يطالع زائر البرلمان٬ الذي يعرف هذه الأيام حركية كثيفة بمناسبة دراسة مشروع قانون المالية لسنة 2012٬ وجود معرض لمؤلفات وموسوعات ترصد في مجملها العمل البرلماني وتوثق لأهم محطاته٬ كلها تحمل توقيع عبد الحي بنيس٬ ليكتشف الزائر أن الأمر لا يتعلق بأكاديمي متخصص٬ وإنما برجل بدأ مشواره كموظف بسيط في أسفل السلم الاداري بإدارة إحدى الفرق البرلمانية٬ قبل أن يصبح بإصراره ومثابرته على مدى أزيد من ثلاثة عقود من أبرز المهتمين بالتوثيق والتأريخ للعمل البرلماني. تتوزع الأعمال التوثيقية لعبد الحي بنيس٬ الذي بدأ مشواره الوظيفي في المؤسسة التشريعية كعون خدمة بإدارة الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب عام 1977٬ بين الاهتمام بالمواضيع السياسية والتاريخية من خلال مؤلفاته المتعددة التي ترصد مسار البرلمان المغربي٬ والحكومات المتعاقبة وأهم محطات تاريخ المغرب٬ مرورا بالمواضيع المجتمعية كالمرأة٬ واليهود المغاربة٬ الى مواضيع الثقافة الشعبية وحكايات الجدات. واللافت للانتباه في مسار هذا الرجل المهووس بالتوثيق والذاكرة٬ وصاحب أول موسوعة برلمانية أصدرها في عام 2008 (دار الأمان للطباعة والنشر والتوزيع)٬ في جزأين الأول تحت عنوان "المسار البرلماني المغربي من النشأة إلى الانتقال الديمقراطي"٬ والثاني بعنوان "البرلمان في اجتهاد القضاء الدستوري"٬ مواصلته إصدار أعمال جديدة خلال سنة 2012 رغم إشرافه على التقاعد الاداري٬ ويتعلق الامر بعمل توثيقي جديد حول "البرلمان - الحكومة - القضاء منذ استقلال المغرب الى دستور 2011"٬ و"المآثر التاريخية في الظهائر والمراسيم" (منشورات المعارف). "طالما راودني حلم إنجاز عمل توثيقي لأهم الأحداث التي عرفها البرلمان المغربي منذ نشأة الحياة الدستورية بالمغرب٬ واليوم يمكن لي القول أن الحلم تحقق"٬ هكذا يلخص عبد الحي بنيس دوافعه لانجاز أعماله التوثيقية للمؤسسة التشريعية. يؤكد بنيس٬ في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء٬ أن غايته من إصدار الموسوعة البرلمانية٬ التي تطلب منه تجميعها وتدقيقها وتصنيفها وترتيبها مجهودا كبيرا٬ هي توفير مادة خام توضع رهن إشارة كل الباحثين والمهتمين بالشأن البرلماني المغربي وتاريخه لجعلها مادة علمية تسهم في إثراء القانون البرلماني المغربي. "آمل أن أكون قد ساهمت من خلال هذه الموسوعة٬ يقول بنيس٬ في إيلاء الواقع التوثيقي البرلماني ما يستحقه من اهتمام٬ وعيا مني بالدور الذي سيضطلع به في صيانة ذاكرة البرلمان المغربي وحفظ وثائقه من الضياع واختصار الكثير من العناء والجهد على المهتمين والباحثين في موضوع العمل البرلماني". وتتضمن الموسوعة البرلمانية ضبطا تاريخيا يسهل على الباحثين رصد أزمنة وتواريخ لمحطات أساسية ذات علاقة بالبرلمان٬ ابتداء من المجلس الوطني الاستشاري لسنة 1957 ٬وتواريخ العلميات الاستفتائية والانتخابات الجماعية والتشريعية٬ وتقديم البرامج الحكومية ومخططات التنمية الاقتصادية٬ وموقف البرلمان من بعض القضايا الدولية وتواريخ ملتمس الرقابة ولجان تقصي الحقائق. كما تحتوي الموسوعة على وثائق تتعلق بتنظيم البرلمان وورقة تعريفية بمختلف الاحزاب المغربية والحكومات المتعاقبة ثم جدول أعمال كل الجلسات التي عقدها البرلمان ممهدة بجدول أعمال جلسات المجلس الوطني الاستشاري فضلا عن لائحة المشاريع التي وافق عليها البرلمان والدورات الاستثنائية التي عقدها. وإلى جانب المؤلفات التي توثق للعمل البرلماني٬ صدر لبنيس العديد من الإصدارت منها على الخصوص مؤلف حول "المرأة في الخطب الملكية والتصاريح الحكومية وبرامج الأحزاب السياسية" عام 2006 ٬ و"اليهود المغاربة في المنظومة القانونية"٬ وموسوعة الثقافة الشعبية المغربية "أطيب الأحاجي والأمثال من أفواه النساء والرجال" في عام 2009٬ ومؤلف حول "الأداء البرلماني للزعيم علال الفاسي 1963-1965" في 2010. وفي سنة 2011 أصدر الجزء الأول من موسوعة فاس الكبرى "فاس في الجريدة الرسمية من 1913 الى 2010". أكثر ما يثير انتباه المرء وهو يقف أمام هذا الحجم الضخم من الاصدارات هو بساطة وتواضع مؤلفها الذي يسارع بخفة ورشاقة٬ والابتسامة لا تفارق محياه٬ ليقدم أعماله ويوافي السائل بتفاسير وشروحات حول ما وقعت عيناه عليه. يبادله الحديث بلطف في كل هذه المواضيع ليكتشف أنه أمام رجل يحمل تاريخ وذاكرة مؤسسة هامة في النظام السياسي المغربي٬ قضى في خدمتها حوالي 34 سنة٬ حيث عايش عبد الحي بنيس المزداد بمدينة فاس سنة 1952٬ أهم الأحداث السياسية والمحطات الكبرى التي عرفتها البلاد واحتك برجالات الدولة وقادة الأحزاب والمعارضة الذين بصموا التاريخ السياسي المعاصر. يقول بنيس "واكبت نشأة هذه المؤسسة التشريعية التي خرجت من طفولتها قبل السبعينات٬ وعشت أبرز الأحداث السياسية التي كان لها صدى قوي داخل المؤسسة التشريعية منها على الخصوص انسحاب الفريق الاشتراكي من مجلس النواب في 1981 ٬ وملتمس الرقابة في 1991 ٬ وتشكيل حكومة التناوب في 1998". ولتوثيق هذه المحطات يعتزم بنيس إصدار "مذكرات موظف في البرلمان" يستحضر من خلالها التجارب التي عاشها والشخصيات التي عاصرها٬ "غايتي من ذلك التأسيس لثقافة جديدة في التعامل الاداري البرلماني تتجاوز كل السلبيات للوصول الى مرحلة أكثر وثوقا في موظف المؤسسة التشريعية وأكثر تجاوبا معه ومع اجتهاداته وإبداعاته". ويلخص بنيس وجهات النظر في مساره بالقول "سماني البعض ب (ميخالة) لأنني جمعت كل ما وقع في طريقي كما هو شأن دافعي العربات في شوارع مدننا كل مساء٬ ولقبني آخرون بالفنان٬ ربما إدراكا منهم بهوايتي للمسرح في عنفوان شبابي٬ ويحلو للبعض أن يناديني بمؤرخ البرلمان".