قد يلاحظ القارئ من أول وهلة أن دراما ما تنتظره وهو يقرأ عنوان هذا المقال. التشاؤم ليس من طبعي، لكن للظروف أحكاما. ونحن نخلد اليوم العالمي للمهاجر، ككل سنة، لا بد من استحضار بعض الإشكاليات التي تقف في وجه الهجرة والمهاجرين. الضغط يتزايد سنة بعد سنة ويوما بعد يوم على المهاجر؛ هي تحديات تشغل بال الذين يعانون منها، وبعض الدارسين وخبراء الهجرة والمهتمين؛ أما بالنسبة للقوى التي تملك الموارد والحلول فهي تتغاضى ما دامت حساباتها مادية بحتة. منذ أيام قليلة رأينا كيف أن الولاياتالمتحدة انسحبت من ميثاق دولي لتحسين التعامل مع أزمات المهاجرين واللاجئين، وكيف أن "دونالد ترامب" يحسبها بالدولارات فقط ولا يعير الجانب الإنساني والحقوقي أدنى اعتبار. منذ مدة قصيرة دوى خبر وجود أسواق لبيع وشراء المهاجرين الأفارقة في ليبيا، بعدما ظننا أن عهد النخاسة قد ولى إلى غير رجعة. عندما سمعتُ الخبر تذكرت زيارتي إلى السنغال سنة 2010، حينما كنت أشغل منصب مدير التعاون الخارجي بجامعة ألميريا، وتذكرت الرحلة التي قمت بها آنذاك إلى جزيرة "غورية" التي تقع في المحيط الأطلسي على بعد ثلاثة كيلومترات من داكار، العاصمة السنغالية. كانت تلك الجزيرة بمثابة المحطة الرئيسية لتجارة الرقيق ونقلهم إلى العالم الجديد. لا أستطيع أن أصف للقارئ شعوري حينما كان المرافق يشرح لنا تفاصيل المبنى ونحن الزوار نجوب في الغرف التي كانت تستعمل لسجن العبيد حتى يتم بيعهم ونقلهم، وكيف اقشعر بدني عندما فتح باب "اللاعودة"، حيث كان من يعبره لا رجعة له. تجار النخاسة كانوا من جنسيات مختلفة: هولنديون، فرنسيون، إنجليز، إسبان، برتغاليون...هي الجنسيات نفسها التي في يومنا هذا ترحل الأفارقة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية وتصدر قوانين قاسية تجاه المهاجرين واللاجئين. اليوم، وبعد قرنين من صدور أولى القوانين التي تحرم تلك التجارة، نكتشف في عقر إفريقيا أسواقا جديدة، يباع فيها مهاجرون قادمون من ساحل العاج والنيجر ومن بلدان إفريقية أخرى. تبّا ثم تبّا لمن لا ضمير لهم، ومن لأجل حفنة من الدولارات والأوقيات يبيعون بني جلدتهم. اليوم يعرف المغرب تحولات كبيرة، بعد أن أصبح أيضا بلد استقبال للمهاجرين، بعد أن كان مصدرا لهم فقط لعقود طويلة، وكل هذا في زمن جد قياسي، ما جعله أمام تحديات كبيرة، منها تطوير تصورات جديدة لإشكاليات الهجرة، وبناء إستراتيجية لسياساتها العمومية تجاهها. بالنسبة لمغاربة العالم نحن أمام تحديات كبيرة، كالأمن الثقافي والهوياتي لأبنائنا وأحفادنا في المهجر، بالإضافة إلى إشكاليات أخرى مرتبطة بتصاعد الخطاب العنصري والعدواني في أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية تجاه المهاجرين، وخاصة المسلمون منهم، وتنامي القومية والأحزاب اليمينية المتطرفة، والتلاحم في ما بينها على اتفاقيات لتشكيل حكومات جديدة كما حصل في النمسا منذ ساعات قليلة. وهذا حتما سيكون له وقع جد سلبي على المهاجرين بصفة عامة، والمسلمين منهم خاصة. أما بالنسبة للمهاجرين الذين استقروا في المغرب، نجد تحديات تتعلق بإدماجهم الاجتماعي والاقتصادي، ونجدنا أمام تحديات حقوقية قد تتنامى في السنوات القادمة. ولا يغيب عنا أن خصوم المغرب قد استعملوا ورقة حقوق الإنسان أكثر من مرة لاستفزازه وإضعاف مواقفه. مغرب اليوم أمام تحدي ملف الهجرة كجزء من مكونات الورش الاجتماعي الكبير الذي مازال ينتظر وضعه على السكة والانطلاق به بسرعة تناسب طموحات المملكة المغربية. *أستاذ جامعي مغربي بإسبانيا