ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المساء» ترافق «حراكة» مغاربة فشلوا في الوصول إلى ألمانيا
فقدوا جوازات السفر وتعرضوا للنصب من طرف مافيات التهجير السري
نشر في المساء يوم 25 - 12 - 2015

يقطعون أزيد من عشرة كيلومترات على متن قوارب الموت وتهريب البشر، لبلوغ جزيرة "ليسبوس" اليونانية. لاجئون ومهاجرون غير شرعيين تقطعت بهم الأوصال بين عدد من الدول، ووجد بعضهم نفسه ضحية مافيات الاتجار في البشر. بيد أن تشديد عمليات المراقبة ومنع المهاجرين القادمين من دول "آمنة"، وعلى رأسها المغرب، جعل عددا منهم يواجه مصير التشرد ويستنجد بعائلته للعودة إلى أرض الوطن. في هذا الروبورتاج، ترافق "المساء" مجموعة من الشباب المغاربة في رحلة العودة من اليونان، عبر مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول، إلى مدينة الدار البيضاء، وتكشف لحظات عصيبة عاشها من فشلوا في الوصول إلى تراب ألمانيا.
«عشنا القهرة في اليونان». هكذا تحدث أحد الشباب المغاربة، الذين فشلوا في العبور نحو ألمانيا، إلى صديقه في رحلة العودة إلى أرض الوطن، بعد أيام عصيبة قضاها متشردا بين عدد من الدول، واجه فيها كثيرا من الصعاب، لعل أقلها وقوعه في قبضة مافيات الاتجار في البشر. كان «المجهول» عنوان الرحلة التي انطلقت من مطار الدار البيضاء على أمل الوصول إلى ألمانيا. لكن هذا الشاب، الذي لا يتجاوز سنه العشرين، سيجد نفسه وسط عشرات الآلاف من اللاجئين الذين طردتهم الحروب والصراعات الدموية للبحث عن ملاذ آمن. «بكيت فاش كنت كانتقاتل باش نشد الخبز والغطاء»، قالها أمين (اسم مستعار) بنبرة حزينة وهو يكشف ل»المساء» جزءا من رحلة هجرة فاشلة.
تذكرة ذهاب
لم يكن أمين الذي ينحدر من مدينة الدار البيضاء يتوقع مسار رحلته عبر تركيا، وهو الذي لم يسبق أن غادر مدينته وأسرته إلا لمتابعة بعض مباريات فريقه المفضل الرجاء البيضاوي. من مطار محمد الخامس بدأت الرحلة، التي ستنتهي في اليونان بعد تشديد المراقبة على الراغبين في العبور إلى دول مجاورة، خاصة القادمين من دول آمنة، وعلى رأسها المغرب.
يروي أمين آخر اللحظات في اليونان، حيث سينتهي حلم الالتحاق ببعض أصدقائه في ألمانيا. يقول أمين: «كنت أعيش في مخيم يضم عددا كبيرا من اللاجئين والحراكة، وبشكل مفاجئ جاء بعض المسؤولين وطلبوا منا مغادرة هذا الملجأ والاتصال بعائلاتنا قصد العودة إلى المغرب، أو مواجهة مصير الاعتقال». فكرة السفر عبر تركيا ومجابهة مخاطر ركوب البحر لم تسكن فكر هذا الشاب الحاصل على دبلوم في الميكانيك، إلا بعد تواصله مع بعض أصدقائه الذين تمكنوا من العبور نحو ألمانيا. ومما زاد من حماس أمين هو بعض أشرطة الفيديو المنتشرة في الموقع الاجتماعي «يوتيوب»، التي يكشف من خلالها شباب مغاربة عن مغامراتهم وكيفية الوصول إلى القارة الأوروبية.
ويحكي في هذا السياق أن القرار الحاسم للهجرة سريا اتخذه بعد مشاهدته لإحدى أشرطة الفيديو، التي يوضح من خلالها شاب مغربي طريقة الوصول إلى ألمانيا، بدءا من اقتناء تذكرة ذهاب وإياب إلى تركيا، وكيفية التعامل مع بعض الوسطاء المختصين في التهجير المنتشرين في تركيا واليونان، والذين يؤمنون الرحلة للراغبين في الهجرة بأسعار تنطلق من 800 أورو وقد تتجاوز ال1400 أورو. بعد اقتناعه بالفكرة، سيطرح أمين قراره على والدته، ويطلب منها مده بحوالي 30 ألف درهم، واعدا إياها بحياة أفضل بعد أن يحقق حلمه. «الوالدة في الأول تخلعات، ولكن عرفات من بعد أن صحابي وصلوا لألمانيا، ومشات دبراتلي على الفلوس»، يضيف المتحدث ذاته.
نصب واحتيال
الوصول إلى ألمانيا بأي ثمن جعل بعض الشباب المغاربة يقعون فريسة سهلة في يد مافيات التهجير السري. بمجرد حصول أمين على المبلغ المالي الذي طلبه من والدته، جمع حقيبة صغيرة وتوجه نحو أقرب وكالة لاقتناء تذكرة السفر نحو تركيا، بعدما أخذ علما ببعض النصائح وكيفية التعامل مع الوسطاء الذين سيتكلفون بتهجيره عند وصوله. كان أمين حريصا على الحفاظ على جواز سفره المغربي، رغم تأكيد بعض الشباب في مختلف الفيديوهات على ضرورة إخفائه حتى لا تكتشف سلطات الدول التي سيمرون منها جنسية المهاجرين، وتصنفهم في خانة المهاجرين السريين لأسباب اقتصادية، وليس ضمن فئة اللاجئين الفارين من جحيم الحروب. لكن مسار هذا الشاب البيضاوي سينتهي في اليونان بعد تشديد المراقبة، بيد أن بعض أصدقائه سيقعون ضحية مافيات التهجير. «بعض أصدقائي أدوا أزيد من 1200 أورو للواحد، وتم نقلهم في شاحنات بعدما أوهموا بأنهم في الطريق إلى ألمانيا». ويضيف: «طلقوهم في الغابة وقالوا ليهم جريو في اتجاه الحدود، ولكن البوليس شدوهم». حسب المعطيات التي يتناقلها بعض الشباب الراغبين في الهجرة، فإن عمليات النصب يمارسها أيضا بعض المغاربة الذين يدعون الوساطة بين الوافدين على اليونان، هذه المافيات تعرف نشاطا غير مسبوق في ظل موجات اللاجئين والمهاجرين السريين الراغبين في العبور إلى أوربا.
بين أثينا وكازا
مع تشديد سلطات عدد من البلدان التي يعبرها المهاجرون واللاجئون المراقبة وعمليات الفرز، وجد مجموعة من الشباب المغاربة أنفسهم في موقف صعب، يواجهون خطر الزج بهم في السجون، ويعيشون واقع التشرد تحت درجات حرارة جد منخفضة، بعدما طلب منهم مغادرة المخيمات والعودة، بمالهم الخاص، إلى بلدانهم. الساعة الثامنة صباحا بمطار أتاتورك، الواقع في مدينة إسطنبول التركية. الرحلة المتجهة نحو مطار محمد الخامس ستنطلق في حوالي التاسعة و55 دقيقة. أغلب الركاب يقفون أمام البوابة المؤدية إلى موقف الطائرات، حيث سيتم نقلهم عبر الحافلات. غير بعيد عن البوابة التي سيلج منها الركاب إلى الطائرة، كانت مجموعة من الشباب مكونة من حوالي ستة أفراد يتبادلون أطراف الحديث بصوت مرتفع. «التطاول» على المحادثة الجارية بينهم سيكشف أن الأمر يتعلق بشباب مغاربة من «المهاجرين السريين» الذين فشلوا في الوصول إلى ألمانيا. هم اليوم في رحلة إياب «قصرية»، بعدما خيروا بين العودة إلى بلدهم أو مواجهة مصير السجن. جميع هؤلاء الشباب لا يتوفرون على جوازات السفر، وهو ما اضطرهم للاتصال بالسلطات الدبلوماسية المغربية لاستصدار جواز عبور مؤقت «Laisser passer» قصد الانتقال من أثنيا إلى إسطنبول، ومنها إلى مطار مدينة الدار البيضاء. رحلة العودة كانت على نفقة عائلات هؤلاء الشباب، الذين استنجدوا بأسرهم للحصول على مصاريف تذاكر السفر. صعد الجميع إلى الطائرة. أحد مضيفي الخطوط التركية توجه نحو الشباب، الذين ينحدر أغلبهم من مدينة الدار البيضاء، وطلب منهم التزام أماكنهم قبيل إقلاع الطائرة. كانت تجربة السفر بين البيضاء وأثينا عنوان النقاش الطويل الذي جمعهم طيلة مسار الرحلة التي ناهزت مدتها أربع ساعات. تحدثوا عن مخيمات اللجوء، عن الكيفية التي تعرض بعضهم فيها للنصب، وكيف وجدوا أنفسهم غرباء بدون مأوى في أرض تبعد عن الوطن بآلاف الكيلومترات.
هنا البيضاء
الساعة الثانية عشرة إلا ربع. تحط طائرة الخطوط الجوية التركية فوق أرضية مطار محمد الخامس. تعم الفرحة وجوه الشباب التي أخذت منها ظروف التشرد لأزيد من شهر بريقها. لم يتردد بعضهم في التعبير عن ارتياحه وهو يعود إلى أحضان أسرته، لكن آخرين سرعان ما اخترقهم إحساس الحزن وهم يرددون: «خسرنا رزقنا وماطفرناهش». لم تنته التجربة بمجرد النزول من الطائرة. عند البوابة المؤدية إلى المكان المخصص لمراقبة جوازات السفر، كانت عناصر من الشرطة المغربية في زي مدني وتحمل إشارة «الشرطة» تقوم بعملية مراقبة أولية لوثائق السفر. عدم توفر هؤلاء الشباب على جوازات السفر جعل الأمن يقودهم نحو مكتب خاص. بيد أن أمين، الشاب البيضاوي، الذي حافظ على جواز سفره، كان أكثر حظا وهو يصطف في طابور طويل رفقة باقي المسافرين في انتظار ختم جواز السفر. في حديثه ل»المساء» لم يتردد في التعبير عن فرحته، وقال بنبرة تحمل الكثير من الأمل: «الحمد لله رجعت لبلادي، هادشي كان غير سياحة ودابا غادي نوض نقلب على خدمة راه عندي دبلوم في الميكانيك».
دول البلقان تغلق الحدود في وجه المغاربة والمهاجرين لأسباب اقتصادية
في الآونة الأخيرة، تبنت عدد من دول البلقان التي يمر منها اللاجؤون والمهاجرون الراغبون في الالتحاق بألمانيا، إجراءات مشددة لتقليص تدفق من تصفهم بالمهاجرين لأسباب اقتصادية، الذين ينحدرون من بعض الدول كالمغرب وسريلانكا وتونس والجزائر وغيرها من المناطق الآمنة. ودفع هذا الوضع المهاجرين غير المرغوب فيهم إلى تنظيم احتجاجات يومية، وصلت حد خياطة أفواههم كتعبير عن رفضهم لهذه الإجراءات. وعرقل المهاجرون غير الشرعيين حركة القطارات في الحدود الشمالية لليونان مع مقدونيا، وذلك بعدما تقطعت بهم الأوصال وتم شديد عملية فرز الوافدين، حيث يُمنع على غير السوريين والعراقيين والأفغان عبور الحدود. وأوردت وكالة «رويترز» للأنباء أن سلوفينيا، وهي دولة عضو في منطقة «شينغن» (الاتفاقية التي تتيح التنقل بلا جوازات سفر في الاتحاد الأوروبي)، أعلنت أنها لن تسمح سوى بعبور الهاربين من الصراعات في سوريا والعراق وأفغانستان، وستعيد الباقين الذين تعتبرهم «مهاجرين لأسباب اقتصادية». كما حذت دول أخرى مثل كرواتيا وصربيا ومقدونيا حذو سلوفينيا لتتقطع السبل بأعداد متزايدة من المهاجرين في خيام ومخيمات على حدود البلقان مع اقتراب فصل الشتاء. وقبل أسبوع أطلقت المفوضية الأوروبية والمفوضية العليا للاجئين، التابعة للأمم المتحدة في أثينا برنامجا مشتركا يهدف إلى توفير 20 ألف مكان استقبال في شقق وفنادق للاجئين المؤهلين لإسكانهم في الاتحاد الأوروبي ولطالبي اللجوء في اليونان. هذا البرنامج سيمول من ميزانية الاتحاد الأوروبي بما قدره 80 مليون يورو، وستنفذه المفوضية العليا للاجئين.
وذكرت وكالة «فرانس بريس» أن 123 مهاجرا مغربيا وصلوا إلى تركيا أثناء تدفق اللاجئين وعلقوا في اليونان بعد قرار مقدونيا عدم السماح إلا بمرور الأشخاص الآتين من مناطق نزاع، حيث تم اقتيادهم من مركز في أثينا إلى مخيم احتجاز في «كورينثيا» في منطقة «بيلوبونيز» جنوب غربي البلاد. وأمام تشديد إجراءات فرز اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، تراجعت أعداد الوافدين من المهاجرين لأسباب اقتصادية، بل وتم وضع عدد منهم في أماكن للاحتجاز، وهو ما كشف عنه شريط فيديو لشباب مغاربة تم نشره على الموقع الاجتماعي «يوتيوب»، وهم يوجهون نداءات استغاثة لتحريرهم ووضع حد لمعاناتهم.
الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.. قراءة في الدوافع والمحفزات
عاطف بكمزا
1 كيف يمكن النظر إلى ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي ظهرت حديثا مع توارد أخبار عن نجاح محاولات الوصول إلى هولندا عبر تركيا واليونان؟
إن أي فهم لظاهرة الهجرة غير الشرعية التي أصبحت تجتاح دول العالم الثالث باتجاه أوروبا، لا يمكن أن يتم إلا انطلاقا من العناصر المسببة لها والتي تمثل العوامل في تحديد دوافعها الرئيسية، فالهجرة غير الشرعية في واقع الأمر هي هجرة للإفراد بطريقة غير شرعية من مكان إلى مكان آخر والتي تروم بالدرجة الأولى تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي للأفراد، ومحاولة للانتقال من حالة ضعيفة إلى حالة جيدة على جميع المستويات، والتي يتم في إطارها تسخير كل الوسائل المتاحة والممكنة سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، وهنا وجب التركيز على أن الهجرة غير الشرعية نحو الخارج تختلف تماما عن الهجرة الداخلية نحو المدن، كما تختلف أيضا عن نظيرتها الهجرة المشروعة أو الشرعية، ووالتي تتم في إطار الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والموقعة سلفا بين الدول في المنتظم الدولي. في حين أن الهجرة غير الشرعية هي كل أفعال الهجرة التي تدخل في نطاق خارج عن ما هو منصوص عليه في المعاهدات والاتفاقيات الدولية، والتي تعتبر بمثابة السرطان أو الوباء الذي لازال يهدد العالم.
2 ماهي المحفزات الأساسية التي تدفعهم إلى ذلك؟
الهجرة كظاهرة اجتماعية مرتبطة بمجموعة من الأسباب منها ما هو اقتصادي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو سياسي والتي تعتبر المحفز في تطورها واتساع نطاقها، فكلما اتسعت دائرة الأسباب والدوافع تزايدت حدة الهجرة وارتفعت، وأن أي محاولة للحد من هذه الظاهرة يجب أن تنطلق من دوافعها ومحاولة القضاء عليها أو على الأقل تقليصها إلى الحد الأدنى للحد من الظاهرة. ويمكننا حصر المسببات الاقتصادية فيما يلي:
البطالة، وهو أحد أكبر المسببات الاقتصادية لظاهرة الهجرة، حيث إن نسب البطالة المرتفعة تشكل الدافع الرئيسي والاقتصادي إلى التفكير في الهجرة، بالأخص سوق الشغل الذي لا يوفر مناصب شغل كافية للأفراد للاشتغال، وأيضا غياب المؤسسات والمعامل التي يمكن أن تغطي النسبة السكانية من الأفراد المتواجدين في النطاق الجغرافي، يحفز لديهم النازع نحو الهجرة بحثا عن فرصة اقتصادية أكثر. وأيضا عامل التوزيع غير العادل للثروات، والذي من المسببات الاقتصادية المساهمة في تنامي الظاهرة، فأمام اتساع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، وتزايد الأفراد الذين يعانون من الفقر، تتطور الهجرة وتنمو، والجدير بالإشارة أن هذا العامل الاقتصادي لا يساهم فقط في الهجرة الخارجية بل أيضا الهجرة الداخلية نحو المدن. أما فيما يتعلق بالمسببات الاجتماعية: يمكننا الحديث عن النمو الديموغرافي الذي يلعب الدور المحدد في تنامي الهجرة خصوصا أمام ندرة الموارد الطبيعية وفرص العمل، والتطور غير الانتظامي لنسبة السكان، يجعل الهجرة هي المناص لتحسين شروط العيش للأفراد. كما لا يمكن أن ننسى أيضا صورة النجاح الاجتماعي، والتي تعتبر بدورها من المحفزات للهجرة أيضا، بحيث إن الصورة التي يظهر عليها المهاجر عند عودته إلى بلده لقضاء العطلة، حيث يتفانى في إبراز مظاهر الغنى: سيارة، هدايا، استثمار في العقار الخ…. وكلها مظاهر تغذيها وسائل الإعلام المرئية وتشجع على تنامي الحس النفسي والاجتماعي عند الفرد وتحفزه أكثر نحو اختيار الهجرة، سواء بطريقة شرعية أو غير شرعية لتحقيق واقع اجتماعي أفضل.
3 ماهي قراءتك لنزيف الهجرة من الريف إلى أوربا؟
في الحالة الريفية وباعتبارها من المناطق التي تشهد أكثر نسب من الهجرة في المغرب، فإن الأسباب جد متعددة والتي يمكن أن نحصر أهمها سواء الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في صورة النجاح الاجتماعي والتي تعتبر أكبر حافز للهجرة نحو الضفة المقابلة، فبقدوم كل فصل صيف وأمام توافد المهاجرين من أوروبا نحو الريف، تتضح الصورة التي يقدمها المهاجر للمواطن المغربي المقيم في شمال المغرب، والتي تحفزه على التفكير أكثر في الهجرة، أمام تحسن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للمهاجرين، وأيضا نسب البطالة المرتفعة حسب التقرير الأخير الذي قدمه بالمغرب، والذي شهد ارتفاعا في نسب البطالة بالمغرب، لتستمر ظاهرة الهجرة في التطور والنمو والتغذي على هذه المسببات، التي تستعصي معالجتها إلا باعتماد مقاربة شمولية تروم تنمية حقيقية للمناطق التي تعرف نسب مرتفعة من الهجرة، وتوفير بيئة ملائمة للعمل والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للأفراد.
من العروي إلى اليونان.. حكاية مغاربة تحولوا إلى «لاجئين» بحثا «الجنة الأوربية»
يتم توفير مبلغ 25000 درهم على الأكثر أو 150000 درهم على الأقل، وتكلف التذكرة نحو تركيا ذهابا وإيابا لتفادي أي إحراج أو شكوك في المطار، حوالي 7000 درهم في المتوسط، مباشرة إلى مطار اسطنبول، ويتم التنقل إلى المدن الساحلية عبر الحافلات في تركيا. قبل التوجه نحو قوارب الهجرة التي تكلف في المتوسط 2500 درهم والتي تقلهم مباشرة إلى اليونان، لكن قبل الوصول الى اليونان يتم تغيير المركب في احدى الجزر المدنية التابعة لليونان، وتكلفة المركب الثاني والذي يقلهم مباشرة الى اليونان حوالي 5000 درهم، قبل الوصول إلى مخيمات اللاجئين في اليونان. وهذا الطريق يعتبر صعبا بعض الشيء، لوجود مراقبة متكررة لهذه الأماكن.
وحسب المعلومات نفسها، فإن هناك من يذهب مباشرة إلى مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا، والتقيد على أنهم لاجئون سوريون لدى مكاتب الإغاثة الدولية أو المكاتب التي وضعتها الحكومة التركية لاستقبال النازحين السوريين ثم يتم بعد ذلك اجتياز اختبار الجنسية والمنطقة التي قدموا منها من سوريا، حيث يصرحون أنهم قادمون من المدن التي تعرف معارك طاحنة بين النظام والمعارضة مثل الرقة وحلب، ثم يتم إيواؤهم في المخيمات، قبل أن يقوموا بربط الاتصال مع السوريين الذين يقومون بتعبئة المهاجرين في قوارب الهجرة نحو اعتناق الحلم الأوروبي. أغلب التقارير تقول إنه بعد انطلاق قوارب الهجرة إلى أوروبا من سوريا والتي كانت تبث على الإذاعات والفضائيات، ساهمت في إذكاء حملات الالتحاق بتركيا، والتي بدأت مع بداية شهر أكتوبر، تزامنا مع الضجة التي أثارتها قوارب الهجرة القادمة من تركيا في أوروبا، ولازالت مستمرة إلى حد الساعة، وأنه في حدود الأسبوعين الأخير تكون الهجرة قد عرفت أوجها، خصوصا مع توارد الأخبار التي ترد من الضفة المقابلة بفعالية الطريقة ونجاحها. أدت الأخبار الصحيحة والشائعات المفتعلة أيضا إلى هجرة الآلاف من سكان الريف. يقول رشيد، الذي يستعد للهجرة في الأيام المقبلة، بنبرة يملؤها اليقين، إن العدد في إقليمي الناظور والدريوش يكون قد ناهز 7000 مهاجر في ظرف شهرين وأن الدولة تتستر مع علمها المسبق بهذه الأرقام لكون المغرب تربطه اتفاقيات الحد من الهجرة مع الاتحاد الأوروبي، وأن أي تصريح بهذه الأرقام سيضع المغرب في موقف حرج جدا.
حكايات مأساوية
الطالب كمال ابن قاسيطة من مواليد سنة 1993، ازداد في أسرة ذات دخل محدود جدا بالكاد يكفي لسد رمق الحياة. يشتغل والده تاجرا في الأسواق الأسبوعية، وأمه ربة بيت، له 5 إخوة، 2 منهم يوجدون في الديار الهولندية، والباقون صغار يدرسون في المراحل الابتدائية والإعدادية. كان يحلم يوما أن يتدرج في سلك القضاء لكن القضاء وحده من جعله يفكر في الالتحاق بالضفة الأوربية عبر تركيا. قادته قلة ذات اليد إلى التوقف عن الدراسة في مرحلة مبكرة أمام عجزه عن توفير المال اللازم لمواصلة الدراسة، ثم التفكير جديا في السفر إلى أوروبا والعمل مع إخوته لإعالة عائلته الفقيرة. قبل شهر كان كمال في مدرجات كلية وجدة يتابع دراسته بانتظام، لكن بمجرد أن تواردت الأخبار بإمكانية الهجرة عن طريق تركيا واليونان بدأ في مرحلة جمع المال من أقربائه وقام ببيع دراجته النارية التي كان يتنقل عليها في مدينة وجدة، وجمع مبلغا ماليا سيساعده على السفر في الطائرة إلى تركيا ثم إلى اليونان قبل أن يلتقي بإخوته في هولندا، وهذا بالفعل ما قام به كما يحكي للمساء قبل أن يعود إلى المغرب خائبا.
حلم الهجرة إلى الضفة الأوربية لم يعد يراود فقط أصحاب المهن الصغيرة، بل حتى المشتغلين في ميدان الصحافة أثرت فيهم الأخبار والفيديوهات المنشورة على الفايسبوك لأصدقاء وصلوا إلى اليونان. عبد الرحيم، شاب في عقده الثاني، يشتغل كصحفي في أحد المواقع الالكترونية المحلية، يفكر في الهجرة إلى تركيا عاجلا، وهو في سعي حثيث لجمع المبلغ المالي اللازم لشراء تذاكر الذهاب إلى تركيا. ينسق عبد الرحيم منذ أيام، حسب ما سرده «للمساء» مع مجموعة أخرى من أصدقائه يبلغ عددهم الثلاثين للعبور إلى اليونان عبر تركيا.
عشرات الحالات تتكرر بنفس المآسي، لكن حالة إبراهيم تبقى الأكثر تعبيرا عن ظاهرة صارت مخيفة للدولة وللعائلات أيضا. إبراهيم ينتمي إلى أسرة فقيرة جدا عمره لا يتجاوز 19 سنة، والده يشتغل بائعا للأسماك، ووالدته ربة بيت، له 3 إخوة يصغرونه. يقول إن حلم حياته كان دائما الهجرة إلى هولندا، وأنه لا يفكر في الدراسة أو العمل بالمغرب، ولم يكن البقاء هنا يوما خيارا واردا. ترك مقاعد الدراسة في سن مبكرة جدا، إذ كان يعتقد أنه سيرحل من المغرب عاجلا أم آجلا، ومنذ ذلك الوقت يبحث عن وسيلة تخلصه مما يسميه ب»القهر». قبل 6 أشهر من الآن قام بمحاولة لطلب التأشيرة إلى هولندا لكنها جوبهت بالرفض، أصر إبراهيم على معانقة الحلم الأوروبي، وحاول أن يختبئ في سيارة لأحد أفراد عائلته في الصيف الماضي لكن خوفه من الإسبان ومن عائلته جعله يعدل عن الفكرة في آخر لحظة. الصور التي يمعن التلفاز في إظهارها بشكل يومي حول هجرة أجناس متعددة من تركيا إلى اليونان، جعلت فكرة الهجرة أكثر «دغدغة» من قبل، وبالفعل وصل إلى تركيا وقام بالاتصال بأصدقاء له هناك عبروا به إلى اليونان ثم وجد نفسه بقدرة قادر في هولندا مع إخوانه. إبراهيم الذي نشر تسجيلا مصورا على الفايسبوك يشرح فيها طريقة وصوله إلى تركيا قال ل»المساء» إن حلم الوصول لم يكن سهلا بالمرة لأنه «عاش أكثر من 9 أيام من المعاناة والخوف أيضا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.