مساهمة في فهم مواقف حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح لقد أثار قرار عدم المشاركة في مسيرة 20 فبراير من طرف كل من حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية جدلا كبيرا، باعتبارهم يمثلون مشروعا مندمجا يمثل جزاء مهما من الحركة الإسلامية وهيئاتها الداعمة لها، والتي من المفروض أن تكون صوت المظلومين والمضطهدين في المجتمع، وان تكون في أول الصفوف للدفاع عن حقوق الشعب، الذي تستمد منه مشروعيتها. وقد وصلت تداعيات عدم المشاركة إلى حد تقديم ثلاثة من أعضاء الأمانة العامة من الحزب لاستقالاتهم، و"تمرد" أعضاء وقيادات من الحزب والحركة والجمعيات والفعاليات التي تدور في فلكهم عن قرار الحركة والحزب من عدم المشاركة في المسيرة. وقد ساهمت التغطية الإعلامية الواسعة/المتضخمة التي دارت على مستوى الصحف والجرائد الورقية والإلكترونية، بالإضافة إلى المواقع الاجتماعية، خصوصا الفايسبوك، في تشويه/تحريف النقاش، وإعطاءه أبعادا أكبر مما يحتملها، خصوصا مع تزامن ذلك مع بعض الوقائع الجزئية مثل إطلاق سراح المعتصم في هذه الفترة، مما ساهم على تشويش موقف الحزب والحركة ومحاولة فهمه في سياقه الذي أنتجه، الأمر الذي يجعل من محاولة الفهم الهادئ لما وقع مهما وضروريا في ظل التفاعلات الإقليمية والمحلية. المؤيدون، المعارضون والتوفيقيون انقسمت المواقف من قرار عدم المشاركة بشكل حدي نتجت عنه ردود فعل من الطرفين، بالإضافة إلى طرف ثالث حاول العمل على التهدئة وحل التباينات في وجهة النظر من داخل المؤسسات، وقد تنج عن عدم التوصل إلى صيغة توافقية حول قرار المشاركة إفراز ثلاثة توجهات أساسية كالتالي: التوجه الأول: المقاطع للمشاركة، وهو التوجه الغالب في كل من الحركة والحزب والنقابة على المستوى الرسمي، وقد بنى تبريره لعدم المشاركة في مسيرة 20 فبراير على كونه لم يتم دعوته واستشارته للمشاركة في المسيرة أولا، ثم بالنظر إلى الخلفيات الأيديولوجية للمنظمين لهذه المسيرات، وما إذا كان سقف المطالب واضحا، ومتوافقا حوله، أم أن المطالب الاجتماعية التي يدعو إليها هؤلاء الشباب لا تعدو أن تكون مجرد تكتيك لاستراتيجية أوسع يكون وراءها جهات ذات أجندة معينة. التوجه الثاني: المشاركون/المتمردون، يمثله بشكل بارز قيادات الحزب الذين صاغوا بيانا يوم الجمعة 17 فبراير، وضم 4 أعضاء من الأمانة العامة وكتاب جهويين وأعضاء المجلس الوطني، بالإضافة إلى مشاركة قيادات من شبيبة الحزب وقيادات من منظمة التجديد الطلابي، والعديد من الأعضاء العاديين في الحزب والحركة والنقابة، وقد كان التبرير الأساسي لهذا التوجه هو أن هذه المحطة هي بمثابة فرصة تاريخية للتعبير عن مطالب الشعب الحقيقة التي طالما تمت المناداة بها، وعبرت عنها وثيقة "النضال الديمقراطي" التي تبناها الحزب في المؤتمر السادس، بالإضافة إلى كون الحركة الإسلامية هي الأولى بأن تتبنى هذه المطالب وأن تكون قريبة من الشعب وان تتبنى مسلكيات جديدة في التعاطي مع مطالب الإصلاح. التوجه الثالث: التوفيقيون، هي أقلية من الناحية العددية، ولكنها مؤثرة من حيث المواقف، وقد عبر هذا التوجه عن قبوله بالمطالب المشروعة لشباب 20 فبراير، وبضرورة العمل على الدفع بالنقاشات حول الديمقراطية في حدودها القصوى، من خلال اعتماد إصلاحات دستورية وسياسية عاجلة، وفي نفس الوقت العمل على تحقيق الأمن والاستقرار والوحدة، الأمر الذي يضمن التمايز عن الخطابات التي يتبناها اليسار الجذري الذي كان داعما بشكل أساسي لشباب الفايسبوك المنظمين لمسيرة 20 فبراير. وقد كان هذا التوجه الثالث متفقا مع قرار عدم المشاركة من الناحية الرسمية، ولكنهم سجلوا ملاحظات على طريقة تدبير بعض الأمور في هذه المحطة، ودعوا إلى الحكمة والتفكير العميق في هذا الموضوع، وحل الخلافات في إطار الشرعية، وعدم التسرع في التموقف من هذا التيار أو ذاك، وهو ما ميز التوجه التوفيقي عن الأول، أي التوجه المقاطع للمسيرة. الحركة والحزب:تأييد مطالب 20 فبراير، وقرار عدم المشاركة أولا، لا بد من تسجيل الوضوح المنهجي والعملي الذي ميز الموقف الرسمي للحركة والحزب من خيار عدم المشاركة، والذي كان مؤسسا على رؤية وتصور يعتمد على أولوية مراعاة مصلحة البلاد وتجنيبها "فتنة" هي في عنى عنها الآن، ونبذ الخيارات "الثورية" و"الانقلابية"، ووضوحها من خيار المشاركة السلمية والعلنية في إطار المؤسسات، ومطالبها بالإصلاح من الداخل، ودعمها لكل مبادرات الإصلاح من جميع الهيئات، وهو ما كان واضحا في خطاب كل من الحركة والحزب، ولكن في نفس الوقت ينبغي التمييز بين الموقف من مسيرة 20 فبراير وبين الموقف من مطالب 20 فبراير، الأمر الذي كان غائبا عن كثير من التحليلات التي ركزت فقط على الموقف من المسيرة، وإن كان يبدو من المرة الأولى أن هناك تناقضا بينهما. فعموم التصريحات والمواقف التي عبرت عنها كل من الحركة والحزب لم تكن رافضة لمطالب شباب 20 فبراير، بل بالعكس كانت مؤيدة لها وداعمة لها، أو على الأقل جزء كبير من هذه المطالب، باعتبارها حقا من حقوق المواطنة وحاجة ملحة في مغرب اليوم، ولكن الموقف من قرار عدم المشاركة كان مسكونا بهاجس أن يتم استغلال المسيرة من طرف اليسار سواء التقليدي أو الجذري الذي كان داعما وواقفا وراء عدد من هؤلاء الشباب، من خلال تبني واستيعاب مطالب شباب 20 فبراير وتوفير الدعم المادي واللوجيستيكي لهم (توفير المقرات، لقاءات وتنسيق مشترك مع شباب 20 فبراير...). وأن يتم استغلال المسيرة من أجل تصريف مواقفها، واستعمال الحزب والحركة كأداة أو بالأحرى رصاصة يطلقها الآخر في صراعه مع السلطة.
فقد عبر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عن كون الحزب غير معني بمسيرة 20 فبراير يوم في حوار منشور مع احد المواقع الإلكترونية، لأنه لم توجه أية دعوة إلى الحزب للمشاركة في هذه المسيرة-حسب قوله-، "وحتى لو تم ذلك ما كان لنا أن نشارك. إننا حزب سياسي مسئول، وعليه لا يمكننا المشاركة مع كل من دعا إلى الاحتجاج." (موقع إيلاف- الجمعة 11 فبراير 2011)، وقد أضاف السيد عبد الإله بنكيران أن الحزب يمكن أن يتقاسم مع هؤلاء الشباب بعض المطالب، لكنه يعتبر أن هناك اختلافا أساسي معهم، يتجلي في كون الداعين إلى المسيرة ليسوا حزبا سياسيا. يزكى موقف الأمين العام للحزب في لقاء الأمانة العامة التي عقدت بعد 4 أيام بعد الحوار (الثلاثاء 15 فبراير)، والتفاعل الإعلامي الكبير الذي عقب تصريح الأمين العام للحزب بعدم المشاركة، بيان صادر عن الأمانة العامة للحزب، يوم الثلاثاء 15 فبراير، بحيث زكت فيها موقف الأمين العام الرافض للمشاركة في مسيرة 20 فبراير، ولكنها أكدت بأن الأمانة العامة " تؤكد أن الحق في التظاهر من أجل التعبير عن المطالب المشروعة والواضحة، أمر من مقتضيات الممارسة الديمقراطية". أما بالنسبة لحركة التوحيد والإصلاح فقد أعلنت بدورها أنها لن تشارك في مسيرة 20 فبراير، وهو ما جاء على لسان رئيس الحركة المهندس محمد الحمداوي في خبر منشور على الموقع الرسمي للحركة، إلا أن ذلك لا يعني عدم اهتمام الحركة بالمسيرة ومطالبها التي اعتبرتها الحركة مشروعة، فقد أصدرت بيانا يوم الاثنين 21 فبراير، حول مسيرات 20 فبراير، ثمنت فيه البيان الطابع السلمي والحضاري الذي ميز أغلب المسيرات، كما عبرت عن دعم الحركة القوي لمطالب الإصلاح واستمرار انخراطها في مناهضة الفساد، واعتبرت بأن أعمال العنف والتخريب المعزول يستوجب مزيدا من اليقظة ، ودعت عموم هيئات المجتمع المؤطرة للشباب ومؤسسات الدولة إلى أن تتحمل مسؤولياتها إزاء أحداث العنف من أجل استباقها والحيلولة دون تشويشها على مطالب الإصلاح، كما دعت الدولة ومؤسساتها على التجاوب الحقيقي والمسئول مع هذه التظاهرات السلمية والحضارية والشعارات المرفوعة خلالها، وذلك من خلال الإسراع بإصلاحات سياسية ودستورية واقتصادية واجتماعية حقيقية وجريئة ونوعية. إذن، يبرز بشكل جلي أن موقف الحزب والحركة من 20 فبراير لم يكن مقصودا به مطالب الحركة، بقدر ما كان مرتبطا بتقدير سياسي معين سبقت الإشارة إليه، صحيح أنه قد شابته بعض الارتباكات، مثل الموقف من منع شبيبة الحزب أو المنظمة من المشاركة و"تهديد" الأعضاء المشاركين بأن يتحملوا مسؤولياتهم... إلا أن هذه الدينامية الداخلية قد أبرزت قدرة دالة على التفاعل مع المستجدات المحلية والإقليمية يمكن اعتبارها شيء إيجابيا يبرز على تنوع الأفكار،إذا تم تدبير الصراع داخل الحزب والحركة في إطار المشروعية، ومدخلا لإطلاق دينامية جديدة في التفكير والفعل، مما قد يفرز قيادات شبابية جديدة قادرة على إعطاء دفعة جديدة للمشروع الإصلاحي، والعمل على خلق فضاءات للنقاشات على المستوى الداخلي بسقف عالي يستحضر ثنائية: التوازن بين المطالبة بالديمقراطية وتحقيق الاستقرار والأمن، حتى يتم تفادي تصريف النقاش إلى فضاءات "خارجية" أو الهروب" إلى العالم الافتراضي، وهو ما يمكن أن تكون له تداعيات غير متحكم فيها.