يستحق عبد الحي بنيس، ذلك الرجل البسيط الذي يعمل عون خدمة في مجلس النواب، أن يسجل اسمه في كتاب غينيس للأرقام القياسية بعد نجاحه في إنجاز أول موسوعة برلمانية في تاريخ المغرب، رغم أنه لم يحصل على الشهادة الابتدائية. بنيس أصبح مرجعا مهما للطلبة والباحثين في مجال العمل البرلماني المغربي، بعد إصداره للجزء الأول من «الموسوعة البرلمانية»، وهو الجزء المتكون من مجلدين يحملان عنوان: «المسار البرلماني المغربي من النشأة إلى الانتقال الديمقراطي»، وهو الآن يهيئ لأجزاء أخرى تتناول «الإسهامات التشريعية للبرلمان المغربي»، «المراقبة البرلمانية»، «نقط نظام»، «الدور الدبلوماسي للبرلمان المغربي»، «الحياة الإدارية للبرلمان المغربي»،»البرلمان المغربي بالصور»، «البرلمان والإعلام والمجتمع المدني». ويقول بنيس إنه في ختام هذه الأعمال التي ينتظر أن ترى النور قريبا سوف يفرد مجلدا خاصا لمذكراته كموظف في البرلمان عاصر سبع ولايات برلمانية وعايش عدة شخصيات. كان بنيس، في منتصف السبعينات، شابا من أسرة فقيرة في مدينة فاس يعمل مع والده في مجال «الخرازة»، لكنه كان أيضا نشيطا في صفوف شبيبة حزب الاستقلال في العاصمة العلمية التي أسس بها فرقة مسرحية تسمى «فرقة التوحيد»، وبسبب انقطاعه عن الدراسة تقدم بطلب إلى حزبه قصد الحصول على عمل، فتوسط له المرحوم محمد بن شقرون، مدير المركز العام للحزب بالرباط، ليشتغل كعون خدمة في مجلس النواب في أكتوبر 1977 مرتب في السلم 1 للأجور. عمل بنيس إلى حدود سنة 1992 في مكاتب الفريق الاستقلالي. يتذكر بنيس تفاصيل دقيقة عن برلمان 1977 قائلا: «كانت التجربة البرلمانية آنذاك ذات طعم خاص، حيث كانت المعارضة قوية، والأغلبية كذلك قوية، وكان هناك تعطش للديمقراطية». في تلك الفترة كان حزب الاستقلال مشاركا في الحكومة أما الاتحاد الاشتراكي فكان في المعارضة، وكانت هناك منصتان للخطابة في المجلس، الأولى على اليمين، والأخرى على الشمال، فكانت تحدث مرارا مواجهة بين المعارضة والأغلبية بشكل حاد مثلما وقع بين الاستقلالي عبد الكريم غلاب والاتحادي محمد بن سعيد، أو ما وقع بين عبد الرزاق أفيلال والاتحادي محمد الدباغ، حيث كانت المواجهة الكلامية تصل إلى حد طلب الرئاسة تدخل رجال الأمن داخل القاعة للتهدئة». كما يتذكر بنيس حالة الاستثناء التي كان يعرفها مجلس النواب عندما كان يحضر وزير الداخلية الراحل إدريس البصري للمجلس مرفوقا بحاشيته الذين يتسابقون للدخول معه في مصعد المجلس ليمنعوا الموظفين من السلام عليه وتسليم طلبات له بالحصول على كريمات أو من أجل التدخل لتشغيل معارفهم. وفعلا فقد استفاد كثير من هؤلاء الموظفين ورجال الأمن من كريمات. كما يتذكر بنيس خطاب الراحل الحسن الثاني سنة 1981 بتمديد ولاية برلمان 1977، وهو القرار الذي رفضه الاتحاديون، يقول بنيس: «تعرض البرلمانيون الاتحاديون لضغوط كبيرة من حزبهم الذي رفض التمديد، ودعاهم للانسحاب، والحسن الثاني الذي هددهم، فقرر بعضهم البقاء والتحدث بصفته الشخصية ليس كممثلين لحزبهم». وبسبب الفراغ الذي أحدثه موقف الاتحاديين يقول بنيس: «قررت الدولة تقسيم حزب التجمع الوطني للأحرار إلى قسمين، حزب الأحرار ليلعب دور المعارضة، والحزب الديمقراطي برئاسة أرسلان الجديدي يشارك في الحكومة، وقد حدث أن الداي ولد سيدي بابا الذي كان يرأس البرلمان أصبح مع فريق المعارضة فحدث له خلاف مع خليهن ولد الرشيد الذي كان مع حزب أرسلان الجديدي، فقام ولد الرشيد بصفع ولد سيدي بابا بقوة حتى ارتمت ساعته من يده. فاشتكى سيدي بابا إلى الحسن الثاني». واليوم بينما يستعد بنيس للتقاعد سنة 2012، فإنه يركز اهتمامه على مشاريع أخرى مثل إنجاز شريط وثائقي عن البرلمان المغربي، بالتعاون مع إحدى شركات الإنتاج، يتضمن صورا نادرة مثل الوقائع الكاملة عن ملتمسي الرقابة سنة 1964 وسنة 1992 بالصوت والصورة.