بالحيوية نفسها، والحركات نفسها التي تميّز بها وهو يؤدّي أغانيه على المنصة في بداية مشواره الذي انطلق قبل خمسين عاما، أطلّ المطرب عبد الوهاب الدكالي على الجمهور العريض الذي حضر لمتابعة حفله ضمن اليوم الثاني من مهرجان إفران الدولي. الدكالي، الذي يجرّ خلفه مسارا فنيا حافلا ممتدا، لم تؤثر فيه سنوات عمره الستّ والسبعون، إذ سافر بجمهور مهرجان إفران على مدى أزيد من ساعة ونصف إلى عوالم الزمن الجميل، وأدّى كوكتيلا من أغانيه التي اشتهر بها، على الصعيد الوطني، وفي العالم العربي. المطرب المغربي الحائز على مجموعة من الجوائز والألقاب طيلة مسيرته الفنية وقف له الجمهور احتراما حين صعد إلى المنصة، واستقبله استقبالا حارا، يليق بفنان مغربي أعطى للأغنية المغربية الشيء الكثير، وأبدع وأمتع جمهوره الواسع، ويُعد من أيقونات الأغنية المغربية العصرية. الدكالي حرص قبل الشروع في أداء أوَّل أغنية له في حفله على حكي قصة عن مدينة إفران، التي وصفها ب"المدينة السعيدة"، تعود إلى سنة 1967، حيث كان في جولة عبر سيارته مع عبد السلام النابلسي والفنانة صباح، وكان أن انبهر النابلسي بجمال المدينة. يحكي الدكالي عن "قصة الغرام" التي وقع فيها صديقه تجاه مدينة إفران منذ النظرة الأولى، قائلا: "سألني النابلسي، وهو يشير إلى أشجار الأرز، ما هذا؟ أرز؟ فطلب مني أن أوقف السيارة، وتوجه نحو جذع شجرة وقبّله، وقال لصباح: لدينا قليل من أشجار الأرز وملأنا الدنيا ضجيجا، ومدينة إفران تتوفر على غابات ممتدة من الأرز، ثم صرخ: يحيى المغرب". وافتتح الدكالي حفله بأغنية "ما أنا إلا بشر"، ثم أتبعها بأغنية "كان يا مكان"، التي كشف للجمهور كيف جاءته فكرة تلحينها، إذ كان يتجول في ساحة جامع الفنا بمراكش بسيارته، وكان ذلك الفضاء حينها مفتوحا للعربات، فاستوقفه رجل مسنّ كان يضرب على دفّ ويدندن بصوت خفيض.."عدتُ مباشرة إلى البيت ولحّنت أغنية كان يا مكان"، يقول الدكالي تحت تصفيقات الجمهور. الأغنية الثانية التي حكى الدكالي للجمهور سر تلحينها هي أغنية "مشا غزالي ولا رجع أرجانا فالله"، إذ كان صديقه عبد الرحمان العلمي يدأب على زيارته كل يوم، وذات يوم لم يأت لزيارته كما العادة، وحين جاء بعد ذلك وطرق الباب طلب كأس ماء، فسأله عن سبب غيابه، فحكى له أن شابا من عائلته توفي. وفاة الشاب الذي كان طالبا يدرس الهندسة في السنة الأخيرة في فرنسا كانت مصدر إلهام للدكالي لتلحين أغنيته سالفة الذكر؛ فبينما كان الجميع يبكي وفاة الشاب المهندس، كانت أمه تردد كلمات ترثي بها فلذة كبدها، ومن تلك الكلمات التي نقلها إليه صديقه عبد الرحمان العلمي لحّن أغنية "مشا غزالي ولا رجع ارجانا في الله". ويُعد المطرب عبد الوهاب الدكالي، المزداد في فاتح يناير عام 1941 بمدينة فاس، من ألمع نجوم الأغنية العصرية المغربية، وله عشرات الأغاني المشهورة، أولاها أغنية "يا الغادي فالطوموبيل"، وهي من كلمات الزجال المغربي الراحل أحمد الطيب العلج. وعاش المطرب المغربي مدة من حياته في مصر، التي انتقل إليها سنة 1962، قبل أن يعود إلى بلده الأصلي. الحفل الثاني ضمن اليوم الثاني من مهرجان إفران أحيته المطربة المصرية شيرين عبد الوهاب، التي حرصت بعد صعودها إلى المنصة على توجيه "تحية عسكرية" إلى الصورة الكبيرة للملك محمد السادس، المركونة في الجهة اليسرى للمنصة، والتقطت معها صورا. وحيّت المطربة المصرية المزدادة سنة 1980 بالعاصمة المصرية القاهرة جمهور مدينة إفران بكلمات فرنسية، قبل أن تخاطبه بالعربية قائلة: "أحبكم وأحب بلدكم وذوقكم الرفيع". كما عبرت عن سعادتها بالتواجد في مهرجان إفران، وبالمغرب، الذي قالت إنه مملكة "يملكها أجمل شخص في الدنيا". ويُسدل الستار على مهرجان إفران، المنظم تحت شعار "أغاني الأرز"، اليوم الأحد، بحفل ختامي يحييه كل من المطرب اللبناني وائل جسار، والمطربة المغربية العراقية شذى حسون.