تمكن عبد الحي بنيس ذاكرة البرلمان من أن يدخل الجامعة من بابها الواسع، على الرغم من أن ظروفه الحياتية لم تسعفه أن ينال أي الشهادة التعليمية التي تؤهله من الجلوس في مقاعد الكلية، بعد أن توقف مشواره الدراسي الرسمي عند مستوى المتوسط الثاني ابتدائي، بإحدى مدارس مدينة فاس التي أطلق بها صرخته الأولى في 1952 السنة التي أرخت لثورة الملك والشعب. بالفعل، كان اللقاء المفتوح لصاحب "مذكرات شاوش في البرلمان" ضيفا خفيف الظل على الطلبة الباحثين بالفوج الأول بماستر "التشريع والنزاعات والاتصالات الرقمية" بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية" بسلا، التابعة لجامعة محمد الخامس، مناسبة للوقوف على مجمل أعماله والتي بلغ مجموعها، أزيد من عشرين مؤلفا، لامس فيها هذا الرجل العصامي العديد من الحقول المعرفية، خاصة منها مجالات التاريخ والتشريع والسياسة والأدب والفن والثقافة. وركز عبد الحي بنيس، رئيس "المركز المغربي للذاكرة البرلمانية"، خلال هذا اللقاء الذي يندرج في سلسلة اللقاءات الخاصة بمادة "وسائط الاتصال بالمغرب" ضمن مواد الماستر، على تجربته الغنية والمتميزة، داخل ردهات المؤسسة التشريعية، منذ التحاقه بالعمل بها، سنة 1977، كعون تنفيذ أي شاوش، ومختلف المهام التي اضطلع بها خارج مهامه، بهذه المؤسسة التي وهبها كل عمره، وبادله، كما يقول، مسؤولوها التجاهل والجحود خاصة بعد إحالته على التقاعد سنة 2012. وهكذا، حكى بنيس صاحب أول موسوعة برلمانية، وأخرى لتاريخ مجمل الحكومات المغربية التي عرفها المغرب منذ استقلاله، خلال وجوده داخل قبة البرلمان لم يكتف بنيس مؤلف الموسوعة البرلمانية بمهام الشاوش، ولكن تجاوزها لاقتراح العديد من المشاريع منها بالخصوص إحداث وحدة للتوثيق الفوتوغرافي والسمعي البصري، وقناة برلمانية، وعمل على اقتراح وإعداد كتاب حول حصيلة العمل التشريعي الذي أضحى تقليدا يقدم للملك خلال ترؤسه افتتاح البرلمان. وفضلا عن حديثه المستفيض عن مسار وذاكرة التجربة البرلمانية، خاصة مند سنة 1977، توقف عبد الحي بنيس، مؤلف كتاب "الحسن الثاني: الذاكرة والتاريخ"، والذى يحلو للبعض بتلقيبه ب"ميخالى" الوثائق عند بعض أبرز الأحداث التي عرفتها المؤسسة التشريعية، وكواليسها التي لم تخرج وقائعها وحكاياتها إلى العلن، والتي جاءت في بعض مؤلفاته التي أسهمت في تنوير الرأي العام؛ فهذه الكواليس والحكايات حولها بنيس بأسلوبه السلس إلى ما يمكن تسميته ب"ديوان برلماني"، على شاكلة "ديوان المغاربة"، فن الملحون، ووضعها في متناول المغاربة، بمختلف مستوياتهم وانتماءاتهم، وهو ما حوّله إلى مرجع لا محيد عنه، ليس فقط للمغاربة من المهتمين بالشأن البرلماني من خبراء وأساتذة وطلبة، وإنما وصلت مؤلفاته تصل إلى أكبر الجامعات والمعاهد منها جامعة أكسفورد البريطانية، وجامعة هارفارد الأمريكية، والجامعة الألمانية. وقد أشادت مداخلات الطلبة الباحثين، التي أعقبت العرض، بمسار "الشاوش في البرلمان" الذي تمكن بإصراره، ومقاومته لمختلف الصعوبات التي واجهته، والتحديات التي تمكن بعصامية من رفعها، حتى تمكن من تحقيق بعض من طموحاته خاصة في مجال الكتابة والتوثيق. وتمحورت الأسئلة التي "حاصر" بها طلبة الماستر عبد الحي بنيس حول "الشفرة" التي اعتمدها في مساره في مجال البحث والتوثيق، وعلاقاته خاصة مع البرلمانيين، المسؤولين عن تدبير الشأن العام، وعلاقاته مع وسائل الإعلام المغربية والدولية، علاوة على مضامين مؤلفاته. كما شكل "المركز المغربي لحفظ الذاكرة البرلمانية"، الذي أشرف الرجل على تأسيسه مؤخرا، وأهم الأحداث التي أثرت في مساره خاصة خلال عمله بالبرلمان، والشخصيات التي جايلها، فضلا عن آرائه حول الأداء البرلماني في الماضي والحاضر، جانبا من تساؤلات الطلبة الباحثين. وعبّر في هذا الصدد عن اعتقاده الراسخ من أن التجربة البرلمانية الأولى لسنة 1963، تظل الأفضل والأغنى في تاريخ المؤسسة التشريعية المغربية، على الرغم من أن "المعارضة كانت خلال تلك الفترة أقوى من الأغلبية"، في حين أنه ابتداء من 1998، يقول بنيس "اختلت الموازين في البرلمان، وتزايدت المصالح الشخصية أيضا"، إذ تزامن ذلك مع تحول أحزاب المعارضة إلى تدبير الشأن العام. وهكذا، يضيف عبد الحي بنيس، إنه انطلاقا من هذا الوضع "لم يعد المواطن يميز الفرق ما بين المعارضة والأغلبية". وحظي مشكل تقاعد البرلمانيين من مجلسي النواب والمستشارين جانبا من اهتمامات، ومن حوار الطلبة مع عبد الحي بنيس، الذي لاحظ أن الآراء اختلفت حول هذه المسألة، وتراوحت ما بين معارض يطالب بإلغاء معاشات النواب والمستشارين، بدعوى أن العمل البرلماني في حقيقته يشكل انتدابا وواجبا وطنيا وليس وظيفة، وبين مساند لتدخل الحكومة العاجل من أجل إنقاذ صندوق معاش ممثلي الأمة من الإفلاس. وأوضح أنه بغض النظر عن وجاهة هذا الرأي أو ذاك، فإن الكثيرين إما يجهلون أو لم يعيروا كثير اهتمام إلى بداية فكرة تخصيص معاش للبرلمانيين، مبرزا أن ذلك يعود إلى بداية الستينيات، وبالضبط، خلال أول تجربة برلمانية سنة 1963، حينما أصدر الملك الراحل الحسن الثاني لدى افتتاحه للدورة الثانية للبرلمان في 20 أبريل 1964 تعليماته من أجل الإسراع بوضع رهن إشارة ممثلي الأمة الإمكانات اللازمة؛ منها مقر جديد يليق بالمؤسسة التشريعية، وتوفير تعويض خاص للبرلمانين، وذلك حتى يتمكن النواب من القيام بدورهم ومزاولة مهامهم في نطاق من الاستقلال المادي مع ضمان كرامتهم. وتجدر الإشارة إلى أن مؤلفات عبد الحي بنيس متنوعة؛ منها ما يهم المجال السياسي والتشريعي، ك"المرأة في الخطب الملكية والتصاريح الحكومية وبرامج الأحزاب السياسية" و"المسار البرلماني المغربي من النشأة إلى الانتقال الديمقراطي" و"البرلمان في اجتهاد القضاء الدستوري" و"البرلمان والحكومة – الذاكرة والتأريخ" و"أقوى الأحداث التي طبعت تاريخ المغرب من 1900 إلى 2010" و"التحولات الإصلاحية بالمغرب في ظل الربيع العربي" و"نصف قرن من الحياة البرلمانية 1963-2013". وفي مجال التاريخ والتراث والإبداع، أصدر بنيس عدة مؤلفات؛ منها "أطيب الأحاجي والأمثال من أفواه النساء والرجال" و"اليهود المغاربة في المنظومة القانونية (1913 – 2007)" و"أروع الحكايات من أفواه الجدات" و"فاس في الجريدة الرسمية من 1913 إلى 2010" 2011"، فضلا عن "المآثر التاريخية من خلال الظهائر والمراسيم المغربية".