ليلةَ رأس السنة الميلاديّة 2015 أثارَ الممثل الكوميدي عبد الرحمان أوعابد المعروف ب"إيكو" غضبَ نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الأمازيغ، بعْد تقديمه وصْلة كوميدية على شاشة القناة الثانية، تطرّق فيها لوضعية "مُولْ الحانوت"، غيْرَ أنّ الوصلة لم تمرّ مرّ الكرام، حيثُ رأى الأمازيغ الغاضبون أنَّ المقطع الهزليّ "يمسّ بكرامة المواطن الأمازيغي"، وطالبو المُمثّل الكوميديَّ والقناةَ الثانيةَ بتقديم اعتذار للأمازيغ. التاجر السوسيّ لا يعيش لنفْسه بلْ لعائلته "مُحْمّادْ مُول الحانوت"، تعبيرٌ دَرجَ عديدٌ من المغاربة على قرْنه بالبُخْل، ولأنَّ أصحابَ محلّات البقالة الأوائل الذي وفَدوا على المُدن الكبرى، مثل الدارالبيضاء والرباط وفاس وغيرها، خلال سنوات الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، جاؤوا بالخصوص من سوس، فقدْ صارَتْ صفة الشّحُّ تُلصَقُ بأهْل سوس، وهيَ واحدةٌ من الكليشيهات لتي ما زالتْ تُردّدها ألسُنُ المغاربة إلى اليوم، وإنْ كانتْ غيرَ مبنيّة على أساس. فلمَاذا يُنعتُ التاجرُ السوسيُّ الصغير ب"البخيل"؟ وكيْفَ تشكّلَ هذا "الاتهام" الجاهزُ في لا وعْي المجتمع المغربي؟ يَرُدُّ الناشط الأمازيغي أحمد عصيد على السؤال بالقول إنَّ ذلك راجعٌ لعواملَ تاريخيَّةٍ، نشأتْ منذُ وفادة الجيل الأوّل من التجار السوسيين الصغار إلى الوسَط الحضريّ، مُهاجرينَ منَ قُرى سوس النائية، تاركينَ عائلاتهم هُناك، وهُوَ ما حتّمَ عليهم تكريسَ وقْتهم للعمل، "وقضاء حياتهم كلّْها داخلَ الدكّان". ويُردفُ عصيد أنَّ نمَطَ عيْش الجيل الأوّل من التجار الصغار القادمين من سوسَ نحو الحواضر الكبرى لمْ يختاروه طواعيةً، بلْ ألزمتْهم التزاماتهم العائليّة بالخضوع له، فالتاجر السوسي -يقول المتحدّث- لا يعيش من أجل نفسه أو مُحيطه، بل لعائلته الكبيرة البعيدة بمئات الكيلومترات، وهو ما جعلُ مُهمّته هي جمع المال من أجل الأسرة، فاعتقد الناسُ أنه يُحب المال وأنه يتميز بالشح، ويؤكّد عصيد أنّ ذلك غيرُ صحيح. "نكتةُ" المقرئ أبو زيْد وتحْفلُ أحاديث المغاربة بكثيرٍ من النّكت التي تتّخذُ التاجر السوسي، أو "مُحمَّادْ مُولْ الحانوت"، موْضوعاً لها. ولعلَّ "أشهرَ" النّكت في هذا الإطار تلك التي تفوَّه بها النائب البرلماني والقيادي في حزب العدالة والتنميّة، المقرئ الإدريسي أبو زيد في محاضرة له بإحدى دول الخليج، حينَ قالَ إنّ في المغربِ عِرْقا مُعيّنا معروفا بالبُخْل، وهُو ما فُهمَ منْه أنّه يقْصدُ أهَل سوس، فثارت ثائرة الأمازيغ على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما دفع بأبي زيْد إلى الاعتذار للأمازيغ. ويُوضّح عصيد أنَّ نمط الحياة الذي كان يعيشه التاجر السوسي الصغير جعله لا يهتم بنفسه بقْدر ما يهتمُّ بعائلته، ويُخصّص وقته كلَّهُ للعمل من أجل إعالتها، غيْرَ أنّ نمطَ العيش هذا تغيَّر مع الجيل الثاني من التجار الصغار، فالتاجر السوسي لمْ يعُدْ يقضي عاما كاملا من العمل داخل الدّكان ويحملُ ما جمعَ من المال إلى "البْلاد" في عيد الأضحى ليصرفه على العائلة، بلْ أصبحَ يقتني بيتا، ويستقدمُ أسرته لتعيش في المدينة بالقُرب منه، "ويُنفقُ بِلا حساب"، يقول عصيد. صورة نمطية راسخة لكنَّ ذلك لمْ يُغيّرِ الصورة النمطيّة المترسّخة في أذهان العامّة عن التاجر السوسي، رغْمَ التطوّر الحاصل على حياة هذا الأخير، ورغم التطوّر الذي يعرفه المجتمع المغربي، إذ ما زالَ الناس بحتفظون ب"الصورة الأصليّة" عن التاجر السوسي "البخيل"، ويوضّح عصيد أنَّ هذه الصورة غيرُ صحيحة بالمرّة، لأنّ التاجرَ السوسي الذي يُعتقد أنّه يُحبّ المالَ حينَ يذهبُ إلى "البْلاد" يُنفق كلّ ما جمعه على العائلة والأقارب والأصدقاء. ويعْزو عصيدُ سببَ النظرةَ النمطيّة المترسخة في أذهان العامَّة إزاء التاجر السوسي إلى كوْن الناس "لا يربطون الأمور بسياقاتها الواقعية والتاريخية"، ويُوضّح أنَّ هذه النظرة كانَ يُنظر بها أيضا إلى الجيل الأول من المهاجرين المغاربة الذين هاجروا إلى فرنسا، والذين كانوا يعيشون حياةَ التقشّف في الضواحي، "ليْسَ لأنّهم بُخلاء، بلْ من أجل البلد"، وفق تعبير عصيد، ويتغيّر نمطُ العيش هذا عندما يستقدمون أسَرهم إلى بلدان الإقامة، فيعيشون حياة عادية. هُناكَ عاملٌ آخرُ يرى عصيد أنّه سَاهمَ في احتفاظ الذاكرة الجماعية بالنظرة النمطية عن التاجر السوسي، وهوَ "كنّاش الكريدي"، فبسبب عدم أداء الزبناء ما بذمّتهم للتاجر، أصبحَ تعامُله معهم يتّسمُ بنوعٍ من الصرامة، "بعدما اكتشف أن الكثير من الناس ليسوا بالنزاهة المطلوبة، لذلك لمْ يعُد يقبَل منْحَ سِلعٍ مقابلَ وعْدٍ من الزبون بتسديد مقابلها لاحقا إلا للزبناء الذين يثقُ فيهم، وهذا زاد من تعميق صورة الإنسان الشحيح إزاءَ التاجر السوسي"، يقول عصيد.