فوجئت وأنا أتابع تداعيات الحياة التي دبت في الشعب المصري وما أعقبها من ردود أفعال، بكلام للسيد علي جمعة مفتي الديار المصرية في برنامج 90دقيقة على قناة المحور المصرية، كلام أقل ما يقال عنه أنه متخلف جدا عن ركب المقاصد الشرعية التي كان يجمل به أن يدافع عنها وينافح اصطفافا إلى جانب المستضعفين والمقهورين، فالإسلام جاء ثورة على الظلم والاستبداد قبل وبعد أن يكون مقررات فقهية عن الصلاة والعبادات يرتلها المعممون الموظفون في القنوات الفضائية والتي تخص علاقة العبد بربه، والتي قد تتحول مع الوقت في إغراقها الخلافي إلى أداة إلهاء عما يعانيه الناس وعامل تخدير. لقد مضى السيد علي جمعة يغرد خارج السرب بحديثه الاستنكاري عما يريده الخارجون من الشباب على النظام، هل يريدونها ثورة فرنسية أم إنجليزية أم أمريكية، وفي نظره قد وصلت الرسالة ولا داعي للاستمرار، وعلى الناس الرجوع لديارهم والتزام الهدوء حقنا للدماء. لقد كان السيد جمعة غير موفق إطلاقا، وليته سكت، فإنه بكلامه يكرس نموذجا لطالما كان موضع نقد في تاريخنا بسبب أنه واحد من أهم أسباب جثوم الظلم والاستبداد على صدور العالمين. لقد تحدث الفقيه بما يحفظه عن المآلات، فكان خير داع للقعود خوفا من الفتنة ودرءا لها، وكأن الناس بما هم فيه من فقر وظلم وعسف ونهب وسلب أنأى ما يكونون عن الفتنة، إنه فقه الذريعة الذي أساء فقهاء البلاط فهمه فقتلوا في الأمة روح الانقلاب على البطش وروح التغيير للمنكر الأكبر الذين سلبهم حريتهم، وشغلوا الناس بتغيير صغائر المنكرات. لست أدري لماذا لا يتذكر السيد علي جمعة فقه النصيحة الواجبة للسلطان الجائر ويذكر بمواقف الفقهاء من أهل السنة الكبار الذين لم يغردوا خارج المقاصد التي تخص الأمة لا الأفراد، فقد صارع الإمام أحمد المامون والمعتصم، واتهم الإمام الشافعي بقلب نظام الحكم وموالاته لعبد الله بن الحسن وقد اقتيد مقيدا إلى هارون الرشيد، وكذاك ابتلي أبو حنيفة النعمان مع أبي جعفر حين رفض توليه القضاء في عهده تعبيرا عن رفضه لنظامه، وكذلك ابتلي الإمام مالك فضرب على عهد جعفر بن سليمان وقد أثر عنه :ضربت فيما ضرب فيه سعيد بن المسيب، ومحمد بن المنكدر، وربيعة، ولا خير فيمن لا يؤذى في هذا الأمر. فهل غاب عن هؤلاء النظر في المآلات يا فضيلة المفتي؟