في مالمو، ثالث أكبر مدينة في السويد، تشكل ناطحات السحاب الشهيرة "تويستينغ تورسو"، وهي أعلى برج في البلدان الإسكندنافية وثاني أطول برج في أوروبا، لوحدها رمزا لوجهة جديدة لمجموعة من الموانئ الشمالية، كانت إلى وقت قريب مهجورة، وأصبحت اليوم تتطلع إلى المستقبل. وشيّد المبنى الأبيض، الذي يقع أمام كوبنهاغن على شاطئ مضيق أوريسند، وهو بعلو 190 مترا ويتكون من 54 طابقا، في سنة 2005 على مساحة 27 ألف متر مربع في المنطقة السكنية الجديدة التي تغطي الجزء المينائي، الذي كان يمتد سابقا على غرب المدينة بأكملها. وقالت لويز لوندبيرغ، الناشطة البيئية، للصحافيين الأفارقة الذين كانوا يقومون برحلة إعلامية إلى البلدان الإسكندنافية، في إطار مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأممالمتحدة بشأن تغير المناخ "كوب 22" المقرر تنظيمه بمراكش: "أنا ابنة صياد وأنحدر من المدينة، لقد كنت شاهدة على إعادة هيكلة طويلة وشاقة قامت بها مالمو منذ تسعينيات القرن الماضي بعد إغلاق العديد من الوحدات الصناعية". وأوضحت لوندبيرغ أن مالمو، التي يبلغ عدد سكانها 350 ألف نسمة، 30 في المائة منهم من الأجانب، والتي كانت تصدر انطلاقا من موانئها السيارات ومنتوجات النسيج، قد تجددت مع توجه مستقبلي جديد لا يتم التهاون فيه مع حماية البيئة، مشيرة بأصابعها إلى السد الممتاز والأحواض النظيفة والشوارع المظللة وقنوات جمع مياه الأمطار وعدد لا يحصى من المدرجات الخضراء التي تسمى "روفتوبس" (أسطح المنازل). وقالت إن "هذه المنطقة، التي يرتفع فيها مستوى المعيشة عن باقي مالمو، ستتوفر من الآن فصاعدا على نظامها الخاص للطاقة وجمع النفايات. وتستخدم الأجزاء العضوية لإنتاج الغاز الحيوي وإحراق الباقي لأغراض التدفئة وإنتاج الكهرباء". ويمكن أن توفر هذه المنطقة، المزودة بنظام للطاقة المتجددة، سنويا 6200 "إم أش أش" من التدفئة و3000 ميغاواط من التكييف الهوائي، و6300 ميغاواط من الكهرباء، حيث يفضل السكان استخدام الدراجات حينما لا يركنون سياراتهم في أماكن أخرى، في وقت تتوفر فيه جميع "أسطح المنازل" على 1400 متر مربع من الألواح الشمسية، التي تلبي 15 في المائة من احتياجات التدفئة. الالتزام نفسه والتطبيق نفسه في الجانب الآخر من مضيق أوريسند، حيث يوجد جسر يعد من الأوائل في العالم الذي يربط، على مدى حوالي 8 كيلومترات، من خلال ممرين للسكك الحديدية وأربع طرق سيارة، مالمو بكوبنهاغن. وهنا، خلال عملية عبور بحر البلطيق في 30 دقيقة بواسطة القطار، وعلى امتداد طبيعي، يتم المرور قرب مزرعة الرياح "ليليغروند" المثيرة للإعجاب والمجهزة بنحو 48 من التوربينات على مساحة 7 كيلومترات، وبسعة 110 ميغاواط لتشكل بذلك أكبر مزرعة رياح في العالم. وفي هذه السلسلة، تعمل العاصمة الدنماركية، التي تطمح إلى أن تصبح خالية من ثاني أوكسيد الكاربون بحلول سنة 2025، على إنجاز مشروع الحي الإيكولوجي والمينائي لنوردهافين. ومن المنتظر أن يأوي هذا المشروع، الذي يقام على مساحة 3.5 ملايين متر مربع، 40 ألف نسمة ويوفر العديد من فرص الشغل؛ وذلك وفقا للمعايير الحضرية الأكثر ابتكارا من حيث الاستدامة. ويبرز هذا المشروع، بعد عشر سنوات من إطلاقه في شمال كوبنهاغن، ملامحه ويعطي فرصة لمشاهدة مبان لعلامات تجارية جديدة وناطحات سحاب ومواقف للسيارات والدراجات وحدائق والعديد من المساحات للاسترخاء وفضاءات للتسوق ومعابر لشاطئ البحر. وقال أحد المرافقين: "بالنسبة إلينا، تتمحور الفكرة حول جعل نوردهافين حيا محاطا بالمياه من ثلاث جهات، منطقة على شكل جزر صغيرة حيث الجيوب الخضراء والحدائق والأرصفة، وفضاءات للترفيه والرياضة، ومراكز للتسوق والسكن مرتبطة بالماء، أول نقطة وآخرها للسكان". وللحفاظ على ذاكرة الماء والمستودعات القديمة وغيرهما، تم تجديد الملكيات الخاصة بالصيادين وأعيد بناء أخرى باستعمال المواد القديمة نفسها، في وقت تكمل فيه محطة الرحلات البحرية المشهد، ويبرز تاريخ كوبنهاغن، المحافظ عليه، بشكل جلي في هذا المجال. واعتبر إفير هوي نيلسن، المكلف بالإعلام في "ستات أوف غرين"، وهي أرضية شراكة بين القطاعين العام والخاص، أنه ينبغي لكوبنهاغن، وعدد سكانها 1.2 مليون نسمة، أن تلبي الاحتياجات السكنية لنحو 80 ألف من السكان في أفق سنة 2025، بنمو بنسبة 14 في المائة. وحينما يسدل الليل ستاره على مالمو ويظهر وميض من بعيد، تأخذ العاصمة الدنماركية المشعل، كما لو أنها تعيد الاحترام لجارتها، عن طريق الحبل السري الغريب ل"ليليغروند". أو لا تظهر الآثار، التي تم اكتشافها سنة 1960، والتي تعود إلى 9000 سنة قبل الميلاد، أنه منذ هذه الفترة الجليدية، لم تكن الضفتان أكثر قربا من بعضهما؟ * و.م.ع