الإعراب عن نويا الإصلاح واستمرار نهج التدبير المختل يعمق الأزمة داخل المجتمع ويساعد في تفريخ المحتجين وينمي صفوفهم، لأنه يساهم بشكل كبير في فقدان الثقة في المسؤولين الذين يفترض فيهم إن كان لهم حس سياسي أن يعوا أن مرحلة التنويم والتسكين قد انتهت وأن الحكم عن طريق القبضة الحديدية لم يعد ممكنا لأن الدعامة الأساسية لاستمراره وتسويغه كانت تمر عبر تنميق السلوكات بواسطة وسائل الإعلام التي كانت الدولة تتحكم فيها، اليوم الشبكات الاجتماعية الفيسبوك والقنوات الفضائية والانترنيت بكل مظاهر اشتغاله جعلت هذا التحكم أصبح مستحيلا ، ونحن نلاحظ أن الأنظمة الشمولية انفرط العقد الرابط بين مكوناتها بمجرد بدء الحركات الاحتجاجية في شوارعها، بل لاحظنا أن الأمر انتقل إلى تبادل الاتهامات والتنصل من مسؤولية الممارسات الاستبدادية ومحاولة إيجاد موقع مع الجهة الغالبة من طرف الموالين لهذه الأنظمة فيما بينهم ، تجلى هذا بالنسبة للأنظمة العربية التي أكملت الثورة الشعبية مهمتها في التجارب الثلاث بتونس ، مصر ثم ليبيا، حيث تبرأ سفراء ووزراء ومسؤولون رفيعي المستوى في مواقع قرار حساسة من حكامهم ، وقد كان هذا متسارعا في هذه الدول لأن حكامها ركبوا رؤوسهم وزين لهم أتباعهم ومحيطهم القريب استعمال القوة والعنف اتجاه المتظاهرين، وتوريطهم في متاهات العنف الذي لم يولد غير العنف المضاد، ولأن الكفتان عدديا غير متكافئتان وحيث أن حاجز الخوف قد كسر فأن الغلبة بالتأكيد كانت في النهاية لصالح الشعوب مهما احتمت الأنظمة الجائرة بالكتائب العسكرية. يبقى الاستثناء لدى الأنظمة التي بادرت إلى التجاوب مع نداءات الإصلاح التي صدحت بها حناجر المحتجين وقامت بمباشرة الإصلاحات ولم تسبح ضد تيار الشعوب، لكن المرحلة تبقى دائما حرجة وتطلب صدقا في الفعل على أرض الواقع لإرجاع الثقة في المؤسسات من خلال القطع مع المظاهر السلبية التي كان يتسم بها التدبير السياسي خلال المرحلة السابقة من منطق التحكم والسلطوية، وهو استثناء مرتبط بتنفيذ الإصلاحات،غير أن هذه الدول التي تميزت بهذا الاستثناء يمكن أن تصدق عليها سنن التغيير التي لا تحابي أحدا لارتباطها بتحقيق العدل الذي يعتبر أساسا للاستقرار. استنادا لما سبق فإن أي تحايل في تنفيذ الإصلاح قد تكون له عواقب غير محمودة لا يدري أحدا ما ستؤول إليه، ومن تم فإن بلادنا تنعم باستقرار وهدوء مشوب بالحذر في انتظار تحقيق الإصلاحات المنشودة ابتداء بتنقية الجو السياسي المبني على تحكم الإدارة في الانتخابات (من : لوائح انتخابية، تقطيع، ضبط للتصويت ببطاقة الهوية، محاصرة مستعملي المال الحرام من خلال توسيع الدوائر وتقليص عدد مكاتب التصويت لتمكين المتنافسين من مراقبة الصناديق وتقريبها من المواطنين لرفع نسبة المشاركة التي يتعذر معها على تجار الانتخابات والمضاربين فيها بيع الأصوات بالجملة أو بالتقسيط، التدخل في التحالفات وصنع أغلبيات غير منسجمة...) إضافة إلى تهيئ مناخ ديمقراطي بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين الذين لم يرتكبوا أي أفعال إجرامية، وقبل كل هذا على الحكومة التي ستجرى الانتخابات المقبلة فيما تبقى من فترة ولايتها أن تلتزم القانون وتكف عن استغلال موقعها في السلطة لإصدار بيانات ضد أحزاب وطنية تختلف معها في الرأي، تطبيقا للدستور الجديد الذي نؤكد أنه وحده الضمان لتجاوز أزمة الثقة إذا تم تنزيل فصوله في الواقع كما عبر عن ذلك الخطاب الملكي الذي بين أن الدعوة ليست للتصويت على الدستور ولكن التركيز يجب أن ينصب على الالتزام بمضمونه .