يعيش المجتمع المكسيكي بعد مرور شهر على افتتاح ناد لتعاطي مخدر الماريخوانا، بموافقة من المحكمة العليا المكسيكية، نقاشا ساخنا في أفق اعتماد إصلاحات قانونية تقود نحو تقنين استعمال هذا المخدر لأغراض ترفيهية في المستقبل القريب. وفي تجاوب مع هذا الحراك المجتمعي، المنقسم بين مؤيد ومعارض، أعلنت السلطات المكسيكية عن إطلاق حوار وطني مطلع السنة المقبلة بشأن تقنين استخدام الماريخوانا، سيشمل ثلاثة محاور أساسية، بهدف اتخاذ أفضل قرار في هذا الشأن. وجاء قرار إطلاق هذا الحوار الوطني بعد أن أصدرت محكمة العدل العليا للأمة بالمكسيك الشهر الماضي حكما يسمح لأربعة مدعين باستهلاك الماريخوانا وزراعتها لأغراض شخصية. وحتى وإن كان هذا الحكم، الذي حظي بموافقة أربعة قضاة ومعارضة قاض واحد، يشمل في هذه المرحلة فقط الأشخاص الأربعة المنتمين إلى جماعة غير ربحية كانت وجهت إنذارا قضائيا ضد قرار لجهاز الصحة في سنة 2013، فإنه بالمقابل فتح باب النقاش داخل المجتمع حول إمكانية إجراءات إصلاحات قانونية تفضي إلى تقنين المادة المخدرة لأغراض شخصية. ولكي يكون الحوار الوطني الذي أعلن عنه وزير الداخلية، ميغيل أنخيل أوسوريو تشونغ، خلال ندوة صحفية يوم الأربعاء، فعالا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار بعض الجوانب المتعلقة مثلا بالتكاليف والمزايا والجدوى من التقنين، وأثره على الصحة العامة، والوقاية، وحقوق الإنسان، فضلا عن الأبعاد الاقتصادية وسلامة المواطنين. وحسب الوزير، سيتم في البداية عقد سلسلة من الحوارات من خلال منصة رقمية على شبكة الإنترنت، ستدخل حيز التنفيذ في الأيام الأولى لشهر يناير المقبل، حيث ستوفر للمواطنين إصدارات أكاديمية وعلمية للإعلام بطريقة موضوعية عن الآثار المترتبة على الموضوع . كما سيتم دمج قاعدة من الحقائق والأرقام التي يمكن استخدامها لدراسة هذه الظاهرة، وخلق فضاء لمشاركة كافة المكسيكيين لإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن آرائهم ومواقفهم. بالإضافة إلى ذلك، سيتم في المقام الثاني فتح نقاش موسع وشفاف سيشارك فيه متخصصون وأكاديميون ومنظمات المجتمع المدني ومسؤولون، وذلك بهدف استطلاع آرائهم وخبرتهم ودراسة خصوصيات هذه الظاهرة. وفي هذا الصدد، أعلن أوسوريو تشونغ عن تنظيم خمس ندوات جهوية ستكون مفتوحة في وجه المواطنين، وتعرف مشاركة خبراء وطنيين ودوليين، وستناقش قضايا تتعلق بالصحة العامة والوقاية، والأخلاق وحقوق الإنسان، والأبعاد الاقتصادية والتنظيمية، والسلامة العامة. وستكون القرارات الصادرة عن كافة هاته المنتديات متاحة للجمهور، وستعرض بالتوازي على الكونغرس، من أجل المساهمة في النقاش التشريعي. ويرى خبراء ومراقبون متخصصون أن إضفاء الشرعية على زراعة وإنتاج وتوزيع الماريخوانا يتطلب على الأقل إجراء تعديل لخمسة قوانين فيدرالية ولوائح تنظيمية ومعايير في مختلف المجالات، وهو الأمر الذي يستدعي تدخلا للسلطة التشريعية. ففي حالة تقنين استعمال هذه المادة المخدرة لأغراض طبية أو ترفيهية، فإن التغييرات ستطال أساسا قانون الصحة العامة واللوائح الخاصة بها، والمدونة المدنية والقانون الجنائي، خاصة مجال إطلاق سراح السجناء الذين اعتقلوا من أجل استهلاك الماريخوانا، وقانون الشغل . أما المحور الثالث من الحوار، فسيتم على شكل مشاورات دولية بهدف استقصاء تجارب البلدان الأخرى في هذا المجال، وتحليل آثارها في ضوء الواقع الخاص بالمكسيك. وتشير استطلاعات الرأي التي أجريت الشهر الماضي إلى أنه لا تزال هناك مقاومة قوية من المجتمع بشأن هذا الموضوع، حيث أن 66 بالمئة من المكسيكيين يعارضون تقنين الماريخوانا، فيما أعرب 63 بالمئة منهم عن تأييدهم لفتح نقاش واسع بشأن الموضوع. وكانت محكمة مكسيكية قد سمحت، في غشت الماضي، لوالدين مكسيكيين بجلب دواء أساس تكوينه من الماريخوانا من الخارج لمعالجة ابنتهم ذات الثمانية أعوام من الصرع. وتأتي هذه الخطوة تماشيا مع المقاربة التي تبناها عدد من الساسة في المنطقة، الذين طالبوا بتغيير المسار في سياسة المخدرات، خاصة وأن السياسة الصارمة ضد المخدرات، التي تطالب بها الولاياتالمتحدة بلدان أمريكا اللاتينية، غير فعالة إلى حد كبير. يذكر أن المكسيك كانت شرعت سنة 2009 في حيازة المخدرات للتعاطي الشخصي دون ترويجها، حيث سمحت السلطات بحمل ما يصل إلى خمسة غرامات من الماريخوانا، و500 ميليغرام من الكوكايين، وكميات صغيرة من الهيروين ومواد الأمفيتامين المخدرة. *و.م.ع