يلتئم مجموعة من الفنانين التشكيليين، إلى غاية 20 فبراير الجاري، في معرض جماعي يحمل عنوان "تجليات" برواق سيدي بليوط بالدارالبيضاء، بمشاركة خالد بيي، وأمال ماديو، وحسن منعزل، ومبارك عمان، ونجاة مفيد، ومولاي إسماعيل زروال، بمبادرة من المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدارالبيضاء.يجمع هذا المعرض الجماعي، بين لعبة التخييل، وبلاغة الحروف، عند خالد بيي، الذي يسعى إلى تحديد رؤية جمالية وسمت هامشه الفني، موثرا العلامات البصرية للخط العربي، بوصفها قيمة جمالية تستجيب لعملية الخلق والإبداع اللامحدودين، واللغة الصامتة للإيقاع بكل تنويعاته، وإبدالاته، عند نجاة مفيد، التي يحيل مقتربها البصري في عملها التشكيلي والرمزي، على الجوهر الإنساني للوجود، ولغة الجسد عند الفنانة الجزائرية الأصل أمال ماديو، التي تلاحق الجسد الإنساني بكل إيحاءاته وتجلياته. كما يجمع المعرض بين أطياف الشخوص، التي يتعقبها حسن منعزل، في فضاءات واقعية ومتخيلة، وآثار ما قبل التاريخ، التي يسعى من خلالها مبارك عمان، للوصول إلى أصل الوجود وماهية الإنسان، وأثر الذاكرة، التي تمد مولاي إسماعيل زروال بألوان معبرة وغنية بالأحاسيس الإنسانية، في لوحات يقف الرائي مشدوها أمامها، فمحتمله البصري ينشد بحثا عميقا في إبدالات الفن، فهو يقتفي آثار كائناته وأطياف شخوصه المعلنة والمضمرة، انطلاقا من رحلته البصرية، التي تغوص في تجاويف اللون. يقول مبارك عمان إن "أعماله تعيد الروح لذاكرة الإنسان ما قبل التاريخ الذي وظف الألوان في طقوس جنائزه"، فأعماله تتجاوز السند/ الإطار، وتذكرنا بالعودة إلى التراب، وإلى الاحتفاء بتلك اليد الأولى التي رسخت وجودها عبر أشكال وكائنات رسمتها على الكهوف. في السياق ذاته يقول خالد بيي، الذي يوظف في منجزه الصباغي دلالة الحرف "الحرف بالنسبة لي لعبة تخييلية، فهو ملجأ حدسي، ودعوة صارخة للحرية. إنه بداية البدايات، كما أنه فن يخلد العلامات التجريدية. أسعى من خلال أسلوبي الصباغي والحروفي الخاص إلى إبراز أهم خصائص التشكيل المغربي الموسوم بالغنى والتعدد، ومحاولة الكشف عن القيم الجمالية للفن". يضيف خالد بيي في تصريح ل"المغربية" "أتوخى الوصول بالحرف إلى مقاماته الصوفية، وإبرازه داخل هذا الفضاء التصويري الممتد والشاسع، باعتبار الحرف علامة العطاء والتنوع". في أعماله الجديدة يسخر خالد بيي جهده لتأسيس لغة بصرية جديدة تستلهم شذرات الحروف، مستضيئة بحركة تواترية داخلية. هاجس بيي الفني هو منح الخط العربي حرية أشمل وأكبر، وحركية مدثرة بالرموز، محاولا القبض على نور خاطف وضوء هارب في معناه الروحي. بنصوص مشرقة يقدمها كنماذج حية لإبداعه الحروفي، يستثمر بيي الخطوط في أشكال تعبيرية تنتصر للحرف العربي. يحاور الفنان بيي، الحرف في تجلياته الصغرى والكبرى، وفي مقاماته الصوفية وشذراته الإشراقية، ويؤسس لمسار جديد في تجربة أراد لها أن تكون متميزة واستثنائية، كما يرى أن الحرف يكشف عن رسالة نورانية انخطافية في فضاءات التشكيل المتنوعة والشاسعة، الموسومة بالجدة والجديد. يقول بيي"القماشة تتجاوز الإطار/ السند، كما تتجاوز الحقل الحروفي باعتباره مشهدا جماليا، ينشد حساسية الخط. فالقماشة، أيضا، علامة دالة تجمع قيم الثقافة البصرية". ويبرز أن"الحرف يستمد قوته من مبادئ تجريدية، إننا أمام حضور بنية ممهورة بالحركة لا الجمود، بنية معطاءة، تجمع كل الأشكال التعبيرية، والصباغة إحداها، باعتبارها أثرا رمزيا ينتصر، في الوقت ذاته، لكمون الروح والأشياء معا". في أعماله الجديدة، يسجل خالد بيي، بكل حرص، إمكانية فتح سبل بين قطبي التقليد والتجديد، سبل تجعل من التشكيل والصباغة مجالات منفتحة على الخلق والإبداع. من جانبها، تقول الفنانة نجاة مفيد عن عالمها الصباغي، " مقتربي التصويري شبيه بفعل الكتابة، لأنه يفصح عن إيقاع متعدد الأصوات ينبني على الحياة الدينامية للأشكال والألوان"، وتضيف في حديث إلى"المغربية" أن أعمالها تختزل لغة بصرية تنساب في تناغم موسيقي روحي، موضحة أنها تحاول أن تمنح روحا لأعمالها الإيحائية، التي تعبر عن طبيعتها الداخلية، وتحتفي بحالات كينونتها بفيض صوفي متدفق. وأبرزت نجاة مفيد الحائزة على عدة جوائز إبداعية، من قبيل جائزة أحسن بحث تشكيلي لمعهد غوته الألماني، وجائزة الإبداع الأصيل للمعهد الثقافي الفرنسي، أن لكل لوحة شهادة ميلاد فنية، وحالة شعورية وروحية وتصوير نوعي لأبحاثها المستمرة، مضيفة في الحديث ذاته، أن عالمها الفني التصويري يتسم بتوالي وتتابع الارتجالات والأصداء، ما يعزز استمرارية وديمومة أعمالها التشكيلية، ويعمق بنياتها الموسيقية الداخلية وإيقاعاتها الشعرية الصامتة. إن المعرض في تشكلاته الكبرى تجليات لتجارب تنهل من الموروث الثقافي والديني، وهو بذلك يسعى إلى الإجابة عن مجموعة من الإشكالات، ويحاول الوصول إلى ماهية الكون. وبقدر ما نجح الفنانون في التعبير عن مكنوناتهم الداخلية، بقدر ما ساهموا في إغناء الحقل الفني بتجارب جديدة ستكون من دون شك قفزة كبيرة، والأكيد أن المعرض الذي لاقى اهتمام النقاد، سيواصل إشباع فضول عدد من المهتمين والمولعين بالفن التشكيلي.