أصدرت المحكمة الدستورية بتاريخ 27 يوليوز 2017 قرارها بشأن النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية تحت عدد 31-17 م.د، قضت من خلاله بتعذر البت في مطابقته للدستور وللقانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة على الحالة، والأمر برفع قرارها إلى علم جلالة الملك، وبتبليغ نسخة منه إلى الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وبنشره في الجريدة الرسمية. إن مناقشة قرار المحكمة الدستورية تثير إشكالية الاجراءات اللازمة لإقرار النظام الداخلي من جهة أولى، وسلطة اقتراح التعديل وضوابطه وشكلياته من جهة أخرى. أولا: في شأن الاجراءات المتبعة لإقرار النظام الداخلي: اعتمدت المحكمة الدستورية للقول بتعذر بتها في مطابقة أحكام النظام الداخلي للمجلس على مقتضيات المادة 49 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، على أساس أنها لم تحدد جهة المبادرة لاقتراح النظام الداخلي، وضوابط جلسة التصويت عليه والأغلبية المتطلبة لإقراره وتعديله، وأن المادة 72 من النظام الداخلي المحال أعادت التذكير بما هو مضمن في الفقرة الأخيرة من المادة 49 المذكورة بنصها على أنه يخضع كل تعديل للنظام الداخلي للإجراء نفسه المتبع في وضعه، دون تحديد مضمون هذا الإجراء وضوابطه، وأن القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية بإسناده لنظام داخلي تحديد الاجراءات التي يجب أن تتبع في وضعه وتعديله، يكون قد استثنى هذه الاجراءات من القواعد العامة المتعلقة بسير المجلس كما هي محددة في المادتين 58 و59 من القانون التنظيمي المذكور، والتي لا تطبق بمناسبة وضع النظام الداخلي أو تعديله إلا في حالة التنصيص على ذلك صراحة ضمن مقتضياته. فمن خلال قراءة حيثيات قرار المحكمة الدستورية، الملاحظ أنه لم يتطرق لمضمون وجوهر النظام الداخلي المحال، وتناول فقط مناقشة مدى احترام الاجراءات والضوابط المتطلبة لوضعه وتعديله، والتي تعد قواعد شكلية وجوهرية في أن الوقت. ولعل هذا القرار يثير إشكالية تتعلق بمدى انطباق القواعد العامة لسير المجلس كما هي محددة للمادة 58 على وضع النظام الداخلي وتعديله، والتي تحدد نصاب الانعقاد وكيفية اتخاذ المقررات بالتصويت؛ ذلك أن اجتماعات المجلس تعد صحيحة بحضور 14 عضوا على الأقل. وإذا تعذر توفر النصاب يؤجل الاجتماع إلى تاريخ لاحق، وفي هذه الحالة يعتبر الاجتماع صحيحا بحضور 10 أعضاء على الأقل، ويتخذ المجلس مقرراته بأغلبية الأعضاء الحاضرين، وفي حالة تعادل الأصوات يعتبر صوت الرئيس مرجحا. إن قرار المحكمة الدستورية استثنى إجراءات وضع النظام الداخلي وتعديله من القواعد العامة المتعلقة بسير المجلس كما هي محددة في المادتين 58 و59 من القانون التنظيمي المذكور، إلا في حالة التنصيص على ذلك صراحة ضمن مقتضياته، دون أن يبين الأساس القانوني لهذا الاستثناء؛ ذلك أن مقتضيات انعقاد اجتماعات المجلس وكذا النصاب المعتمد في التصويت تعتبر، في نظريي، مقتضيات عامة تسري على كل المقررات التي يتخذها، سواء تعلقت بالآراء والتقارير أو بتدبير الوضعيات الفردية للقضاة وكيفية إقرار النظام الداخلي وتعديله؛ ذلك أن اعتماد نصاب آخر غير الذي حددته المادة 58 من القانون التنظيمي يعتبر مخالفا للقانون المذكور، وأن عدم إشارة النظام المحال للنصاب المتطلب لإقراره وتعديله، يجعله خاضعا للنصاب المحدد في القانون التنظيمي من غير حاجة إلى الإشارة إلى ذلك في صلب مواده. هكذا يبدو أن قرار المحكمة الدستورية انتهى إلى القول بأن القواعد العامة بشأن سير المجلس لا تطبق على قواعد وضع النظام الداخلي وتعديله، إلا في حالة التنصيص على ذلك صراحة، وهو ما قد يثير إشكالا آخر في حالة اختيار المجلس لنصاب آخر يخالف النصاب المحدد في المادة 58 من القانون التنظيمي، فهل ستقضي المحكمة الدستورية بمطابقة النظام الداخلي للقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أم إنها ستراجع هذا التوجه. بالرجوع إلى قرار المجلس الدستوري الصادر بتاريخ 4 ماي 2011 تحت عدد 11-811 م.د بخصوص مناقشة الاجراءات المتبعة لإقرار النظام الداخلي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، يتبين أنه استند إلى محضر اجتماع الجمعية العامة ولائحة الحضور، وأكد على أن النظام الداخلي المعروض على نظره تم وضعه وإقراره بمراعاة النصاب والأغلبية المطلوبة المنصوص عليهما في المادة 24 الفقرة الثانية والمادة 25 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي. وبذلك، فان المجلس الدستوري انصبت مراقبته على التأكد من توفر النصاب والأغلبية المطلوبة والمحددة في القانون التنظيمي المنظم للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ولم يشر إلى ضرورة النص صراحة على اعتماد النصاب المحدد في القانون التنظيمي المذكور، أو كون الاجراءات المتعلقة بوضع النظام الداخلي وإقراره تشكل استثناء من قواعد سير المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهو التوجه نفسه المعبر عنه في قراري المجلس الدستوري بشأن مطابقة أحكام النظام الداخلي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عدد 954-15 م.د الصادر بتاريخ 2 مارس 2015، وعدد 15-957 م.د، اللذين أحالا على مقتضيات المواد 24 الفقرة الأخيرة و25 و37 الفقرة الأولى من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. ثانيا: اقتراح تعديل النظام الداخلي واجراءات تقديمه: إن مناقشة قرار المحكمة الدستوري بشأن النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية تقتضي القول بأن وضع النظام الداخلي وإقراره يستلزم أن يكون بالنصاب نفسه والأغلبية المتطلبة في المادة 58 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية كما سبق توضيحه سابقا. فالمادة 72 من النظام الداخلي المحال تناولت نصاب اقتراح التعديل والاجراءات المتبعة في ذلك، ونصت على أنه للرئيس المنتدب ولثلث أعضاء المجلس على الأقل أن يتقدموا بمقترح تعديل النظام الداخلي للمجلس، على أن تحال مقترحات التعديل إلى الرئيس المنتدب الذي يتولى عرضه على أنظار المجلس خلال أول دورة للتداول بشأنه. وبذلك، فان المادة المذكورة تضمنت اجراءات وضوابط تعديل النظام الداخلي، على أساس أنه جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 49 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية كون تعديل النظام الداخلي يخضع للإجراء نفسه المتبع في وضعه، يشوبه عدم كفاية المقتضيات المنظمة، انسجاما مع قرار المجلس الدستوري عدد 11-811 م.د الصادر بتاريخ 4 ماي 2011، والذي جاء فيه: "حيث أن ما تشير إليه هذه المادة من كون النظام الداخلي للمجلس يتم تعديله وفق نفس الكيفيات المتبعة في وضعه يشوبه عدم كفاية المقتضيات المطلوبة في إجراء هذا التعديل"؛ إذ إن تطبيق المادة 37 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي التي تنص على أن النظام الداخلي يضعه المجلس ويقره بالتصويت، يقتضي بيان الشروط المطلوبة لإدخال تعديلات على هذا النظام، لاسيما من له حق اقتراح التعديل والاجراءات المطلوبة في ذلك، تكون معه المادة 80 المذكورة بدون هذه البيانات غير مطابقة للقانون التنظيمي آنف الذكر. إن صلاحية وسلطة المحكمة الدستورية لمراقبة مدى احترام النظام الداخلي للمجلس لأحكام الدستور والقانون التنظيمي في ما يتعلق بالإجراءات المتبعة لإقراره تتطلب فقط التأكد من توفر النصاب القانوني لانعقاد المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والأغلبية المتطلبة للتصويت طبقا لأحكام القانون التنظيمي، وكذا نصاب اقتراح التعديلات والاجراءات اللازمة لرفع مقترحات التعديل، دون أن يتجاوزها إلى غير ذلك. وبذلك، فان توجه المحكمة الدستورية اليوم يشكل تراجعا عن قرارات المجلس الدستوري السابقة بشأن الاجراءات المتبعة لإقرار النظام الداخلي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ويتناقض مع مقتضيات القانون التنظيمي المتعلقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية المتعلقة بنصاب الانعقاد والأغلبية اللازمة للتصويت، كما أنه لم يتناول كل مقتضياته التي تدخل ضمن مجالاته وموضوعه، وهو ما قد يؤجل البت في وضعيات القضاة المجمدة لسنوات. * رئيس نادي قضاة المغرب