في استطلاع هُوَ الأضخمُ من نوعه، أجرى حوْل تفشيّ الرشوة في القارة الإفريقية، وشملَ عشرات الآلاف من الأشخاص، قالَ 58 في المائة من الأفارقة إنَّ الرشوة تفاقمتْ في بلدانهم خلال السنة الماضية، محمّلين المسؤولية للحكومات التي لمْ تَفِ بالتزاماتها للحدِّ من الفساد. الاستطلاعُ الذي أنجزتْه "ترانسبرانسي" الدولية، بشراكة مع منظمة "الشفافية الدولية" (Afrobarometer)، ونُشرتْ نتائجهُ صباحَ اليوم، شمل عيّنة من 43143 شخصا، ينتمون إلى 28 بلدا في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وتمَّ إجراؤه خلال الفترة ما بين مارس 2014 ونونبر 2015. وأظهرتْ نتائجُ الاستطلاع أنَّ الأغلبية الساحقة من المستجوبينَ، 18 من 28، يعتبرون أنَّ حكومات بلدانهم لا تبذلُ ما يكفي من الجهود ولا تمارسُ عمَلها بشكل صحيح لمكافحة الفساد، واعتبرتْ "ترانسبارانسي" هذه النتائج، وإن اختلفتْ من بلدٍ إلى آخر، "مخيّبة للآمال". وإذا كانتِ القطاعاتُ الحكوميّة هي التي تتصدّر عادةً الجهاتِ المُشتكى بها، في مجالِ تفشي الرشوة، فإنَّ مواطني القارة الإفريقية سجّلوا، لأوّل مرّة، أنَّ مجالَ المال والأعمال يشهدُ تفشيّا كبيرا للرشوة، حيثُ قالَ المشاركون في الاستطلاع إنَّ هذا المجال "فاسد للغاية". ويأتي قطاع المال والأعمال في الرتبة الثانية كأكثر المجالات التي تتفشى فيها الرشوة بشدّة في القارة الإفريقية، مباشرة بعد الشرطة، التي تصدّرت القطاعات الأكثر فسادا، واعتبرت "ترانسبرانسي" أنَّ التقييم السلبي لرجال الأعمال من طرف المستجوَبين يعتبر "جديدا تماما"، مقارنة مع الاستطلاعات السابقة. المُعطيات الواردة في الاستطلاع بيّنتْ أنَّ فُقراءَ القارة الإفريقية هُمُ الذين يتحملون، بالدرجة الأولى، وطأة الفساد المستشري في بلدانهم، حينَ محاولتهم الوصولَ إلى الخدمات العمومية الأساسية، إذ إنَّ 22 في المائة منهم اضطروا إلى دفع رشوة، خلال الاثني عشر شهرا الماضية، لقاءَ الاستفادة من هذه الخدمات. ومن بيْن الخدمات العمومية الستّ التي تركّزتْ حوْلها الأسئلة المتضمنة في استمارات "ترانسبرانسي"، جاءت المحاكم والشرطة على رأس القطاعات التي دفعَ لها المواطنون رشاوى لقاءَ نيْل خدماتها، ب28% و27% على التوالي، ويُعتبرُ القاطنون في المناطق الحضرية أكثر عرضة لدفع الرشوة، مقارنة مع القاطنين في الأرياف. وفي الوقت الذي بيّنتْ نتائج المسْح الذي أجرته "ترانسبرانسي" استفحالَ الرشوة في القارة الإفريقية خلالَ السنة الماضية، دعاَ رئيسُ المنظمة، José Ugaz، حكومات بلدان القارة الإفريقية إلى وضع حدّ للإفلاتِ من العقاب، وتنفيذ الهدف 16 من أهداف الألفية للأمم المتحدة، المتعلق بضمان سيادة القانون العدل. خوسيه قالَ إنّ الفساد يولِّد الفقر والإقصاء، مضيفا أنه في الوقت الذي يتمتع الفاسدون بالسلطة السياسية ويعيشون حياة رغدة، يعاني ملايين مواطني القارة الإفريقية من الحرمان من تلبية حاجياتهم الأساسية مثل الغذاء والتعليم والسكن، والحصول على مياه الشرب، حاثا مواطني القارة السمراء على التعبئة ضد الفساد. وللحدّ من الفساد الذي ينخر القارة الإفريقية، تقدمت "ترانسبرانسي" بعدد من التوصيات، صدّرتها بمطالبة الحكومات الإفريقية بتعزيز وإنفاذ التشريعات المتعلقة بمعاقبة رجال الأعمال الفاسدين، ومكافحة غسل الأموال، للحدّ من حجم التدفقات المالية غير المشروعة من القارة الإفريقية. كما طالبت المنظمة حكومات القارة السمراء بإقرار الحقّ في الوصول إلى المعلومة للمواطنين، واعتماد تشريعات لحماية المبلِّغين عن المخالفات، بما يُفضي إلى أنْ يلعبَ المجتمع المدني دورا مهما في جعل المؤسسات العمومية أكثر شفافية، وخالية من الفساد، وبالتالي إخضاع المسؤولين للمحاسبة.