20 ألف مهاجر سري منحدر من دول جنوب الصحراء يتخذون من المغرب مقاما مؤقت بعضهم يتاجر في الهواتف و المراهم ، والبعض الآخر يبيع الساعات اليدوية وحافظات النقود و المنحوتات الخشبية وآخرون يمارسون التسول ظاهرة متنامية قوامها أنشطة تجارية وممارسة التسول في غياب إحصاءات رسمية حول أعداد المقيمين بصفة شبه دائمة فوق التراب المغربي تتحدث التقديرات عن ما بين 15 ألف و 20 ألف مهاجر سري منحدر من دول جنوب الصحراء يتخذون من المغرب مقاما مؤقتا قبل محاولات الهجرة الفاشلة في أغلب الحالات نحو أوروبا عبر شواطىء طنجة أو معابر مليلية و سبتة المحتلتين . وتتحكم في ظاهرة هجرة الأفارقة الى المغرب أولا جاذبية المملكة باعتبارها آخر مراحل الرحلة الطويلة لبلوغ الفردوس الأوروبي و أنساق حياة و تفاعل آلاف المهاجرين السريين مع المجتمع المغربي و أشكال تعامل السلطات العمومية مع الظاهرة تطرح قراءات متعددة يتقاطع ضمنها الحقوقي مع القانوني و الانساني مع الاجتماعي . يتسلل المهاجرون الأفارقة الى تراب المملكة عبر مسلكين رئيسيين , المسلك الشرقي عبر الشريط الحدودي المشترك مع الجزائر أو المسلك الجنوبي عبر الأقاليم الصحراوية . و من هاذين المسلكين تتواصل رحلة أفواج الأفارقة نحو الشمال في إتجاه الناظور أو طنجة أو غربا في إتجاه البيضاء و الرباط و المدن القريبة منهما بحثا عن فرص شغل أو أشكال نشاط مؤقت يوفر لهم المؤونة في انتظار فرصة الهروب الكبير نحو ضفاف الجزيرة الايبيرية . »العلم «تتبعت مسار عينة من المهاجرين الأفارقة السود بضواحي ا لجديدة و عادت بالانطباعات التالية مدينة الجديدة ، المدينة الساحلية التي تنام ليلها تحت هدوء الحركة وصوت هدير أمواج البحر المحيط بها ، والتي تستفيق نهارها على حركية بطيئة تتقوى شيئا فشيئا لتصل ذروتها بعد الظهر وتمتد للساعات الأولى من الليل ، كغيرها من المدن المغربية تشهد تنامي ظاهرة أمواج المهاجرين الأفارقة من دول السينغال ومالي ونيجريا وغينيا والطوغو وساحل العاج ..ذكورا وإناثا ..بعضهم يتاجر في الهواتف النقالة أو يبيع أنواعا من المراهم ، والبعض الآخر يبيع الساعات اليدوية وحافظات النقود الجيبية أو المنحوتات الخشبية أو الأقراط والخواتم ، بينما آخرون يمارسون التسول في كل مكان من المدينة .. جريدة العلم حاولت رصد أخبار عينة منهم ، والتعرف على أنشطتهم وحركيتهم ، وتلمس معيشتهم ومعاناتهم وأهدافهم ..إلا أن تحفظاتهم جميعا كانت قوية في ذكر كيفية الوصول إلى المغرب ، وكيفية توريد الهواتف النقالة وباقي البضائع ... صادو من السنغال : عمري ثمان وثلاثون سنة ، هاجرت وتركت ورائي زوجة وثلاثة أبناء في بلدي السنغال ، أتواصل معهم مرة في الأسبوع لأسمع صوتهم ولأسمعهم صوتي وكثيرا ما تنتهي المكالمة ببكاء الحنين والشوق ولكنها ظروف كسب الرزق التي تفرق بيننا كل هذه المسافة ، فمنذ أزيد من سنة ونصف وأنا أعيش هنا في غرفة أكتريها لوحدي بمبلغ 500 درهم لمعظم شهور السنة عدا فصل الصيف حيث تفرض علي صاحبة البيت إضافة 100 درهم أخرى ،، لا أنوي الهجرة إلى أوربا لعدة أسباب : أولا لأن هناك العنصرية تجاه الأفارقة السود ، ثانيا كل البلدان الأوربية تعيش أزمة اقتصادية خانقة ، وثالثا لأني لا أعرف السباحة وأخاف كثيرا من البحر ، كما أني لا أريد أن أغامر بحياتي وترميل زوجتي وترك أبنائي الثلاثة يتامى من بعدي ..ولهذا فأنا أتطلع للرجوع يوما إلى بلدي وفتح محل أجعله مرسما ومعرضا لرسوماتي على اعتبار أني أهوى الرسم التجريدي وأمارسه على جلد الماعز الذي يجلبه لي أخي من مدينة الصويرة ، حيث أرسم على مقاسات صغيرة لا تتعدى 30 / 40 سم في فصل الصيف الذي يكون فيه الإقبال كبيرا على الرسوم لأن مدينة الجديدة مدينة ساحلية تكتظ بالسياح الأجانب والمغاربة إضافة إلى ثمنها الذي لا يتجاوز 25 درهما للوحة الواحدة ، أما في باقي فصول السنة فأنا أبيع الساعات اليدوية وحافظات النقود الجيبية رغم كون هامش الربح اليومي يكون ضئيلا ولا يبلغ 100 درهم إلا أنه يشكل تجارة وهي أحسن من لا شيء .. في بلدي ، ليست لدي الإمكانيات لفتح ورشة المرسم ولا أتوفر على الشروط الضرورية للاستفادة من القروض البنكية ، إذ يشترط امتلاك منزل أو سيارة للحصول على قرض مالي من البنك ، ولهذا اتفقت مع صديق لي يقيم بإسبانيا ليحضر لي سيارة من هناك بمبلغ ألف وخمسمائة أورو ويوصلها لي إلى مدينة طنجة ، ومن تم سأغادر بها إلى السنغال وأقوم بتعشيرها هناك وأقدم أوراقها للحصول على القرض البنكي الذي سيساعدني على إنشاء مشروعي والعيش إلى جانب زوجتي وأبنائي وأضمن حسن تربيتهم وتعليمهم .... أطوني من نيجريا : أنا مسلم نيجيري ، كانت هجرتي إلى المغرب اضطرارية لأني لحقت بزوجتي التي تتابع دراستها بمدينة الدار البيضاء ، لدينا ابنة صغيرة نحبها كثيرا ومن أجلها ومن أجل مستقبلنا لا تهم المعاناة والتضحية ، أما ممارستي للتسول فليست بمحض إرادتي ولكني مرغم على ذلك ما دمت لا أتوفر على رأسمال للاشتغال بالتجارة وما دام الناس هنا لا أحد منهم يقبل تشغيلي ، كما أن اللغة تطرح لي مشكلا عويصا لأني أتكلم اللغة الإنحليزية فلا يفهمني أحد ولا أستطيع التعبير إلا بها ، وقد حفظت بعض الكلمات العربية التي تفيدني في كسب عطف الناس مثل : "صدقة " ، في سبيل ألله" ، "درهم " ، " شكرا ".. أعرف أن التسول ليس جيدا خصوصا واني أبدو قويا وغير مريض ، ولهذا فكثير من الناس أفهم من نظراتهم معاني الاحتقار بينما لا أستطيع فهم ما يقولون حين أبسط يدي لبعضهم ، ويبقى يوم الجمعة أمام المساجد أحسن الأيام هنا ، حيث يكون الناس طيبين جدا ويعطون المال بسخاء كبير ويحضرون أواني كبيرة من أكلة " الكسكس " اللذيذة ، إلا أنني أجد مضايقات شديدة عند الجلوس للأكل خاصة من طرف النساء المتسولات الكبيرات في السن وكذلك من طرف بعض الشبان الذين يشتمون ثوبا يصبون فيه سائلا كريه الرائحة ، كما أني لآ أمكث في نفس المدينة طويلا بل أتنقل يوميا ما بين الدارالبيضاء والمدن القريبة منها كالمحمدية والجديدةوالرباط وأحصل من التسول على ما بين 50 و80 درهما في اليوم نستعمله كدعم إضافي لما ترسله أسرة زوجتي من أجل مساعدتها على متابعة دراستها هنا .. لا أنكر أنه إذا أتيحت لي فرصة للهجرة إلى أوربا فلن أتردد في ذلك لحظة واحدة لأن فرصة الشغل بالنسبة لي تبدو شبه مستحيلة إن لم تكن كذلك هنا في المغرب كأجنبي إفريقي ، ولأننا أنا وأسرتي الصغيرة نعيش وضعية صعبة ونأمل أن تكون لنا أوراق إقامة مؤقتة لبضعة أشهر تجعل المغاربة يثقون فينا ويشغلوننا ولنكسب قوت يومنا بالعمل عوض التسول حتى ولو كان العمل شاقا مثل البناء أو حمل البضائع في المحطات الطرقية ومحطات القطار ... فاطمة وفانطا من السنغال : عمري ثمان وعشرون سنة ، عازبة ، وأعيش في المغرب منذ أزيد من سنة ، أما صديقتي فانطا فهي أصغر مني بسنة ولم يمض على وصولها إلى المغرب سوى شهرين اثنين ، ونعيش معا بمعية زوجة أخي في غرفة ببيت قرب المحطة الطرقية نكتريها ب600 درهم ، ونجلب الهواتف النقالة من السنغال ومن موريطانيا ونبيعها هنا وكل هاتف له ثمنه حسب نوعه (La marque ) والمواصفات (Les options) التي يحتويها وإن كان يعمل بنظام الأزرار (Les touches) أو بنظام اللمس (Tactile) ، والمغاربة يساومون كثيرا ويخفضون الثمن لأقصى حد ، وأحيانا نضطر لبيع هاتف أو اثنين بأقل سومة للحصول على السيولة النقدية اللازمة لأداء واجب الكراء أو لشراء ما نقتات به ونادرا ما يكون لنا هامش ربح مريح إذا صادفنا شخصا يبحث بلهفة عن هاتف معين بذاته ، كما أن عملية البيع هنا للعنصر النسوي بالذات جادة وجيدة للغاية حيث تبدي الفتيات المغربيات تعاطفا كبيرا معنا وخصوصا حينما نخاطبهن بكلمات من اللغة العربية ، إضافة إلى أن تجارة الهواتف النقالة في المغرب تجارة رائجة جدا حيث الطلب كبير والإقبال يومي على هذه البضاعة ، وما يتوجب عليك فعله هو التنقل وعدم الاستقرار في نقطة بيع معينة ، ولذلك لا نترك مكانا إلا ونذهب إليه وخصوصا الشوارع التي تنتشر عليها المقاهي إذ يمكن أن نجد في كل مقهى زبونا افتراضيا وقد يكون مضيافا وكريما معنا فيأمر لنا بكأس حليب أو كأس قهوة ونغتنمها نحن فرصة لأخذ قسط يسير من الراحة قبل أن نتابع رحلتنا الماراطونية ، وأحيانا حينما نريد في المساء الاستقرار في نقطة ما قرب المسرح أو بفضاء ساحة محمد الخامس أو ساحة الحنصالي نتعرض لحجز بضاعتنا من طرف السلطات المحلية ولا نستطيع استردادها إلا بعد طول طواف واستعطاف ..وغالبا ما يتدخل أحد المغاربة لجعلهم يعيدونها إلينا .. وعموما لا نجد مضايقات من المغاربة بل نحس بالأمان وكأننا في بلدنا السنغال إذ نتحرك بكل حرية ونتبادل التحية مع من تعرفنا عليهم ومن تعرفوا علينا... رومي من غينيا : عمري ثلاثة وأربعون سنة وموطني الأصلي قرية صغيرة جدا تبعد عن العاصمة الغينية بحوالي 50 كلم يساعد فيها الميسورون أفراد أسرهم وعائلاتهم لا غير ، أول ما دخلت إلى المغرب كان استقراري مع أخي في مدينة الرباط ، وحاليا أنا هنا في مدينة الجديدة لمدة شهر واحد ، وأجد صعوبة بالغة في التواصل مع المغاربة لأن اللغة التي أستطيع التحدث بها هي اللغة الإنجليزية ولا أحد هنا يمنحني فرصة للاشتغال ولذلك أتسول ، أنا يتيم الأب وإخوتي كثار ولا مدخول لنا وهي أسباب للهجرة والابتعاد عن الوطن ولو لمدة معينة تمكن من جمع ثروة ما ، ألاحظ في الأعين خوفا شديدا من الإفريقي الأسود وهي ليست نفسها المعاملة التي يتعامل بها المغاربة مع الأجانب من أوربا أو أمريكا أو من الدول العربية ، فهؤلاء يلقون ترحيبا كبيرا عكسنا نحن ، ربما لأنهم لا يمارسون التسول مثلنا .. هنا في الجديدة ، أقيم مع بعض الزملاء في منزل مهجور دون إنارة ولا ماء صالح للشرب ، فراشنا قطع من الكارطون وغطاؤنا أطراف من الأكياس نخيطها بأيدنا لنجعل منها ألحفة ، في النهار نأكل مما يجود به علينا الناس الطيبون وفي الليل نحضر معنا قنينات من الماء الصالح للشرب والحليب والخبز، أما ما أستطيع تحصيله من التسول في اليوم الواحد فيصل إلى ما بين 40 و60 درهما وعندما أخلد للنوم ليلا أملأ الفضاء شخيرا كما يقول زملائي وذلك بسبب العياء والتعب من جراء التنقل على الأرجل طوال النهار، ولا أخفي سرا إذا قلت أنه يتملكني الخوف وأحس بالرعشة كلما شاهدت من بعيد رجلا يرتدي بزة مخزنية فأختبئ حتى يبتعد لأني أخاف الإمساك بي وإرجاعي إلى بلدي الذي يعيش فيه الناس إما أغنياء لهم كل شيء أو فقراء لا يملكون شيئا ومستعدون لفعل أي شيء من أجل لقمة العيش..وهذا لا يعني أني أكره بلادي بل أحبها وأتمنى أن تكون مثل المغرب حيث لا وجود لشيء اسمه الجوع أو العري ، فمعظم الناس هنا يملكون سيارات أو دراجات ، وفي السوق لا يشتري أحدهم حبة واحدة من البطاطس أو من الطماطم أو من أنواع الفواكه ، الخبز موجود في كل وقت بوفرة والخبزة الواحدة بدرهم واحد ومن سألته خبزة لا يتردد في شرائها لك .. أجمع المال من أجل الهجرة إلى أوربا وأفضل بلدا ناطقا بالإنجليزية حتى أندمج بسرعة ومستعد للعمل هناك أيا كانت طبيعة العمل ولو في مجاري الصرف الصحي ، المهم في أوربا يوجد احترام لكرامة الإنسان ولا أخشى هناك العنصرية لأن من هاجروا من قبل من غينيا إلى أوربا صاروا أغنياء ويساعدون عائلاتهم بتحويل الأموال إليهم ، لكن كيف السبيل إلى الهجرة مع وجود سلطات أمنية مغربية يقظة ، أنا أعرف السباحة ورغم أني لا أجيدها بالشكل الاحترافي فلن أتردد في ركوب البحر والقيام بالمغامرة وإذا مت وسط البحر فلن أكلف عائلتي الفقيرة تكاليف نقل جثماني لأن السمك سيتكفل بتحليل جثتي وأكلها ...