سنة 2004، حل الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالسكنى والتنمية العمرانية، أحمد توفيق احجيرة، بمقر عمالة المحمدية، ليعلن أمام حشد من المسؤولين والمنتخبين أن "مدينة الزهور" ستصير "مدينة بدون صفيح في أفق 2008". استبشر كل من حضر اللقاء وحتى من تابع نشرة الأخبار المسائية آنذاك، لكن، بمجرد مغادرته المدينة، تبخر هذا الحلم! نبيل بنعبد الله، الوزير المغضوب عليه، أطلق بدوره سنة 2013 العنان للسانه ولفصاحته اللغوية، دون أن ينتبه إلى أن "الزمان دوار"، ليعلن أن 17 مدينة يتوقع أن تكون "مدينة بدون صفيح هذه السنة"، لكن السنوات تمر، والمحمدية لا تزال تعرف انتشارا واضحا ل"البراريك" و"الكاريانات" التي تأبى الاجتثاث لعدة أسباب، على رأسها عبث السلطات المحلية بهذا الملف. مدينة الكاريانات قد لا يخطر على بال أحد، حتى من أبناء المحمدية، أن هاته المدينة تحتضن أكبر عدد من "الكاريانات" والدواوير، يبلغ 15 دوارا، هي "الشحاوطة، البرادعة، المسيرة، شانطي الجموع، دوار لشهب، كاريان ماكري، دوار لحجر، دوار جيني، كاريان سيدي عباد، كاريان حجية، زواغات، براهمة 1، براهمة 2، شرقاوة، لالة ركراكة". معاناة القاطنين بهاته "التجمعات السكنية" لا تعد ولا تحصى؛ فالكرامة منتهكة، ومظاهر البؤس والفقر بادية للجميع ولا تحتاج إلى توصيف. يكفي المرء أن يمر بداخلها أو بجانبها ليكتشف المعاناة اليومية للنساء والأطفال والشباب التي لا تحرك ساكنا في المسؤولين من منتخبين وسلطات. عدد من الذين تحدثوا لهسبريس، عبروا عن رغبتهم في تغيير الوضع الذي يعيشونه، ومستقبل جديد لفلذات أكبادهم بعدما قضوا سنوات طوال وسط "القهرة". وفي الوقت الذي تعلن فيه السلطات في كثير من المرات عن تنقيل عدد من أصحاب "البراريك"، وإعطاء الملك محمد السادس انطلاقة مشروعين عمرانيين يهمان إعادة إيواء 2274 أسرة من قاطني دور الصفيح بدواري البراهمة 1 و2، فإن أسرا من "كارينات" أخرى لا تزال تنتظر دورها، وتطالب، كما أكد ذلك أحد أعضاء لجنة الحوار ب"كاريان المسيرة"، بمنحها حق الاستفادة، خاصة للنساء المطلقات والأرامل والمتزوجين سنة 2010. وبالرغم من المجهودات التي يقوم بها بعض رجال السلطة في القضاء على هذه الدور، إلا مسؤولين آخرين يساهمون بشكل كبير في تفاقم الوضع، بسبب تفشي الرشوة والسمسرة والتجزيء السري الذي يتم تحت أعين السلطات؛ الأمر الذي كان قد أكده نبيل بنعبد الله، وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة السابق، في البرلمان، حين أشار إلى وجود صعوبات واكراهات، منها ما يتعلق بتنامي "ظاهرة البيع والشراء والسمسرة، وما يرتبط بالمشاكل التي تعرفها مؤسسة العمران". "القاضي التازي".. فشل "مدن بدون صفيح" نموذج هذه الاكراهات والصعوبات وسوء التدبير من طرف المنتخبين والسلطات يظهر جليا في قضية مشروع "القاضي التازي"، المعروف لدى أبناء المحمدية بمشروع "رياض الفتوح". بحسب تقرير لمصالح وزارة الداخلية، اطلعت هسبريس على نسخة منه، فإن هذا المشروع يندرج في إطار برنامج "مدن بدون صفيح"؛ حيث تم شهر أبريل من سنة 2004 التوقيع على اتفاقية شراكة بحضور الوزير الوصي على القطاع آنذاك حجيرة، وعامل إقليمالمحمدية، ورئيس المجلس البلدي آنذاك العطواني، بموجبها ستصير المدينة "بدون صفيح في أفق 2008"، لكنها لا تزال تحمل لقب "مدينة الكاريانات". وتشير المعطيات التي حصلت عليها هسبريس إلى أنه لإنجاز هذا المشروع، تم رصد مجموعة من العقارات التابعة للأملاك المخزنية وللجماعة، كلفت حينها مؤسسة العمران بعملية الاقتناء، على أن تقوم الجماعة بتفويت العقارات الجماعية للمؤسسة المذكورة بالمجان. إلى هنا تكون الأمور جيدة، ليتم الإعلان عن طلب عروض لإشراك القطاع الخاص في هذا البرنامج، وجرى اختيار شركة "رياض الفتوح" التي التزمت في عرضها بإنجاز 225 شقة ذات قيمة عقارية منخفضة حدد ثمنها في 120.000 درهم وتسويقها لفائدة سكان دور الصفيح، بالإضافة إلى 20 محلا تجاريا، كما التزمت أيضا بإنجاز حمام، وقاعة رياضة، وروض أطفال، ودار للشباب، وتسليم هذه المرافق بالمجان إلى الجماعة. وبحسب بنود الاتفاق، فإن المقاول سيستفيد من امتيازات ضريبية، وكذا من البقع الأرضية المخصصة للمشروع التابعة للأملاك المخزنية والجماعية بثمن تفضيلي حدد في 213 درهما، مع تسهيلات في الأداء، كما يسمح له بإنجاز 168 شقة ومحلات تجارية يترك له حرية تحديد مساحتها وثمن تسويقها. ووجدت مصالح الجماعة والسلطة المحلية نفسها في موقف حرج، خاصة أنه تم الاتفاق على البيع لساكنة دور الصفيح الذين تم إحصائهم وفق لائحة نهائية مؤشر عليها من طرف السلطة المحلية في أجل أقصاه ستة أشهر بعد تسلم شهادة السكن، إلا أن مصالح الجماعة والسلطة المحلية، بحسب التقرير، لم تقم بإعداد لوائح المستفيدين من ساكنة دور الصفيح في الآجال المحددة في الاتفاقية، ولا حتى بعد انقضاء سنة من حصول الشركة على التسليم المؤقت ورخصة السكن، وهو ما يسمح لهذه الأخيرة ببيع المحلات السكنية التي كانت مخصصة لسكان دور الصفيح إلى الأغيار. وأضاف التقرير نفسه أن الجماعة تكون قد خسرت بذلك العقارين المسلمين لمجموعة العمران بالمجان دون التمكن من إيواء قاطني دور الصفيح، ومقابل تجهيزات لا تساوي القيمة المالية لهذين العقارين وتمكين المقاول من مداخيل إضافية لا تقل عن 27.000.000 درهم على أقل تقدير.