"نعطيو الكلمة للطفل" شعار احتفالية بوزان باليوم العالمي للطفل    بين الأخلاق والمهنة: الجدل حول رفض الدفاع عن "ولد الشينوية" ومحامي يدخل على الخط    ارتفاع إنتاج الطاقة الكهربائية الوطني بنسبة 2,4 في المائة عند متم شتنبر الماضي    الجنائية الدولية :نعم ثم نعم … ولكن! 1 القرار تتويج تاريخي ل15 سنة من الترافع القانوني الفلسطيني    إنجلترا: وفاة أكبر معمر في العالم عن 112 سنة    النظام العسكري الجزائري أصبح يشكل خطرا على منطقة شمال إفريقيا    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»    الاعتداء على مدير مستشفى سانية الرمل بالسلاح الأبيض    بينهم آيت منا وأحمد أحمد.. المحكمة تؤجل البت في طلبات استدعاء شخصيات بارزة في قضية "إسكوبار الصحراء"        الجواهري: مخاطر تهدد الاستقرار المالي لإفريقيا.. وكبح التضخم إنجاز تاريخي    معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    ما هي أبرز مضامين اتفاق وقف إطلاق النار المحتمل بين لبنان وإسرائيل؟    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    المغرب التطواني يندد ب"الإساءة" إلى اتحاد طنجة بعد مباراة الديربي    النقابة الوطنية للإعلام والصحافة … يستنكر بشدة مخطط الإجهاز والترامي على قطاع الصحافة الرياضية    "بين الحكمة" تضع الضوء على ظاهرة العنف الرقمي ضد النساء    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    العائلة الملكية المغربية في إطلالة جديدة من باريس: لحظات تجمع بين الأناقة والدفء العائلي    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    أساتذة اللغة الأمازيغية يضربون    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    توقيف ستة أشخاص في قضية تتعلق بالضرب والجرح باستعمال السلاح الأبيض ببن جرير    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"            برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة    القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    حوار مع جني : لقاء !    مرشد إيران يطالب ب"إعدام" نتنياهو    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    عبد اللطيف حموشي يبحث مع المديرة العامة لأمن الدولة البلجيكية التعاون الأمني المشترك    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    اندلاع حريق ضخم في موقع تجارب إطلاق صواريخ فضائية باليابان    ملتقى النقل السياحي بمراكش نحو رؤية جديدة لتعزيز التنمية المستدامة والابتكار    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    صقر الصحراء.. طائرة مغربية بدون طيار تعيد رسم ملامح الصناعة الدفاعية الوطنية    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش معارض الفرَس في المغرب
نشر في هسبريس يوم 28 - 10 - 2019

أضواء على الحِصَان في أمريكا اللاّتينية وأصوله العربيّة البربريّة
أعَزُّ مَكانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سَابحٍ / وَخَيرُ جَليسٍ في الزّمانِ كِتابُ. . قالها أبو الطيّب المتنبّي وأفاد، وأبلغ، وأقنع. فكلنا يعرف الدّور الكبير الذي يلعبه الحصان في حياتنا منذ أقدم العصور، وحبّ المغاربة والعرب وشغفهم بالخيول يتجلّى في العديد من المظاهر في تاريخهم وفي حفلات الفنتازيا والمواسم والاستعراضات والمسابقات، والتباريات وعروض القفز على الحواجز التي تقدمها الخيول المُسوّمة في مختلف الاحتفاليات الوطنية والدولية الكبرى التي تقام في المغرب على وجه الخصوص على امتداد الحوْل، كان آخرها معرض الفرس الذي أقيم بمدينة "الجديدة" المغربية بين 15 و20 أكتوبر 2019 والذي عرف نجاحاً منقطع النظير.
الحصان البيروفي من أصول عربيّة- بربريّة
يُعتبر كتاب "حصان الخَطْو البيروفيّ " للباحث البيروفيّ الجامعيّ خوسّيه أنطونيو دابيلو بركاش من الكتب القليلة التي قرأتها عن الخيول حتى اليوم بشكل عام. وكان الباحث دابيلو قد طلب منّي، خلال عملي في سفارة المغرب بالبيرو، كتابة تقديم لكتابه على أساس أنه كتاب يبحث في الأساس عن الأصول والجذور القديمة للحصان الحالي الذي يوجد في بلاده، حيث يؤكّد هذا الباحث بالمراجع والمصادر والمظانّ الدقيقة أنّ "أصل هذا الحصان ينحدر من "الخيول العربية-البربرية- المغربية الأندلسية " التي استقدمها الإسبان الى البيرو خلال غزوهم للقارّة الأمريكية ".
بعد قراءتي لهذا السّفر الكبير، شعرتُ بمتعة لا حدّ لها؛ بل إنها كانت متعة مضاعفة، إذ يدور موضوع الكتاب حول تاريخ الحصان في أمريكا اللاّتينية وبشكل خاص في البيرو.
لقد قدّم لي هذا الكتاب في المقام الأوّل تاريخاً موفياً ومفصّلا عن تاريخ وصول الخيول الى هذا الشقّ النائي من العالم، حيث أصبحت هذه الخيول فيما بعد من المفاخر التي تفتخر بها البيرو اليوم بعد ترويضها لها وتلقينها العديد من فنون الخطوٍ المُحكم في خيلاء على أنغام موسيقى معيّنة، فضلاً عن العروض التي تدرّبت عليها وألفتها وتقدّمها هذه الخيول بمهارة فائقة.
كما شعرت في المقام الثاني بأنّ هذا الموضوع التاريخي الطريف عن الحصان غير غريب ولا بعيد عنّي، إذ معروف بما لا يترك مجالاً للرّيبة والشكّ أن الخيول التي يتحدّث عنها الكتاب تنحدر من أصول مغاربية - عربية - بربرية بالفعل، كما يؤكّد معظمُ الدارسين من الإسبان وغير الإسبان؛ وفي طليعتهم صاحب الكتاب الذي نحن بصدده، حيث يشير في مقدمة كتابه بالحرف: "إنّ الحصان البيروفي ينحدر بلا شكّ من الحصان البربري – العربي – الأندلسي الذي استقدمه الإسبان معهم منذ خمسة قرون إلى أمريكا".
معارض الفرَس في المغرب
معروف أنّ البلدان العربية، بما فيه المغرب، تُولي عنايةً كبرىَ للخيول وتربيتها وترويضها وتدريبها، خاصّة الخيول ذات الأصل العربي، وتُنظم على امتداد السنة العديد من المهرجانات والاستعراضات في مختلف المدن المغربية (أقيمت مؤخراً تظاهرات مهمّة من هذا القبيل في كلٍّ من مدن تطوان والرباط والجديدة بمشاركة العديد من الفوارس والفرسان من مختلف بلدان العالم، الذين قدّموا عروضاً أبهرت الناظرين بمهارات فائقة في فنون الفروسية وركوب الخيل، فضلاً عن مشاركة بعض الكتّاب والمؤرّخين والفنانين التّشكيلييّن في هذه المعارض بهدف تأصيل ونشر ثقافة الفرس وابراز رونقه وبهائه).
كان الفرس، في كلّ الأزمنة، مرتبطاً بالفنّ والثقافة والشعر والإبداع. ولذلك، فإنّ هذا الفضاء يُمكّن الزوّار من الإبحار في رحلة مُمتعة لاكتشافِ عوالم تجتمع فيها مختلف الإبداعات وعلاقتها بعالم الفروسية. وعليه، فإنّ حضور الفرس بشكل بارز في مختلف الأوساط المغربية في مناسبات الأعياد والاحتفالات أمر معروف لدى القاصي والداني، نظراً لما للفرس والفروسية من حمولة رمزية وروحية وتاريخية منذ عهود بعيدة.
برع المغاربة في تطوير فنون الفروسية وإيلائها عناية كبرى مثل "التبوريدة" التي تتجلّى فيها أسمىَ مظاهر الأناقة والرّشاقة والشّجاعة والشهامة والجرأة والخفّة والمرونة، فضلاً عن عنايتهم الفائقة بكلّ ما له صلة بالفروسية من تربية الفرس وتدريبه على التباري والركض وركوبه وترويضه وصيانته.
مصطلحات الفرَس من أصل عربي
ليس من الغرابة في شيء أن يجد القارئ في كتاب أنطونيو دابيلو غيرَ قليلٍ من الكلمات والأسماء والمصطلحات التي لها صلة مباشرة بالخيول التي تنحدر من أصول أو جذور عربية. ونسوق فيما يلي، على سبيل المثال وليس الحصر، بعض الكلمات العربية التي يتضمّنها هذا الكتاب والتي استقرّت في اللغة الإسبانية على امتداد العصور والتي ما فتئت تُستعمَل إلى اليوم في إسبانيا وفي بلدان أمريكا اللاّتينية الناطقة بلغة سيرفانطيس وهي بالتوالي: الحِصان، الزّين، الشكيمة، السّوط، العقرب، الخِرقة، القميص، مسكين، بطيح، الآفة، الشّال، الفارس، الزغّاية، وسواها.
إن هذه الكلمات نجدها على في الكتاب حسب نطقها الحالي في اللغة الإسبانية والتي تعني نفس معانيها في لغتها الأصلية العربية. بالإضافة إلى الكلمات المذكورة أعلاه، نجد مصطلحات أخرى تنحدر من اللغة العربية التي لها صلة بالفرَس والفروسية يضيق المجال لذكرها في هذا المقال، ممّا يقدّم الدليل عن الأصول العربية والبربرية للحصان البيروفي.
لقد استمتعت بقراءة هذا الكتاب، الذي صدر في ثوب قشيب وهندام رفيع مزداناُ بروائع الصور ذات الألوان الزاهية عن الخيول العربية والبربرية والإسبانية وفي مختلف بلدان أمريكا اللاّتينية. والحقّ أن المؤلف خوسّيه أنطونيو دابيلو بركاش قد بذل جهداً كبيراً في إخراج هذا السِّفر الرائع، حيث أمتعنا وأغنانا بالعديد من المعلومات حول الحصان الأصيل الذي يؤكّد معظم الباحثين الثقات أنه ينحدر من أصول عربية وبربرية عريقة.
الحصان في الشّعر العربي
معروف أنّ الحصان قد احتلّ، منذ القدم، منزلة الصّدارة ونال الاهتمام الأكبر في حياة مختلف الشعوب العربية.
ولهذا، نجد الأدب العربي يزخر بتراث زاخر من الأشعار العربية التي قيلت في الخيول، حيث تغنّى الشعراء منذ العهود القديمة بالحصان الذين كانوا يعتبرونه حيواناً نبيلاً ومحبوباً. وقد ورد ذكر الخيل في مواضع عديدة من القرآن الكريم. ويُنسب إلى الرسول الأكرم قوله: "الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".
وتُعتبر الخيول العربية والبربرية الأصيلة من أعرق الخيول في العالم وأجملها وأثمنها. وقد حاز العرب والأمازيغ شهرة واسعة في تربية الخيول ذات الدم الخالص، حيث كانوا يرعونها ويحافظون عليها كشيء ثمين.
ومعروف أنه في اللغة العربية هناك ما ينيف على مائة اسم أو نعت أو صفة للحصان، من التعابير الجميلة التي قيلت في الحصان قولهم: "يكاد أن يخرج من جلده من كثرة العدْو"، ويقال في السّياق نفسه عن الخيول : "كانت تتبارى مع الرياح لخفّتها ومرونتها وسرعتها وقوّتها".
ولقد استُعيرت صفات الخيل للتغنّي بصفات الشعراء، ففي مجال الاعتزاز بالنفس والأنفة والشموخ نجدهم يصفون أنفسهم بالخيول الأصيلة، كما أنهم مدحوا أنفسهم بها وألبسوها صفات الجواد، وكانت الخيول عندهم رمزاً للأصالة والبسالة والاعتزاز بالنفس.
ومعروف أن الشعر العربي يحفل بالعديد من الأشعار التي قيلت في الخيول إعجاباً ومدحاً، كان الشعراء يحبّون الخيولَ حبّاً جمّاً ويتغنّون بها، كانوا يتألمون لجراحها ويبكون عند موتها. وهكذا، احتلّ الحصان مكاناً مرموقاً في الشعر العربي على امتداد العصور منذ أقدم العهود، وليس هناك شاعر عربي لم يذكر الحصان في شعره ولم يتغنّ به وبخصاله ومحامده، يقول أحمد أبو الطيّب المتنبي: الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني.. والسّيفُ والرّمحُ والقرطاسُ والقلمُ. ويقول متغنياً بالحصان والكتاب: (أعَزُّ مَكانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سابحٍ.. . وَخَيرُ جَليسٍ في الزّمانِ كِتابُ). وهو القائل كذلك: أصارع خيلاً من فوارسها الدهرُ... وحيداً وما قولي كذا ومعي الصّبرُ. وهو القائل: أراقب فيه الشمس أيّان تغرب.. وعيني إلى أذني أغر كأنه.. من الليل باق بين عينيه كوكب.. له فضلة عن جسمه في إهابه.. تجيء على صدر رحيب وتذهب.. شققت به الظلماء أدنى عنانه.. فيطغى وأرخيه مرارا فيلعب.. وأصرع أي الوحش قفّيته به.. وأنزل عنه مثله حين أركب.. وما الخيل إلاّ كالصّديق قليلة.. وإن كثرت في عين من لا يجرب، وهو القائل كذلك: وقد اغتدى والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكل.. مِكرٍّ مفرٍّ مُقبلٍ مُدبرٍ معاً.. كجملود صخر حطّه السيلُ من عل. ومن شعره في الحصان أيضاً : له اذنان يعرف العتق منهما كسامع مذعورة وسط ربرب، وهو القائل: وأركب في الروع خيفانة كسا وجهها سعف منتشر. و: لها منخر كوِجارِ السّباعِ. . فمنه تريحُ إذا تنبَهِر.
وتعبير حسّان بن ثابت عن عَدْو الحصان ليس له نظير في مختلف لغات العالم إنه يقول: عدمنا خيلنا إن لم تروها.. تثيرُ النقعَ موعدُها كداءُ.. يبارين الأسنّةَ مُصغياتٍ.. على أكتافها الأسل الظماءُ. فالرّمح الذي يحمله الفارس في يده يقرّبه من عينيْ الفرس وهو يعدو فيظنّ أنه يتبارىَ معه ويريد تجاوزه، فيبذل كلّ ما في وسعه وطافته في العدو. وكان لعنترة بن شدّاد فرس جميل يُطلق عليه (الأبجر) و(الأدهم) وعنه يقول: كم مَهْمَهٍ قفرٍ بنفسي خضته... ومفاوز جاوزتُها بالأبْجر. وجُرِحَ فرسُه في إحدى المعارك الضارية جرحاً غائرا مؤلماً مميتاً فَحَزِنَ عليه حُزناً شديداً، وهو يصفُ ذلك في معلّقته التي مطلعها: هل غادر الشعراءُ من متردّم.. أم هل عرفت الدار بعد توهّم.. هلاّ سألتِ الخيلَ يا ابنة مالكٍ.. إن كنتِ جاهلةً بما لم تعلمي... يُخبرْكِ مَنْ شهد الوقيعة أنني.. أغشىَ الوغىَ وأعفّ عند المغنم.. لمّا رأيتُ القومَ أقبل جمعُهم/ يتذامرون كررتُ غير مُذمّمِ.. يدعون عنتر والرّماح كأنها. . أشطان بئرٍ في لبان الأدهمِ.. ما زلتُ أرميهم بثغرة نحره / ولبَانه حتّى تسربل بالدمِ... فازورّ من وقع القنا بلبانه وشكا إليّ بعَبْرةٍ وتحمْحُمِ.. لوكان يدرى ما المحاورة اشتكيَ/ ولكان لو علم الكلامَ مُكلِّميِ.
خيُول الرّيف؟
وفي سياق الحديث عن الخيول، كان الأديب علي الإدريسي كتب معلقاً على مقال لي عن شاطئ "الصّفيحة" الكائن بأجدير (يبعد 7 كليومترات عن مدينة الحسيمة) وعن الخيول التي لعبت أدواراً أساسية في حرب الرّيف التحرّرية، حيث كتب يقول: "تكلم الدكتور محمد الخطابي مشكوراً في مقاله القيّم عن سرّ تسمية شاطئ الصفيحة، وتكرّم الفنان مصطفى بوزيد بوضع لوحة زيتية تترجم مكانة الخيول في المقاومة، ومكانتها كذلك كجزء من حياة ساكنة الرّيف قبل الاحتلال الإسباني. ويعلم الجميع، أو يجب أن يعلم، أنّ تسمية قرية "أربعاء سيدي بوعفيف" (القريبة من أجدير) باسم بوكيدارن هو تخليد لانتصار الفرسان الريفييّن على فرسان جيش "بوحمارة"، حيث غرقت خيولهم على باب سيدي بوعفيف في قصّة ليست بعيدة عمّا حكاه الأديب الدبلوماسي د. الخطابي عن معركة موقع الصّفيحة. كما أنّ أحاديث كثيرة تتناول دور الخيول الريفية في حرب التحرير زمن الشريف أمزيان وزمن أنوال بقيادة الأمير الخطابي, والسؤال: أين خيول الريف؟ ومَنْ أخذها؟ ومن يمنع اليوم المطالبة باستعادتها من المستولين عليها؟ هل هي جزء من خطط القضاء على هويّة الريف في مجال الفروسية؟. رجائي من الدكتور الخطابي، الخبير بالعلاقات المغربية الإسبانية، ومن غيره من أهل الدراية بالمسألة أن يطرحوا هذا الموضوع. ولهم كل التقدير والعرفان". كان لزاماً عليّ أن أزجي للصّديق على الإدريسي خالص الشكر على إطرائه، وأسارع بإخباره بأنه هو الذي أوحى لي بكتابة هذا المقال الجديد عن الخيول ذات الأصول العربية والأمازيغية الموجودة حالياً في مختلف بلدان أمريكا اللاتينية، وعن خيول الريف؛ ذلك أنّني عندما كنت أعمل بليما بالبيرو كتبتُ تقديماً ضافياً للكتاب الذي عالجناه آنفاً حول الحصان العربي- البربري الذي استقدمه الإسبان معهم عند غزوهم للقارة الأمريكية من تأليف أنطونيو دابيلو، ويقع هذا الكتاب في 350 صفحة من القطع الكبير وقد أهدي عند صدوره إلى جميع ملوك ورؤساء بلدان العالم.
على صَهَوَاتِها الأسَلُ الظَّمَاء
أمّا قصّة "الصّفيحة" إيّاها التي أشار إليها الصّديق الإدريسي فمفادُها أنّ الإسبان في إحدى غاراتهم على بلاد الريف اقتفوا آثارَ حوافر خيول ثلّة من المجاهدين الذين كانوا يمتطون صهوات جيادهم وعندما وصلوا إلى مكان يُعرف اليوم ب"الصّفيحة" وبجواره مكان آخر يُسمّى "مَلْعَب" قبالة "جزيرة صخرة النكور" السّليبة، دخلوا في غابات كثيفة من أشجار الكينا أو الإوكاليبتوس، توقف المجاهدون تحت هذه الأشجار وأمر قائدهم الجميع بأن يقلبوا صفائح حوافر خيولهم واندسّوا في غياهب الأجَمَة، فلمّا وصلت جيوش الإسبان مُقتفيةً آثار حوافر خيول المجاهدين ذهبوا في اتجاه معاكس، فلم يعثروا لهم على أثر، واستدرجوا الإسبان إلى مكان نصبوا لهم فيه كميناً آخر في مكان يُقال له (الطايث أو الطاية). وهكذا، نجا المجاهدون من موت مُحقّق، وبناءً على هذه الواقعة ما زال يُسمّي ذلك المكان ب"الصّفيحة" إلى اليوم. وأمّا "ملعب" فهو سهل فسيح كان ساكنة أجدير يلعبون ويتسابقون فيه على خيولهم، ويتدرّبون على فنون الخيالة والفروسية والقتال على صهوات جيادهم، وكانوا معروفين بمهارتهم في ركوب الخيل والرّكض به في مختلف الاتجاهات.
ولقد ورث الأبناء فنون الفروسية أباً عن جدّ، وحتى زمن قريب كان أحد أبطال المغرب في العديد من المناسبات صهرنا الصّديق الكولونيل ماجور اليزيد شرّاط (من مواليد أجدير) الذي حصد العديد من الميداليات والكؤوس الرّفيعة داخل المغرب وخارجه.
أيّها السّهل الخِصيب على شاطئ "الصّفيحة" الذي روته دماء الشّهداء والذي ما زالت رماله البركانيّة الرماديّة تأسىَ وتتأسّىَ على ماضيها القريب في مواجهة الاستعمار الإسباني الغاشم، والتي ما زالت تذكر تلك البطولات مع كلّ إشراقة شمس وطلعة بدر وإطلالة هلالٍ واكتمال قمرٍ. هناك حيث ما زالت ذاكراتنا الوَهنة تُنبئنا بتباري سباق الفرسان الأشاوس على خيولهم المُسوّمة الذين كانوا ينتصبون على صهواتها كالأسَل الظَّمَاء، هنالك في هذه الأرض الفيحاء التي ما فتئت تُعانق البحرَ وتناجيه في هُيامٍ وأُوَامٍ وتيْمٍ وصَبَابةٍ.
*كاتب من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية الأمريكية للآداب والعلوم - بوغوطا- كولومبيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.