دافع محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، عن التحولات التي تشهدها المؤسسات السجنية بالمغرب في السنوات الأخيرة، واصفاً إياها ب"الطفرة النوعية التي انتقلت فيها السجون من مراكز عقابية قائمة على الردع إلى فضاء لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية في احترام تام لحقوق الإنسان". وفي كلمة له يوم أمس الثلاثاء بالرباط، خلال لقاء دراسي حول مدى تفاعل مندوبيته مع توصيات تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان المعنون ب"أزمة السجون، مسؤولية مشتركة"، الصادر في دجنبر 2012، قال التامك: "إن الوتيرة المتسارعة للتحول الايجابي الذي عرفه هذا القطاع أفرزت سوء فهم لدى بعض الجهات التي لم تستوعب بشكل صحيح التطور الذي عرفه مفهوم ودور المؤسسة السجنية". وأضاف المسؤول الأول عن قطاع السجون أن "العديد من الأصوات لا زالت تحن إلى عهد التعذيب والردع، وتسائل المؤسسة السجنية عن التقصير في الجانب الردعي، وعن الإفراط في تحسين ظروف السجناء وتعزيز حقوقهم، وبلغة مبسطة السجن لم يعد يخيف". وقدمت مندوبية السجون تقريرا مفصلا للمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول الإجراءات المتخذة بخصوص التوصيات الصادرة في تقرير أزمة السجون، وأكد التامك أن العديد من العراقيل تُواجه المندوبية من أجل تنفيذ التوصيات، تتعلق أساسا بالإمكانات المادية والبشرية. في الصدد ذاته، أورد التامك أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة قامت المندوبية بافتتاح 16 مؤسسة سجنية، وفي المقابل تم إغلاق 11 مؤسسة سجنية قديمة ومتهالكة، ومنها ما كان دائما محط انتقادات من طرف المنظمات الحقوقية كسجن بولمهراز بمراكش وسجن انزكان وسجن عين قادوس بفاس، كما سيتم إغلاق السجن المحلي بسلا1 قبل متم سنة 2017. المعطيات التي أوردتها المندوبية العامة للسجون كشفت انتقال الساكنة السجنية من 68 ألفا متم سنة 2012 إلى 82 ألفا و400 سجين متم شهر شتنبر2017، وأشارت إلى أن مجهودات تحسين ظروف الإيواء مكنت من الرفع من معدل مساحة الإيواء خلال هذه الفترة من 1.68م مربع إلى 1.83م مربع لكل سجين، بالإضافة إلى اعتماد تصاميم هندسية جديدة تراعي الشروط الصحية من تهوية وإنارة، وكذا تقليص عدد الأسرّة في كل زنزانة إلى 8. القفة وضعف الموارد وردا على الجدل الذي أثاره قرار منع إدخال قفة المؤونة بكافة المؤسسات السجنية، أكد محمد صالح التامك أنه تم تفويض التغذية للقطاع الخاص وتنفيذ عدة تدابير مواكبة على مستوى تأهيل المطابخ بالسجون وتجهيزها، "مما مكن من تحسين الوجبات المقدمة للسجناء كما وكيفا، وضمان توزيعها في ظروف صحية ملائمة". وأضاف أن "الإجراءات المواكبة ساعدت في الحد من قفف المؤونة التي كانت تثقل كاهل أسر النزلاء، هذا إلى جانب استنزافها للموارد البشرية في عملية التفتيش، باعتبارها كانت تشكل إحدى أهم الوسائل لتسريب الممنوعات"، ولفت إلى أن المندوبية ستقوم بتوفير كل ما يحتاج إليه النزلاء من مواد داخل مقتصديات المؤسسة بأثمنة مضبوطة لا تتعدى ثمن السوق. غير أن مندوب السجون أكد أن إرادة الإصلاح لدى المندوبية العامة رهينة بتعبئة الإمكانات المادية والبشرية الضرورية، وبانخراط جميع الفاعلين للنهوض بقطاع السجون، وقال: "هناك إكراهات عديدة تعيق تحقيق الأهداف المنشودة؛ أهمها الاكتظاظ، وضعف الميزانية، وقلة الموارد البشرية، بالإضافة إلى ضعف انخراط القطاعات المعنية بتنفيذ اختصاصات المندوبية العامة في تنفيذ البرامج الإصلاحية المسطرة من طرفها". "فكما تعلمون، تعاني معظم المؤسسات السجنية من إشكالية ارتفاع نسبة الاكتظاظ المرتبط أساسا بعدد المعتقلين الاحتياطيين. فرغم الانخفاض الذي عرفته مؤخرا، فإنها لا زالت مرتفعة، إذ تناهز حاليا 39% من الساكنة السجنية"، يورد التامك الذي انتقد ضعف الميزانية المرصودة لقطاعه. المصدر ذاته دعا الحكومة إلى تخصيص اعتمادات مالية كافية لتغطية النفقات المرتبطة بالعناية بالسجناء، كالنظافة والرعاية الصحية والتغذية، مؤكدا أن ضعف ميزانية الاستثمار من شأنه أن يؤخر تنفيذ مشاريع بناء السجون الجديدة لمعالجة إشكال تهالك البنية التحتية لبعض المؤسسات السجنية وما لها من أثر سلبي على ساكنتها. وبالإضافة إلى مشكل نقص الاعتمادات، أشار العرض الذي قدمه التامك إلى أن المناصب المالية المرصودة للمندوبية عرفت خلال السنوات الخمس الأخيرة تقليصا ملحوظا، "مما يؤثر لا محالة على نسبة التأطير الأمني والتربوي بالمؤسسات السجنية، هذا بالإضافة إلى ضعف الأجور الذي يؤثر سلبا على المردودية، خاصة وأن هذه الفئة من الموظفين تعمل في ظروف صعبة".