ميزان الانتخابات ستشرع بعد غد الجمعة الأحزاب السياسية في الدعاية لبرامجها الانتخابية من أجل استمالة أصوات الناخبين، ونقول البرامج الانتخابية تجاوزا لأن العديد من الأحزاب لم تصل بعد إلى مستوى إنجاز البرنامج الانتخابي القادر على الإجابة عن أسئلة المغرب والمغاربة، مع العلم أن هناك أطر حزبية جيدة لو أتيحت لها الفرصة لقدمت برنامجا قابلا للتطبيق والتنفيذ ومبني على لغة الأرقام والمعطيات. فالبرنامج الانتخابي، في تعريف علم الاجتماع السياسي هو قاعدة الانتخاب وقاعدة المحاسبة الجماهيرية، فالحكومة تخرج للشارع لتبين مكامن نجاح برنامجها والمعارضة تخرج للشارع لتبين أين فشلت الحكومة وتعطي بديلا عن ذلك. وعلى أساس البرامج التي تم تداولها خلال الحملة الانتخابية يتم التصويت وعلى أساس نتائج التصويت يتم اختيار الحكومة أو الأحزاب المكونة للائتلاف الحكومي، والتي ينبغي أن تكون متقاربة البرامج، وعلى أساس البرامج الانتخابية تتم محاسبة الحكومة عند نهاية ولايتها، تتم مساءلتها عما وعدت به الجماهير الناخبة، وهل حققت وعودها أم لا؟ وليس المطلوب أن تحقق برنامجها بالكامل لأن هذا مستحيل في الممارسة السياسية، وبالتالي المطلوب أن تلتزم الأحزاب بتنفيذ الحد الأدنى من التزاماتها، وعلى أساس ما حققت الحكومة وما فشلت فيه يتم التصويت من جديد. ولهذا قلنا البرنامج الانتخابي هو قاعدة المحاسبة الجماهيرية. بعد غد ستشرع الأحزاب السياسية في طرح برامجها الانتخابية وستتنافس على استمالة أصوات الناخبين، لكن بأي نوع من البرامج وبأي نوع من الوعود؟ بأي وسيلة وبأي أسلوب؟ من الطبيعي أن تكون الأحزاب قد استوعبت الدرس أو استوعبت جزءا منه، حيث إن المغرب يعيش انتخابات ليست كسابقاتها، فهي انتخابات استثنائية في كل شيء، فهي انتخابات سابقة لأوانها، وهي انتخابات تعتبر عنصرا مهما في تنزيل بنود الدستور الجديد، وهي انتخابات ستنبثق عنها حكومة ورئاسة حكومة من الحزب الذي سيفوز بالرتبة الأولى، وستكون للحكومة صلاحيات واسعة وستكون مسؤولة أمام الناخبين وممثليهم. وهي انتخابات استثنائية لأنها تأتي مباشرة بعد أشهر من بداية الحراك الاجتماعي، وهي انتخابات استثنائية لأنها تأتي بعد خطاب التاسع من مارس الذي يعتبر بحد ذاته ثورة داخل الدولة، وهي الثورة التي ليست في حاجة إلى بناء الدولة ولكن لإصلاحها والانطلاق بسرعة أسرع، في سباق مع الزمن حتى نتجاوز تحذيرات المندوبية السامية للتخطيط، التي حذرت من شيخوخة المجتمع المغربي سنة 2025 مما يتطلب بذل الجهد والاجتهاد في السنوات المقبلة، وبسرعة تعادل سرعة الخط السريع والذي كان تدشينه بداية رمزية لانطلاقة جديدة للمغرب. لكل هذه الاعتبارات لم يعد أمام الأحزاب السياسية من خيار غير طرح برامج معقولة ومقبولة وقابلة للتنفيذ والتطبيق، برامج تستجيب للمرحلة وليست برامج دعائية فقط يتم نسيانها مباشرة بعد الانتخابات. المطلوب اليوم ليس وعودا، ولكن كلام دقيق لما ستقوم به الأحزاب حالة فوزها. وللأحزاب الخيار إما أن تطرح برامج أو تبعد عن العمل السياسي، وتترك للأحزاب الجادة فرصة للاشتغال بهدوء ولا تغرنكم "الظاهرة الصوتية المزعجة".