فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجربة الفنان عبد السلام بوكلاطة
نشر في أريفينو يوم 11 - 09 - 2010


سيميائية الأزياء الأمازيغية
( تجربة الفنان عبد السلام بوكلاطة نموذجا)
الدكتور جميل حمداوي
توطئة:
من المعلوم أن المسكن والمأكل والملبس من الأركان الثلاثة التي تنبني عليها الحياة الإنسانية، أي إنها من الضروريات التي لا يمكن الاستغناء عنها في حياتنا، وبدونها تكون الحياة شاقة وعسيرة، ومن المستحيل أن يعيشها البشر. وتعد الأزياء المظهر المادي للجانب الثقافي لدى الشعوب؛ لأنها تعبر عن مكانة الأمم ، ورقي حضارتها، وتعبر كذلك عن التطور الذي حققته في الميدان الفني والاجتماعي والاقتصادي. أي إن الأزياء أو الملبوسات وثيقة صادقة عن العمران والحضارة، ومدى الاهتمام بالفنون الجميلة. وفي الحقيقة” تعتبر دراسة تاريخ الأزياء مصدرا وثائقيا يعكس مظاهر الحياة لأي بلد من البلدان، وتكمن أهمية هذه الدراسة في أنها عنصرا من عناصر الحضارة الإنسانية، حيث تدل على مدى رقي الأمة وعلى مستوى الدولة الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والفني، كما أنها تعطي الباحثين الأبعاد الثقافية والحضارية. ولذلك، تظهر الحاجة إلى دراسة تلك الأزياء بكل مالها من خصائص ومسميات، وتحليل محتواها الفني من نسيج ولون وزخرفة وتطريز ومكملات للزينة والحلى” .
وترتكز فلسفة الزي على ثلاثة جوانب أساسية:
1- الحاجة: لقد اتخذ الإنسان الزي لضرورة وقائية، أي لحماية جسمه من الأخطار الطبيعية: الفزيائية والكيميائية. وكان هذا الزي يستوجبه تغيير المناخ: حرارة ورطوبة. ويعني هذا أن الزي يحافظ على الوجود الإنساني من كل ما يمكن أن تفاجئه به البيئة التي يعيش فيها هذا الإنسان.
2- الاجتماعية: ويعني هذا أن الزي يعبر عن شخصية كل إنسان داخل المجتمع، وبذلك يأخذ وظيفة اجتماعية. أي إن اللباس قد يعرف بالأفراد من الناحية الاجتماعية: يحدد الوظائف التي يمارسونها، ونوع الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها….
3- الديكور: يتخذ الملبوس كذلك وظيفة جمالية تعبر عن أناقة الشخص وجماله وأبهته، والاهتمام بالذات. أي إن الزي ذو وظيفة ديكورية جمالية تساهم في إثراء الفن والحضارة في ميدان الفنون الجميلة.
وللزي تاريخ طويل يمتد من الفراعنة مرورا باليونان والرومان إلى تاريخ الحضارة الإسلامية وأوربا الحديثة.
ويمكن أن نحدد عبر هذا التاريخ الطويل مع بداية ظهور الإنسان ثلاثة ثوابت أساسية في فلسفة الملبوس:
1- العري( مرحلة الإنسان البدائي)؛
2- البساطة( أشكال بسيطة في استعمال الزي)؛
3- البذخ( التحلي بفلسفة الترف والبذخ والتجميل والتأنق الفني والحضاري).
ويمكن أن نبرز كذلك أن الإنسان مر بمراحل بارزة في تطوير حياته، والحفاظ على جسمه وذاته وجماله، منها:
٭ عري البدن.
٭ الاتقاء بالزي النباتي.
٭الاتقاء بالزي الحيواني.
٭مرحلة النسيج( الكتان والصوف ).
٭ مرحلة الزي المزخرف.
وهناك مرحلتان أساسيتان في تطور الزي النسيجي:
٭ مرحلة الأشكال البسيطة
٭ مرحلة الأشكال الزخرفية المعقدة.
ويعني كل هذا أن ” الإنسان الأول نجد أنه لم يكن له من وسائل الكساء شيء، وكان يهيم في أول الأمر بين الأدغال عاري البدن شأنه شأن الحيوان، على أن قسوة الطبيعة دفعته إلى التفكير في صنع ما يقيه من البرد القارس أو الحر اللافح. وكان أول ما استتر به الإنسان هو ورق الشجر. ثم ، تدرج بعد ذلك إلى استعمال الحشائش والأغصان والليف، وصنع منها نسيجا ملائما، ثم اتخذ من جلد الحيوان وفرائه مآزر قبل أن يهتدي إلى طريقة عمل الخيوط من الكتان أو الصوف أو غيره. ثم، صنع من تلك الخيوط نسيجا بسيطا- بدائيا في أول الأمر، ثم حور فيه، وتولاه بالزخرفة لكي يتخذ مظهرا يشعر من يلبسه بشيء من الفخر.”
وعند تحليل الأزياء لابد من التركيز على عناصر أساسية في الملبوس مثل:
1- الشعر وغطاء الرأس.
2- ألبسة العنق.
3- ألبسة الجسد.
4- ألبسة الفخذ والرجلين.
5- الأحزمة أو الزنار.
6- ألبسة القدم.
7- المجوهرات والحلي.
8- الألوان.
9- الأشكال.
10- اللوحات والصور.
11- الأماكن المخصصة لحفظ الأزياء.
وإذا كان العالم الثالث، ومنه العالم العربي، يميل إلى البساطة في الأزياء لأسباب دينية ومناخية ومادية وثقافية، فإن الغرب سار خطوات مذهلة في مجال الأزياء، إذ مال إلى الزخرفة والتغيير، وتعقيد الملبوس، والدليل على ذلك تلك العروض التي تنعقد من فينة وأخرى في لندن وباريس وميلانو ونيويورك لعرض أحدث الموضات والتصاميم الزخرفية الجديدة ، وذلك حسب الفصول والفلسفات السائدة في المجتمع.
لكن على الرغم من هذه الأسباب، فلقد عرف العالم العربي تطورا كبيرا في الإقبال على الأزياء ذات الزخارف الجميلة والمعقدة التي تستوحي الفن الراقين وذلك مع تحسن الظروف الاجتماعية والاقتصادية ، و لاسيما في دول الخليج والشام والمغرب العربي، علاوة على سياسة انفتاح هذه الدول على الغرب، و استلهام الأزياء الشرقية ، ولاسيما الصينية والهندية واليابانية والباكستانية والتركية منها.
وفي هذه الدراسة سنقوم بدراسة الأزياء لدى الفنان المغربي عبد السلام بوكلاطة قصد معرفة البنية الجمالية والدلالات التي تنبني عليها ملبوساته وأثوابه.
 عتبة الفنان:
ولد عبد السلام بوكلاطة سنة 1960 ببني توزين بإقليم الناظور بالمغرب، وتلقى تكوينه على يد أبيه الذي كان صانعا تقليديا في اللباس التقليدي القومي. بيد أن الابن طور صناعة أبيه، واتجه نحو الزخرفة الفنية والتشكيل البصري. وقد شارك في عدة معارض محلية ووجهوية ووطنية ودولية. فقد شارك في موسم المعرض الوطني للصناعة التقليدية المنعقدة في مراكش سنة 1993م، وحصلت على الجائزة الأولى، جائزة المهارة وجائزة أمهر صانع من مؤسسة البنك الشعبي المركزي. وشارك أيضا في المعرض الذي أقيم على هامش اتفاقية الگاط بمراكش سنة 1994م، دون أن ننسى مشاركته بمعرض ميناء بني أنصار ، حيث انطلق لحاق غرناطة- دكار، وكذلك عرض في رواق المغرب العربي بالناظور، دون أن ننسى مشاركته بمؤتمر المجلس العالي للصناعة التقليدية الدورة( 13) بالعاصمة العلمية فاس سنة 1996م، وقد تسلم أخيرا رسالة تهنئة ملكية ، وذلك بسبب لوحته التي تحمل في طياتها أيقون الهوية الأمازيغية.
هذا، وقد طور الفنان بوكلاطة صناعته ، وذلك حسب متطلبات العصر الحديث حتى تأخذ مكانتها الوطنية والدولية والعالمية ، دون إغفال للجانب الحضاري والثقافي للشخصية المغربية والأمازيغية على حد سواء. كما قام بتكوين كثير من الطاقات الشابة في هذا المضمار التطريزي والفني، وسارت على منواله في الإبداع والعطاء والإنتاج. ومن المعلوم أن لهذا الفنان طموحات وأماني كثيرة تتمثل في تكوين رواق أو متحف أو معرض دائم لعرض المنتوجات التي يساهم بها الصانع التقليدي، ولاسيما منتوج القفطان. لذا، فهو في حاجة إلى ممولين للمساهمة في إنجاح هذا المشروع المربح ماديا ومعنويا وفنيا.
 الدلالات السيميائية اللوحات المطرزة:
رسم عبد السلام بوكلاطة مجموعة من اللوحات الفنية فوق الزي جامعا في ذلك بين الأصالة والمعاصرة. ومن هذه اللوحات نجد لوحة المشبك الحضاري( اللوحة رقم1) أو ما يسمى (تيسغنست أومزروي) ، والتي وضعت في إطار مستطيل منمق بزخرفة خشبية يتقاطع فيها اللون الأخضر مع اللون المذهب. وهذا له علاقة سيميائية مع صورة اللوحة. وإذا تأملنا اللوحة داخليا ، فإننا نجد قطعة ثوب من “لمليفة” طرز فوقها مشبك أمازيغي، يعبر عن أصالة الريفيين الأمازيغيين بشمال المغرب، ويتحدث أيضا عن حضارتهم الممتدة عبر التاريخ، وذلك قبل حضارة الفراعنة بكثير. وقد اختار الفنان عبد السلام ثوبا أحمر للدلالة على النضال والمقاومة والدفاع عن الهوية الأمازيغية. وتتخذ هذه اللوحة المشبكة طبيعة تزيينية كشكل من أشكال الزينة والحلي للمرأة أو الرجل. وتتسم زخرفة المشبك بتعقد الأشكال الورقية والنباتية والأشكال الهندسية، وتنماز كذلك بزخرفة ذهبية وفضية متناسقة ومتناظرة في شكل تصاعدي متدرج من الأسفل نحو الأعلى. وقد استعان بوكلاطة في إنجازها بمواد نفيسة منها:الذهب والمرجان و كريسطال و الصقلي الذهبي والصقلي الفضي والحرير.
وفي اللوحة الثانية( رقم اللوحة 2)، يتحول عبد السلام بوكلاطة من صانع تقليدي وخياط ماهر إلى فنان تشكيلي يتقن الرسم والتشكيل، وينطلق من رؤية للعالم تصيغ واقعه الفني والجمالي. لذلك ، يلاحظ أن رؤيته حضارية بعيدة عن التعصب والعرقية الشوفينية. ويعني هذا أن بوكلاطة فنان محلي ووطني وقومي وعالمي لا يعرف فنه حدودا ضيقة أو عقدية؛ لأنه يكتب الفن، ويوثق الإبداع الجمالي بالإبرة والخيط والمخراز.
هذا، وتصور اللوحة الأيقونية امرأتين جبليتين بمنديلهما الملون الذي يغطي فخذيهما ورجليهما، ويمتاز بصوف غليظ وخشن يراعي حاجات المنطقة المناخية ، والتي تتسم بكثرة الجبال، وقسوة البرودة، وشدة الرطوبة. وغالبا ما يوضع هذا الزي فوق ألبسة داخلية. وبالتالي، فهو لباس نصفي يساعد المرأة الجبلية على العمل والسفر، وقطع المسافات الطويلة لبيع منتجاتها، وقد يتحول إلى بساط لافتراشه أو الجلوس عليه. ويلاحظ كذلك أن اللوحة تشير إلى عناصر أخرى من زي الجبلية مثل : ارتداء شال أزرق أو أبيض يشبه الحجاب يوضع على العنق اتقاء للبرودة ، ورغبة في التستر والتحجب والاستحياء. كما أن هذا الشال طويل يغطي تقريبا الظهر كله. كما نلاحظ طربوشا جبليا مصنوعا من الخيش، وتجميع الخيوط في عقد كبيرة لتزيين هذا الغطاء الرأسي، وتحقيق توازن بين أجزائه الأربعة.
هذا، وقد اعتمد الفنان في تطريزه لهذه اللوحة على التناظر والتقابل في الألوان والأشكال والأجساد، فمثلا نلاحظ صدريين من القطن أحدهما:أبيض والآخر أزرق، كما نجد منديلين مختلفين في اللون: أبيض في أحمر وأزرق في أحمر مفصولين بخطوط بيضاء، ناهيك عن تقابل الأجساد: الرشاقة مع البدانة. وقد أحسن بوكلاطة كثيرا، وذلك حينما طرز هذه الحياكة التطريزية على ثوب أزرق شفاف وواضح يثير الإعجاب، ويجعل من هذا الخياط الماهر فنانا يجيد انتقاء واختيار أدواته الفنية والتشكيلية.
وفي اللوحة الأخرى( اللوحة رقم 3)، نجد إطارا تشكيليا خشبيا يصور بطريقة حضارية أصيلة امرأة أمازيغية تلبس إزارا محاطا بحزام تقليدي( أحزام )متعدد الألوان، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى اهتمام المرأة الأمازيغية بالزخرفة والألوان الداكنة كالأحمر والأخضر والأصفر… وتضع هذه المرأة على رأسها غطاء من الكتان الأحمر(ثاسبناشت) ، والذي تتداخل فيه بعض الأشكال كالوشوم على الوجه مثل: المرأة السوسية والشلحية. كما أن هذا الإزار الذي يكون غالبا أبيض ومتماوجا في انسيابه وتطريزه ، فقد يتناسب مع فترات الزواج أو الحضور في حفلات الفرح والمناسبات الاجتماعية والدينية. لذلك، يقترب لونه الأبيض من دلالات الدين الإسلامي. ويلاحظ في صورة المرأة مدى اهتمام المرأة الأمازيغية بالزينة والحلي كالخواتم والأقراط وأطواق العنق والمعاصم، والاهتمام كذلك بزينة الرجل، إذ يتخذ الخلخال والبلغة للتزيين، وإضفاء الجمال على الجسد. كما أن الضفيرتين(إيموزارن) رمز للجمال، والتباهي بالشعر الطويل، وتأكيد الأنوثة ، وأناقة الحسن والجاذبية.
وإذا انتقلنا إلى اللوحة( رقم 4) ، فإننا نجد مشبكا معقدا في زخرفته يوظف فيه بوكلاطة التصوير الهندسي وشكل المثلث كأنه كأس طافح بالنقوش المطرزة. وفي المثلث نجد مثلثات صغرى ودوائر هندسية تتوسطها دوائر أصغر منها. كما أن هذه اللوحة المطرزة بالألوان المتناسقة(الأبيض والأزرق) مزينة بالأشكال الرياضية والنباتية الدالة على الهوية الأمازيغية. إنها فن أرابيسكي أمازيغي يدل على الانتصار والصمود، والتشبث بالهوية الحضارية.
هذا، ونلاحظ في اللوحة ( رقم 5) صورة مطرزة تقليدية أصيلة. إنها حجرة من المسيد، حيث يدرب الفقيه تلامذته على حفظ القرآن في ألواح تقليدية مصنوعة من الخشب، ويكتب فوقها بالصمغ، وتمسح بالماء والطين الرسوبي. كما يلاحظ أن الفقيه يلبس جلبابا صوفيا على غرار العلماء وفقهاء الدين. و يفترش هذا الفقيه حصيرا صوفيا ( ثعراوت) مثل: فراش أو زربية متعددة الألوان.
وهكذا، يتبين لنا أن هذه الألواح المطرزة تجمع بين المعاصرة والأصالة وبين التقليد والحداثة، وتمتح من مرجعية ثقافية أصيلة تعبر عن الحضارة الأمازيغية والشخصية المغربية والإنسية العربية.
 الأحزمة:
يستخدم عبد السلام بوكلاطة عدة أشكال حزامية لتزيين خصر المرأة ، وشده بأناقة وجمال وتوازن أخاذ، يجذب الأنظار بألوانها المختلفة الساطعة والباهرة بجاذبيتها الساحرة. فهناك أحزمة ذات سمك طويل، وذلك بخطوط عمودية متوازية متقطعة بشريط يتلوى ارتفاعا وانخفاضا، متخذا سمكا غليظا في شكل أسهم الانعراج( اللوحة رقم 12). ويقسم هذا الحزام الثوب إلى قسمين: الجانب العلوي والجانب السفلي، ويتخذ هذان القسمان شكل مفتاح مطرز يتوسطه حزام دائري يساهم في شد الجسد، وإظهار رشاقته وفتنته.وقد يتخذ الحزام شكلا ورديا مفتوحا في الوسط الأمامي يشير إلى الحب والمودة والأمل والتفاؤل كما في اللوحة رقم 11.وقد يتخذ الحزام شكلا دائريا متقعرا في الوسط تتقاطع فيه مجموعة من الطبقات الزخرفية الملونة بالبياض والسواد، لتترك مساحة فارغة لتشكيل لوحة منقوشة لحيوانات متوحشة، وذلك بطريقة محاذية متوازية، ويمكن تسميته بحزام الفم المطرز بالزخرفة الحيوانية كما في اللوحة رقم 13. وهذا الطرز يذكرنا بالطرز الشرقي، ولاسيما الصيني الذي يستعمل الطرز الحيواني. كما يصبح الحزام منشطرا إلى نصفين مشبكين في بعضيهما البعض، حيث تبدو لوحة الحزام كريش الطاوس الجميل كما في اللوحة رقم10، وقد يتخذ الحزام شكل نصف داري منشطر( اللوحة رقم12)، ونجد كذلك حزام التاج المذهب الذي يحيل على المكانة الاجتماعية العليا، والأصالة، والزخرفة المتداخلة المعقدة، ولمعان اللؤلؤ الذهبي (اللوحة رقم9). وهناك الحزام التاجي المغلق بالخيوط المتشابكة على شكل خيوط الأحذية المترابطة (اللوحة رقم 7). وهذا النوع من التصميم الذي قد يتخذ عدة ألوان حسب ذوق المصمم أو المشتري وحسب اختلاف الفصول. أما الحزام الطويل المتموج في انسيابه وسريانه المائي (اللوحة رقم6) ، فهو أكثر روعة وبهاء وجاذبية. ويستعمل الفنان كذلك في بعض أزيائه المقدمة للعمل المسرحي أحزمة أمازيغية ملونة بألوان معروفة في تراثنا المحلي كالأحمر والأخضر الدالين على الوطنية في تقاطعها مع الموروث الأمازيغي المحلي(اللوحة رقم 14).
الزخارف الصدرية:
نعني بالزخارف الصدرية الأشكال الزخرفية التي تزين صدر الزي، وتجمله قصد إضفاء طابع تشكيلي وجمالي على لوحة الثوب أو الملبوس. وقد وظف عبد السلام بوكلاطة ألبسة بدون زخارف صدرية ، وأخرى اتخذتها كعلامات بصرية للدلالة والديكور والجمال والتسويق. وتتربع هذه الزخارف على جانبي الصدر بشكل متواز وهندسي دقيق. ومن بين هذه الزخارف الصدرية نجد الأنماط التالية:
1- زخارف صدرية نباتية (وردية أو زهرية أو غصنية) كما في اللوحة رقم:7.
2- زخارف صدرية شجرية كما في اللوحة رقم:8.
3- زخارف صدرية ذات المشبك الأمازيغي للدلالة على الأصالة والهوية الحضارية، هذا المشبك هو الذي يعطي الفرادة لهذا الزي والملبوس، ويتمثل في اللوحة رقم:15.
4- زخارف صدرية هندسية مذهبة وهي تحمل دلالات تاريخية تحيل على المجد والسلطة والأبهة والعظمة الملوكية كما في اللوحة رقم:14.
 الأكمام والذيول:
يلاحظ على أزياء الفنان بوكلاطة أنها ذات أكمام وذيول طويلة، وقد زخرفت بأبهى الزخارف النباتية والهندسية والحيوانية والأحجار الكريمة وبأروع زخارف الشبكة وزعانف الحوت وذيوله المتموجة السابحة كما في اللوحة رقم:17.
 العنق:
يتخذ الطرز العنقي في أغلب الأحيان عند الفنان عبد السلام بوكلاطة طابعا دائريا مزخرفا يشبه شكل المفتاح. وهذا العنق يتميز في لونه عن لون الزي بسمكه وطرزه المتميز بكثافة الخطوط، وارتفاع سمك الخياطة والخرز، ووجود كثرة الأشرطة والخيوط الهندسية المتوازية الدالة على جمال الاتساق، وثراء الانسجام ، وجاذبية المنظر.
تركيب استنتاجي:
يبدو من خلال هذا العرض الوجيز أن عبد السلام بوكلاطة فنان تشكيلي حاذق وماهر يرسم بالخيط والإبرة، ويجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويحمل زيه المطرز كثيرا من الدلالات الفنية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.