بمبادرة من المدرسة العليا للفنون الجميلة في الدار البيضاء ومقاطعة سيدي بليوط، يحتضن رواق هذه الأخيرة معرضا جماعيا لستة فنانين خريجي المدرسة المذكورة ينتمون إلى مختلف الأجيال والتيارات، ويمتد المعرض من 2 إلى 20 فبراير 2010. «المعرض أرضية عامة لتأكيد الوضع الاعتباري للفنانين المتخرجين من المدرسة العليا للفنون الجميلة في الدار البيضاء»، يقول عبد الرحمان رحول، مدير مدرسة الفنون الجميلة في الدارالبيضاء، مضيفا أنه حان الوقت لإعادة الاعتبار للتكوين الفني كشرط ضروري لكل ممارسةإبداعية فريدة جديرة بهذا التوصيف. ويقول رحول في تصريحه ل«المساء»: «لقد بادرنا إلى تنظيم هذا المعرض، لتحسيس الرأي العام بالقيمة المضافة التي تكتسبها تجارب الطلبة المتخرجين ومدى إسهامها في إغناء روافد الإبداع التشكيلي المعاصر بالمغرب، فهؤلاء الطلبة هم رهان المستقبل، وهم الذين يضخون دماء جديدة في شرايين الإبداع التشكيلي ويخلصونه من كل ثوابت التقليد الأعمى والتكرار والتنميط، فنتمنى أن تحذو مؤسسات الرعاية الفنية الأخرى حذو مقاطعة سيدي بليوط، لإتاحة المجال للأفواج المتتالية من خريجي المدارس الفنية كي يعرضوا باكورة إبداعاتهم كمساهمة في تنميتها وترسيخ حضورها الكمي والنوعي». وأكد رحول، مدير مدرسة الفنون الجملة، أنه تم اختيار أساليب متنوعة تنتمي إلى دفعات أجيال مختلفة، لإعادة الاعتبار للتكوين الفني كدعامة أساسية لكل اختيار اعتباري رصين. وللمساهمة في التعريف بإنتاجات الطلبة الباحثين وخلق وسائط لتعميق قيمتها التداولية والترويجية في إطار تنمية وإنعاش التراكم التشكيلي المغربي المعاصر، من خلال عرض وتقديم تجارب نخبة من المبدعين التشكيليين الشباب، الذين يراهنون في مسارهم الإبداعي على دعم ورعاية كل الهيئات المعنية والأوساط المختصة في الشأن الإبداعي. ويعرض هذا المعرض المقام تحت عنوان «تجليات» أعمال كل من خالد بيي، وحسن منعزل، مبارك عمان، نجاة مفيد، أمال ماديو، ومولاي اسماعيل زروال. ويندرج هذا المعرض في إطار انفتاح المدرسة العليا للفنون الجميلة على محيطها السوسيو ثقافي، كمراهنة على أعمال إبداعية اختارت ثقافة التجريب مسلكا فنيا وبحثا بصريا يقوم على عدة مدارات تشكيلية من قبيل المادة، النور، الأثر، الإيقاع، الجسد، الفضاء، وكلها عوامل تشكيلية تستدعي التأمل الجمالي والمساءلة النقدية بتجلياتها وبنياتها الأسلوبية. حول هذا المعرض صرح لنا الناقد عبد الله الشيخ مندوب المعرض قائلا: «إنها بانوراما عامة تسلط الضوء على تجارب فنية صاعدة تشكل بالقوة وبالفعل قيمة مؤكدة داخل مشهد التجربة الفنية في المغرب، باختلاف اتجاهاتها وأساليبها، فهؤلاء الفنانون العارضون تابعوا تكوينا أكاديميا رصينا واشتغلوا على مشاريع فنية معمقة حققت المعادلات الصعبة بين التنظير والممارسة، وبين الفكر والإبداع، بعيدا عن كل نزعة فطرية ومسلكية عصامية محدودة الأفق والعوالم سقطت في إعادة إنتاج اللوحة الوحيدة»، مضيفا أن «هؤلاء الشباب اختاروا ارتياد مغامرة التشكيل البصري بكل أسئلتهم القلقة، التي تهم حياة الأشكال والألوان... إن لغتهم المشتركة هي استلهام جمالية المتخيل الفردي والجماعي في ضوء صياغة إبداعية تحتفي بالبحث الجمالي». من جانبه يقول خالد بيي: «لقد ارتأيت تقديم أعمالي الحروفية وأبحاثي التشكيلية في مجال النحت لكي أساهم في إغناء ريبيرتوار الأبحاث والدراسات الجمالية التي تمثل أفق الوعي البصري في المغرب، فهذا المعرض يمثل بالنسبة إلى مناسبة سانحة للتعريف بحصيلة تجربتي الفنية ومدى علاقتها التفاعلية مع تجارب مبدعين من جيلي يتقاسمون معي هموم تحقيق الذات في إطار الحق في المستقبل». وعن قيمة هذا المعرض، تقول الفنانة التشكيلية نجاة مفيد: «أعتبر المعرض لحظة استثنائية في مساري الفني لأنه يربط الماضي بالحاضر ويتيح لنا المجال لإبراز مقوماتنا الإبداعية التي راهنا من خلالها على سبك لغة بصرية حرة ومستقلة، فأنا أشتغل على الإيقاع البصري بكل إبدالاته وتركيباته متعددة الأصوات. وأعتبر تجربتي المتواضعة حلقة نوعية بين حلقات الإبداع التجريدي الذي يعتبر تأويلا للواقع وصياغة جديدة للثوابت والتحولات». وفي رأي الفنان مبارك عمان، فهذا المعرض «يهدف إلى مد جسور الحوار والتواصل بين الطلبة المتخرجين باختلاف اتجاهاتهم الفنية وانشغالاتهم المهنية. كما أن هناك عدة قواسم مشتركة بين فنانين عارضين، اختار كل واحد منهم تاسيس لغته التشكيلية على وحدة بصرية، فهناك من يشتغل على البناء الحروفي بطريقة حداثية، وهناك من اختار سبر أغوار الجسد بكل استيهاماته الإبداعية الوجودية، وهناك من راهن على مقاربة إيقاع وآثار الكائن في الفضاء والزمن». من جهتي، يقول مبارك، أحاول أن أستعيد ذاكرة فن ما قبل التاريخ وأشتغل على راهنيتها المعاصرة بناء على تصور تشكيلي يتخذ من بروز وتفاعلات المادة والحركة بؤرها البصرية ومفرداتها المشهدية، فالفن بالنسبة إلى ذاكرة جماعية حية متجددة في المكان والزمان». والمأمول أن يشكل هذا المعرض نواة صلبة لتأسيس جمعية الطلبة المتخرجين للمدرسة العليا للفنون الجميلة في الدار البيضاء، قصد توحيد الرؤى وخلق قاعدة معطيات فنية والاشتغال على مشاريع جماعية وتفعيل الأوراش الفنية التي من شأنها أن تساهم في تأهيل قطاع الفنون التشكيلية في المغرب. وسيتعزز هذا المعرض بتنظيم عدة لقاءات فكرية وجمالية لتعميق النقاش في المسألة الإبداعية ومقاربة قضاياها الجمالية والمعرفية بمشاركة عدة نقاد وباحثين وسائطيين، إيمانا من المدرسة بأن الممارسة الابداعية يجب أن تكون مصحوبة بمواكبة نقدية وتنظيرية، فلا فكر بدون إبداع ولا إبداع بدون فكر.