يحتل الفرس مكانة رفيعة في الثقافة العربية والعالمية، بالنظر لدوره الكبير في حياة البشرية أثناء فترات السلم والحرب، ولهذا السبب، تحديدا، رسمت له صور متعددة في الكتب المقدسة والإبداع والتاريخ جعلت منه، فعلا، رفيقا ل اغنى عنه في الشدائد وصديقا محبوبا في الحياة. وإذا كان القائمون على معرض الفرس بالجديدة، المختتم بنهاية الأسبوع الماضي، قد التفتوا لأهمية هذا الحيوان النبيل، الذي وصفه الشاعر الجاهلي امرؤ القيس ب"المنجرد"، فإن وضعه الاعتباري داخل الدول والمجتمعات ما فتئ يتعزز على الرغم من وجود وسائل حديثة جدا تستعمل في نقل الأشخاص والبضائع وخوض الحروب. سواء تعلق الأمر بالحياة في مختلف تمظهراتها، أو على مستوى الكتابة والإبداع، فإن الحصان له حضور قوي، جعل منه مكونا أساسيا في مختلف الحضارات البشرية، وفي مجال التأليف والإبداع على مر العصور. وبالنظر لهذه المكانة، فقد ورد ذكر الخيل في القرآن الكريم، كما هو حاصل في مجموعة من السور الكريمة منها "آل عمران" و"الأنفال" و"النحل" و"الحشر" و"الإسراء". وفي مجال الإبداع عموما، حرص الأدباء والشعراء على رسم صور غاية في الدقة والروعة للخيل، عنوانها العريض والبارز هو العزة والتحمل والوفاء والأناقة. من ذلك قول الشاعر امرؤ القيس في معلقته "وقد أغتدى والطير في وكناتها ** بمنجرد قيد الأوابد هيكل"؛ "مكر مفر مقبل مدبر معا ** كجملود صخر حطه السيل من عل".،وكذا قول أبي الطيب المتنبي: "الخيل والليل والبيداء تعرفني ** والسيف والرمح والقرطاس والقلم". وفي مجال الكتابة الروائية، احتفى مجموعة من الكتاب والفنانين بالخيل بطريقتهم الخاصة، حيث حرصوا على جعلها مكونا أساسيا ضمن عناوين بعض أعمالهم، التي تشكل عتبات لولوج عوالم الإبداع، وذلك على الرغم من طابعها الرمزي والإيحائي الذي يدل على معاني عميقة تستوحي الخيل للتعبير عن أشياء أخرى. من ذلك "عين الفرس" للميلودي شغموم، و"المجدوب والفرس الأزرق" لحسن محمد الحسني من المغرب، و"زمن الخيول البيضاء" لإبراهيم نصر الله من فلسطين، و"شهقة الفرس" للجزائرية سارة حيدر. وكذلك الشأن بالنسبة للفن السابع، حيث عنون المخرج المغربي الجيلالي فرحاتي أحد أفلامه ب،"خيول الحظ"، والشيء نفسه بالنسبة لنبيل عيوش "يا خيل الله"، كما أن المخرج المصري عاطف سالم عنون أحد أعماله ب"فارس ظهر الخيل"، في الوقت الذي أطلق مواطنه عادل قطب اسم "الخيول تنام واقفة" على أحد أعماله الدرامية. وإذا كانت مناسبة تنظيم الدورة الثامنة لمعرض الفرس بالجديدة، تعد شرطا أساسيا للتذكير بدور الخيل في الثقافة العربية وحياة الشعوب والأمم والمبدعين، فإن وظيفة الجياد، التي خرجت تدريجيا من عالم الضرورة الحياتية إلى عوالم المتعة والرياضة، لم تزد الموعد المنتهية دورته الثامنة إلا ترسخا ومكانة في الزمن والثقافة. * و.م.ع