ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرؤية الجمالية عند الفنان التشكيلي حسن الزهري
نشر في طنجة الأدبية يوم 14 - 12 - 2009

يعد التشكيل فنا يحيل الأشياء إلى أعمدة للرموز والدلالات، تقدم أمام العين بوصفها معان مضافة إلى ما يصدر ويرد من الطبيعة، تجعل الأشياء والكائنات تنفلق من ربقة الطبيعة لتتزيى بمظاهر الثقافة. إن التشكيل لا يقف عند حدود البحث في الأشكال والألوان والوضعيات والنظرات والأجساد وغيرها، بل هو استنطاق للمكنون وغوص في الذاكرة الإنسانية بكامل تمفصلاتها وتشعباتها، وتعبير عن مختلف أنماط التفكير والوجود الإنساني في جميع تمظهراته وأشكال بنينته؛ يتم التعبر عن هذا الوجود نفسه من خلال تجل للذات الإنسانية وهي تستعبد الأشياء، وتحيلها إلى سيل من الأشكال والألوان والوضعيات التي تغدو في نهاية الأمر سرا لا يفك لغزه غير ريشة الفنان، وعين الرائي الحاذق الحصيف.
تطرح الثقافة الناظمة للإبداع التشكيلي نفسها عصية للسؤال والتحليل الدائمين، حيث أمكن النظر إليها من زوايا متباينة بحسب تخالف الفنانين وتمايز رؤاهم الفنية ونظراتهم للأشياء والعالم. لهذا حظي الفن التشكيلي عموما باهتمام كبير، نظرا لتعدد أنماط التدليل نفسه (الرسم والنحت والصباغة والحفر...)، وكلها تدخل في هذا النوع من الإبداع.
تعني كلمة بلاستيكوس الإغريقية الصنعة والحذق والإتقان، والقدرة الهائلة على تحويل المواد إلى أشكال، والفن باعتباره إبداعا، أي خلقا على مثال غير سابق، لم يعد ينظر إليه بهذا المعنى التقني، إلا بعدما استقل بذاته، ولم يعد ذلك الشيء المضاف إلى النفعي، كما أشار إلى ذلك هيجل(Hegel)، حيث إن الإنسان عرف الفن ابتداء، عندما أضاف إلى الأشياء النفعية أشياء أخرى لا فائدة نفعية منها، بل هدفها الأسمى تحقيق الإشباع الجمالي وحسب، لذلك كان الحكم الجمالي عينه حكما لا منفعة مادية من ورائه.
أصبح ينظر إلى التشكيل إذا في ذاته ولذاته دونما اعتبار لشيء آخر، أي لم يعد ذلك المضاف الفضلة، بل أصبح فنا قائم الذات، خصوصا مع النزعة الرومانسية في القرن الثامن عشر، حيث وجدنا مؤسس علم الجمال الفيلسوف الألماني إمانويل كانط(Kant)،يسطر كل المفاهيم التي استحوذت بالضرورة على التفكير الفلسفي الجمالي في الصورة عامة إلى يومنا هذا، من هيجل إلى راسل (Russel)وهوسرل (Husserl)و دريدا (Derrida)وغيرهم.(1)
لقد عرف الفن التشكيلي في المغرب تطورا ملحوظا، سواء تعلق الأمر بنانين معروفين في الساحة الفنية أو بآخرين لم يكتب لهم الظهور، فلم تمط أقلام النقاد اللثام عن إبداعاتهم، فأصبحوا سجناء لوحاتهم، التي لا تبرح أماكن بعيدا عن مقامها الأصل، الذي يضفي إليها الحياة، ويجعل من دلالاتها ترزح المكان كنظيراتها.
يعد الفنان حسن الزهري من الفنانين التشكيليين الشباب الذين جعلوا من لوحاتهم مهمازا للبوح، وقاعدة لتصريف رؤيتهم المخصوصة. هذه الرؤى التي تهب نفسها ذلولا لقلم الناقد، الذي يجعلها تنفض عن نفسها ما علق بها من براثن الغبار.
أقام الزهري معرضا تشكيليا بالجديدة، عرض فيه تجربته الفنية التي سماها (المرأة والطبيعة)، يعد هذا المعرض محاولة للبحث والتجريب، وفق بعض المظاهر المعمارية والتراثية والطبيعية، التي تعد المصادر الأولى التي استلهم منها الفنان جميع عناصر لوحاته التشكيلية المعروضة، حيث اتخذ من هذه المظاهر جميعها منبرا للتعبير عن رؤية جمالية إنسانية بالغة التفرد، هي جماع كل ما يربط الإنسان الدكالي خصوصا ببيئته وتنشئته الاجتماعية(Socialisation)، محاولا استثمار كل مكونات الطبيعة تحقيقا لهذا الغرض وفق تقنيات مخصوصة، اعتمادا على الألوان الطبيعية الأساس (الأزرق بتلويناته، والأخضر بتلويناته).
تختلف لوحات المعرض بحسب مقاساتها، لكن تبقى المتوسطة منها مهيمنة، حوت كل اهتماماته ونظرته إلى الوجود الإنساني الذي لا يخرج عن طبيعة تنشئة الزهري الاجتماعية، التي اكتسبته حسا جماليا مرهفا، حافظ من خلاله على كل مقومات الحياة الدكالية؛ ترصد هذه الرؤية بالنسبة للمتلقي مرحلتين من حياة الفنان: مرحلة الطفولة التي تشغل فيها المرأة/ الأم مساحة شاسعة في فضاء اللوحة، ومرحلة الشباب بكل جاذبيتها، نجد فيها حضورا ملفتا للطبيعة، وللموروث الشعبي كالمواسم وطقوس الأضرحة (موسم مولاي عبد الله أمغار، وضريح سيدي مسعود مثالا).
نطل من خلال لوحات حسن الزهري على موهبة فنية، تفكر كيف تحول عناصر هذا المظهر إلى علاقات لونية وشكلية، تقع في صف الفن الواقعي بامتياز. إن التداعيات اللونية في رسوماته لم تكن في تجاربه إلا مزجا لعالمه الخاص بالمحيط، انطلاقا من علاقته العفوية باللمسة المتحررة، وما تجسده وتقيمه من تطلعات فنية تزيد من الإحساس بالحرية التلوينية والتكوينية، يوضح ذلك طغيان الحقل البصري (Champ visuel)،الذي يجعل لنفسه مساحة رحبة، تقلص من أسر الإطار والتأطير معا، كما أن الحضور اللافت للبعد الثالث (Troisième dimension) يزيد من هذه الحرية.
يصف الزهري روح المنظر الطبيعي بمنظور قد يخالف أحيانا ما تراه العين المجردة، إذ يلجأ إلى رسم المنظر الطبيعي من نقطة أدنى إلى نقطة أعلى من سطح الأرض، كما يعتمد العفوية حينا في تركيب الألوان. إن المعرض يكشف إذا عن رؤية جمالية فنية تشكيلية مخصوصة لهذا الفنان، تهم بالأساس علاقته الشديدة ببيئته المحلية التي لا يخرج عنها قيد أنملة، في سياق بعيد كل البعد عما يقدمه المشهد السياحي العابر، وبعيد أيضا عن النقل الحرفي لمختلف عناصر الطبيعة؛ تبدو الرؤية الفنية للزهري شديدة الالتقاء في نقطة واحدة، هي الاحتفاء بالطبيعة، وهو التقاء يمكن استشرافه من خلال إسقاطات إنسانية متميزة، قائمة على التشخيص(Anthropomorphe) الذي يعتمد حركية اللون والشكل، استنادا إلى رؤيته المتميزة لعالمه ومحيطه، تكشف عن خصائص فنية بالغة في لوحات الفنان حسن الزهري:
- تمفصل الأيقوني والتشكيلي
يتفق معظم المشتغلين بالحقل البصري أنه لا توجد علامة بصرية (Signe visuel) وحسب، بل علامتان اثنتان في كل صورة، يتم هذا عن طريق التمييز بين العلامة الأيقونية ( (Signe Iconiqueوالعلامة التشكيلية(Signe plastique)، فالعلاقة بين النوعين غالبا ما تدمج داخل المعنى التشكيلي- الأيقوني، حيث عندما نصف سيرورة أيقونية نضع بدءا التجلي التشكيلي، بين المحافل الطبيعية والمحافل الثقافية.
يضم التشكيلي إذا: الألوان(Couleurs) والنسيج ) (Textureوالأشكال(Formes)، أي كل ما هو اصطناعي يخضع لتوافقات ثقافية، يعود إلى الثقافي. أما الأيقوني فيحيل إلى المعادلات الموضوعية كالجسد، والنظرة(Regard)،والوضعة(Pose) ...، أي كل ما تحبل به الطبيعة، ولا يتم التمييز بين التشكيلي والأيقوني إلا إجرائيا؛ وتقدم جماعة مو(Groupe μ) (2) لهذا التمييز مثال "البقعة الزرقاء"، فعندما نكون أمامها نقول: إننا بصدد علامة تشكيلية، أما عندما نقول: إنها تمثيل للأزرق، فالأمر يتعلق بعلامة أيقونية، ولا يمكن الحديث عن علامة في حد ذاتها، سواء كانت تشكيلية أم أيقونية، وإنما عن علامة بصرية تجمع بين البعدين: ما يعود إلى الذخيرة (Répertoire)، أي الأيقوني، وبين الاستعمال الاصطناعي، أي التشكيلي.
أ - المكونات التشكيلية في الصورة
يمكن النظر إلى الصورة باعتبارها قرنا بين ما هو أيقوني وما هو تشكيلي، فإذا كان الأيقوني يرتبط بالمحاكاة والتمثيل، فإن التشكيلي يتعلق بالمعطيات الثقافية، نميز فيه بين بعدين اثنين:
- بعد بنيوي: يتم فيه التمييز بين النسيج، والشكل، واللون، فأما النسيج فالمقصود به خصوصية الصورة، وطرق توزيع مكوناتها، حيث أمكن التمييز بين النسيج الأملس(Lisse)، والنسيج المحبب(Granuleux)، والنسيج المتموج (Moiré)، والنسيج الخشن(Rigueur)، وغير ذلك.(3) والنسيج هو نتيجة الربط المباشر بين مدرك البصر ومدرك اللمس، سواء كان هذا الإدراك مباشرا، أم إدراكا نابعا من الحس المشترك. يطغى النسيج الأملس على لوحات الفنان حسن الزهري، يهم الأمر الطبيعة النباتية والإنسانية، كما أن النسيج المتموج يسود لوحاته المتعلقة بالبحر، أو بالتعبير عن كنوز الموروث الشعبي بالمنطقة (المواسم والأضرحة).
يهم الشكل الوضعية والاتجاه والبعد والشكلم(Formème)، وكلها محددات للفضاء، تغدو الأشكال الطبيعية في لوحات الزهري مثارا للتساؤل حول كيفيات نقلها ومدى استيعابها لرؤيته الفنية الجمالية، استنادا إلى نوع التناغم الحاصل بين الألوان والأشكال.
وقد قام كاندينسكي (Kandinsky) بخلق نوع من المطابقة بين بعض الأشكال والألوان، فالدائرة هي العالم الروحي للمشاعر النفحة،لذلك فهي تطابق اللون الأزرق، أما المربع فهو العالم المادي الجاذبية والكونية فهو يتطابق مع اللون الأحمر، أما المثلث فهو العالم المنطقي والفكري، عالم التركيز والضوء، ومن تم طابق اللون الأصفر.(4) كما جعل بمساعدة إيتن(Itten) دلالات لبعض الخطوط، فالخط المستقيم يحبل بمعاني الصرامة والقوة والحدة، أما الخط المتموج فيدل على الأنوثة، بينما الخط المائل فيتعلق بالدلال والغنج، لذلك ارتبطا بالمرأة عموما؛ "يشكل الخط الأفقي الخط الأكثر بساطة، يتعلق في التصور الإنساني بالحظ، إنه بارد، يمكن أن يستمر في كل الاتجاهات، البرودة والانبطاح هما رصيد هذا الخط، أما الخط العمودي فيعوض الانبطاح بالعلو، وبالتالي البارد بالساخن، يشكل الإمكانات الساخنة".(5) إن هذا التقسيم وارد بصدد لوحات الزهري.
تختلف الألوان المستعملة في لوحات حسن الزهري باختلاف أنماطها ودرجات حضورها، ومراتب وضوحها؛ تتوزع بين الأحمر والأزرق والأخضر في الغالب، يستكشف الزهري الألوان عبر الذاكرة البصرية، ومن المشاهد اليومية المألوفة التي تمتح من الطبيعة، والموروث الشعبي، إذ يعتمد في بعض الأحيان اللون المكشوط أو الممسوح، إلى حد يبرز فيه سطح اللوحة، كما يستفيد من دلالات الألوان، التي تخضع للمعيار الانتروبولوجي، في التعبير أو في محاكاة الطبيعة، حيث يغيب الملمس، بينما يحضر اللون بكثافة، حتى تصير اللوحة أشبه بالجدارية التي تتكفل بصناعة الديكور، والاحتفاء بالألوان، والتعبيرات الحكمية، فدائما تبدو لوحاته مدعاة للتساؤل حول هذه المكونات، مادام هناك تعالق بين التشكيلية(Plasticité) والنسيج واللون والخط والمحيط(Contour) وأبعاد الأشكال وغيرها.(6)
- بعد فضائي: توجد، إلى جانب المكونات البنيوية، مكونات فضائية، تقيم تمايزا بين لوحات الزهري فيما بينها كالإطار(Cadre) الذي يميز بين فضائين مختلفين: الفضاء المرسوم، والفضاء الذي يوجد فيه ذلك المرسوم. يغلب على لوحات الزهري الشكل المستطيل، المتعلق بالامتداد، أما التأطير(Cadrage) فيختلف عن الإطار، ويهم الذات الراسمة وعلاقتها بمكونات الصورة(7)،وشكل تموضع الأشكال؛ قد تكون في موضع وسط، كما في الصورة التي تحضر فيها المرأة، فهي دائما في موقع البؤرة(Focus) في الوسط، حيث تتجه العين الرائية نحوه. أما الحقل (Champ) فيرتبط بما هو ممثل داخل الصورة، وغالبا مالا نجد في لوحات الزهري بونا بين الإطار والحقل، حيث يشغل هذا الأخير مساحة كبيرة تجعله يصل حدود الإطار.

ب- المكونات الأيقونية في الصورة
نميز في المكونات الأيقوني للوحات الفنان حسن الزهري بين ثلاثة أبعاد مختلفة: الوضعة واستعمالات الجسد الإنساني الاستعارية، والنظرة، وكلها أبعاد تشتغل في لوحات الزهري بكيفية عفوية قد تغلبها المحاكاة، ففي اللوحات التي تحضر فيها المرأة لا يستعمل فيها الجسد الإنساني بكامل تمفصلاته ودلالالته المضافة، بل يبقى عند الاستعمال النفعي، ولا يتجاوزه إلى الاستيهامات المتعية، التي تستثير المتلقي.
ولعل هذا الغياب يرجع بالأساس إلى أن المرأة لا تحضر بأنثويتها في لوحاته، بل بوصفها أما في الغالب، لذلك تبدو في كل لوحات الزهري بزيها التقليدي الذي لا يكشف إلا على وجهها المتدثر، بينما تبقى كل تمفصلات جسدها متوارية إما خلف مئزرها أو خلف لباسها التقليدي.
يزكي ذلك أن المرأة تقيم في لوحاته لتعبر فقط عن الانجذاب العاطفي نحو الأم، أما نظرة المرأة فتغذو نظرة جانبية خالية من التعبيرات الاستيهامية، وهي غالبا نظرة موجهة إلى الأسفل، تجعل من التواصل منقطعا، كما تصور المرأة ذلك الكون الذي يتوارى عن الأنظار ولا يخلق التواصل إلا مع الأقرباء وحسب، لذلك لا تحضر في اللوحات إلا منشغلة، إما بالنسيج أو بجلب الماء من الوادي، أو بثرثرة نسائية.
ارتبطت الوضعة في العمل الفني بمدى بروز الجسد الإنساني من خلال المواسم والأضرحة، تظهر في اللوحات نمطية تباعا لنمطية الحضور الإنساني فيها، أما في اللوحات التي تمثل فيها المرأة / الأم، فيمكن التمييز فيها بين وضعتين متباينتين: وضعة تكون فيها المرأة مقرفصة، ووضعة أخرى واقفة بثبات، تتعلق بنمطية النظر إلى المرأة عموما.
- محددات المنظور
ارتبطت فكرة المنظور لدى رسامي عصر النهضة بمدى قدرة الرسم تمثيل الأشياء كما ندركها ونراها حقيقة، أي ارتبطت بالنزعة الواقعية في الرسم، وكيف يتم تمثيل الأشياء ذات البعد الثلاثي في مساحة ذات بعدين اثنين فقط ينبئا بالعمق(Fond) (8،حيث "يبدو في الخطاب البصري أن هناك صورة تنفصل عن عمق، وهذا الشكل يبدو بارزا، ومجسما بعض الشيء بالقياس إلى العمق الذي في الصورة، حيث تبدو الأشياء الأقرب أكبر حجما من الأشياء البعيدة" .(9)
اعتمد حسن الزهري في بعض لوحاته منظورا تراتبيا(Perspective hiérarchique)، تقدم فيه عناصر الصورة بطريقة تراتبية.(10) يجلو ذلك في اللوحات التي احتضنت مواسم دكالة، كموسم مولاي عبد الله أمغار، حيث نلفي تراتبا في توزيع مكونات الصورة، كما نجد حضورا مثمرا للعمق فيها، وكذلك الأمر بالنسبة للوحات التي تبأر فيها المرأة / الأم بيانا لسمو رمزيتها.
وركن الفنان في عمله الفني إلى المنظور العصفوري (Perspective à vol d'oiseau) حينما يتعلق الأمر بالمسح الطوبوغرافي للمواسم، إذ يعتمد الرؤية من فوق، وكذلك في بعض اللوحات التي لا تقصد تأطير مساحة طبيعية بعينها، سواء كانت بحرا أو مجالا فلاحيا مخصوصا، بل تهدف مسحا مجاليا ممتدا. ولعل ذلك ما يثير في هذه المشاهد النظرة الممتدة للحقل الذي تشغله الصورة.
اعتمد الزهري المنظور الهندسي( Perspective géométrique) في بعض المشاهد الطبيعية، مادام هذا المنظور نفسه يعتمد محورا للهروب، فعوض أن تتجه الخطوط العمودية نحو نقطة تلاق، تهرب متخذة شكل ثنائيات، تحيل إلى شساعة المجال الطبيعي، وامتداد الرؤية فيه، إذ لا تبأر نحو التلاقي، بل حيال عمق الصورة، حيث يتسع ليشمل الحقل والتأطير معا.(11)
إن كل العناصر الشكلية والمضمونية التي تحبل بها لوحات الفنان حسن الزهري، تعمل متضافرة في القذف بالمعنى نحو ساحة للتداول والتفكير، فهي موجهة ومساعدة في تحديد دلالات الصورة؛ فاختيار علامات بصرية بمختلف تجلياتها السالفة الذكر، لم يكن اعتباطا، بل مهمازا للبوح والتعبير و إرساء رؤية جمالية مخصوصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.