كشف عبد الحي بنيس، الموظف المتقاعد والمعروف ب"شاوش البرلمان"، خبايا مثيرة عما كان يجري داخل قبة البرلمان منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، منها تنازل حزب الاستقلال في ثمانينيات القرن الماضي، برلمانيين ووزراء، عن أجرتهم الشهرية لمدة شهر واحدة، لصالح قضية الوحدة الترابية، مضيفا أنها "كانت التجربة الحزبية الأولى والأخيرة منذ ذلك الحين". بنيس، الذي كان يتحدث في الموعد المباشر "نوسطالجيا"، الذي بثته هسبريس مساء اليوم الجمعة، أورد تجربة فردية في التخلي عن الراتب الشهري، قائلا: "أتذكر أن برلمانيا من مدينة مكناس هو العلمي التّازي تنازل عن أجرته حتى توفيّ"، مضيفا أن تجربة حزب الاستقلال في التنازل عن الأجر الشهري "لم تحطها الهالة السياسية والإعلامية كما يحدث الآن"، وزاد: "كانوا قامات كبيرة ولا يحتاجون إلى الترويج لأسمائهم". وانطلقت المسيرة البرلمانيّة لبنيس، الذي يلقبه البعض ب"ميخالة"، لجمعه كل ما وقع في طريقه من وثائق وأوراق، في 14 أكتوبر 1977، بعدما كان يشتغل في مهنة الخرازة بمعية والده.. "التحقت بالفريق البرلماني لحزب الاستقلال كعون خدمة، أي "شاوش"، تحت السلم الوظيفي رقم واحد"، يقول بنيس، مضيفا أن أول راتب تقاضاه وقتها بلغ 670 درهما، وهي المسيرة التي استمرت 35 عاماً وانتهت بالتقاعد في 31 دجنبر عام 2012. وبلغت حصيلة بنيس، البالغ 65 سنة وابن مدينة فاس، من العمل التوثيقي قرابة 20 كتابا وعملاً، تعدّ وثائق مرجعية لكل من أراد الاشتغال على تاريخ البرلمان وحصيلته منذ فجر الاستقلال، أبرزها "الموسوعة البرلمانية، المسار البرلماني المغربي، من النشأة إلى الانتقال الديمقراطي"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن مبادرته جاءت بعد غياب التوثيق داخل المؤسسة التشريعية، وزاد: "إلى درجة أن موظفي الأرشيف في البرلمان كانوا يطهون الشاي و"الكاميلا" باستعمال وثائق البرلمان". وكشف بنيس، وهو ابن مدرسة حزب الاستقلال، أن عددا من أعماله، ومن ضمنها موسوعته، لم تعرف طريقها إلى المؤسسة التشريعية، موردا: "اقتنى البرلمان مني نُسَخاً لَكنها لا تتواجد في مكتبة المؤسسة ولم يعرها البرلمانيون ورؤساء الفرق أي اهتمام"؛ فيما عاد بالتاريخ إلى سنوات السبعينيات والثمانينيات بقوله: "كان البرلمان فضاء كبيرا وهالة يوقرها البرلمانيون والمغاربة خاصة بعد توقف المؤسسة إثر حالة الاستثناء ما بين 1965 و1970". "كانت مداخلات البرلمانيين في ذلك الوقت ممتعة، وكانت تجري على لسان زعماء كبار من طينة عبد كريم غلاب وعلي يعتة وعبد الواحد الراضي..كانت قاعة البرلمان تستمتع بكاملها، حتى إن سؤالا شفويا يستمر فيه النقاش لجلستين، وكل سؤال تتدخل فيه كل الفرق البرلمانية، والوزير يجب بكل براعة رغم أنه لا يتوصّل أصلا بالسؤال الكتابي قبل الجلسات"، يقول عبد الحي بنيس. وسلط بنيس الضوء على مسار الأحزاب السياسية في الحقبة التاريخية المذكورة، بقوله: "كانت هناك أربعة فرق برلمانية هي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية.. كانوا قامات كبيرة وكفاءات سياسيّاً عالية ومناضلين يدافعون عن المشروع الحزبي وكذا تأطير المواطنين".