ما يميز النساء الأمازيغيات بالبوادي المغربية، أنهن جميلات، خدومات لأسرهن، وللتذكير لاغير، كانت لهن الريادة والزعامة منذ العهود القديمة، والتاريخ يخبرنا عن أمازيغيات حكمن شعبهن ودافعن عنه أو ساهمن في استقراره، والمرأة الأمازيغية لا زالت لها الزعامة لكنها حُرّفت نتيجة خضوعها لشروط الراهن وإكراهاته فتم اختزالها في قيادة أسرتها من خلال رعايتها لها وتوفير متطلباتها، لأن مكانتها داخل النسيج القبلي زجّت بها في موقع المنتِج، وما يُحسب لها أنها نصّبت نفسها حارسة للفن والتراث الأمازيغي حتى لا يضيع بين قدمي متغيرات العصر. فلا زالت تنسج الزرابي وتنتج المشغولات الخزفية وتزين العمارة، كما تعيش حالة اندماج وتوحد مع هذا التراث من خلال جسدها الذي حولته إلى فضاء تزينه بالأوشام وبنقوش الحناء وتكسوه بالأزياء التقليدية وتتحلى بالحلي الفضية فتصبح هي نفسها أيقونة فنية. المرأة الأمازيغية، من قائدة لشعب إلى قائدة لأسرة: تمتعت المرأة الأمازيغية في القديم بقيمة اعتبارية لا يمكن نكرانها، فلم يتم وأدها، وتحققت لها المساواة مع الرجل، فشاركت في الحرب إلى جانبه وتفوقت عليه في بعض الأحيان واستطاعت أن تكون هي التي تقوده ومن أمثلة ذلك، الملكة الأمازيغية "ديهيا" التي ولدت سنة 680 م وتميزت بالجمال والدهاء، وحكمت جزءا من المغرب، وقال عنها ابن خلدون:"ديهيا فارسة الأمازيغ التي لم يأت بمثلها زمان، كانت تركب حصانا وتسعى بين القوم...وتحمل السلاح لتدافع عن أرض أجدادها". وكنزة الأوْربية ابنة زعيم قبيلة أوربة الأمازيغي، تزوجت بالمولى إدريس الأول الذي التجأ إلى المغرب بعدما نجا من بطش العباسيين، وكانت خير معين له على إرساء الدولة الإدريسية بالمغرب، وامتد إسهامها في الحكم إلى ما بعد وفاة المولى إدريس فعملت على تيسير السبل لابنها المولى إدريس الثاني لتحمُّل أعباء الحكم، أما الأميرة زينب النفزاوية زوجة يوسف ابن تاشفين اللمتوني الذي بنى مدينة مراكش، فيكفي ما قاله ابن خلدون عنها حيث وصفها بأنها : "إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة"، وصاحب الاستقصا لخص علاقتها بيوسف ابن تاشفين بقوله: " كانت عنوان سعده، والقائمة بملكه، والمدبرة لأمره، والفاتحة عليه بحسن سياستها لأكثر بلاد المغرب"، وأرملة الملك الراحل الحسن الثاني وأم ملك المغرب محمد السادس لطيفة أمحزون أمازيغية أيضا من منطقة زايان بوسط المغرب. لكن في الوقت الراهن، أضحت زعامة المرأة الأمازيغية بالبوادي المغربية مُنتهكة من طرف الرجل الذي وظف سلطته الذكورية ليجعل دورها يقتصر على ما يحرره من الكثير من الأعباء والواجبات، الأمر الذي جعله في راحة شبه دائمة فأضحت هي من يقوم بكل متطلبات الأسرة. فبالإضافة إلى مهامها داخل البيت، تقوم بسقي الماء وجلب حطب التدفئة والطهو وجمْع المحاصيل ورعي القطيع. كما اختصت بالصناعات المنزلية التي لا زالت تمارسها إلى اليوم، كنسج الزرابي وصنع الخزف وزخرفته وتزيين المعمار، وانفرد الرجل بصناعة الحلي والتي بدورها موجهة للمرأة. المرأة الأمازيغية فنها هويتها: انهمكت المرأة الأمازيغية المغربية منذ القديم في الحفاظ على هويتها وعلى رموز أصالتها فضمنت استمرارية العادات والتقاليد والفنون التراثية كنسج الزرابي وصناعة الخزف والحلي الفضية والأزياء وفن أحيدوس (رقص وغناء جماعي)، والأوشام التي تزين جسدها. ورغم الإكراهات والصعوبات التي تعيشها فإنها في خضم التغيُّرات التي عصفت بالكثير من القيم والعادات والفنون، ظلت متشبثة بهويتها وبخصوصيتها فلم تدعها تنفلت منها حتى لا تضيع في مهاوي الحياة المعاصرة. وعلاقة المرأة الأمازيغية بالألوان وطيدة، فوظفتها في الوشم والزخرفة وفي نسج الزرابي، وركزت على الألوان الأساسية والصافية، كالأزرق والأحمر والأصفر والأخضر، إنها ألوان صاخبة وضاجة بالحياة، وقد استمدتها من سخاء الطبيعة المحيطة بها، وتَسيُّد اللون الأحمر الذي تستكثره في زرابيها يحيل على العشق والدفء الأسري والشجاعة والقوة، إنها ألوان تمس الروح وتوحي بمشاعر شفيفة وبغموض آسر، أما الأشكال الهندسية والحيوانية والزخارف التي تزين بها مشغولاتها الخزفية وزرابيها وبيتها ووشم أجزاء من جسدها فهي علامات تحيل على اتساق وتكامل إبداعي متداخل وعلى رموز دينية وميثولوجية قديمة. وبخصوص الوشم كفن تزييني عند النساء الأمازيغيات يقول الرسام الدانمركي هاين فرينكل: "في أحيان كثيرة تجدهن في الحقول أو المسالك الوعرة بالجبال يرددن صيحات غنائية لا يضاهيها في الحدة والجمال سوى مرأى تلك الأشكال المرسومة بعناية فائقة على خدودهن أو ذقونهن أو جباههن وأحيانا على أعناقهن وأيديهن، نساء تتوحد فيهن أسطورية الرمز والرسومات المفعمة خضرة وزرقة مع أسطورية الوجوه ومكامن جمال يصر على تحدي قسوة الطبيعة وصعوبة ظروف العيش ومشاق التحملات اليومية...جمال تتوحد فيه الحقيقة بالخيال...الطبيعة بالإنسان...والألوان بالملامح..الصور بالأصوات..الغناء بالرسم على الجسد" إن الوشم كزخارف وعلامات ورموز تزين جسد المرأة الأمازيغية، وتوحدها بتاريخها وبتراثها، وحمولته الجمالية وأبعاده الدينية والسيكولوجية لا يمكن التغاضي عنها، وهي أساس وجوده، وبما أنه وسيلة للتزيين فإنها تضعه على الأطراف الظاهرة من جسمها، كالوجه واليدين والرجلين ليزيد من جمالها وليفصح عن انتمائها وجذورها، وهو رافد أيضا لباقي الأشكال الفنية التي تمارسها، فهي تستوحي من الأوشام ما تزخرف به منسوجاتها وزرابيها وأوانيها الخزفية، وفي الوقت الراهن بدأ الوشم يختفي ولم يعد سوى أثرا قابلا للاندثار من على وجوه وأطراف النساء المسنات، لكن تم تعويضه بنقوش الحناء التي تزين الأطراف فقط دون الوجه، وأكد المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان أهمية الوشم عند المرأة الأمازيغية باعتباره نوع من الزينة، بالإضافة إلى ما تتمتع به من مواهب فنية بقوله:"إن المرأة الأمازيغية في غالب الأحيان؛ فنانة أكثر من الرجل، فهي التي تزخرف آنية الخزف أوتنسج الزرابي . وزينتها ترسمها على جسدها وشما لا يزول". والمرأة الأمازيغية أيضا جزء من اللوحات الفولكلورية المتمثلة في الرقص والغناء الجماعي (فن أحيدوس)، وهي تشارك الرجل هذا النوع من الفن في المناسبات والأفراح. ويندرج ما تنجزه من صنائع يدوية وفنية وزخارف ونقوش ضمن ما هو نفعي واستعمالي بالدرجة الأولى، كما هو الحال في الفن الإسلامي أيضا، الأمر الذي يجعل تطبيق الحكم الكانطي عليها غير ممكن، فإيمانويل كانط في الإستطيقا أو الجماليات جعل جمالية الفن تنتج عن انعدام طابعه النفعي. وما يمكن تأكيده، كون كل الفنون الأمازيغية تعد جزءا من الحياة اليومية للمرأة الأمازيغية وتفشي عن خطاب إبداعي وجمالي وفني وثقافي ونفسي، يجعلها تسهم في حفظ التراث الذي تأكدت أهميته من خلال انفتاح الكثير من الفنانين التشكيليين المغاربة روادا ومعاصرين عليه والاغتراف منه لتحقيق أصالة أعمالهم وخصوصيتها. المرأة الأمازيغية وتأثيرها على الفن التشكيلي المغربي: إن استقصاء الثقافة البصرية المغربية أو المنتوج التشكيلي المغربي يجعلنا نقف على حضور الفن الأمازيغي في هذا المنتوج، وقد لاذ الفنان التشكيلي المغربي بالفنون الشعبية والتراثية وغاص في الأصالة المغربية حتى لا تبقى الذات المبدعة حبيسة المدارس الفنية الغربية، وسأمثل بفنانين اثنين وهما أحمد الشرقاوي وفريد بلكاهية اللذين لم ينفصلا عن الموروث الثقافي والشعبي رغم اعتبارهما من رواد الحداثة بالمغرب، لأنهما حققا مصالحة أكيدة بين التراث والحداثة الغربية، فرفدوا تجربتهم بالفن الأمازيغي والإسلامي، فتحقق من خلال أعمالهم التنويع في المشهد التشكيلي المغربي وليس المغايرة، ولم ينفردا بمحاولة تأصيل الفن التشكيلي المغربي وإنما سار الكثير من الفنانين المغاربة على خطاهم فاستثمروا التراث لتحقيق أصالة وخصوصية تجاربهم، والفنان أضحى واعيا بقيمة الموروث الثقافي والتراثي، فوثق علاقته به من خلال أعماله. وقد احتفى أحمد الشرقاوي في أعماله بالتجريدية الهندسية المهتمة بالرموز والأشكال الأمازيغية كحرف التيفيناغ والوشم وزخارف الزرابي والخطوط، وما قام به هو تفكيكه لمكونات الفن التراثي والشعبي وإعادة بناء تفاصيله مبلورا جماليته ورموزه التي تكتسي ببعد ديني وميثولوجي وصوفي. أما فريد بلكاهية المعروف، بعلامة خمسة أو (الخميسة) التي أنجزها بأشكال متعددة، فهو أيضا وظف الرموز والأشكال الهندسية والزخارف كعلامات لها دلالات ميثولوجية وسحرية وجمالية في التراث الأمازيغي، كما استعان بملونات ذات أصل طبيعي كالنيلة والحناء والزعفران والصمغ وهي من الألوان التي توظفها المرأة الأمازيغية في إنجاز مشغولاتها وزخارفها. واستيحاء التراث الأمازيغي والإسلامي من قبل الفنانين التشكيليين المغاربة يمكن اعتباره استعادة للاّمفكر فيه وللتراثي، وكان بداية ناجحة لسحب الفن التشكيلي المغربي من بؤرة الجماليات الغربية وجعله في قلب التجربة المحلية . وما يمكن تأكيده في الختام هو تمكّن المرأة الأمازيغية من الحفاظ على التقاليد والفنون الأمازيغية وضمان استمراريتها، هذه الفنون التي أصبحت من روافد الفن التشكيلي المغربي الحديث والمعاصر، فأضحى الفنان التشكيلي يزج بنفسه في عوالمها ليخرج بتجارب ترقى بفنه إلى مدارج جمالية تتحقق معها خصوصية أعماله وأصالتها وتفتح له بابا على العالمية. [email protected]