لازالت ظاهرة الاكتظاظ تتفاقم داخل المؤسسات السجنية، حيث تجاوز عدد السجناء، مع متم شهر شتنبر الماضي رقم 82 ألف سجين، يمثل بينهم عدد المعتقلين الاحتياطيين حاليا نسبة تناهز 39 في المائة من السجناء، هذا بالرغم من فتح 16 مؤسسة سجنية جديدة، وتحسين ظروف الإيواء بالتقليص من عدد الأسرة في كل زنزانة إلى 8، والرفع من معدل مساحة الإيواء من 1.68 متر مربع إلى 1.83م مربع. جاءت هذه المعطيات في الكلمة التي ألقاها المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، محمد صالح التامك، في افتتاح أول لقاء خصص لتقييم مدى تنفيذ المندوبية للتوصيات التي تضمنها تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان الصادر سنة 2012، حول إصلاح المؤسسات السجنية والنهوض بحقوق السجينات والسجناء، نظم بالمعهد الوطني للتكوين في حقوق الإنسان – إدريس بنزكري، بالرباط. وكشف المسؤول عن سجون المغرب عن تفاوت في التنفيذ، حيث تمكنت المندوبية من تنفيذ مجموع التوصيات البالغ عددها 45 والتي تخصها حصريا، فيما لم يطل التنفيذ التوصيات التي ترتبط بقطاعات أخرى. ويأتي على رأس خطوات الإصلاح، المنفذة في طرف المندوبية، تطوير مفهوم ودور المؤسسة السجنية الذي انتقل من مؤسسة عقابية قائمة على الردع إلى فضاء لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية في احترام للحقوق الإنسانية للسجناء، فضلا عن تمكنها من تنفيذ عدد من البرامج التي تندرج في إطار الإصلاح، والتي تخص تحسين ظروف الإيواء، وتحسين الوجبات الغذائية المقدمة للسجناء والتي تم تفويض القيام بخدماتها بشكل كلي للقطاع الخاص، وكذا جانب الرعاية الصحية، إذ تم الرفع من الأطر العاملة في المجال بنسبة 74 في المائة، مما مكن من تحسين مؤشرات الرعاية الصحية داخل السجون، بتخصيص طبيب لكل 820 سجين، وطبيب أسنان لكل 1381 سجين، وممرض لكل 162 سجين، وارتفع أيضا معدل الفحوصات الطبية إلى 6 فحوصات في السنة لكل سجين. وشمل مجهود المندوبية، جوانب أخرى تتعلق بتحسيس السجناء أنفسهم بحقوقهم وواجباتهم، واتخاذ عدة إجراءات لضمان حق السجناء في التشكي والتظلم.. حيث تم، في هذا الإطار، إحداث مكتب مركزي لتلقي ومعالجة الشكايات الواردة، وإحداث نافذة الشكايات بالبوابة الإلكترونية للمندوبية، والانخراط في البوابة الوطنية للشكايات المزمع إعطاء انطلاقتها مع مطلع عام 2018. وربط المندوب العام عدم تمكن مؤسسته من تنفيذ عديد توصيات، خاصة تلك التي يرتبط تنزيل مضامينها بالقطاعات الأخرى، بغياب انخراط القطاعات المعنية بتنفيذ اختصاصات المندوبية العامة في تنفيذ البرامج الإصلاحية المسطرة من طرفها، وهي إشكالية، حسب مضمون كلمة المسؤول عن السجون، تنضاف إلى عدد من الإشكاليات التي لازالت تعاني منها المؤسسات السجنية بالرغم من المجهود الذي تم القيام به على مستوى الإصلاح والارتقاء بحقوق الساكنة السجنية، والتي تتلخص، فضلا عن إشكالية الاكتظاظ، في إشكالية ضعف الميزانية المرصودة للمندوبية. وأكد محمد صالح التامك، في هذا الصدد على أن"النهوض بقطاع السجون مسؤولية مشتركة"، معبرا عن الأمل في أن يشكل اللقاء التقييمي لتنفيذ توصيات التقرير الصادر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فرصة لتدارك الأمر ببلورة أرضية لتفعيل اللجنة المشتركة بين القطاعات المعنية بتنفيذ اختصاصات المندوبية العامة، على اعتبار أن اجتماعات هذه اللجنة من شأنها أن تمكن من مناقشة وتدارس الإشكالات المرتبطة بتدبير شؤون الساكنة السجنية، وضمان وتعزيز حقوقها الأساسية، على حد تعبير المسؤول عن قطاع السجون الذي أضاف أن "المندوبية العامة ستظل منفتحة على كل القطاعات المعنية لتفعيل توصيات المجلس الوطني لحقوق الانسان". من جانبه، جدد ادريس اليازمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، التذكير بأن التقرير الذي أعدته مؤسسته، الخاص بوضعية السجون بالمغرب، تمت عنونته "بأزمة السجون مسؤولية مشتركة"، وتضمن 100 توصية من أجل حماية حقوق السجناء والسجينات، موضحا أن المجلس، حينما وضع التقرير، شدد على أن أمر الإصلاح يهم جميع القطاعات المعنية. وأبدى اليازمي ارتياحا للمسار التدبيري الذي باتت تعتمده المندويبة العامة للسجون، وروح الثقة والتعاون التي تأسست بين هذه الأخيرة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، قائلا في هذا الصدد "منذ تعيين محمد صالح التامك من طرف جلالة الملك على رأس هذا المرفق العمومي، تجاوزنا الريبة والحذر وأسسنا للثقة والعمل المشترك، وأنه على هذه القاعدة، نفذنا مشاريع وعقدنا لقاءات ونظمنا تكوينات وأنجزنا دراسات مشتركة". وأورد في هذا الصدد، معطيات رقمية ليبرز حجم ومدى الثقة والتعاون بين المؤسستين، حيث أصبح المجلس الوطني لحقوق الإنسان يقوم بحوالي 300 زيارة في السنة، مضيفا أنه "لا يمر يوم عمل دون مرور لجنة تابعة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بإحدى المؤسسات السجنية، وكل الدورات التكوينية التي تنظمها المندوبية العامة للسجون كان المجلس الوطني شريكا ومساهما فيها". ولفت المتحدث إلى أن هذا التعاون امتد إلى معالجة قضايا الفئات الخاصة من المعتقلين، كالأشخاص في وضعية إعاقة، والمحكومين بالإعدام، والقاصرين، والنساء، والأجانب، مشيرا إلى أن المؤسستين منكبتان حاليا على دراسة ظاهرة الإضراب عن الطعام من أجل إعداد دليل مهني يؤطر هذا الموضوع، ومنوها بإقدام المندوبية العامة على إشراك المجلس في إعداد مشروع قانون السجون الجديد، حيث تم تنظيم مشاورات بشكل مشترك مع منظمات المجتمع المدني. ولم يفت المسؤول عن المؤسسة الوطنية أن ينبه إلى التأخر الحاصل في تفعيل العقوبات البديلة، داعيا المؤسسة التشريعية إلى التعجيل بإخراج مشرع القانون الجنائي إلى الوجود، مقترحا، في انتظار ذلك، تفعيل منشور رئيس النيابة العامة المؤرخ بتاريخ 7 أكتوبر المنصرم، الداعي إلى التخفيف من الضغط على المؤسسات السجنية، حتى يمكن لها أن تقوم بأدوارها كمؤسسات لتأهيل السجناء وإعادة إدماجهم في النسيج الاقتصادي والاجتماعي.