مصر أو تونس أو ليبيا. - ها نحن نعود إلى إثبات الاستثناء المغربي الذي سبق أن نفيته؟ لا لا، أقصد أن هناك اختلافاً تاريخياً، ففي المغرب هناك ملكية ونحن ندافع كيف ننجح بالملكية للوصول إلى الديمقراطية، وأسهل الطرق لكي نصل من الملكية إلى الديمقراطية هي الملكية البرلمانية، ففي تقديرنا يلزم ضغط سياسي شعبي واسع من أجل الوصول بأقل الخسائر وأقل تكلفة ممكنة للديمقراطية في ظل نضال سلمي ابتدعته جميع شعوب العالم، وهو الذي سيخرجنا من المغامرة الحقيقية التي تتمثل في نظري في إبقاء الوضع على ما هو عليه والذي سيذهب بنا إلى المجهول، نحن مع النضال السلمي الذي سينقلنا إلى الديمقراطية الحقة التي عمادها الملكية البرلمانية. - المشكل في المغرب الآن هو مشكل الثقة أساسا في المؤسسات، في المشاركة السياسية للمواطنين في الانتخابات وليس في ممارسة الشارع فقط، فكيف يمكنكم كحزب سياسي أن تستثمروا هذا الحراك الاجتماعي وتحولوه إلى ورقة سياسية للدفع بالسياسة إلى الأمام لترجمتها في بنية المؤسسات، كيف يمكن للحزب الاشتراكي الموحد أن ينقل دعمه لحركة 20 فبراير واستثماره داخل بنية المؤسسات لدفعها إلى الديمقراطية؟ المشكل هو أن انعدام الثقة ليس مسألة سطحية من السهل تجاوزها، بل هي مسألة أصبحت مرتبطة ببنية العملية السياسية، فهي لم تفتح الآفاق كما أسلفت، فمنذ 1975 إلى 2007 تم استعمال العملية السياسية من أجل الوصول إلى نقطة الصفر، فنحن سواء شاركنا أم لا، سنبقى دائما نناضل من أجل توفير شروط العملية السياسية السليمة، وهذه الشروط هي إيجاد قواعد ديمقراطية سليمة هي الوحيدة التي ستشجع الناس على المشاركة، فسبب العزوف هو أن المواطنين على دراية بأن من يصوتون عليهم لا يحكمون وأن القرار السياسي غير منبثق من صناديق الاقتراع بل يوجد في مكان آخر، إذن لا جدوى من العملية السياسية. ويرون في النخب التي يصوتون عليها نخبا فاسدة ومرتبطة بالنظام السياسي، لذلك فقدوا الثقة في هذا المسلسل. لذلك إذا وفرنا دستورا ديمقراطياً، وملكية بالشكل الذي نطرحه، أي ملكية برلمانية حقيقية، حيث أن الذي سيدبر الشأن العام يأتي من صناديق الاقتراع وإعمال آليات المراقبة والمحاسبة، هو صمام الآمان للمغرب، وهو الشيء الغير متاح في الظرف الحالي على اعتبار أن الملك هو الذي يرأس المجلس الوزاري، وهو الذي يحدد المحاور الأساسية لقانون المالية، وهو الذي يحدد استراتيجيات الأمن من خلال المجلس الأعلى للأمن، وتعيين رؤساء المؤسسات الإستراتيجية التي ستحدد بقانون، وبذلك يبقى للحكومة هامش ضعيف، تدبيري أكثر مما هو سياسي، من هنا يتضح بأن العملية السياسية مغشوشة منذ بدايتها وتُنتج نخباً فاسدة، هذا هو الواقع الذي يؤدي إلى العزوف الانتخابي، الذي أدى إلى إيجاد ديناميكية أخرى نابعة من صلب المجتمعات للتغيير. - إذن المشكل موجود في كيفية ترجمة هذا الحراك السياسي؟ هذا هو النقاش المطروح عندنا في الحزب، وهو كيف يمكن لليسار المغربي أن يأخذ بعين الاعتبار كل هذه المستجدات وكل ما آلت إليه الأوضاع بوضع خط سياسي للمرحلة وإيجاد الوضوح السياسي اللازم لهاته المرحلة والمساهمة في تأطير المواطنين، وذلك في إطار سلمي حضاري ديمقراطي هدفه تحقيق مشروع ديمقراطي في ظل الملكية البرلمانية والعدالة الاجتماعية، وإبداع الأشكال المناسبة على اعتبار أن لكل مرحلة أشكالها وطرق الاشتغال فيها، فهذا هو التحدي الكبير المطروح على حزبنا وعلى اليسار المغربي بشكل عام. - كان بعض قياديي حزبكم يرفضون وصف الحزب الاشتراكي الموحد بالحزب الصغير، يقولون إنه حزب "نام".. هل "ترجَّل" هذا الحزب اليوم؟ مقياس تصنيف الأحزاب إلى حزب كبير وآخر صغير لا يستقيم إلا حين تكون العملية السياسية سليمة وفيها تنافس سليم بين كل الفرقاء وفيها الدولة محايدة، وحين يوجد فيها تنافس بين البرامج السياسية وعبر المشاركة السياسية القوية للمواطنين، فهل نتكلم عن حزب كبير وصغير في إطار انتخابات يشارك فيها فقط 19 في المائة من القاعدة الانتخابية، فهذا عبث! ففي الساحة السياسية المغربية هناك ثلاثة مشاريع سياسية لا غير، هناك مشروع تقليدي للدولة تأكد بلجوئها خلال الاستفتاء على الدستور إلى كل أوراقها الاحتياطية من زوايا وعنف ومجالس العلماء.. للحفاظ على ثوابت الاستبداد بالسلطة، وكذلك على عدم المس بالفساد ويتضح ذلك من خلال عدم إجراء ولو محاكمة واحدة برغم المسيرات التي تطالب بمحاكمة المفسدين، مع الأسف إن الدولة تمكنت أن تجمع حولها مجموعة من الأحزاب من مختلف المشارب من أجل الدفاع عن هذا المشروع المحافظ، وهناك كذلك مشروع أصولي مناهض للديمقراطية يعتبر أن الدين الإسلامي مناقض ومناهض للقيم الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان بأفقها الكوني.. وهذا تأويل سياسي خاطئ في تقديرنا، ويوجد بالمقابل المشروع الديمقراطي الحداثي الذي نحن من حامليه مع حلفائنا في تحالف اليسار الديمقراطي ومع الإخوان في حزب الأمة، وكذلك مع الإخوان في المنظمات الجماهيرية كالكونفدرالية الديمقراطية للشغل والجمعيات الحقوقية والجمعيات الشبابية، وبذلك نعتبر هذه التحالف الواسع الذي شكلناها من خلال الائتلاف الوطني للملكية البرلمانية الآن، هو الذي يمثل هذا الخيار الديمقراطي الآن ويتجاوب مع المطامح الشعبية في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فالمسألة ليست مسألة كم تنظيمي بل هو ما نطرحه كتصور وهو الذي طرحته جميع الثورات العربية ويعتمل اليوم داخل المجتمع المغربي، قد يكون أننا لم نصل بعد إلى التواصل اليومي مع هذه القواعد وتأطيرها، لكن ما يهمنا الآن هو الحرص على مصلحة البلاد من خلال تأطير هذه الديناميكية من أجل تحقيق الملكية البرلمانية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان في بعدها الكوني، ونحن سواء من خلال مؤتمرنا القادم أو في علاقتنا برفاقنا في تحالف اليسار الديمقراطي سنعمل على وضع الخطة السياسية التي ستمكننا من الارتباط أكثر بالطبقات والفئات الشعبية العمود الفقير لأي تغيير ديمقراطي من شباب ونساء، عمال وفلاح، وعموم الكادحين. - أعتقد أن المعيار الكمي في تصنيف أحزاب صغيرة وكبيرة، غير مبني فقط على النزاهة الديمقراطية لقد كان الاستقلال والاتحاد الوطني قوياً برغم تزوير صناديق الاقتراع؟ هناك اختلاف، وهذا الاختلاف يقودنا للحديث عن تاريخ المغرب، حين نتكلم عن الستينيات، نتكلم عن بداية حماس شعبي واسع من أجل إقرار نموذج ديمقراطي يُلَبي المطامح، كل هذا كان بعد الاستقلال، ثم كذلك القوة التنظيمية التي كانت عند الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. حين نتكلم عما بعد 2007 أو 2002، فهذه مرحلة وقعت فيها أخطاء تاريخية، يعني حتى 76 و77 كانت هناك مشاركة كبيرة في المغرب، كما أنه حتى سنة 1992 كان لازال لدينا الأمل في التغيير الديمقراطي من خلال العملية الانتخابية، ولكن في تقديري الشخصي محطة 96 98 كانت فاصلة، لأن جزء من القوى الديمقراطية، ساهم في تدبير الشأن العمومي، ومع الأسف بنفس القواعد الدستورية السابقة، وأعطى مجموعة من الوعود، وفي سنة 2002 كانت هناك حكومة برأس تقنوقراطي، وبقي حزب الاتحاد الاشتراكي داخل الحكومة، كما أنه في سنة 2007 تم خلق الحزب الإداري وانكشفت اللعبة، ومع ذلك بقي الاتحاد الاشتراكي في الحكومة، إلى أنه أصبحت لدينا حكومة ائتلافية أبدية! وهو ما ساهم في دفع قاعدة عريضة من الفئات الحاملة للمشروع الديمقراطي إلى فقدان الثقة جراء هذا السلوك. نحن بدأنا في سنة 2002، عقدنا مؤتمرنا التأسيسي، أسسنا الحزب في مرحلة فقد فيها الشعب المغربي الثقة في العمل السياسي، وللأسف، حتى في المعارضة السابقة، كان طموحنا أن نبرز بخطابنا ومواقفنا كبديل، لكن بعد 2002 وحتى 2007، فهمنا بأن ثقل عدم الثقة في العمل المؤسساتي وفي الفاعلين السياسيين وفي أحزاب اليسار وفي المعارضة، كان كبيراً داخل المجتمع المغربي، لذلك نقول يجب أن نشتغل في المرحلة القادمة واضعين كل هذا في الاعتبار، لأن العملية السياسية التقليدية أصبحت تعيش على هامش المجتمع. - حين ترسمون الواقع المغربي بهذا الشكل الدراماتيكي إن شئتم، إضافة إلى مقاطعة حزبكم للجنة الدستور، مقاطعة التصويت على الدستور، نحن لا نستبق الأحداث، لكن النتيجة الرياضية هي مقاطعتكم للانتخابات كلها، ألا يؤدي هذا إلى عزل حركة حزبكم عن السياق المؤسساتي الذي يمكن أن يكون صوتا لامتدادات الحركة الاجتماعية التي تدعمونها، وإلا ستتحولون غدا إلى حزب هامشي يمكن أن يشكل ضمير اليسار وضمير السياسة، لكن بدون تأثير؟ أولا نحن لم نتخذ بعد موقفاً، سيتخذه المجلس الوطني، أتكلم باحترام القرار الذي سيتخذه المجلس الوطني، لكن ما أود الإشارة إليه، أن أغلب الناس لم يستوعبوا بعد الثورات العربية وتأثيرها على العمل السياسي بشكل عام، أنا أعتقد أن هذه مرحلة جديدة بكل المعايير، لو قلت لي هذا الكلام في 2010، رغم أننا في 2007 عرفنا أن العملية السياسية التقليدية انتهت إلى الفشل، لأنها أصبحت تمارس على هامش المجتمع، المشاركة ضعيفة، كنا نتلمس الطريق، والطريق جاء من الشعوب، وهذا هو الجديد النوعي، هذا حد فاصل بين مرحلتين، وثانيا العزلة عن من؟ هل العزلة عن الفاسدين، أغلب النخب الآن التي تشارك في العملية الانتخابية، هي مع الأسف نخب فاسدة، هي نخب لا تدافع إلا عن مصالحها الشخصية، هي نخب لا تبحث إلا عن امتيازات غير مشروعة، وهذه أشياء يقولها الشعب في مسيراته، نحن لا نتنازل عن شعبنا، المجال الحيوي والأساسي لاشتغالنا في المرحلة القادمة لن يكون كالسابق – سواء شاركنا أم لم نشارك – بل سيكون عبر البحث عن الآليات والأساليب التي يمكن أن تقربنا إلى شعبنا، العمال والفلاحين، الشباب والنساء ومتنوري مجتمعنا من كل الفئات. - دعيتم إلى اجتماع خماسي لمكونات يسارية، لكنكم لم تحضروا الاجتماع، لماذا؟ لم نحضر لعدة اعتبارات، أولا هناك ثلاثة أحزاب تجمعنا معهم علاقات ثنائية، وهذا ليس هو الأساس، الاجتماع جاء بدون مشاورات قبلية، هذا النوع من الاجتماعات حصل من قبل سنة 2007، بنفس التسرع ونفس غياب الرؤية المستقبلية الواضحة، ولم يأت بأي شيء جديد، والمبادرة لا تأخذ بعين الاعتبار المرحلة الجديدة التي دخلها المغرب منذ ميلاد حركة 20 فبراير، هناك اختلاف عميق فيما بيننا، نحن قاطعنا الدستور وندعم حركة 20 فبراير، ونطرح مفهوم الملكية البرلمانية وإسقاط الفساد والاستبداد... وهذا يدل على وجود اختلاف بيننا وبين الأحزاب التي تقود هذا التنسيق، نحن قلنا إن أقصى ما يمكن، يمكننا مثلا أن نلتقي مع الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية لتبادل الآراء بوضوح، لكن أن نجلس في هذه المرحلة بالشكل المطروح أمر غير جدي ولن يؤدي إلي أي نتيجة. - يؤاخذ عليكم أن الاشتراكي الموحد يشترط أشياء مسبقة قبل الدخول فيها، من لجنة الدستور إلى الانتخابات إلى غير ذلك، كما لو أنكم تضعون العربة أمام الحصان، بمعنى أن سياق النقاش هو سياق أخذ ورد، قوى محافظة مع قوى حداثية، إن صوت حزبكم أقوى من داخل المؤسسات؟ أولا تكلمت عن لجنتين، اللجنة الأولى الخاصة بالدستور، ولجنة الأمناء، خاصيتنا هي أننا نتميز بالصرامة في التحليل والجرأة في القول ونقول كل ما يجب أن يقال، بدون أن نراعي الحسابات السياسوية الضيقة، هذه هي ميزتنا وهذه أخلاقنا التي ندافع لكي تسود الحقل السياسي مع الخصوم كما مع الحلفاء، ولأن تلك اللجنة لم تقم بأي دور، لجنة الأمناء، حتى الدستور لم تتسلمه، في البداية قالوا لهم إنهم سيحصلون على كل فقرة تُحَضَّر، العنوان كان هو تشكيل اللجنة، اللجنة الثانية جاءت فقط في إطار محاولة الاستيعاب أو الاحتواء، أما المشكل الأول هو لجنة المنوني، لما تكونت هذه اللجنة برأي واحد اتضحت الأمور، ظهرت معالم الدستور الذي يحافظ على الثوابت الموجودة، وأنه لا وجود للملكية البرلمانية أو حتى شيء أقرب إلى ذلك، لذلك لم نزكي عملية لا نتفق معها، ونحن ندعم حركة 20 فبراير التي تطرح الملكية البرلمانية ومجموع المطالب الديمقراطية ببلادنا. - أُثير نقاش كبير حول حركة 20 فبراير، حتى الرسميون يعترفون بفضائلها وبركاتها، لكن هناك أيضا انتقادات للحركة والحديث عن ضعفها ومحاولة استيعاب بعضها أو الركوب عليها، كيف تقيمون الآن مسار الحركة؟ حركة 20 فبراير هي ناقوس دقه الشعب المغربي، حين أقول مرحلة جديدة، في تقديري أن الشعب المغربي في صيرورة الحراك والتطور الذي تعرفه المجتمعات العربية، وفي صيرورة الأزمة القادمة، مع الأسف، الأزمة الرأسمالية المزمنة، والتي ستحمل تأثيراتها إلى دول العالم الثالث، في هذا السياق نعتبر أن بداية مرحلة 20 فبراير هي بداية نضال الشعب المغربي من أجل إسقاط الاستبداد والفساد، أعتقد أن الحركة ستستمر وستتقوى وحتى ما بدا مرحليا من أنه ضعف، فكن متقيناً بأن الشعب المغربي من خلال حركاته الاحتجاجية، بشبابه، وفئاته الوسطى العريضة، وبعموم قواه الحية سيُنتج بالضرورة ما هو أقوى من 20 فبراير في المستقبل. - كيف تقرأ التقاء أقصى اليسار متمثلا في النهج، والتيار الأصولي المحافظ متمثلا في العدل والإحسان في ديناميكية حركة إسمها 20 فبراير، هل الأصوليات تنتهي في نهاية المطاف نحو الإلتقاء؟ هناك نقاش عميق داخل الحزب وقد أصدرنا بيانا منذ أسبوعين، وطرحنا فيه أن النضال الديمقراطي وتقويته في المغرب يمر عبر تقوية 20 فبراير، وضمان الوضوح اللازم لها، واحترام كل المناضلين المنخرطين في هذه الحركة للأرضية وهي الملكية البرلمانية، الدولة المدنية والديمقراطية، العدالة الاجتماعية، عملية سياسية سليمة، حقوق الإنسان بمعناها الشامل، وإسقاط الفساد... في تقديري لن تتقوى الحركة بدون هذا الوضوح وبدون أن تطمئن المغاربة على أننا أمام حركة سلمية وحضارية يهمها استقرار البلاد ويهمها أن يتم التغيير في إطار سلمي جماهيري شعبي، يضغط من أجل أن تتحول الملكية الحالية إلى ملكية برلمانية، لا أعتقد أن الحركة ستتمكن من استقطاب فئات واسعة بدون هذا الوضوح، وسنبدل كحزب وكتحالف اليسار الديمقراطي وكعموم الديمقراطيين بهذا الوطن قصارى جهدنا بأن تحقق حركة 20 وضوحها اللازم وتصل إلى أهدافها الحقيقية. عن أسبوعية" المشعل"