تداولت بعض المواقع الاجتماعية في الأيام الأخيرة خبرا طريفا لمرشح أردني وضع على قائمة برنامجه الانتخابي هدفا طريفا بله مستحيلا، يتمثل في تحرير الأندلس !أي نعم تحرير الأندلس !.. ولأن المغرب يشبه الأردن، على الأقل في كون نظامهما السياسي، هونظام ملكية دستورية، وكلا البلدين يتوفران على أحزاب سياسية، وبالتالي يعرفان انتخابات دورية ،لكن كل هذه المقدمات لم تؤدي سواء في الأردن، أوفي المغرب إلى النتائج المتوقعة منها :أي وجود ممارسة ديمقراطية مستحكمة،إذ لا يزال البلدان يتعثران في التطبيع مع آليات الممارسة الديمقراطية السليمة وعيا وإعمالا، إن لم يكونا قد حادا عن جادتها !.والدليل هو هذا التخبط في البرامج الإنتخابية التي يتقدم بها المرشحون والأحزاب السياسية إلى الناخبين ،،من أجل اكتساب أصواتهم ،إذ لاتجد -الأحزاب -غضاضة في حشو برامجها بكل شيء تتوقع منه أن يجتذب اهتمام الناخبين ،ويحفزهم بالتالي على التصويت لها ،دون أن تعبأ بإمكانيات وقدرات البلد على تحقيق الوعود والأهداف التي تعد بها المواطنين ،وإلا كانت شرحت للناخبين كيف ستحقق وعودها لهم ،ما هي الإجراءات والتدابير والآليات والسياسات التي ستنتهجها من أجل إنجاز وتحقيق برامجها الإنتخابية عند وصولها إلى الحكم،هذا الشرح غائب تماما في برامج الأحزاب ،ليس لأن الأحزاب لا تدرك أهميته ،وإنما لأنها تدرك أن التورط في عملية شرح برامجها سيكشفها أمام الناخبين ،ويفضح انتهازيتها ،وتدليسها وكذبها وتناقضها، ليس لأنها عاجزة عن تبرير وعودها فقط ،وإنما لأنها لا تتوفر أصلا على برامج مدروسة وعلمية ،ومسنودة بمعطيات ومؤشرات وسيناريوهات، ببساطة لأن أدبياتها خلو من مقوم أساس من مقومات العملية الديمقراطية، إسمه ثقافة البرنامج السياسي ،لذلك تستعيض عنه بشعارات ووعود وأهداف فضفاضة لدغدغة مشاعر الجماهير والإيقاع بأصواتها ! ولنأخذ عينات من الحملة الانتخابية التي تعرفها بلادنا هذه الأيام تمهيدا لانتخابات 7 أكتوبر ،لكي نبين بالملموس مدى الاستهتار الذي تتعاطى به الأحزاب السياسية مع مفهوم " البرنامج الانتخابي" وحشوه بوعود ومغالطات وشعارات، يصعب إن لم نقل يستحيل ترجمتها إلى سياسات عمومية، بالنظر إلى عديد الإكراهات السياسية والمالية والاقتصاد،ومن هذه الوعود على سبيل المثال ما وعد به أمين عام حزب الإستقلال السيد حميد شباط الناخبين ، من إعادة النظر في نظام المقاصة، وذلك من خلال إرجاع الدعم إلى المواد التي رفعت الحكومة الدعم عنها،بل أكثر من هذا يعد السيد شباط بإرجاع الدعم إلى كل المواد التي رفعت الحكومات المتعاقبة الدعم عنها ،مثل الزبدة ،والزيت، والشاي، والحليب، والعدس، واللوبيا ، وحتى الياغوت ! ورغم الكلفة المالية الباهظة المترتبة على هكذا إصلاح ، وإصلاحات أخرى، يعد بها حزب الميزان الناخبين ،مثل إعادة النظر في إصلاح صندوق التقاعد، فإن الرجل لايبالي، بل يزيد في الوعود، بأنه سيحقق نموا اقتصاديا في حدود 5 في المائة ،ويحدث بموجب ذلك 800ألف منصب .. وبالطبع فإن الحزب لايشرح لنا كيف سيحقق وعوده .. وأكيد أن حزب الاستقلال ليس بدعا من الأحزاب المغربية ،بل يمكن القول أنه الأكثر تواضعا في وعوده الانتخابية من حزب الأصالة والمعاصرة ، الذي رفع "تحدي" تحقيق نسبة نمو في حدود 6في المائة، وإحداث نحو 750ألف منصب شغل ،مع وعود بمراجعة معظم الإصلاحات الهيكلية التي قامت بها الحكومة المنتهية ولايتها، وشعار عريض بإعادة توزيع الثروة بالتساوي بين المواطنين ، وكما جميع الأحزاب لا يقول )البام (كيف سيحقق هذه "المعجزة"؟ !، أما حزب الوردة التي ذبل رحيقها فقد وعد بتحقيق نمو اقتصادي في حدود 5،5في المائة ،وبرفع دخل الفرد بنحو 20 في المائة ، وبإعادة النظر في الإصلاحات الهيكلية التي قام الائتلاف الحكومي المنتهية ولايته ، ولإضفاء جدية على برنامجه حاول أن يدخل في لعبة الشرح من خلال طرح "555 تدبير" لتحقيق "55 كفى" ،ومع ذلك فإن فرضياته وتوقعاته غير مؤكدة، وصعبة التحقق ، هذا على فرض جدية الحزب في تنفيذ وعوده،أما (البيجدي)، فيبدو أنه تعلم من تجربته في الحكومة ،لذلك لم يعتمد في حملته على البرنامج فقط ،وإنما اعتمد على وسائل أخرى لاستمالة الناخبين وكسب أصواتهم،ربما بسبب الإحراج الذي يلاحقه بعدم الوفاء بالبرنامج الذي تعاقد على أساسه مع الكتلة الناخبة في انتخابات 25 نوفمبر 2011،التي حملته هونا إلى الحكومة . ويشكل البرنامج الانتخابي (للبيجدي) في الإنتخابات الأنفة الذكر ،مثالا صارخا لعدم وفاء الأحزاب بتعهداتها للناخبين ،وتنكرها لوعودها بعد وصولها إلى الحكومة ،حيث تستعيض عن برامجها الانتخابية التي يفترض أنها محل تعاقد بينها وبين الكتلة الناخبة ،ببرنامج أخر منبت الصلة بالبرنامج الأم،دونما اعتبار لإرادة الناخب ،وفي خرق سافر لجوهر الديمقراطية،ولا يشفع للأحزاب التعلل بالإكراهات المختلفة للتفريط في تطبيق برامجها ،لأن المفترض أن برامجها الانتخابية كانت مستوعبة لهذه الإكراهات المتوقعة ،وحتى على فرض وجود إكراهات طارئة غير متوقعة ،فإن الأحزاب عندئذ تكون مطالبة بالعودة إلى الناخب، لتجديد التعاقد معه على أساس برامج جديدة تأخذ الإكراهات الطارئة بعين الاعتبار،وذلك احتراما لارادة الناخبين التي هي مناط اسناد السلطة في الأنظمة الديمقراطية لكن يبدو أن أحزابنا ونخبنا ومجتمعنا لم تتشرب بعد هذه الثقافة ،إذ ما زالت الأحزاب تنظر للبرنامج الإنتخابي "بمكيافيلية" مقيتة،لاتجد حرجا في حشوه بأي شيء يمكن أن يستميل الناخب حتى لو كان تحرير الأندلس !،فلا يغرنك ما منت وما وعدت : إن الوعود والأماني تضليل .مع الإعتذار للشاعر العربي كعب بن زهير