... هم يعرفون أن الأمة خطت الخطوات الأولى في استرداد وعيها وتأميم قرارها واسترجاع هيبتها وشيء من عزتها الضائعة وكرامتها المهدورة. وهي بداية في الطريق الصحيح لأنها مخالفة تماما لذلك القانون الذي أرساه ،ذات يوم ، شيخ المؤرخين العرب عبدالرحمن بن خلدون الذي جعل قوام الحكم العصبية .كما أن هذه البداية تطعن في منهجية الانقلابيين والثوريين الدمويين سواء أولئك الذين أرادوا ستر عوراتهم تحت مسمى القومية العربية أو من جاؤوا بعدهم،ليجعلوا الإسلام مطية للحكم والبقاء في السلطة مدى الحياة. في غمرة هذه الأحداث يتم قتل أسامة بن لادن، بطريقة وحشية، هو وبعض حراسه وأفراد من أسرته.والقاتل عصابة من الجنود الأمريكيين ( تحت مسمى قوات خاصة ) المدججين بالأسلحة المتطورة الفتاكة.والغريب أن تتم هذه العملية الغريبة على أرض دولة ذات سيادة هي باكستان ، وعضو في نادي الدول النووية،لكن سلاحها النووي لم يمنع الولاياتالمتحدةالأمريكية من تمريغ كبريائها واستقلالها أمام الشعب الباكستاني وأمام العالم كله. والغريب أيضا أن تصبح الولاياتالمتحدةالأمريكية هي التي تطلب توضيحات من باكستان، حول إيوائها أسامة بن لادن، بدل أن تندد باكستان بهذا التدخل السافر ،وانتهاك حرمة أراضيها ،والهجوم بتلك القوة الغاشمة على مجمع سكني في العاصمة الباكستانية ... وكلها جرائم وأفعال عدوانية، يعاقب عليها القانون الدولي ،ومن حق إسلام آباد تقديم شكوى للأمم المتحدة في هذا الصدد، والاستفسار حول التدخل المفضوح في شؤونها الداخلية . وكما في جميع حروبها وأحداثها المفبركة، تعمد الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى إخراج الأحداث المأساوية والدرامية في شكل سينمائي غريب ومؤثر، وبذلك تصرف النظر عن الفعل الأصلي والحقيقي ليدخل المتفرجون في نقاشات أخرى ثانوية لا تصب في صلب الموضوع ( يتركون الذئب القاتل ويتبعون الأثر الغابر) ، بعبارة أخرى إن النقاش ، في كثير من الأحيان،ينصب على الصور السينمائية التي يسوقها الإعلام الأمريكي عن قصد وسابق تخطيط ووفقا للحظة التاريخية والمشهد العالمي.وتلك هي بداية إخفاء معالم الجريمة والتشويش على الرأي العام العالمي كي يشتغل بالحواشي على حساب النص الأصلي ، وبالقشور على حساب الجوهر... والجوهرُ في هذه القضية التي نحن بصددها، هو أن عملية القتل في حق رجل أعزل وعلى تراب دولة أخرى هي جريمة يعاقب عليها القانون الدولي . فعلى افتراض أن أسامة بن لادن هو سبب كل الكوارث والمآسي التي يروجها الإعلام الأمريكي ،فإن المفروض محاكمته محاكمة عادلة بإشراف قضاء نزيه ومحايد .ففي نهاية المطاف،وأخذا بعين الاعتبار الأرقام التي يتحدث عنها الأمريكيون ،أي عشرة آلاف قتيل بسبب بن لادن وتنظيم القاعدة... وإيمانا منا أن قتل نفس واحدة دون مبرر هو جريمة نكراء في حق الإنسانية،ومع ذلك فلا مبرر لقتل الرجل بهذه الطريقة الوحشية .لقد قتل النازيون أضعاف أضعاف هذا العدد ومارسوا أبشع طرق الإرهاب والعنصرية ، ومع ذلك بعد أن وضعت الحرب أوزارها، عُقدت محاكمات للضالعين في هذه الممارسات،وقال القضاء كلمته في محاكمات نورنبيرغ الشهيرة .أم أ، حمزة لا بواكي له ، ولا قضاة ينصفونه!!. إن هذا يعطينا صورة واضحة على اختلاف المعايير والكيل بمكيالين في السياسة الأمريكية الخارجية ، وهو ما يؤجج مشاعر الحنق والعداء ضد هذه الإمبراطورية وخاصة في العالم العربي والإسلامي.فكيف يحترم الشعب الباكستاني دولة تقتل مواطنيه بطائراتها وصواريخها بشكل مستفز ؟ وكيف يقتنع الفلسطيني المشرد عن أرضه أكثر من ستين سنة بسياسة هذه الدولة وهو يراها تستعمل حق الفيتو ضد كل قرار فيه إنصاف لشعبه ونصرة لقضيته ؟ وكيف ينسى العراقي مآسيه وجرائم الاحتلال في حق أبناء وطنه، وما جرى ويجري على ارض العراق إلى اليوم، بسبب هذه الدولة المعتدية ؟ إن الشعور بالكراهية والتذمر تجاه السياسات الأمريكية ( لا أقول الشعب الأمريكي ) هو النتيجة الطبيعية لهذه الأفعال الإجرامية التي ترتكب في حق الشعوب، وخاصة العربية والإسلامية .كل عراقي ،وإن كان مستعدا لتقديم كل التضحيات للخلاص من حكم صدام حسين ،سيكره السياسة الأمريكية ألف مرة بسبب ما وقع في سجن أبوغريب والفلوجة.فليس هناك أي مبرر قانوني أو ديني أو أخلاقي يبرر مثل تلك الممارسات الشاذة والقاسية ضد مواطنين عزل ومكبلين.ولكنها العقلية الأمريكية المزهوة بالقوة المادية، والتي تنكل بالضحية لمزيد من استعراض القوة ،وإرهاب كل من تسول له نفسه ،أن يقف في وجه هذه الهيمنة والتسلط على الشعوب وخيراتها بشتى المبررات. ****** ولكي تواصل الولاياتالمتحدة إفراطها في استعمال القوة العارية من كل سند أخلاقي ،فإنها تخلق فزاعات وأساطير من نفس الصورة، كي تسهل عليها مواجهتها وتسليط قوتها الغاشمة ضدها والسعي لتحطيمها بكل الوسائل المتاحة .بل وتدوس كل القوانين ، سواء القوانين الدولية أو قوانينها الوطنية ، من أجل تنفيذ مخططاتها وتنزيل سياساتها وقمع معارضيها. إن أخطر أسطورتين خلقتهما الإدارة الأمريكية في نهاية القرن 20 وبداية القرن 21 على مستوى العالم العربي هما :الرئيس العراقي صدام حسين وزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن .لقد ضخم الإعلام الأمريكي قدرة الرجلين وحجم تآمرهما على المصالح الأمريكية وإمكانياتهما الخيالية ... أصبحت الولاياتالأمريكية مهددة في عقر دارها بسبب هذين الرجلين.لكن هل كانت تلك هي الحقيقة أم لحاجة في أنفسهم روجوا هذه الصور المغلوطة ؟ أولا : صدام حسين من مواجهة الفرس إلى مواجهة العالم ... إلى الحفرة والمشنقةُ ختام طوال الحرب العراقية الإيرانية لم يتوان الإعلام العربي عموما، والعراقي والخليجي خصوصا، عن مناصرة الرئيس العراقي صدام حسين من باب : أنصر أخاك ظالما أو مظلوما.ولكي يصبح هذا الهجوم الإعلامي مبررا فقد تم استدعاء ألقاب لا تليق إلا بإمبراطور وتم خلعها على الرئيس الراحل.فباعتباره رأس حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يدعو إلى العلمانية،أطلق عليه لقب حارس البوابة الشرقية .لكن النظام العراقي ،الذي سخر آلة إعلامية جبارة في كل حروبه،كان أبرز أيقوناتها السيد محمد سعيد الصحاف الذي أبلى البلاء الحسن في آخر حروب النظام العراقي السابق.هذا النظام كان يعرف أن معركته الإعلامية ليست موجهة فقط للرأي العام العربي فقط بل تتجاوزه إلى باقي المسلمين من غير العرب.وهنا كان ولابد من العزف على وتر آخر أكثر حساسية ،تلك هي النزعة العرقية والطائفية. لقد تم تصوير هذه الحرب البشعة التي خلفت أكثر من مليون قتيل على الجانبين،على أنها حرب القادسية الثانية (تيمنا بمعركة القادسية التي وقعت في 13 من شعبان في سنة 15 للهجرة (635 ميلادية) بين جيش المسلمين القادم من الجزيرة العربية بقيادة سعد بن أبي وقاص والجيش الفارسي بقيادة رستم فرّخزاد وانتهت بانتصار الجيش العربي وشكلت بداية النهاية لمملكة الفرس آنذاك).وعلى الجانب الإيراني تم تصوير الحرب على أنها استمرار ل كربلاء ،المعركة التي قتل فيه الحسين بن علي رضي الله عنه، وكان فيها من البشاعات والظلم ما يعرفه الجميع . كربلاء في مواجهة القادسية ، وحارس البوابة الشرقية في مواجهة المجوس ...!! لكن المسكوت عنه هو من المستفيد من هذه الحروب ومن يسوق لها إعلاميا بالأصل لا بالنيابة؟.ولا يختلف اثنان أن الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت حاضرة ،تبيع سلاحها وتضع إستراتيجيتها على المدى البعيد ، ولن تكتمل هذه الخطط إلا بأسطرة شخصية الرئيس صدام حسين والنفخ في إنجازاته وإمكانياته.فهو صاحب (مدفع القيامة) ورمز الأمة العربية بعد جمال عبد الناصر.وكان الطعم ،بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية،ممثلا في دولة الكويت الصغيرة جدا التي يسهل ابتلاعها من طرف الأخ الشقيق في وقت قصير لتكتمل بطولته وتتناقل أخباره الركبان .وتذهب كثير من الروايات والتحليلات إلى أن الأمريكان هم من شجعوا صدام على غزو الكويت وأنهم أوحوا له بعدم اعتراض سبيله ،خاصة وأن للعراق حقا تاريخيا في هذه الإمارة.وكلها فصول من مؤامرة كبرى،انتهت باحتلال العراق سنة 2003م. إن الأسطورة التي ابتدعتها الولاياتالمتحدةالأمريكية وجدت هوى لدى قطاع واسع من الشعوب العربية المولعة بالبطولات والأساطير والخرافات مع لي أعناق النصوص والأحاديث وتنزيلها لتلائم نوع البطولات وصفات الشخصيات المراد تلميعها.وهكذا انتشرت كثير من الحكايات الغرائبية في حرب تحرير الكويت ومنها على سبيل المثال ، أن صدام سينتصر في حربه ضد '' الحلفاء'' والدليل أن كل من يقرأ سورة البقرة لابد أنه واجد شعرة في ثنايا المصحف !!! وكم وجد الناس من شعرات .... وتحدثوا عن معجزة ظهور صورة صدام على وجه القمر ... وأطلق كثير من الآباء على أبنائهم الذين ولدوا حديثا إسم صدام ..ورفضت بعض السلطات تسجيل المواليد الجدد بهذا الإسم ...ربما قالوا يكفينا صدام واحد ...وهو عين العقل لأن الأمة لن تتحمل أكثر من بطل في زمن واحد.وأبدعوا حديثا ،معناه سيظهر رجل بين كذا ورجب ، إسمه صادم ( لا للموافقة مائة بالمائة) وسيفعل فيهم العجب.وأجملوا القول ،بأن الحروف المكونة لاسم صدام تعني :صلاح الدين الأيوبي المنتظر ...وكم من المنتَظَرين من طرف هذه الأمة التي أرادوها محنطة مشلولة في قاعة انتظار تاريخية إلى أجل غير مسمى !! بعد كل هذه المعجزات والخوارق أتت اللحظة الحاسمة التي اختارها المحافظون الجدد بقيادة بوش الإبن كي ينسفوا الأسطورة من الأساس.وهكذا تم احتلال العراق ،وحُلَّ الجيش العراقي أقوى جيش عربي،ودخلت قوات المارينز إلى عاصمة الرشيد في يوم من أيام العرب الحزينة .... وعلى عادة الأمريكان في إتقان الإخراج السينمائي ، تم العثور على صدام الأسطورة في حفرة بشعر أشعت ولحية طويلة، وكان لابد للطبيب – في مشهد مؤلم-أن يكشف على الرئيس في حالته تلك... تم توالت فصول المسرحية وأطوار المحاكمة، لنكتشف أن زعيم العرب لا يؤلف جملة عربية سليمة دون لكنة عراقية ... وكانت قمة المأساة ، وربما الملهاة، لا نعرف الوصف الحقيقي، إعدام الرجل في صبيحة يوم عيد الأضحى في مشهد طائفي مقيت،وبحبل ربما هدية من المحتلين.وهكذا تكون المشنقة -بعد الحفرة المظلمة -نهاية الرجل الذي بنى القصور وجهزها بأدوات من ذهب ..وكان في المخيال العربي الجمعي فوق الهزيمة وعصيا عن أي انكسار. والرسالة واضحة،ليس المقصود هو صدام حسين بشخصه ولكن برمزيته وبانتمائه العربي والإسلامي وبما نُسج حوله من حكايات،ليقولوا لنا جميعا : إذا كان هذا مصير بطلكم وأكبر رمز في أمتكم،فإن مصيركم جميعا بأيدينا، ونحن قادرون أن نفعل بكم ما نشاء حين نشاء...وللأسف وصلت رسالتهم،وتلقاها الحكام بوضوح وأصابت منهم مقتلا . ثانيا : أسامة بن لادن من تفتيت الاتحاد السوفييتي إلى مواجهة أمريكا ... إلى كهوف تورا بورا فالموت في غرفة النوم شخصية أسامة بن لادن هي شخصية أسطورية فعلا ، لا كما يصورها الإعلام الأمريكي ومن ورائه الإعلام العربي ،ولكن بمعنى آخر .فهذا الرجل المليونير ،الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب ، فجأة ينقلب ويترك ميدان المال والأعمال ليختار سبيل الجهاد والعيش في الفيافي والعراء في جبال أفغانستان الوعرة، ويسخر ثروته كلها من أجل نصرة مبادئه التي يؤمن بها.إنه انقلاب كبير وتحول جذري يعيد إلى الأذهان حكاية عظماء في تاريخنا الإسلامي كالخليفة الخامس عمر بن عبدالعزيز ، وحكاية أبطال في التاريخ الإنساني ك بوذا وتولستوي ،وكل واحد منهم ترك تروثه وأمجاده الدنيوية من أجل خدمة المباديء التي آمن بها واعتقد أنها سبيل الخلاص.وهو انقلاب لا يقع إلا مرات قلائل في التاريخ البشري.ففيه من سمات ومواصفات الأسطورة الشيء الكثير. لكن الولاياتالمتحدةالأمريكية ،التي تمثل أعلى درجات الرأسمالية والأمبريالية في هذا العصر،لا تريد أساطير من هذا النوع ، وهي التي تجعل الاستهلاك ثم الاستهلاك في كل مناحي الحياة،أول المباديء .ومن أن أجل أن يبقى الاستهلاك على أعلى وتيرة ممكنة فإنها مستعدة للغزو والتدخل في كل مكان من العالم إذا كانت قوتها تسعفها في ذلك.فأن يزهد بن لادن في ملذات الدنيا فذلك شأنه الخاص وحريته الشخصية،والحرية مقدسة عند العم سام،لكن أن يندد بالسياسات الأمريكية أو يعترض على تواجدها في جزيرة العرب ،فلن يسمح البيت الأبيض بتدخل سافر كهذا. أكيد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية كانت المستفيد الأكبر من انهزام الاتحاد السوفييتي في أفغانستان في قمة الحرب الباردة بين الدولتين أو بين المعسكرين . والمؤكد أنها قدمت الدعم اللوجيستيكي والاستخباراتي للمجاهدين الأفغان آنذاك .وخلال هذه الفترة أيضا، وقع نوع من التعاون مع الوافد الجديد،باستراتيجية جديدة في العمل الجهادي ، أقصد أسامة بن لادن .وحدوث نوع من التعاون ،في فترة الجهاد الأفغاني ، بين الطرفين ( أمريكا وبن لادن ) لا يقدح في شخص أي منهما.لأن مواجهة عدو واحد هو ضرورة قد تبيح كل المحظورات،بما في ذلك التنسيق والتعاون الاستخباراتي .لكن من سخر الآخر في نهاية المطاف لتحقيق أغراضه وأهدافه الاستراتيجية ؟ سنكون واهمين إذا اعتقدنا،كما يقول بذلك كثير من أنصار فكر الرجل وحوارييه والمعجبين به،أن أسامة بن لادن هو من سخر الاستخبارات الأمريكية أو بعبارة أدق هو من اخترق هذه الاستخبارات لبلوغ مراميه.هذا نوع من التبسيط المخل ، وتحليل مستند إلى العواطف والمشاعر.إن الأمر ليس مرده إلى عبقرية فرد وقدراته المتميزة ،بل هو تخطيط دول وعمل مكاتب دراسات واستراتيجيات دقيقة. ومؤسسات تعمل وفق أجندات دولية واستخباراتية غاية في الدقة والتنفيذ .وفي النهاية هناك الإخراج السينمائي على الطريقة الأمريكية،وهو الجزء الظاهر فقط من جبل الثلج ،أما ما خفي فهو لب القضية وجوهرها.مشكلتنا نحن العرب أننا لِهَوىً في البطولة زائدْ،نخال أنفسنا أبطالا من غير بطولة،وفرسانا من غير معركة.فقط لأن المخرج الأمريكي البارع،أرادنا جزءا من الكومبارس السلبي،فتخيلنا أنفسنا مشاركين بل نحن من نلعب دور البطولة. إن هذا ما حدث بالضبط في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 م ،وكاتب هذه المقالة لا يزعم تفنيد الرواية الأمريكية الرسمية ولا التشكيك في مصادقة أسامة بن لادن على جل بنودها ،لأن ما وقع بعد ذلك كفيل بتفنيد هذه الرواية ونسفها من الأساس .فواضح أن احتلال أفغانستان والعراق بعد ذلك كان مخططا له سلفا، ونسف البرجين مجرد مدخل للمسرحية الكبرى.بل ويذهب بعض المحللين أن أفغانستان هي المحطة الأولى لتفكيك وإضعاف دولة باكستان النووية ، والولاياتالمتحدةالأمريكية ترفض أن تكون هناك قنبلة نووية ''إسلامية'' ، فهذا تهديد لها ولربيبتها المدللة (إسرائيل). نعم، الولاياتالمتحدةالأمريكية دولة قوية وتضع خططها على الأمد البعيد،وفي تفاصيل الأحداث تخلق شخصيات بعضها وهمي وبعضها حقيقي لكن بلبوس وإخراج أسطوري.لقد تحدث أسامة بن لادن عن غزوتي نيويورك وواشنطن ، وللكلمة (غزوة) بعدها التاريخي وحمولتها النفسية ودلالاتها السيميائية ... وكلها وسائل تجييش وإلهاب للعواطف ومخاطبة للمشاعر.وربما لو امتد به العمر قليلا ، لوصل إلى درجة أخرى،ليقول :بعد كذا وكذا، نغزوهم ولا يغزوننا .لكن المخطط الأمريكي الاستراتيجي والجهنمي في نفس الوقت ،من بين بنوده،استثمار هذه الحالة النفسية والسيكولوجية لتعبئة الداخل الأمريكي أولا،ولتسويق المبررات للخارج كي يقبل بالأمر الواقع ويقتنع بالتدخل الأمريكي السافر واحتلال دول ذات سيادة. إن خير تعبير عما وقع في الحادي عشر من سبتمبر 2011م هو ما ذهب إليه ضياء رشوان الخبير المصري في الحركات الإسلامية ،حيث قال ما مضمونه في برنامج آخر ساعة،يديره المذيع المعروف يسري فودة،في حلقة خصصت لمقتل بن لادن أن الأمر أشبه ما يكون بمباراة كرة قدم ،وأكيد أن القاعدة شاركت في قذف الكرة ، لكن من سجل الهدف هو شخص آخر...وهذا صحيح لأن لكل مقابلة قواعدها وشروطها ، والقاعدة كانت تخوض معركة غير متكافئة وبوسائل بدائية ومن أماكن نائية،ثم يتكفل الإعلام الأمريكي بالإخراج كي يوحي لها أنها الفاعل وصاحب المبادرة و أن زعيمها بطل أسطوري يفعل الأعاجيب.. وذات يوم ، تسلل كومندو أمريكي ،وقتل أسامة بن لادن في غرفة نومه وسط العاصمة الباكستانية،وليس في كهوف تورابورا ولا على قمم جبال أفغانستانالعالية ... ثم رموا جثته في البحر لإخفاء معالم الجريمة.وهي رسالة أخرى لعموم العرب والمسلمين ،أننا قادرون أن نتسلل إلى عقر داركم ونقتلكم في غرف نومكم،ونرمي بكم لأسماك البحر طعاما شهيا.وفي ذلك كثير من الإهانة،وقليل من الكياسة،دائما على الطريقة الأمريكية. السؤال الذي لا جواب عليه،إذا كان قادة وأبطال من حجم الرئيس صدام حسين وزعيم القاعدة أسامة بن لادن ،انتهيا تلك النهاية المأساوية على يد الأمريكان ،فهل لظن أو أمل أو وعد من هؤلاء بأنهم في منأى عن أذاهم ؟،أم هو الغرور وعدم تقدير الموقف حق قدره ؟.علما أنهما كانا أدرى وأعرف بالعقلية الأمريكية وبمخططات مختلف الإدارات التي تعاقبت على حكم هذه الإمبراطورية. ثالثا : مجرد حسرة ... هل كان غسان كنفاني ، حين ختم روايته '' رجال في الشمس'' ، يتألم أم يسخر أم ينتقد أم يخاطب نفسه فقط، عندما طرح ذلك السؤال/الإشكالية : ( لماذا لم يدقوا جدران الخزان ؟ ) أتساءل بدوري وأتألم وأصرخ وربما بلسان أكثر من قاريء ،حسرة ليس إلا: ( لماذا لم يخوضوا معركة الشرف، حتى الرمق الأخير ، على طريقة القادة الكبار والفرسان المغاوير ؟ ) لو فعلوها ، لكانوا في أعيننا ، أرقى وأبقى وأنقى من كل إخراج سينمائي أمريكي رديء ... [email protected]