شرعت المكسيك مع بداية الأسبوع الجاري في إجراء نقاش عمومي تاريخي بشأن تقنين استعمال الماريخوانا ودراسة كافة السبل المتعلقة بالجوانب الأخلاقية والاقتصادية والتنظيمية وصحة وسلامة المواطنين المتعلقة بهذا القرار. وهكذا، انطلقت الثلاثاء الماضي، بالمنتجع الكاريبي كانكون، أولى النقاشات العمومية التي ترعاها الحكومة الفدرالية والتي ستركز على الجوانب المتعلقة بالصحة العامة والوقاية من الإدمان. ويأتي هذا النقاش في إطار التجاوب مع الحراك المجتمعي، المنقسم بين مؤيد ومعارض، والذي أثاره الحكم الصادر عن محكمة العدل العليا للأمة بالمكسيك في شهر أكتوبر الماضي والقاضي بالسماح لأربعة مواطنين باستهلاك الماريخوانا وزراعتها لأغراض شخصية. حتى وإن كان هذا الحكم، الذي حظي بموافقة أربعة قضاة ومعارضة قاض واحد، يشمل في هذه المرحلة فقط الأشخاص الأربعة المنتمين إلى جماعة غير ربحية كانت وجهت إنذارا قضائيا ضد قرار لجهاز الصحة في سنة 2013، فإنه بالمقابل فتح باب النقاش داخل المجتمع حول إمكانية إجراء إصلاحات قانونية تفضي إلى تقنين المادة المخدرة لأغراض شخصية. وقال وزير الداخلية المكسيكي ميغيل أنخيل أوسوريو تشونغ، خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى الوطني الأول للنقاش بشأن تقنين استعمال الماريخوانا، إن قرارات السياسات العامة ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار رفاهية المجتمع، من خلال توفير مناخ يسهل الحوار ويحدد المسار الأفضل الذي يتعين اتباعه. وشدد المسؤول المكسيكي على أنه يبدو أن هناك رأيا للأغلبية، حتى على الصعيد الدولي، بشأن الفوائد العلاجية لاستخدام الماريخوانا في الأغراض الطبية، مشيرا في هذا السياق إلى أن الحكومة ستكون متفقة مع إجراء تحليل للوضع، مع الانفتاح التام، حول البدائل التي تساعد على تحسين جودة حياة السكان. وأضاف أنه يتعين على البلاد أن تقرر في الشهور المقبلة ما إذا كان يجب اتباع النموذج الحالي أو حان الوقت للشروع في التغيير، مشيرا إلى أنه سيتم السماع لكافة وجهات النظر والأخذ بعين الاعتبار جميع الآفاق الضرورية. هذا الحوار الوطني، الذي سيمتد على خمس جولات جهوية مفتوحة امام المواطنين، سيعرف مشاركة خبراء وطنيين ودوليين، وسيناقش قضايا تتعلق بالصحة العامة والوقاية، والأخلاق وحقوق الإنسان، والأبعاد الاقتصادية والتنظيمية، والسلامة العامة. ولكي يكون هذا النقاش الوطني التاريخي فعالا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار بعض الجوانب المتعلقة مثلا بالتكاليف والمزايا والجدوى من التقنين، وأثره على الصحة العامة، والوقاية، وحقوق الإنسان، فضلا عن الأبعاد الاقتصادية وسلامة المواطنين. بالإضافة إلى المنتديات الجهوية الخمسة سيتم فتح نقاش "موسع وشفاف" سيشارك فيه متخصصون وأكاديميون ومنظمات المجتمع المدني ومسؤولون، وذلك بهدف استطلاع آرائهم وخبرتهم ودراسة خصوصيات هذه الظاهرة. وستكون القرارات الصادرة عن كافة هاته المنتديات متاحة للجمهور، وستعرض بالتوازي على الكونغرس، من أجل المساهمة في النقاش التشريعي. ويرى خبراء ومراقبون متخصصون أن إضفاء الشرعية على زراعة وإنتاج وتوزيع الماريخوانا يتطلب على الأقل إجراء تعديل لخمسة قوانين فيدرالية ولوائح تنظيمية ومعايير في مختلف المجالات، وهو الأمر الذي يستدعي تدخلا للسلطة التشريعية. ففي حالة تقنين استعمال هذه المادة المخدرة لأغراض طبية أو ترفيهية، فإن التغييرات ستطال أساسا قانون الصحة العامة واللوائح الخاصة بها، والمدونة المدنية والقانون الجنائي، خاصة مجال إطلاق سراح السجناء الذين اعتقلوا من أجل استهلاك الماريخوانا، وقانون الشغل . وكانت محكمة مكسيكية قد سمحت، في غشت الماضي، لوالدين مكسيكيين بجلب دواء أساس تكوينه من الماريخوانا من الخارج لمعالجة ابنتهم ذات الثمانية أعوام من الصرع. وتأتي هذه الخطوة تماشيا مع المقاربة التي تبناها عدد من الساسة في المنطقة، الذين طالبوا بتغيير المسار في سياسة المخدرات، خاصة وأن السياسة الصارمة ضد المخدرات، التي تطالب بها الولاياتالمتحدة بلدان أمريكا اللاتينية، غير فعالة إلى حد كبير. وكشف المفوض الوطني لمكافحة الإدمان بالمكسيك، مانويل موندراغون، الاثنين الماضي، خلال تقديم الاستطلاع الوطني لتعاطي المخدرات لدى الطلبة 2014، أن ما مجموعه مليون و798 ألف قاصر قد تعاطوا بعضا من أنواع المخدرات، من بينهم أزيد من مليون و100 ألف دخنوا الماريخوانا.