تنويه أود أن أذكّر من يهمه أمر الوطن المغربي، شعبا وأرضا وأمجادا ورموزا، من خلال سلسلة هذه المقالات ببعض الوقائع والأحداث التي رسمت جوانب من العلاقات بين المخزن أو السلطة أو الحكومة أو الدولة (أسماء متعددة لمسمى واحد) مع منطقة الريف وساكنته بصفة خاصة، وساكنة منطقة الشمال بصفة عامة، منذ بداية حركة مقاومة الغزو الاستعماري التي انطلقت مع حركة محمد الشريف أمزيان في 1909 في الريف الشرقي، وحرب التحرير الكبرى التي قادها محمد بن عبد الكريم الخطابي ورفاقه ما بين 1921 – 1926 في كامل شمال المغرب، مع إلصاق تهمة الانفصال بالريفيين التي أملتها فرنسا على حزبها في المغرب، ومرورا بمرحلة الاستقلال، أو قيام ما أطلق عليها "الدولة الوطنية"، التي عرف فيها الشمال والريف، بصفة خاصة، تهميشا وإقصاء واتهامات بمعاداة الحركة الوطنية، وتهديد سلامة الدولة الداخلية والخارجية، والتآمر على الملك. لا أحد من الشمال والريف ومن أحرار الوطن يعرف، إلى الآن، حقيقة مصدر هذه التهم وأهدافها، ووصولا إلى اليوم بأحداثه ووقائعه التي أدت إلى القمع غير المبرر لساكنة الريف، المطالبين بحقوقهم الوطنية والدستورية، ونعتهم بأبشع النعوت، واعتقال المحتجين السلميين واتهامهم بكل أنواع التهم. الجزء الخامس: أيجبر الضرر الجماعي الموعود به للريف؟ هيئة الإنصاف وأمل مصالحة المغرب مع ذاته نعتقد جازمين بأن أهم مبادرة سياسية للملك محمد السادس في السنوات الأولى من عهده، التي استقبلها المغاربة جميعا بترحاب كبير وبأمل أكبر في وضع المغرب على مسار ثقافة حقوق الإنسان، وعلى الطريق المؤدية إلى الديمقراطية، وإلى ثقافة المواطنة، هي مبادرة الإعلان عن تنصيب "هيئة الإنصاف والمصالحة"، المؤسسة بظهير 19 أبريل 2004 بصفتها "لجنة للحقيقة والإنصاف والمصالحة". ونستسمح القراء الكرام بأن نذكر بعضنا البعض بأهم ما أنيط بهذه الهيئة من مهام كبرى، وهي: - الاشتغال على الفترة الزمنية الممتدة من سنة 1956 إلى نهاية سنة 1999، بكل ما شابها من خرق لحوق المواطنين، والشطط في استعمال القوة بدل احترام القانون. - البحث والتحري وتقييم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي حصلت في الفترة المذكورة في المحور الأول، والمتمثلة في الاختفاء القسري، والاعتقال التعسفي، والتعذيب، والاعتداء الجنسي، والحرمان من الحق في الحياة نتيجة الاستعمال المفرط للقوة العمومية، والاغتراب الاضطراري. - ربط اتصالات مباشرة مع السلطات العمومية وجمعيات المجتمع المدني والضحايا وعائلاتهم وممثليهم، قصد جمع الشهادات والوثائق المؤدية إلى معرفة الحقائق. - العمل على كشف الحقيقة بخصوص الانتهاكات الجسيمة من خلال إجراء التحريات وتلقي الإفادات والاطلاع على الأرشيفات الرسمية واستقاء المعلومات والمعطيات من مختلف المصادر. انتهت هيئة الإنصاف والمصالحة من أشغالها بإصدار تقريرها النهائي في 30 نونبر 2005، وهذه أهم توصياتها: - إرساء مقومات المصالحة دعما للتحول الديمقراطي لبلادنا وبناء دولة الحق والقانون، - إشاعة قيم وثقافة المواطنة وحقوق الإنسان، - إصلاح الأضرار الفردية من خلال التعويضات للأشخاص المنتهكة حقوقهم، والقيام بجبر الضرر الجماعي. - تبني ودعم مشاريع برامج للتنمية السوسيو-اقتصادية أو الثقافية لفائدة مجموعة من المدن والمناطق التي تعرضت أكثر للتهميش العقابي. - حفظ الذاكرة، وضمان عدم تكرار ما جرى، - محو آثار الانتهاكات، واسترجاع الثقة وتقويتها في حكم القانون واحترام حقوق الإنسان. والواقع أن عمل هيئة الإنصاف والمصالحة ساهم في خلق الشعور بانتصار المغرب على ظلّامه، وعلى ليله الطويل الموصوف بسنوات الجمر والرصاص؛ تلك السنوات التي جعلت الدولة المغربية تنزلق إلى مهاوي الدول المستقلة الفاشلة، وتركن في التخلف السياسي والاجتماعي، المعادي للأفكار والمناهج الجاذبة إلى الأمام، قصد تجاوز "دولة" الترويع والتسلط، ودولة التوجس المتبادل بين القوات الأمنية والشعب؛ وتجاوز تصرفات قوات الأمن في زمن سنوات الجمر والرصاص، التي كانت تستمد مشروعيتها من عقيدة التخويف والترويع، والقذف بالشعب أن يعيش داخل أقبية الخوف الدائم. وبدلا عن ذلك، يُشق الطريق المؤدي إلى تحقيق دولة المواطنة في مفهومها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، المتعارف بين الأمم الراقية والدول الديمقراطية. أعلن الملك محمد السادس اختتام أشغال هيئة الإنصاف والمصالحة بخطاب ملكي مساء يوم الجمعة 6 يناير 2006، حمل من خلاله معاني دولة الحق والقانون لمرحلة ما بعد هيئة الإنصاف والمصالحة، وحمّله الوعد ببناء المواطنة في أبعادها المختلفة؛ وأكد أن الصفح الجميل والجماعي هو النهج الأسلم إلى بناء الغد الأفضل للمغرب، بعد أن أكد أن صفحات الماضي لا تمزق، وإنما تبقى في كنف التاريخ، داعيا المؤرخين إلى القيام بما هو منوط بهم قائلا: "إننا لا نريد أن نجعل من أنفسنا حكماً على التاريخ. الذي هو مزيج من الإيجابيات والسلبيات. فالمؤرخون هم وحدهم المؤهلون لتقييم مساره، بكل تجرد وموضوعية، بعيدا عن الاعتبارات السياسية الظرفية". استبشر المغاربة بأن العهد الجديد يؤسس لمغرب جديد، مثله كمثل دولة الشيلي في أمريكاالجنوبية التي انتصرت على ثلاثة عقود (73 – 90) من سنوات حكم الحديد والنار للدكتاتور الجنرال بينوتشي Augusto Pinochet، وكمثل انتصار جنوب إفريقيا على عقود طويلة من نظام الأبرتايد Apartheid.. كما أعطى للعالم صورة إيجابية بأن المغرب في العهد الجديد يتحلى بالشجاعة السياسية، حين قرر أن ينخرط في الزمن السياسي للإنسانية المعاصرة القائم على احترام القانون وحقوق الإنسان.. فماذا تحقق على أرض الواقع؟ يصعب علينا، في ثنايا هذا المقال، أن نقيّم تقييما شاملا مدى تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة على أرض الواقع المغربي في كل أرجائه. ومن المعلوم أن "المجلس الوطني لحقوق الإنسان" هو من تولى مسؤولية تنفيذ تلك التوصيات، وإنما سنعرض في هذا المقال بعض ما يتعلق بجبر الضرر الجماعي في الريف، في إقليمالحسيمة تحديدا، وهل تم فعلا طي ممارسات الماضي السيئ الذكر في المنطقة؟ وهل يتم التعامل مع مطالب الساكنة المشروعة واحتجاجاتها وفقا لدستور 2011 للمملكة؟ من قضايا الجبر الجماعي في الريف - الحسيمة كانت الحوارات والنقاشات والوعود بجبر الضرر الجماعي في الريف والحسيمة، الأكثر حضورا بين من كانوا يقرؤون قراءة إيجابية أهلية هيئة الإنصاف والمصالحة بأن الأمور هذه المرة ليست مجرد تسويق بروباغاندي، بل إن الأمر كان يتعلق بإرادة ملك شاب يختلف مضمون ثقافته العصرية عن مضمون ثقافة والده التي تميزت بزخرف القرن العشرين، في وقت فضل الانغماس في لذة الاستبداد الشرقي. تم تكليف إدريس بنزكري، المناضل الحقوقي، الذي قضى 17 سنة من حياته في جحيم سنوات الجمر والرصاص ووراء القضبان، برئاسة الهيئة، وكانت أهم ملفات جبر الضرر الجماعي في الريف تخص معالجة: - العقاب الجماعي لساكنة الريف، بسبب آراء الخطابي في الاستقلال الناقص للمغرب سنة 1956، وربما بسبب مقاومته للاستعمار في عشرينيات القرن العشرين كذلك، حسب اعتقاد بعض ساكنة الريف، باعتبار أن ما قام به الخطابي نُظر إليه كتآمر على الدولة الوطنية الوليدة، كما بينا ذلك في مقال سابق من هذه السلسلة. - التهميش المعيشي والحصار الاقتصادي شبه الشامل الذي سُلط على الريف منذ السنوات الأولى للاستقلال، وخاصة بعد الحرب التي قادها ولي العهد الحسن بن محمد الخامس والكولونيل أفقير سنتي 1958 1959، بدعوى عصيان الريفيين لولي الأمر، وتهديدهم الوحدة الوطنية، ومعاداة الحركة الوطنية، كما ذكرنا سابقا. - المخلفات المادية والنفسية الناجمة عن هجوم الجيش الملكي على الريف، المشار إليه أعلاه. - ضعف البنيات التحية وانعدامها أحيانا في المنطقة. - إعادة الاعتبار للمنطقة ولتاريخها الوطني. - "ترميم" الآثار النفسية والثقافية لخطاب الملك الراحل في 22 يناير 1982 حين نعت سكان الشمال بالأوباش. وكانت الوعود المقدمة خلال الحوارات التي أجريت بين الهيئة، حال وجودها القانوني، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، الوريث القانوني للهيئة، وبين فاعلين ومناضلين حقوقيين من أبناء المنطقة، من أن الدولة المغربية الجديدة ستتمكّن من تجاوز ما كان وما هو كائن من خلال: 1) فتح حوار، من قبل هيئة الإنصاف والمصالحة، مع أسرة الخطابي بشأن نقل رفاته من القاهرة إلى المغرب، بهدف تجاوز ما تم ترويجه عنه وعن الريف والريفيين من نعوت وأحكام؛ سواء في عهد الاحتلال أو في عهد الاستقلال. فقد قامت الهيئة بزيارة السيدة عائشة كريمة محمد بن عبد الكريم الخطابي، الساكنة بالدار البيضاء، في رمضان 2004 بوفد مهم برئاسة السيد إدريس بنزكري، ثم كانت زيارة السيد إدريس اليزمي، نائبا عن بنزكري، إلى القاهرة لمقابلة السيد سعيد بن محمد بن عبد الكريم الخطابي ليطرح عليه الموضوع نفسه الذي طرح على شقيقته السيدة عائشة. ويبدو أن تحفظات مهمة كانت عند سعيد بشأن نقل الرفات؛ لأنه ليست مسألة تقنية فقط. لذلك تمت دعوته إلى الرباط لمواصلة النقاش مع الهيئة والوصول إلى قرار نهائي. 2) اجتمع سعيد رفقة مجموعة من الفاعلين، من بينهم المؤرخ زكي مبارك، وعبد الحكيم بنشماش، رئيس مجلس الشورى الآن، وغيرهما، مع الهيئة في مقرها الرسمي في حي عمارة السعادة بالرباط، في ربيع 2004. وتركز رأي سعيد الخطابي حول ضرورة إعادة الاعتبار لمنطقة الريف خاصة، والشمال بصفة عامة، وإنصاف تاريخ المنطقة الوطني. وحينئذ لن يكون هنالك مانع من نقل رفاة عبد الكريم الخطابي إلى ثرى وطنه، الذي طاما تمنى أن يلتف بسمائه في حياته، وأن يغطى بترابه في مماته. وتمحورت كلمات أعضاء الهيئة عن وجود إرادة سياسية عليا لطي هذا الموضوع، وإحقاق الحق لأصحابه. إلا أن الجلسة أثيرت فيها تساؤلات عن أهمية عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، إذا كان ساكنة الريف يتعرضون الآن (خريف 2004) لأنواع من التنكيل على يدي قوات الأمن بسبب مظاهراتهم واحتجاجاتهم عن تلكؤ المسؤولين في مساعدة السكان مساعدة عملية لتجاوز خسائر وآلام زلزال إقليمالحسيمة بتاريخ 24 فبراير 2004؟ وهل سيكون المغرب في حاجة مرة أخرى إلى هيئة أخرى لإنصاف آخر ومصالحة أخرى؟. حاول أعضاء الهيئة الدفاع بأن ما يجري الآن في الحسيمة لا يمكن مقارنته بما جرى في العهد السابق، وكأن للظلم جنسيات متعددة، أو هويات مختلفة، أو درجات في سلم الحقوق، يتم اعتمادها وفقا لرغبات معينة، ويتم التخلي عنها في الوقت المناسب.. لكن، يبدو أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان الحالي أكد حدوث ما كنا نخشاه ونحذر منه في تقريره الحالي عن تعذيب مختطفي ومعتقلي الحسيمة سنة 2017. 3 ) وحين انتهى الاجتماع بالهيئة، سألنا السيد سعيد الخطابي (في الصورة على اليسار) مجددا عن مدى اعتقاده، بعد ما استمع إليه في الجلسة، في إمكان إعادة الاعتبار للشمال والريف، ولتاريخ المنطقة الوطني ونقل الرفات؟ وننقل في ما يلي، بكل أمانة، ما صرّح لنا به جوابا عن السؤال. قال سعيد الخطابي: "إن مسألة عقاب المنطقة التي حاربت فرنسا، أو مصالحتها، يبقى قرارا بيد فرنسا وليس بيد أخرى. ومن ثمة يكون قرار نقل الرفات من عدمه قرارا فرنسيا كذلك، خاصة وقد سبق التعهد لنا في كل من الحسيمةوالقاهرة بنقل الرفات. وكنا من جانبنا نحاول أن نبين أهمية إعادة الاعتبار للمنطقة ولتاريخها الوطني، وتحيق كرم العيش لساكنتها أولا. ولذلك يصعب الاطمئنان إلى ما تقوله الهيئة، فقد تكون غير ملمة بكل المعطيات وتعقيداتها التاريخية والسياسية". فهل كانت رؤية سعيد الخطابي مجانبة لما حدث في المنطقة بعد هيئة الإنصاف والمصالحة؟. نعتقد أن ما ذكره سعيد الخطابي صدّقته وتُصدّقه الوقائع الراهنة من خلال: - إن التهميش في الريف يكاد يكون هو هو، بعد 12 سنة من تقديم توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وخطاب 6 يناير 2006. وإذا كانت زيارات جلالة الملك للريف قد حققت الارتياح السياسي لدى الساكنة فإن الجانب الاقتصادي لازال لم يخرج بعد من الوعود المتكررة من الحكومات المتعاقبة على المغرب. لذا نرى أن الساكنة في احتجاجاتها ومطالبها في 2017 تتوجه مباشرة إلى الاستنجاد بالملك لحل مشكلاتها في التنمية الاقتصادية ولإقلاع الصناعي، كحل أمثل لامتصاص نسبة العطالة الكبيرة بين صفوف الشباب (تصل نسبة البطالة إلى 98 في المائة). لكن، كيف يمكن تحقيق ذلك في ظل عدم وجود طرق سيارة ولا سريعة، وحتى الطريق المدارية طنجة – السعيدية لا يمكن اعتبارها طريقا مؤهلة، بسبب عدم احترام المعايير المتعارف عليها في شق الطرق الاقتصادية العادية، وأحرى أن تكون طريقا لجلب الاستثمارات. أما ربط المنطقة بشبكة الطرق السيارة الوطنية فقد تم تناسيه بالكلية. ويبقى تثنية طريق تازة – الحسيمة يتعثر بمبررات قد لا تنتهي أبدا. أما النقل البحري في الريف فأمسى جزءا من حكايات الماضي القديم لا غير. ويبقى النقل السككي من أحلام الكرى. وخلاصة القول: إن إزالة التهميش، كما يعلم الجميع، لا يمكن أن تكون في غياب البنية التحتية في الريف وفي غير الريف، وفي غياب إرادة سياسية عليا فاعلة لتحريك السواكن. - بالنسبة لإعادة الاعتبار لتاريخ المنطقة الوطني لا تزال الجهات المتحكمة تعاند في ذلك؛ فلا البرامج المدرسية والجامعية صححت أخطاءها، ولا القنوات التلفزية ولا الأفلام الوثائقية أو الطويلة المنتجة والمعروضة مغربيا يُسمح لها بالعرض في قنوات الدولة، باستثناءّ بعض "النتيفات" الهامشية هنا وهناك. صحيح أن هناك بعض الجهود الفردية في إصدار بعض الكتب والمؤلفات الخاصة بتاريخ الريف الوطني في القرن العشرين خلال العهد الجديد، وهذا أمر إيجابي بلا شك، لكن لا وجه للمقارنة بين تلك الإصدارات المحتشمة عندنا وبين ما صدر ويصدر في أوروبا وفي العالم. وإذا كانت المؤلفات المغربية المختصة في تاريخ الريف الوطني لا تتجاوز في كل الأحوال خمسين إصدارا، فإن المؤلفات الاجنبية تتجاوز 1900 مؤلف بكل اللغات. ونحن حينما نتحدث عن تاريخ المنطقة نستحضر ما ورد في الخطاب الملكي في 6 يناير 2006، عن أن التاريخ مزيج من الإيجابيات والسلبيات، ومن الصواب والخطأ، ومن الانتصار والهزيمة. - وفي المجال المعرفي والعلمي كانت هنالك وعود بتأسيس جامعة علمية في كل من الناظوروالحسيمة. وقد تم إنشاء كلية متعددة الاختصاصات في الناظور بعد ذلك بسنوات. لكن لم تكن هناك أي مبادرة جامعية تخص الحسيمة، باستثناء معهد للهندسة التطبيقية ومدرسة للتكوين الفندقي، حتى عادت المطالبة بإنشاء جامعة في الحسيمة من قبل حراك الريف. وعادت الحكومة تتلكأ بمبررات يصعب تصديقها. وبدل الاعتذار وتبيان أسباب عدم تأسيس جامعة الحسيمة راحت الحكومة وأحزابها تتهم ريافة بالانفصال. ولو كانت الأحزاب والحكومة تمثل المغاربة لافتخرت بأن ريافة يريدون الانفصال عن الجهل، ولما تم قمع احتجاجاتهم واعتقال نشطائهم. وفقة تضامنية في الرباط يوم 28 يوليو 2017 مع حراك الريف تقمع من طرف قوات الأمن. - إلى جانب الوعد ببناء جامعة علمية، كان هناك وعد آخر بإنجاز "متحف الريف" بمساعدة مالية كبيرة من الاتحاد الأوروبي، تقدر بأربعة (4) ملايين أورو. وكانت هنالك رسالة ملكية إلى مؤتمر خاص، عقد في الحسيمة في صيف 2011، تساند إنجاز هذه المعلمة وتحث عليها. وإلى الآن لا أثر للمتحف ولا أثر لمصير أموال الاتحاد الأوروبي. والفاهم يفهم ما يريد في ظل صمت الحكومة عن سبب عدم إنجاز المتحف وغيره من المشاريع الموعودة. - ومن المشاريع الموعودة للحسيمة والموصي بها من قبل هيئة الإنصاف والمصالحة مشروع "مستشفى الوقاية والمعالجة من الأمراض السرطانية"، الواسعة الانتشار في الريف، بسبب الأسلحة الكيماوية، التي استعملتها إسبانيا وفرنسا ضد الريف أثناء حرب التحرير في عشرينيات القرن العشرين. والغريب أن الدولة المغربية بكل هيئاتها لم تحاول أبدا تأسيس لجنة علمية لكي تقول للرأي العام المغربي حقيقة هذا المرض اللعين، المنتشر انتشار العدوى في الريف بصفة خاصة. ويبدو أن تقارير في الموضوع تكون قد وصلت إلى علم صاحب الجلالة محمد السادس، فبادر إلى إعطاء الانطلاقة لبناء مستشفى تخصصي في العلاجات السرطانية بالحسيمة، ودشن من قبل جلالته سنة 2007. لكن ماذا حدث في التدشين؟. جيء بتجهيزات طبية متطورة ووضعت في أجنحة المستشفى وقدمت لجلالته على أنها تجهيزات خاصة بمستشفى الحسيمة للأمراض السرطانية، وصوّرتها القنوات التلفزية على أنها كذلك. ولم يكن أحد يعلم بأن وضع تلك التجهيزات نُسي أن يكتب عليها "للعرض فقط"، لأن وضعها لم يكن يختلف عن وضع النخيل والأزهار التي تغرس في الشوارع التي يمر بها الموكب الملكي أثناء زيارته لمدينة من مدن المملكة "السعيدة"، قبل أن تعاد إلى الأماكن التي جلبت منها. ولم يكتشف أمر هذا المستشفى حتى كشفته احتجاجات الساكنة. وهذا غيض من فيض. فهل هذا أحد أسباب اعتقال نشطاء الاحتجاج؟ واتهامهم بالخيانة للوطن؟ والحكم عليهم بأحكام قاسية؟ أو أنهم بسببه يتعرضون لما يشبه ما نراه في الصورة أسفله؟ أنقر هنا لقراءة الجزء الرابع: الشمال والريف وتباشير العهد الجديد