هو فنان تشكيلي متميز يقيم للشخوص حياتها الخاصة، على غرار الألوان والمشاهد التخييلية التي «تقرؤها» من خلال لوحاته الفنية... فهو، في رسوماته، يطلق العنان للحلم والخيال، مما يضفي طابعا غرائبيا على أعماله الفنية ذات المنزع التشخيصي الواقعي.. أعماله مرادف لزمن إبداعه، فالأمر يستدعي سيرورة من التأمل والتحليل لتأويل الدلالات والمعاني، إذ تنسجم أعماله التشكيلية مع روح المتخيل الشعبي في عالم معقد وقلق، دون السقوط في نزعات العدمية واللا موضوعية.. حرص على معالجة هذه الموضوعات الإيحائية بطريقة خاصة، بعيدا عن كل تقليد تناظري ومحاكاة تقريرية، إذ صُنِّفت أعماله ضمن أعمال المبدعين، الذين يرسمون بخلفيات عفوية ساذجة. فاللوحة عنده، من منظور نقاد فنيين مغاربة وأجانب، متاهة باللون والشكل يتوجب فك ألغازها وتشفير طلاسيمها... كبرياؤه وحبه العزلةَ وميله إلى الزهد في الأضواء سمات تقرؤها في محيا هذا الفنان التشكيلي، الذي يمضي عملاقا في صمت، تقف أمام لوحاته المعبرة عن طول التجربة، التي يتضح من خلالها معنى التجريد، تجسدها أدوات التعبير الفنية والفكرية، وهو ذلك المنطق الإنساني الذي يصل إليه الفنان الحقيقي دون قصد أو عمد، باعتباره طوْرا من أطواره الفكرية... إنه الفنان التشكيلي عبد الرحمن الخراطي أحد أبناء جهة مكناس تافيلالت، الذي التقته «المساء» وحدثتها، بكل تواضع وخجل عن مساره الفني... هو عبد الرحمن الخراطي، من مواليد 1940 في «قصر تاغزوت»، إقليمالرشيدية، تلميذ مدرسة «برودسي» للفنون التشكيلية (1959 -1960) في مركز التربية الشعبية -مصلحة الشبيبة والرياضة في المعمورة -الرباط، منشط ورشة التشكيل في «قصر السوق» ما بين 1959 و1973، صاحب عدة معارض فوتوغرافية في فرنسا (غرونوبل- أنكوليم- إيكس بروفانس وباريس). عند عودته إلى ا لرباط سنة 1986، عاد ليكتشف الفن التشكيلي ويعانقه من خلال مشاركاته في معارض ضمن قافلة الكتاب (1964) وفي أرفود في موسم الثمور (1966، 1976 و1986) وفي إفران (1973) وفي مهرجان الرشيدية (2006 و2007) وفي معرض آزرو (2010) وكذا في «مهرجان تورتيت» في نفس السنة. إبداعاته هي بمثابة «وثائق» أنثروبولجية تؤرخ لذلك الزمن الجميل، فأعماله صياغة جديدة للمحكي الشعبي وتأويل جمالي لمروياته، عن طريق اللون والشكل. «اختُزِنت ممارسة الفن التشكيلي، وعبر شجرات معرفية، في ذاكرتي المتواضعة وتعرفت عليها من مراجع عامة ومن زوايا الرؤية الفنية التشكيلية المغربية.. إنه فن تأثر بالغرب لكن جذره يتشبّع مغربيا عربيا.. حدّ إثبات الذات... أستمد منه الإلهام لروحي الفنية.. فمن الطبيعي أن أنجز بحثا شاملا.. وأن أسافر إلى الأماكن التي تشمل الوتر الحساس في ميولي نحو كل ما هو تقليدي مغربي معماري... إلخ. وأذكر أن التواصل مع الآخر مهم «... وهو ما يبرز بالتالي، وجليا، كشكل من أشكال لوحاتي التجريدية الهندسية الوجدانية.. ومن الطبيعي، لكوني فنانا تشكيليا مهتما بتاريخ الفن التشكيلي المغربي خاصة وفي منطقة تافيلالت، عامة.. أود أن أشير، بداية، إلى أن الفن التشكيلي في بلدي ارتبط، منذ القدم، وكما هو معروف، بفن العمارة والزخرفة: نقش الحناء، الزليج، الخزف، الحلي والأواني.. الوشم على الوجه والجسد.. النقش على الخشب، الحجر، الرخام، الجلد، الزرابي، صناعة الفخار، تزيين زخرفة المساجد، المنازل الفخمة، القصور الأسوار التاريخية المغربية.. وغير ذلك من الفنون النفعية الجمالية العامة، التي ميزت المغرب وما تزال.. وكل الذي ذكرناه إنما هو الفن الخارج عن إطار اللوحة ولا ننسى الفنون الأمازيغية القديمة قِدَم التاريخ وكذا الفنون الإسلامية العربية الأصيلة، حيث شكلت فنا جماليا نفعيا على فنية المغرب، بدأ -على أوجه التقريب- وليس الحصر من الأدارسة وانتهاء بالعلويين بصمات تتجسد في خطاب تشكيلي، يسلط الضوء على جوانب مهمة..