أصبح من الواضح أن الأحزاب المغربية باتت قاصرة عن مواكبة المتغيرات والقضايا الراهنة المستأثرة باهتمام الرأي العام في البلاد، خاصة على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، فبالعودة للنقاش الذي ساد مؤخرا حول استيراد الوزيرة الحيطي ما يفوق 2500 طن من النفايات الإيطالية، نجد ان غالبية الاحزاب ومعها حتى الاحزاب ذات المرجعية الايكولوجية لم تتفاعل مع الموضوع بأي موقف يذكر، ما مهد الطريق لحراك افتراضي بقي حبيس العوالم الافتراضية. حقيقتا إن ما أصبح يعيشه العالم عامة و بلدنا خاصة على المستويات البيئية من تطورات خطيرة بات يستوجب منا جميعا وقفة صادقة قصد تفادي المغامرة الكبيرة بمستقبل الأرض. و بالرجوع الى الحراك الافتراضي الذي صاحب خبر رسو سفينة النفايات الايطالية بميناء الجرف الأصفر، انطلقت حملة ادانة واسعة كان شعارها "المغرب ماشي مزبلة"، ما عجل في خروج الوزيرة الحيطي عن صمتها في دفاعها عن شحنات النفايات المستوردة من ايطاليا عبر بلاغ ذو ثلاث مرتكزات "قانونية" بررت من خلالها هذا الاستيراد ; المرتكز الأول : قانون تدبير النفايات و التخلص منها ونصوصه الذي يسمح باستيراد النفايات غير الخطيرة. المرتكز الثاني : اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة عبر الحدود والتخلص منها. المرتكز الثالث : شحنات النفايات موجهة لمصانع مجهزة بمصفاة تحد من الانبعاثات الغازية تطبق نفس المعايير البيئية المعتمدة في أوروبا وفقا لاتفاقية وزارة البيئة مع جمعية مصنعي الاسمنت. الرد على المرتكز الأول : فخلافا لما تحاول الحيطي، الوزيرة المكلفة بالبيئة، الدفاع عنه من كون النفايات القادمة من إيطاليا "غير خطيرة" خرج الخبير الإيطالي باولو رابيتي الذي كلفته محكمة نابولي للبحث في حجم سمية نفايات نابولي المثيرة للجدل التي عمرت لأكثر من 20 سنة، بحيث تعتبر هذه الخبرة التي قام بها مرجعا في معرفة مدى الخطورة التي أصبحت تشكلها هذه النفايات على الإنسان والبيئة، فمما جاء به في هذا البحث الميداني أن عملية إحراق هذه النفايات التي تتضمن البلاستيك بشهادة الوزيرة الحيطي، ينتج عنها غاز الدوكسين الخطير جدا، فبالرجوع الى الموسوعة العالمية ويكيبيديا نجد ان تكون هذا الغاز ناتج عن احتراق النفايات التي بها البلاستيك، وأن التعرض ولو لكمية ضئيلة منه تسبب السرطان، فقد تم ظهور بولاية أركانسو الأمريكية حالات لسيدات حوامل كن يتعرضن للإجهاض و حالات أورام بالمخ وسرطان الرئة والثدي والفشل الكلوي وزيادة تشوهات الأجنة نتيجة تسرب مادة الدوكسين لمياه الشرب والاستحمام. زد على ذلك تقارير القضاء الإيطالي الذي كشف عن التلاعب الذي حصل في إتلاف هذه النفايات وتزوير المستندات الخاصة بها حتى يتم تمريرها على أنها نفايات غير خطيرة، بالإضافة إلى أن بقاءها لمدة اطول يعرضها للتأثيرات الطبيعية ما يأدى إلى تحنيطها، وهذا بالضبط ما أدى الى وقف عملية إتلاف هذه النفايات ورفض مختلف الأفران الخاصة بإيطاليا حرقها،ما أدى إلى تراكمها في مطارح واسعة. إذن كيف للوزيزة الحيطي ان تغفل كل هذه المعلومات الموثقة و البالغة الأهمية و تصر على كون هذه النفايات غير خطيرة !!! الرد على المرتكز الثاني : منذ مطلع الألفية الثانية أدرك المنتظم الدولي الحاجة المستعجلة إلى مواجهة عمليات النقل غير القانوني للنفايات بين الدول، وذلك على اثر محاولات بعض الدول المتقدمة التخلص من النفايات الخطرة داخل أراضي البلدان النامية وأمام سواحلها، ومن جملة الجهات التي قامت بطرق غير مشروعة بإدخال نفايات سامة نجد شركة « إيكوما » الإيطالية باستخدام بيانات مزورة إلى كل من فنزويلا ونيجيريا ورومانيا وألمانيا ولبنان وسورية في منتصف الثمانينات، بحث عقد على اثر ذلك برنامج الأممالمتحدة للبيئة سنة 1989 مؤتمراً دولياً في مدينة بازل السويسرية، توج بإبرام اتفاقية بازل في شأن نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، إلا ان التقارير الصادرة عن برنامج الأممالمتحدة للبيئة و التي كان آخرها تقرير "جريمة النفايات... مخاطر النفايات" الصادر عام 2015 ما زال يؤكد استمرار التجارة غير المشروعة للنفايات الخطرة عبر الحدود، بالإضافة في وجود ثغرات في الاتفاقية بازل للتصدي لهذه التجارة. ومن زوايا ثغرات اتفاقية بازل هو مدى انسجام القوانين الوطنية مع الاتفاقية، فقد شهد مطلع 2014 وصول مجموعة حاويات إلى ميناء عاصمة الفيليبين تحوي 2500 طن من النفايات المنزلية، قامت بتوريدها شركة «كرونيك» الكندية على أنها مخلفات بلاستيكية قابلة للتدوير، حيث تم اكتشاف أنها تحوي نفايات مختلطة غير مفروزة، وعلى اثر هذا التحايل تعالت مطالب استرداد هذه النفايات وفقاً لاتفاقية بازل التي صادقت عليها كندا والفيليبين، في مقابل ذلك أكدت وزارة البيئة الكندية أن القوانين المعمول بها عندها تعتبر النفايات المنزلية مواد غير خطرة، وبالتالي فإن الشحنات إلى الفيليبين هي شرعية لا تخالف اتفاقية بازل، حيث ما زالت هذه الحاويات قابعة في ميناء مانيلا . من هنا يمكننا ان نطرح سؤالا بسيطا على السيدة الحيطي ما مدى انسجام القوانين الوطنية بين المغرب و ايطاليا علما ان بقاء هذه الرزم من النفايات دون إتلافها على الأراضي الايطالية يكلفها حاليا 120 ألف يورو يوميا غرامة من الاتحاد الأوربي لمخالفة البلاد التزاماتها في الحفاظ على البيئة؟ وهل ستطالب وزارة الحيطي الجهات الايطالية بتعويض جراء رسو سفينة النفايات بميناء الجرف الاصفر لحين توصلها بنتائج التحليلات التي طلبتها من مختبر فرنسي؟ ام ان كل ما يهم الوزيرة هو تقاضي 350 درهم مقابل الطن الواحد من النفايات؟ الرد على المرتكز الثالث : بالرجوع للمعايير الأوربية لحرق وقود ال (Refuse-Derived Fuel) RDF في افران مصانع الاسمنت، يقول خبير النفايات الإيطالي باولو رابيتي في البحث الذي أجراه ان الاتحاد الأوربي وضع قيودا صارمة لإتلاف النفايات بالحرق، حيث لا يكفي توفر درجة الحرارة المرتفعة في الفرن فقط، وإنما لا بد من توفر أنظمة خاصة يحددها قانون خاص، مؤكدا انه لا يوجد معمل إسمنت يتوفر على هذه الأنظمة. ولنا أن نساءل هنا السيدة الوزيرة ومعها جمعية مصنعي الاسمنت هل مصانع الإسمنت في المغرب جاهزة لاستخدام هذا الوقود؟ وهل تتوفر هذه المصانع على المتطلبات التقنية ؟ وهل تتوفر وزارتكم على سجلات تجارب أولية تثبت نجاعة هذا الوقود؟ وما تأثيره على البيئة و الانسان؟ وهل هذا الوقود سيؤثر في جودة الإسمنت المنتج؟ وعليه، يتضح لنا جليا، أن استيراد نفايات مجهولة المصدر، ليست الحل البيئي السليم في المغرب، ففي اعتقادي فالحل يبدأ باعتماد سياسات بيئية تقوم على إنتاج مواد استهلاكية لتلبية حاجيات الإنسان مع تحقيق تنمية شاملة مستدامة وفق معايير بيئية، تساهم في خفض إنتاج النفايات، وتكرس مفهوم إعادة استعمال المواد الاستهلاكية، ففي ضل تنامي الوعي الدولي بالتصدي للجرائم البيئية المرتبطة بالتخلص من النفايات بطرق غير سليمة، بما في ذلك نقلها عبر الحدود إلى الدول النامية، نجد عندما من لا يدخر جهدا في اعتبار استيراد هذه السموم هو اختيار استراتيجي للمغرب !! *فاعلة جمعوية، و مهتمة بقضايا التنمية المستدامة.