تراجع مفرغات الصيد بميناء طنجة بنسبة 29% وانخفاض القيمة التجارية إلى 134 مليون درهم    الملك محمد السادس يدعو إلى حلول عملية لوقف النار ودعم الفلسطينيين إنسانياً وسياسياً    وفد عسكري مغربي يزور حاملة الطائرات الأمريكية 'هاري ترومان' في عرض ساحل الحسيمة    نقص حاد في دواء السل بمدينة طنجة يثير قلق المرضى والأطر الصحية    اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية يتأهل إلى مرحلة البلاي أوف من البطولة الوطنية    فتح تحقيق في محاولة تصفية مدير مستشفى سانية الرمل تطوان    سبتة ترفض مقترحا لحزب "فوكس" يستهدف المهاجرين والقاصرين    الأمن يحبط عملية بيع حيوانات وزواحف من بينها 13 أفعى من نوع كوبرا في الناظور ومراكش    الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل سيدخل حيز التنفيذ فجر الأربعاء    عصبة الأبطال.. الجيش الملكي يهزم الرجاء بعقر داره في افتتاح مباريات دور المجموعات    العلمانية والإسلام.. هل ضرب وزير الأوقاف التوازن الذي لطالما كان ميزة استثنائية للمغرب    إسرائيل توافق على وقف إطلاق النار في لبنان بدءا من يوم غدٍ الأربعاء    المغرب يستعد لإطلاق عملة رقمية وطنية لتعزيز الابتكار المالي وضمان الاستقرار الاقتصادي    لجنة الحماية الاجتماعية تجتمع بالرباط        بنسعيد: "تيك توك" توافق على فتح حوار بخصوص المحتوى مع المغرب    هيئة حقوقية تنادي بحماية النساء البائعات في الفضاءات العامة        "نعطيو الكلمة للطفل" شعار احتفالية بوزان باليوم العالمي للطفل    وفاة أكبر رجل معمر في العالم عن 112 عاما    لحظة ملكية دافئة في شوارع باريس    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»    الجنائية الدولية :نعم ثم نعم … ولكن! 1 القرار تتويج تاريخي ل15 سنة من الترافع القانوني الفلسطيني        دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة    القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    توقيف فرنسي من أصول جزائرية بمراكش لهذا السبب    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"        مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    حوار مع جني : لقاء !    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دستور ممنوح.. لاديموقراطي.. ويستغفل الشعب
نشر في هسبريس يوم 26 - 06 - 2011

نزل مشروع الدستور الجديد على رؤوس المواطنين مخيبا لآمال الكثيرين، ومؤكدا لتوقعات العارفين والخبراء بأساليب المخزن وسياساته، وضاربا عرض الحائط بالمطالب الجوهرية للشعب. وكل ذلك وسط حملة دعائية جندت فيها الحكومة أموال الشعب وأجهزة الإعلام المخزني ورجال المشهد الحزبي المتآكل الذين قبلوا القيام بترويج مجاني للدستور الممنوح مستخفين بذكاء الشعب وهم يزعمون أنه "دستور ديموقراطي".
أول ملاحظة يمكن ذكرها هو الطابع المتعجل المتسرع الذي تمت به عملية مراجعة الدستور، وهي تنم عن رغبة جامحة في إطفاء نار حركة 20 فبراير بسرعة من أجل منع تبلورها النضالي. فلسفة "جْمَعْ وطْوي" هي إذن المحرك الكامن وراء هذه "الزربه" المخزنية.
أما الملاحظة الثانية فهي المنهجية السرية الفوقية الحصرية الإقصائية التي تمت بها إعادة صياغة الدستور. فأعضاء لجنة المنوني ولجنة المعتصم كلهم معينون ومختارون وغير منتخبين من طرف الشعب ولا من طرف المنظمات الحقوقية المستقلة وبالتالي فهم لا يمثلون الشعب وإنما يمثلون السلطة فقط. أما حوارات اللجنة مع بعض المنظمات المدنية والحقوقية فتدخل في إطار الدردشة التي لا تلزم أحدا بشيء. بينما صلب عمل اللجنتين قد تم وراء أبواب مغلقة في سرية تامة. إن مستقبل الشعب لا يصاغ بطريقة مفاوضات اللوبيات والصفقات السرية وإنما بالحوار الوطني المفتوح.
ثم إن لجنة المنوني تحركت ضمن الخطوط الحمراء لسلطات الملك. أما لجنة المتابعة فكانت تحت قيادة مستشار الملك محمد المعتصم. بل هناك من أشار إلى أن محمد المعتصم هو من سيطر على مشروع الدستور بأكمله. إذن لا يمكن توقع دستور ديموقراطي حر حقيقي تحت وطأة كل الخطوط الحمراء والممارسات السرية، وتحت سيطرة رجال السلطة الذين لا تقيدهم أية مسؤولية مباشرة أمام الشعب.
وهذا ما أثبته الواقع بهذا الدستور الذي لم يمنح للشعب الحرية الكاملة التي ينشدها والسيادة الكاملة التي يستحقها.
ويجدر الذكر بأن الأحزاب السياسية قد فقدت الشرعية الشعبية منذ زمن طويل، وهذا ما تدل عليه مقاطعة المواطنين للعمل في صفوفها ولكل الإنتخابات العبثية. وقد قاربت نسبة المقاطعة والعزوف 80% في الإنتخابات التشريعية الأخيرة. أما مطالب إصلاح الدستور التي كانت تشير إليها تلك الأحزاب قبل انتفاضة 20 فبراير فكانت إما سرية المضمون (خوفا من إغضاب المخزن) وإما تافهة وشكلية لا تمس اللب والجوهر ولا ترقى إلى الديموقراطية الكاملة والحرية الشاملة. وبالتالي فإن آراء الأحزاب (خصوصا الأحزاب المهيمنة) في مسودة الدستور الجديد هي آراء ساقطة لاغية، لا قيمة لها لدى الشعب. بعبارة أخرى: فاقد الشرعية لا يعطيها.
الدستور الممنوح يقدم هوية عرجاء:
عمد واضعو الدستور إلى اعتماد مفهوم "مكونات الهوية" وأعطوا الصدارة للمكون "العربي-الإسلامي" متبوعا بالأمازيغي ثم بالصحراوي الحساني.
وأول الأخطاء الفادحة المرتكبة هو عدم إعطاء الصدارة للهوية الأمازيغية (التاريخية الجغرافية وليس العرقية اللغوية)، رغم أن الأمازيغية لها الأسبقية التاريخية المطلقة كما يعلم الجميع. أما الخطأ الثاني فهو أن واضعي الدستور عمدوا إلى دمج العروبة والإسلام في عنصر هوياتي واحد متمايز عن غيره. وهم بذلك يؤكدون مقولة أن الإسلام دين عربي لا ينفصل عن العرب والعروبة. بينما الحقيقة هي أن الإسلام (كما يفهمه المغاربة على الأقل) هو دين منفصل عن العرب والعروبة. أما الخطأ الثالث فهو استصغار الإنتماء الأفريقي للمغرب وحشره مع مجموعة "الروافد" الأندلسية والعبرية والمتوسطية. في حين أن انتماء المغرب لأفريقيا هو انتماء جغرافي تاريخي أعمق بكثير من مجرد "رافد" أجنبي الأصل.
وما يزيد الطين بلة هو أن الدستور يعود في الجملة الموالية إلى التخلص من "الترتيب الهوياتي" السابق التي يقترحه، بقوله أن "الهوية المغربية تتميز بتبوئ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها" ليبعثر ويلغي مفهوم الهوية (المهزوز أصلا) الذي ذكره سابقا، بشكل نهائي. وهذا في قمة التناقض.
وإذا كان هذا الدستور قد تخلص نهائيا من مصطلح "المغرب العربي" وعوضه ب"المغرب الكبير" و"الإتحاد المغاربي"، فإنه يؤكد على نفس الصفحة الأولى على التزام الدولة ب "تعميق أواصر الإنتماء إلى الأمة العربية والإسلامية، وتوطيد وشائج الأخوة والتضامن مع شعوبها الشقيقة".
ولكن ماذا عن الأمة الأمازيغية؟ أليس المغرب دولة أمازيغية الهوية (جزئيا) أيضا بجانب كونها إسلامية وعربية حسب هذا الدستور؟
ألا يجب إذن على الدولة المغربية أن تلتزم أيضا ب"تعميق أواصر الإنتماء إلى الأمة الأمازيغية، وتوطيد وشائج الأخوة الأمازيغية مع الشعوب الأمازيغية الشقيقة في الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا وجزر الكناري والطوارق في مالي والنيجر"؟
أم أن وشائج الأخوة والتضامن مع الشعوب الشقيقة لا تصح إلا إذا كانت عربية أو إسلامية؟!
الدستور الممنوح يقزّم الأمازيغية إلى لغة رسمية ثانوية مؤجلة:
يكرس الفصل 5 من الدستور التمييز بين الأمازيغية والعربية. فبدل أن يتم ذكر اللغتين في جملة قصيرة واحدة كلغتين رسميتين متساويتين للدولة، لجأ واضعو الدستور إلى المراوغة والتحايل، وذلك بذكر العربية وحدها في مقدمة الفصل على الشكل التالي: "تظل العربية اللغة الرسمية للدولة".
استخدام كلمة "تظل" يعطي انطباعا كاذبا بأنه كان هناك من يدعو إلى اقتلاع العربية من الدستور وإلغاء رسميتها. وكأن الدستور الجديد جاء لحمايتها من ذلك الخطر الوهمي!
أما استخدام "أل التعريف" فهو يعني أن العربية هي اللغة الرسمية الحقيقية الوحيدة للدولة.
ثم جاء ذكر الأمازيغية في السطر الثالث: "تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة"، وكأنها سقطت سهوا من السطر الأول فتذكرها كاتبو الدستور في السطر الثالث مستدركين هذا "النسيان" بكلمة "أيضا".
زد على ذلك أن واضعي هذا الدستور استعملوا صيغة التنكير (بدون أل التعريف) مع الأمازيغية. ونحن نعرف الأهمية القصوى لمعنى "التعريف والتنكير" واستخدام أل التعريف في العربية. فالفرق عظيم بين "لغة رسمية" و"اللغة الرسمية".
إنه تحايل واستغفال مخجل مفضوح لا ينطلي إلا على الأمييين وغير العارفين بالعربية.
ويمكنني أن أفترض أن واضعي الدستور لجأوا إلى هذه "الحيلة النحوية الإنشائية" لأن التنصيص صراحة على كون العربية لغة رسمية أولى، والأمازيغية لغة رسمية ثانية ثانوية كان سيثير غضبا عارما لدى الشارع المغربي. وهكذا سلكوا سبيل التحايل البلاغي والنحوي ليمرروا هذا المضمون بطريقة خفية. وهكذا تم إفراغ هذا الترسيم من مضمونه، وبرهنوا لنا بأن رسمية أي لغة هي مرهونة بطريقة الترسيم وسياقه وليس فقط باستخدام كلمة "رسمية" السحرية.
والملاحظ أن عدد الكلمات المخصصة لأية لغة يتناسب عكسيا مع مكانتها. فالعربية جاء ذكرها مختصرا وصارما. ثم بدأت عملية "الدخول والخْروج ف الهضره" مع الأمازيغية بذكر كونها "رصيدا مشتركا لكل المغاربة..." و"مراحل تفعيل طابعها الرسمي..." و"لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها...". وهذه الصيغة الضبابية التأجيلية تسوغ للمسؤولين والسياسيين تسويف عملية تعميم التدريس والتطبيع المؤسساتي مع اللغة الأمازيغية.
ثم جاء ذكر الحسانية ك"جزء من الهوية الثقافية...". أما الدارجة فلم تتلق أي اعتراف، وذكِرت ضمنيا مع "اللهجات والتعبيرات الثقافية".
في الدستور الممنوح الملك يسود ويحكم.. وبقوة:
الفصل الثاني يقول بأن "السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالإستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها. تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالإقتراع الحر والنزيه والمنتظم".
هذا الفصل وحده كاف لتأسيس نظام ديموقراطي مدني برلماني حقيقي. فالأمة (أي الشعب) هي صاحبة السيادة ولا أحد غيرها. ولا مجال لغير المنتخبين لممارسة السيادة والسلطة. ليس هناك أي ذكر للملك ولا للفقهاء ولا للأعيان ولا لغيرهم. وبما أن الملك غير منتخب فالمنطق يقول (حسب هذا الفصل) أن لا يمارس الملك أي سلطة أو سيادة وأن يكون دوره شرفيا رمزيا (كما في المَلكيات الأوروبية) وأن يترك السيادة للأمة ويترك السلطة لممثليها المنتخبين.
ولكن انتظروا ولا تستعجلوا!... فبقية فصول الدستور ما بعد الفصل الثاني ستتجند لإثبات العكس. أي لإثبات أن السيادة ليست للأمة ولا لممثليها المنتخبين!
وها هي الفصول 42 و47 و48 و50 و51 و52 و53 و54 و56 وغيرها تفرغ الفصل 2 من محتواه وتبقي السيادة والسلطة العليا في يد الملك أو لدى بعض المؤسسات التي يرأسها أو يعين أعضائها.
أين سيادة الأمة التي تمارسها بواسطة ممثليها المنتخبين؟ لقد ذهبت مع الريح.
تغيير "الوزير الأول" ب"رئيس الحكومة" هو نموذج من "المقاربة الكلامية" في هذا الدستور. فالسلطة تحاول إقناع الشعب بأن "رئيس الحكومة" قد أصبح رئيسا فعليا للحكومة وللسلطة التنفيذية. بينما الحقيقة هي أن الدستور يؤكد بقاء الملك رئيسا وقائدا فعليا للحكومة ومتحكما بالسلطة التنفيذية. فهو الذي يعين الوزير الأول/رئيس الحكومة من الحزب الفائز (نظريا يمكن أن يكون أي عضو في الحزب وليس أمينا عاما للحزب بالضرورة) ويعين كل الوزراء، ويعفيهم من مهامهم بمحض إرادته مع استشارة "رئيس الحكومة" (الفصل 47). والملك هو الذي يرأس المجلس الوزاري ويحدد جدول أعماله والسياسة العامة للحكومة (الفصلان 48 و49). والملك وحده يصدر الأمر بتنفيذ القانون (الفصل 50).
في الدستور الممنوح لا وجود لفصل حقيقي للسلطات:
فصل السلطات لا وجود له إلا بالإسم. عبقرية واضعي الدستور هي أنهم يؤكدون على وجود شيء ثم ينسفونه وينسخونه لاحقا في فصول الدستور الأخرى. الدستور يزعم أن السلطات مفصولة. ولكن الملك يقود السلطتين التنفيذية والقضائية فعليا (وليس رمزيا)، ويؤثر بقوة نسبية على السلطة التشريعية.
فالملك هو الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية (الفصول 48 و49 و50). وهو له سلطة حل غرفتي البرلمان بعد استشارة غير ملزمة مع رئيس المحكمة الدستورية (الفصلان 51 و96). والملك يمكن أن يأمر البرلمان بإعادة قراءة مشاريع القوانين (الفصل 95). وخطابه لا يناقشه أي نائب برلماني (الفصل 52). وهو يرأس المجلس الأعلى للأمن ويحدد جدول أعماله (الفصل 54). والملك يرأس شخصيا المجلس الأعلى للسلطة القضائية ويعين رُبُع عدد أعضائه (الفصلان 56 و115). ويعين الملك نصف أعضاء المحكمة الدستورية ورئيسَها (الفصل 130).
يمكن للملك ولرئيس الحكومة ولأي برلماني التقدم بمبادرة لمراجعة الدستور (الفصل 172).
مبادرة رئيس الحكومة لمراجعة الدستور يجب أن تمر عبر المجلس الوزاري (يرأسه الملك) قبل مرورها إلى الإستفتاء الشعبي بظهير ملكي (الفصلان 173 و174). مبادرة البرلمان لمراجعة الدستور (بعد التصويت عليها بثلثي أعضاء البرلمان) أيضا تمر إلى الإستفتاء الشعبي بظهير ملكي (الفصل 174). والملك وحده يمكنه عرض مبادرة لمراجعة الدستور على استفتاء شعبي مباشرة، أي دون المرور بالبرلمان ولا بالمجلس الوزاري (الفصل 172). والملك يمكن له أن يعرض مراجعة بعض مقتضيات الدستور على البرلمان فقط، وفي حالة المصادقة عليها بأغلبية الثلثين تطبق بدون استفتاء شعبي (الفصل 174).
وجاء الدستور الجديد بمزيد من إضعاف البرلمان (الذي يمثل الشعب) بتمكين رئيس الحكومة من حل مجلس النواب (الفصل 104)، بجانب سلطة الملك في حل غرفتي البرلمان.
السلطة القضائية مستقلة (نظريا فقط) عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. ولكن الملك (الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية ورئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية) هو الضامن لاستقلالية السلطة القضائية (الفصل 107).
ولم يحدث أي تغيير في حكم الجهات وبقي الولاة والعمال معينين من المركز عوض انتخابهم جهويا، مع احتفاظهم بالسلطة العليا في الجهات.
ولم يضمن الدستور تنظيم الإنتخابات والإستفتاءات عبر مؤسسة دستورية مستقلة عن الحكومة وعن وزارة الداخلية المسؤولة عن تاريخ طويل من الشطط والتزوير و"طبخ" الإنتخابات والإستفتاءات.
فأين فصل السلطات؟ لا وجود له إلا من الناحية الشكلية.
الدستور الممنوح لا يذكر الدولة المدنية ولا يمنع استغلال الدين في السياسة:
لم يتم اعتبار "الحرية" و"حقوق الإنسان" من ثوابت الأمة في الفصل الأول من الدستور.
والدستور تجاهل "الدولة المدنية" تجاهلا تاما.
وليس هناك منع دستوري صريح لاستخدام الدين في السياسة والإنتخابات، رغم التنصيص على منع تأسيس أحزاب دينية (الفصل 7).
وليس هناك تنصيص على حرية العقيدة.
ورغم إيجابية إقرار مجموعة واسعة من حقوق الإنسان (الفصول 19 إلى 35)، إلا أن حرية التعبير والصحافة مقيدة بالخطوط الحمراء المتروك تحديدها ل"قانون" (الفصل 28).
في الدستور الممنوح تنعدم سيادة الشعب على العسكر والأمن:
الملك هو القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة ويتمتع بسلطة التعيين في المناصب العسكرية (الفصل 53). في حالة الحرب أو الإضطراب يعلن الملك حالة الإستثناء ويتخذ كل ما يراه مناسبا من الإجراءات، ما عدا حل البرلمان وإلغاء الحريات والحقوق الأساسية (الفصل 59).
ورغم أن القوات المسلحة مؤسسة عمومية تخدم الشعب وتأخذ مصاريفها من أمواله، لا يملك رئيس الحكومة ولا البرلمان (المنتخبان من طرف الشعب) أية سلطة واضحة على الجيش.
لا يذكر الدستور أي تغيير في تدبير الأمن الوطني وأجهزة المخابرات مما يعني بقاء التدبير في شكله القديم المنغلق.
الدستور الممنوح لا يصلح للشعب:
إذن فهو دستور مكتوب من طرف السلطة وراء أبواب مغلقة، مليء بالمتناقضات، يكرس العقلية القديمة، عقلية المنع والمنح، عقلية الراعي والرعية، وعقلية التعامل مع الشعب على أنه لم يبلغ سن الرشد.
بقي في النهاية أن ننبه إلى أن المخزن ليس وحده المسؤول عن هذا الدستور اللاديموقراطي، وإن كان هو المسؤول الأكبر.
فبعض القوى السياسية الرجعية المعادية للحداثة وللتنوير وللدولة المدنية وللأمازيغية قد مارست ضغوطا وتدخلات قوية في الكواليس وتهديدات أمام الملأ ضد التقدم في تلك المجالات، مستغلة تخاذل قوى التقدم والحداثة وفتور حركة 20 فبراير مؤخرا، وقلة تركيزها على مطالب جوهرية مثل "الدولة المدنية" و"عدم استغلال الدين في السياسة" و"رمزية الملك" و"حرية التعبير بدون قيود" و"المساواة الكاملة بين الأمازيغية والعربية".
وهكذا تدخلت تلك القوى الرجعية لشطب صيغة "الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية" واعتماد الصيغة المجحفة الحالية، وتدخلت أيضا للتخلص من ذكر "الدولة المدنية"، كما أوردت جريدة الأحداث المغربية نقلا عن محمد الطوزي عضو لجنة المنوني.
وهذا يذكرنا بمعارك تلك القوى الرجعية ضد إصلاح مدونة الأسرة، وبتهديد تلك القوى الرجعية عام 2003 بالنزول إلى الشارع فيما لو تمت كتابة الأمازيغية رسميا بالحرف اللاتيني، مما ساهم آنذاك في اعتماد حرف تيفيناغ الذي عطل تقدم الأمازيغية في التعليم والإعلام وحَجَبَها عن الجمهور الواسع.
وبالتالي فتلك القوى الرجعية وكل المراكز المتحالفة مع المخزن أثبتت مرة أخرى نفعها في حماية المخزن والنظام القديم، وهذا سيجعلها في مسار اصطدام مباشر مع الشعب. وقد بدأنا نرى بوادر السخط الشعبي العلني على عدد من الأحزاب بعد أن كان الشعب يتجاهلها من قبل.
ختاما، أعتقد أنه تجب إعادة التفكير في كثير من المنطلقات النضالية والمصطلحات مثل مصطلح "الملكية البرلمانية" وإمكانية تعويضه بمصطلح "الديموقراطية المدنية البرلمانية". وربما تجب إعادة النظر في مصطلح "الملك يسود ولا يحكم" (لأن السيادة تسوغ وتبرر الحكم، ولأن السيادة للأمة فقط) وإمكانية تعويضه ب"المَلِك الرمزي الذي لا يحكم".
والمأمول هو أن يكون هذا الدستور الممنوح اللاديموقراطي صدمة إيجابية توقظ النائمين وتنفض الفتور والضعف عن المناضلين وتمنح الشعب طاقة إضافية تكفي لتصعيد النضال السلمي ومضاعفة حجم المظاهرات والإحتجاجات وتطوير أساليبها ومرتكزاتها.
والطريق طويل... طويل جدا.
إلا أن الشعب يبدو مصمما على إتمامه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.