أتحفنا الصحفي الشاب محمد أحداد بمقال له بجريدة المساء عدد اليوم ، تحت عنوان : دع ما كان منهارا ينهار، وهو تعبير كما أشار إلى ذلك في آخر مقاله للشاعر الفلسطيني محمود درويش، يلخص فيه الوضعية المزرية التي آلت إليها النخب السياسية والثقافية، خاصة بعد محطة 2011 الربيع العربي والدستور الجديد، وانخراط وسائل التواصل الاجتماعي في النقد وصناعة الرأي ، إن سلبا أو إيجابا، بعيدا عن أي تأطير مؤسساتي حزبي أو نقابي أو جمعوي أو ثقافي إعلامي متحكم ومباشر. وعرج بنا صاحبنا على الوضعية الصعبة التي آلت إليها مؤسسة اتحاد كتاب المغرب، القلعة الثقافية المغربية التي شكلت عبر عقود من الزمن تحت إدارة كتاب ومفكرين كبار أمثال الحبابي، برادة، غلاب، اليابوري و..و..منارة إشعاع مخيفة للسلطة وللطبقة المستفيدة من ريعها، وخزانا فكريا وإبداعيا مد الأحزاب خاصة التاريخية والوطنية منها بالوقود في العديد من المحطات، ودافع في أدبياته عن طموحات وآلام وآمال الجماهير والطبقات الشعبية المسحوقة. ومن يطلع على جرائد المحرر والعلم والاتحاد الاشتراكي وأنوال والبيان وبعض المجلات مثل الثقافة الجديدة، أقلام، والأزمنة وغيرها على الأقل في فترة السبعينات ، سيجد زخما وركاما من الإبداعات في العديد من أشكال التعبير: القصة الرواية الشعر، النقد، الفلسفة، التشكيل، المسرح التي تفاعل مبدعوها مع قضايا الناس المتمثلة أساسا في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وقد أدى بعض هؤلاء المبدعين الثمن غاليا ، لأنهم كما أشار إلى ذلك كاتب المقال ، كانوا: "في الصف الأول لمواجهة سياسات الدولة "، هذه القلعة أي اتحاد كتاب المغرب أصبحت في نظر صاحب المقال مؤسسة مهمشة وبناية باردة مثل ضريح أو زاوية منفصلة عن حركية المجتمع: اجتماعات وسفريات وأنشطة وأخبار هنا وهناك ، بعدما كانت بمثابة فرناتشي الحومة يشتعل ويفور وخلية نمل ونحل لا تفتأ تتحرك وتثور، تنتج وتتضامن وتندد ، تجر وراءها الكتائب الثقافية بصمود وإصرار .. لكن السؤال الجوهري هو من أوصل اتحاد كتاب المغرب إلى هذه الوضعية، أليس المثقفون أنفسهم، أو لنقل أغلبهم حتى لا نبخس صمود البعض منهم ؟ أليست بعض الأحزاب التي ضيقت الخناق على مثقفيها وهمشت دورهم ودجنت بعضهم وفتحت لهم مسارب الترقي والحصول على المسؤوليات والاستفادة من الريع بكل أشكاله ؟ أليس ركوب الثقافي للسياسي والسياسي للثقافي وفشلهما معا في بلورة سياسة شعبية تستجيب لمطالب الجماهير الشعبية بالشكل المرغوب فيه والمحلوم به من طرف القوى الحية للبلاد أثناء حكومة التناوب، التجربة التي قيل عنها أنها أفشلت بفعل فاعل الذي لم يكن في نظرنا إلا أعداء الانتقال الديمقراطي الحقيقي داخل النخبة السياسة والثقافية وخارجهما ؟ والحقيقة أن مسألة نجاح أو فشل المشروع المجتمعي للمثقفين المغاربة، سواء في اتحاد كتاب المغرب، أو في غيره من التنظيمات الثقافية الأخرى ، ظل محددا في أذهان ومواقف الكثير من المثقفين المغاربة من خلال علاقة هذا المشروع بمطلب أشمل يخص جذر القضية الديمقراطية في بلادنا، في بعديها الدستوري القانوني والتنظيمي التطبيقي، أي الرفع من سقف هذا الدستور من حيث هو عين الأمانة للحفاظ على اللحمة المجتمعية من جهة وتطويره وتنزيله في الواقع العام بالممارسة الحية المسؤولة التي تستجيب لتطلعات الشعب من جهة أخرى. إن الفورة الثقافية التي كان اتحاد الكتاب يتميز بها ، نزلت بها نكسات من جانب من هم يشتغلون بالثقافة، حين تحولت الثقافة في أيدي البعض منهم إلى سلعة عادية، واستحالت أحلام وثورة الفكر والمجتمع إلى، إما إلى قنطرة للعبور نحو المصالح الخاصة، أو إلى ترنح وتطوح وبكاء وجلد للذات وجراح . وهنا نطرح هذا السؤال الجوهري أيضا : من يحمي البيت الثقافي المغربي الآن من تغريبته وثورته التي ضاع صداها وضاعت أحلامها ضمن أصوات لعبة السيرك الكبرى التي وضعها المروض السياسي الذي يساوم على ما تبقى من كرامة المثقف ؟. وأخيرا، نؤكد أن البيت الثقافي المغربي سواء تجسد جزء منه في اتحاد كتاب المغرب، أو رابطة الأدباء، أو غيرهما من التنظيمات الثقافية الأخرى الجادة ملكية مشتركة مثل الوطن، يتجاوز مفهوم الانتماء الحقيقي إليه بالبطاقة العضوية، وعدد الإصدارات والحضور في الملتقيات، وأمام الكاميرات المشتعلة إلى التواجد لحما وعظما ودما في ساحة الشرف، على اعتبار أن الثقافة ليس مجرد خطاب للزينة يضعه المثقف على رأسه وتضعه الدولة في الواجهة، وإنما الثقافة هي روح الشعب مشعل يتجدد ويتوهج باستمرار لا يحتاج إلى وصاية أو لسان مستعار .