فيضانات إسبانيا.. سفيرة المغرب في مدريد: تضامن المغرب يعكس روح التعاون التي تميز العلاقات بين البلدين    أزمة ثقة أم قرار متسرع؟.. جدل حول تغيير حارس اتحاد طنجة ريان أزواغ    جماهري يكتب: الجزائر... تحتضن أعوانها في انفصال الريف المفصولين عن الريف.. ينتهي الاستعمار ولا تنتهي الخيانة    أسطول "لارام" يتعزز بطائرة جديدة    موتمر كوب29… المغرب يبصم على مشاركة متميزة    الزمامرة والسوالم يكتفيان بالتعادل    استفادة أزيد من 200 شخص من خدمات قافلة طبية متعددة التخصصات    الهذيان العصابي لتبون وعقدة الملكية والمغرب لدى حاكم الجزائر    إعطاء انطلاقة خدمات 5 مراكز صحية بجهة الداخلة وادي الذهب    جرسيف.. الاستقلاليون يعقدون الدورة العادية للمجلس الإقليمي برئاسة عزيز هيلالي    حزب الله يطلق صواريخ ومسيّرات على إسرائيل وبوريل يدعو من لبنان لوقف النار    ابن الريف وأستاذ العلاقات الدولية "الصديقي" يعلق حول محاولة الجزائر أكل الثوم بفم الريفيين    دعوات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الفلسطينيين بالمدارس والجامعات والتصدي للتطبيع التربوي    توقيف شاب بالخميسات بتهمة السكر العلني وتهديد حياة المواطنين    بعد عودته من معسكر "الأسود".. أنشيلوتي: إبراهيم دياز في حالة غير عادية    الدرهم "شبه مستقر" مقابل الأورو    مقتل حاخام إسرائيلي في الإمارات.. تل أبيب تندد وتصف العملية ب"الإرهابية"    الكويت: تكريم معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية كأفضل جهة قرآنية بالعالم الإسلامي    هزة أرضية تضرب الحسيمة    المضامين الرئيسية لاتفاق "كوب 29"    شبكة مغربية موريتانية لمراكز الدراسات    ترامب الابن يشارك في تشكيل أكثر الحكومات الأمريكية إثارة للجدل    ارتفاع حصيلة الحرب في قطاع غزة    تنوع الألوان الموسيقية يزين ختام مهرجان "فيزا فور ميوزيك" بالرباط    خيي أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة    مدرب كريستال بالاس يكشف مستجدات الحالة الصحية لشادي رياض    مواقف زياش من القضية الفلسطينية تثير الجدل في هولندا    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    بعد الساكنة.. المغرب يطلق الإحصاء الشامل للماشية        نادي عمل بلقصيري يفك ارتباطه بالمدرب عثمان الذهبي بالتراضي    ما هو القاسم المشترك بيننا نحن المغاربة؟ هل هو الوطن أم الدين؟ طبعا المشترك بيننا هو الوطن..    الدكتور محمد نوفل عامر يحصل على الدكتوراه في القانون بميزة مشرف جدا    فعاليات الملتقى العربي الثاني للتنمية السياحية    موجة نزوح جديدة بعد أوامر إسرائيلية بإخلاء حي في غزة    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    موسكو تورد 222 ألف طن من القمح إلى الأسواق المغربية    ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب        ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكمة والتأويل والنشر - قراءة نقدية لإبن رشد
نشر في هسبريس يوم 03 - 08 - 2015

نقرأ بمقدمة كتاب "نحن والتراث"، للأستاذ الجابري أن بن رشد أقام قطيعتين : قطيعة مع الفكر المشرقي، وهذا ما نتفق عليه، وقطيعة ثورية ثانية لنا فيها نظر. ونصه المتطرق لهاته القطيعة الثانية هو كما يلي (1) :
" 2 - لم يقطع ابن رشد مع الروح السينوية وحدها بل قطع أيضا مع الطريقة التي عالج بها الفكر النظري (الكلام والفلسفة) العلاقة بين الدين والفلسفة. لقد رفض طريقة المتكلمين في التوفيق بين العقل والنقل ورفض طريق الفلاسفة الهادف إلى إدماج الدين في الفلسفة والفلسفة في الدين."
وبعد فقرتين مخصصتين لشرح تضييق المتكلمين على العقل وتقييد الفلاسفة للعلم بالفهم الذي كانوا يكونونه لأنفسهم عن الدين، يتابع الأستاد الجابري : "لقد قطع ابن رشد هذا النوع من العلاقة بين الدين من جهة والعلم والفلسفة من جهة أخرى، فلنأخذ منه -إن كان لا بد من استعمال هذه الكلمة مرة أخرى- هذه القطيعة، ولنتجنب تأويل الدين بالعلم وربطه به لأن العلم يتغير ويتناقض ويلغي نفسه باستمرار، ولنتجنب تقييد العلم بالدين لنفس السبب. إن العلم لا يحتاج إلى أية قيود تأتيه من خارجه لأنه يصنع قيوده بنفسه"
إننا نظن أن ما يريده لنا الأستاذ الجابري من موقف فكري لا نستفيده من ابن رشد، اللهم إذا أضفنا قراءة مستقبلنا في تراثه. وهذا تعسف حثنا الأستاذ الجابري على تجنبه. ونحن نجد هاته القطيعة عند ابن رشد آخر يقول بحقيقتين : حقيقة البرهان وحقيقة العقيدة. لقد حلم اللاتين بابن رشد هذا فحققوه، وما زلنا نحلم بمفكر يقول قولا فصلا ليفهم العرب أن الدين لا علاقة له بالعلم بل كل ما يحتاج إليه هو التصديق بالمعجزات والتي تبدأ بخلق كل شيء من لا شيء. فجيراننا بشمال وغرب الدول العربية يعيشون اليوم إنفصاما مهضوما تحول إلى انفصال علماني بينما نعيش انفصاما مكبوتا ما زال ينخر أنفسنا ولم نعبر عنه بعد بكلمات واضحة. ونعلم اليوم أنه بمتناولنا تجاوز هذه الإشكالية إذا تحلينا بالجرأة على السخرية من أنفسنا ومن تراثنا ثم الإنسلاخ من قروننا الوسطى كما فعل جيراننا مع قرونهم المظلمة. وواضح اليوم أنه من العسير تطوير هوية واسعة الصدر دون الإنسلاخ من جلدتنا الأولى. نظن أن اللاتين اغتنوا ببعض منتوجاتنا الفكرية وآن الأوان لكي نغتني بمقدمات فكرهم وليس بأدواتهم المادية والذهنية فحسب، كما فعلنا لحد الآن. فالعقلانية ليست منطقا (آلة فكرية) فحسب، كما ظن إبن رشد وكما قد نظن للأول وهلة، بل مقدمات ومنطق يؤدون إلى نتائج قد تطمئن لها النفس وترضاها الألباب. وطالما تأسس فكرنا على منطلقات واهية فإن استعمال المنطق في الإستدلال لن ينتج أي بنيان متين. فمخض الماء ليس له إيتاء كما يقول المثل. ولكم طال مخضنا وإعادة مخضنا لتراثنا دون أن يتمخض عنه مايسمن أو يغني من جفافنا الفكري.
إننا لا ننكر أن ابن رشد رفض طريقة المتكلمين في التوفيق بين العقل والنقل ورفض طريقة الفلاسفة (المشرقيين) الهادف إلى إدماج الدين في الفلسفة والفلسفة في الدين. فهذا ما وضحه الأستاذ الجابري ببراعة لا تدع للشك منفذا. ما نريد تحليله هنا هو طريقة ابن رشد العربي (لا اللاتيني) في رسم حدود جديدة للحكمة والتأويل والنشر لنتائجهما. وهاته الحدود قد نعتبرها رحبة بالنسبة للمشرق، إلا أن الفحص الدقيق لها يزيح القناع عن ترسيخ أمتن لقيود قديمة ستعتمد بعد تدخل فيلسوفنا على إحكام عقلاني أشد قبظة على الأذهان من الفكر الإشراقي. والدليل على ذلك أن الأستاذ الجابري نفسه لم يسلم من سحره ولم ينتبه لمخالبه. إن تفحص العلاقات التي أقامها إبن رشد بين الأنشطة الفكرية الثلاثة (الحكمة – التأويل – النشر) هو الذي سيمكننا من إعادة تقييم فتواه. نظن أن المشروع الجابري الأصيل، الذي نرضاه ونتمناه مستقبلا لفكرنا، ليس مقتبسا من نصوص ابن رشد أو روحها كما سيتبين من قراءتنا بهذا المقال لكتاب ابن رشد "فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الإتصال".
قبل تحليل فقرات هاته الفتوى، يمكننا أن نلاحظ ببساطة أن المتصل ليس بالمنفصل. فالمقال هو الذي فُصِل بعد كتابة التقرير. وربما أراد ابن رشد لمقاله أن يكون فصلا. أما الشريعة، فلقد أصبحت متصلة بالحكمة. بهذا يربط ابن رشد العقيدة بالحكمة التي كان يعلم أنها تحيى وتموت لتحل مكانها حكمة جديدة. سنبين إذن هنا كيف يقيم ابن رشد علاقة جديدة وغير سليمة بين العقيدة والحكمة.
قراءة غير متكلفة لفتوى إبن رشد
مرجعنا في هذا المقال هوكتاب "فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الإتصال" لابن رشد كما نشره الأستاذ الجابري مع إضافته عنوانا آخر يغض الطرف ما هو بين للأعين إن تخلصنا من نظاريات المدح أو القدح (2)أو"وجوب النظر العقلي وحدود التأويل (الدين والمجتمع)"
ونحن نحيل هنا إلى الطبعة الأولى التي أصدرها مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت في نوفمبر 1998. وقبل تقديم تحليلنا لهاته الفتوى ننصح القارئ بالعودة أولا إلى نصه لفهم فكر ابن رشد والإطلاع على مكانته بالنسبة للفلسفة العربية ومشكلاتها. فمدخل الأستاذ الجابري ومقدمته واضحان وموضحان لجوانب مهمة من ذلك. وما نورده هنا من أفكار ليس أكثرمن ترتيب جديد لآراء ابن رشد قصد تبيان منطلقاتها وفهمها فهما يمكننا من توضيح أن القراءة النقدية وحدها - لنفس النص - تؤدي إلى نتائج مختلفة، إن لم تكن متعارضة مع ما قدمه الأستاذ الجابري. فالنقد الذي لم يطل مفكرنا القرطبي جعل الأستاذ الجابري يقدم لنا فكره كأساس لمشروع نهضتنا المنتظرة، أساس نشك في صلابته ولياقته لعصورنا.
نورد فيما يلي أفكار ابن رشد الأساسية بالترتيب الذي وردت فيه بالكتاب المذكور أعلاه وفقراتها مرقمة بنفس الأرقام التي وضعها الأستاذ الجابري. ونتحمل مسؤولية هذا التلخيص المعبر عن قراءتنا لآراء إبن رشد ونتمنى أن يعود القارىء إلى النص الأصلي ليقارنه بتلخيصنا. ولربما سيكتشف فائضا من المعنى لم نحظ به ولا وقف عليه الأستاذ الجابري.
وجوب النظر في الموجودات إذ الهدف من ذلك هو معرفة الصانع [فقرات 2 إلى 6]
- إن كان فعل الفلسفة ليس شيئا آخر غير النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع، أعني من جهة ما هي مصنوعات،
- وكان الشرع قد ندب على اعتبار الموجودات وحث على ذلك
- وكان الإعتبار ليس شيئا أكثر من استنباط المجهول [الخالق] من المعلوم [نصه وصنعه] واستخراجه منه وهذا هو القياس،
ß فواجب أن نجعل نظرنا في الموجودات بالقياس العقلي [المنطق]
وأتم أنواع القياس البرهان، وهو غير القياس الجدلي وغير القياس الخطابي وغير القياس المغالطي
[7] إذا كان الفقيه يستنبط من قوله تعالى "فاعتبروا يا أولي الأبصار" وجوب معرفة القياس الفقهي، فكم بالحري والأولى أن يستنبط من ذلك العارف بالله وجوب معرفة القياس العقلي [المنطق]
ليس للآلة المنطقية ملة
[9] والمنطق آلة فكرية يمكن أن نأخذها لمشارك لنا في الملة أو غير مشارك
[12] إذا حصلت عندنا الآلة التي بها نقدر على اعتبار الموجودات ودلالة الصنعة فيها فقد يجب أن نشرع في الفحص عن الموجودات على الترتيب والنحو الذي استفدناه من صناعة المعرفة بالمقاييس البرهانية.
من ليس له آلة لا يعرف الصنعة، ومن لا يعرف الصنعة لايعرف المصنوع، ومن لا يعرف المصنوع لا يعرف الصانع.
يجب أن نستفيد من القدماء إذ لا يمكننا إعادة إنتاج الحكمة بأكملها
[13] يجب أن يستعين المتأخر بالمتقدم على مثال ما عرض في علوم الرياضيات، فإنه لو فرضنا صناعة الهندسة في وقتنا معدومة وكذلك علم الفلك ورام إنسان واحد أن يدرك ذلك لما استطاع إلا بوحي أو شيء يشبه الوحي. بل لو قيل له إن الشمس أعظم من الأرض بنحو من مائة وخمسين ضعفا أو ستين، لعد ذلك القول جنونا من قائله. وهذا شيء قام عليه البرهان في علم الهيئة. وكذلك الحال في صناعة أصول الفقه والصنائع العملية.
نستفيد...ولا ننسى مقاصدنا
[15] وإذا كان هذا هكذا فقد يجب علينا، إن ألفينا لمن تقدمنا من الأمم السالفة نظرا في الموجودات واعتبارا لها بحسب ما اقتضته شرائط البرهان، أن ننظر في الذي قالوه من ذلك وما أثبتوه في كتبهم : فما كان منها موافقا للحق قبلناه منهم وسررنا به وشكرناهم عليه، وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه وحذرنا منه وعذرناهم
تحديد من هو أهل للنظر في كتب القدماء
[16] فقد تبين من هذا أن النظر في كتب القدماء واجب بالشرع -إذ كان مغزاهم في كتبهم ومقصدهم هو المقصد الذي حثنا الشرع عليه- وأن من نهى عن النظر فيها من كان أهلا للنظر فيها، وهو الذي جمع بين أمرين :
أحدهما ذكاء الفطرة
والثاني العدالة الشرعية والفضيلة العلمية والخلقية
فقد صد الناس عن الباب الذي دعا الشرع منه الناس إلى معرفة الله، وهو باب النظر المؤدي إلى معرفته حق المعرفة، وذلك غاية الجهل والبعد عن الله.
لا يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما نص عليه الشرع
فبعد تقرير ما سبق
[19] - تأتي الفقرة التاسعة عشر على شكل تحليل استدلالي متكون من مقدمات تنتهي بخلاصة. فمقدمات ابن رشد الأربعة هي
أ - الشريعة حق
ب - لقد دعت الشريعة إلى سعادة المعرفة (بالله وبمخلوقاته)
ج - لكل طريقته في التصديق : برهان، جدل، خطاب.
د - لجأت شريعتنا إلى هاته الوسائل الثلاثة وعم التصديق بسبب ذلك (إلا الجاحدون) : "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"
وخلاصته هي :
فإنا معشر المسلمين نعلم على القطع أنه لا يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد به الشرع : فإن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له.
متى يجب التأويل المضبوط واستحالة الإجماع
[20] بعد هذا القطع يتفحص ابن رشد علاقة تفاصيل الشرع بما يؤدي إليه النظر البرهاني :
أ - سكوت الشرع عما أدى إليه النظر : فلا تعارض هنا
ب - نطقت الشريعة بما هو موافق للنظر البرهاني : فلا قول هنا
ج - نطقت الشريعة بما يظهر أنه مخالف لما أدى إليه النظر البرهاني : هنا يطلب التأويل الذي هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية من غير أن يخل بعادة لسان العرب.
[28-21] والتأويل لا يمكن أن يجمع عليه أئمة المسلمين كما لا يجمعون على ما يلزم تأويله وما يجب حمله على ظاهره.
في الشرع أشياء لا ينبغي أن يعلم بحقيقتها جميع الناس : توطئة للتحريم والتكفير
[30-29] ونحن نعلم قطعا أنه لا يخلو عصر من الأعصار من علماء يرون أن في الشرع أشياء لا ينبغي أن يعلم بحقيقتها جميع الناس، ولا نستثني من ذلك إلا من هو من أهل التأويل، وهم الراسخون في العلم لأن اختيارنا هو الوقوف بعد الراسخين في العلم في قوله تعالى "لا يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم".
سوء تفاهم بين الفقهاء والحكماء
[33] غلط أبو حامد الغزالي على الحكماء المشائين (الأرسطيين) فيما نسب إليهم من أقوال.
[36] الإختلافات بين المتكلمين والحكماء المتقدمين تكاد أن تكون راجعة للإختلاف في التسمية.
[42] والمتكلمون ليسوا في قولهم أيضا في العالم على ظاهر الشرع بل متأولون، فالسبب في اختلافهم مع الحكماء ناتج عن تأويلاتهم هاته.
تصنيف لأخطاء التأويل
[45] وبالجملة الخطأ في الشرع على ضربين : خطأ يعذر فيه من هو من أهل النظر ولا يعذر فيه من ليس من أهل ذلك الشأن. أما الخطأ الثاني فلا يعذر فيه أحد من الناس، إن وقع في مباديء الشريعة فهو كفر : مثل الإقرار بالله تبارك وتعالى وبالنبوات وبالسعادة الأخروية والشقاء الأخروي.
تبريرالقتال
[46] وذلك أن هذه الأصول [مباديء الشريعة] تؤدي إليها كل أصناف الدلائل : الخطابية والجدلية والبرهانية. فلكل إنسان سبيل وحظ للوصول إلى هذا التصديق، لذا قال عليه السلام "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويومنوا بي" يريد بأي طريق إتفق لهم من طرق الإيمان الثلاثة.
الظاهر والباطن والتأويل واختلاف أهل النظر
[47] ينقسم الشرع إلى ظاهر وباطن : فإن الظاهر هو تلك الأمثال المضروبة لتلك المعاني (والتي يفهمها جمهور الناس) والباطن هو تلك المعاني التي لا تنجلي إلا لأهل البرهان.
[49] فقد ظهر لك من قولنا أن :
أ - هاهنا ظاهرا من الشرع لا يجوز تأويله، فإن كان تأويله في المباديء فهو كفر، وإن كان فيما بعد المباديء فهو بدعة
ب - وهاهنا أيضا ظاهر يجب على أهل البرهان تأويله وحملهم إياه على ظاهره كفر. وتأويل غير أهل البرهان له وإخراجه عن ظاهره كفر في حقهم أو بدعة. والإفشاء بالتأويل لغير أهله لا يحق. لذلك كان الجواب لهؤلاء : و"ما يعلم تأويله إلا الله" ثم نقف.
ج - وهاهنا صنف ثالث من الشرع متردد بين الصنفين يقع فيه الشك، فيُلْحِقه قوم ممن يتعاطى النظر بالظاهرالذي لا يجوز تأويله ويُلْحِقه آخرون بالباطن الذي لا يجوز للعلماء حمله على الظاهر. والمخطيء منهم في هذا معذور.
[50] ومسألة المعاد عندنا من الصنف الثالث المختلف فيه.
المصرح للجمهور بغير الظاهر كافر
[53] أما من كان من غير أهل العلم فالواجب عليه حملها على ظاهرها، وتأويلها في حقه كفر لأنه يؤدي إلى الكفر. ومن أفشاه له من أهل التأويل فقد دعاه إلى الكفر، والداعي إلى الكفر كافر. ولهذا يجب ألا تثبت التأويلات إلا في كتب البراهين، لأنها إذا كانت في كتب البراهين لم يصل إليها إلا من هو من أهل البرهان.
[54] فأما إذا أثبتت في غير كتب البرهان واستعملت فيها الطرق الشعرية والخطابية أو الجدلية كما يصنعه أبو حامد، فخطأ على الشرع وعلى الحكمة. وإن كان الرجل إنما قصد خيرا : وذلك أنه رام أن يكثر أهل العلم بذلك، ولكن كَثُرَ بذلك أهل الفساد بدون كثرة أهل العلم.
[55] والذي يجب على أئمة المسلمين : أن ينبهوا عن كتبه التي تتضمن هذا العلم إلا من كان من أهل العلم. كما يجب أن ينهوا عن كتب البرهان من ليس أهلا لها، وإن كان الضرر الداخل على الناس من كتب البرهان أخف إذ من الصعب فهمها على من هو من غير أهلها.
هل أكثر طرق الشرع خطابية أم جدلية أم برهانية؟
[59] أ - لما كان مقصود الشرع تعليم العلم الحق والعمل الحق
ب - ولما كان التعليم صنفين : تصورا وتصديقا
ج - وكانت طرق التصديق الموجودة للناس ثلاثة : البرهانية والجدلية والخطابية
د - وكان الناس على طباع مختلفة، مع ما في تعلم الأقاويل البرهانية من عسر
ه - وكان الشرع إنما مقصوده تعليم الجميع
ß وجب أن يكون الشرع يشتمل عل جميع أنحاء طرق التصديق وأنحاء طرق التصور.
[60] - ولما كانت طرق التصديق منها ما هي عامة لأكثر الناس : الخطابية والجدلية، والخطابية أعم. ومنها ما هي خاصة بأقل الناس وهي البرهانية،
- ولما كان الشرع مقصوده الأول العناية بالأكثر من غير إغفال تنبيه الخواص
ß كانت أكثر الطرق المصرح بها في الشريعة هي الطرق المشتركة للأكثر في التصور والتصديق.
الناس في الشريعة ثلاثة أصناف وأغلبهم خطابيون
[64] فإذن الناس في الشريعة على ثلاثة أصناف :
أ - صنف ليس من أهل التأويل أصلا، وهم الخطابيون الذين هم الجمهور الغالب
ب - وصنف هو من أهل التأويل الجدلي
ج - وصنف هو من أهل التأويل اليقيني وهؤلاء هم البرهانيون بالطبع والصناعة، أعني صناعة الحكمة.
التصريح بالتأويل لغير أهله وبعجيب الحكمة كفر : تأكيد للقرار والهلاك
[65] وهذا التأويل ليس ينبغي أن يصرح به لأهل الجدل فضلا عن الجمهور. من صرح بشيء من هذه التأويلات لغير أهلها، وبخاصة التأويلات البرهانية لبعدها عن المعارف المشتركة، أفضى ذلك بالمُصَرِّح به والمصرَّح له إلى الكفر والسبب في ذلك أن التأويل يتضمن شيئا من إبطال الظاهر وإثبات المؤول.
[66] ولهذا الجنس [للجمهور ولأهل الجدل] يجب أن يصرح ويقال في الظاهر الذي هو متشابه "وما يعلم تأويله إلا الله" ثم نقف.
[67] وأما المصرح بهذه التأويلات لغير أهلها فكافر لمكان دعائه الناس إلى الكفر، وهو ضد دعوى الشارع، وبخاصة متى كانت تأويلات فاسدة في أصول الشريعة، كما عرض ذلك لقوم من أهل زماننا : فإنا شاهدنا منهم أقواما ظنواأنهم قد تفلسفوا،وأنهم قد أدركوا بحكمتهم العجيبة أشياء مخالفة للشرع من جميع الوجوه، أعني لا تقبل تأويلا،وأن الواجب هو التصريح بهذه الأشياء للجمهور
ß فصاروا بتصريحهم للجمهور بتلك الإعتقادات (2) الفاسدة سببا لهلاك الجمهور وهلاكهم في الدنيا والآخرة.
أحكم دون الرد عليهم بالبرهان، ومع ذلك ليس كلامي شعريا
[69] ومثلهم كمن تصدى إلى الناس وقال لهم إن هذه الطرق التي وضعها لكم هذا الطبيب ليست بحق. وشرع في إبطالها حتى بطلت عندهم وشملهم الهلاك.
[70] وليس لقائل أن يقول إن هذا التشبيه شعري وغير يقيني، إذ هناك تواز بين نسبة الطبيب إلى صحة الأبدان ونسبة الشارع إلى صحة الأنفس(3)
الوحدة : هاجس حقيقي أم مبرر جاهزلتغييب كل حوار؟
[83] ومن قِبَل التأويلات، والظن بأنها مما يجب أن يصرح بها في الشرع للجميع، نشأت فرق الإسلام حتى كفر بعضهم بعضا وبدع بعضهم بعضا، وبخاصة الفاسدة منها
تكفيري لهم ليس بدعة بل إرث من العصور الذهبية "الخالية" من النزاعات
[89] فإن الصدر الأول إنما صار إلى الفضيلة الكاملة والتقوى باستعمال هاته الأقاويل [الدينية] دون تأويلات فيها. ومن كان منهم وقف على تأويل، لم ير أن يصرح به. وأما من أتى بعدهم فإنهم لما استعملوا التأويل قل تقواهم وكثرت اختلافاتهم ورُفِعت محبتهم وتفرقوا فرقا.
لأصدقاء قاضي القضاة -حكماء وفقهاء- آراء مختلفة عنه
[83] فإن النفس مما تخلل هذه الشريعة من الأهواء الفاسدة والإعتقادات المحرفة في غاية الحزن والتألم، وبخاصة ما عرض لها من ذلك مِن قِبَل مَن ينسب نفسه إلى الحكمة، فإن الإذاية من الصديق هي أشد من الإذاية من العدو : أعني أن الحكمة هي صاحبة الشريعة والأخت الرضيعة. فالإذاية ممن ينسب إليها هي أشد الإذاية، مع ما يوقع بينهما من العداوة والبغضاء والمشاجرة وهما المصطحبتان بالطبع المتحابتان بالجوهر والغريزة. وقد آذاها أيضا كثير من الأصدقاء الجهال ممن ينسبون أنفسهم إليها، وهي الفرق [الفقهية] الموجودة فيها. والله يسدد الكل، ويوفق الجميع لمحبته، ويجمع قلوبهم على تقواه، ويرفع عنهم البغض والشنآن بفضله ورحمته.
خيرات الحكم الغالب
[85] وقد رفع الله [إلى جواره؟] كثيرا من هذه الشرور والجهالات، والمسالك المضلات، بهذا الأمر الغالب. وطرق به إلى كثير من الخيرات على الصنف الذين سلكوا مسلك النظر، ورغبوا في معرفة الحق. [ما أضيف إلى هاته الفقرة بين معقوفتين من عندنا]
خلاصة : انتقاء للحكمة وتضييق للتأويل ولمخاطبة الجمهور
بعد هذا التلخيص والتعليق على فتوى ابن رشد، نورد تلخيصا آخر على شكل برنامج بياني للعلاقات التي يقيمها إبن رشد بين الحكمة والتأويل والنشر في صفحة مرفقة بهذا المقال وهي عبارة عن أسئلة أثارها وأجاب عنها، إلا سؤالا غيبه وغيبناه بعده : "ما العمل إذا اقتضى الحال وتقرر أن التأويل المضبوط لا يسفر عن موافقة الحكمة اليقينية للشرع؟" وهذا هو ما واجهه بالفعل الفلاسفة الذين يسخر ابن رشد من حكمتهم العجيبة (فقرة 67) ويحرم عليهم مخاطبة الجمهور دون أن يخبرنا بمحتوات حكمتهم (5). وهو يغيب كذلك جمهرة المسلمين الذين طبعوا على المجادلة ويغيب في نفس الآن المجادلة بالتي هي أحسن. إن التناقضات التي يتخبط فيها هنا ابن رشد لتعبير موجز عن الإشكالية العربية التي أورثنا إياها الأجداد وبات من اللازم حلها بكل حزم وعزم كي لا نقذفها إلى الوراء مورثين إياها أجيالا آتية.
كان حريا بأستذانا الجابري أن ينبه القارئ العربي إلى هشاشة اللبنة الأساسية التي هي حجر الأساس لهذا المقال، جملة اتفق عليها كل المفكرون العرب بما فيهم محمد عابد الجابري : "إن كان فعل الفلسفة ليس شيئا آخر غير النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع". فلو تحلى أستاذنا بقليل من الهزل لنبهنا إلى أن الموجودات تدل أهل التوحيد، من يهود ومسيحيين ومسلمين، على مبدع مذكر، يصنع كل شيء من لا شيء وأن اللغة العربية لا تنعت أمثاله بالصانع أو الصانعة لأن الصنعة تكون ابتداء من موجودات سابقة لها. فلربما كان أستاذنا الجابري مفعما بالعقلانية إلى حد نسيان السخرية من نفسه ومن تراثه.
فحكم إبن رشد بالقطع (وهذا ما يذكرنا بالعبارة الدارجة "بالسيف عليكم")، يغيب عماد كل محاورة بين أطراف لا يدعي أحد منها أنه يملك الحق : المجادلة بالتي هي أحسن. إلا أن أساس فكره (وفكرنا) لم يسمح لصدورنا أن تكون لها السعة الكافية لحسم (6) خلافاتنا بالخطاب أوالمجادلة أو البرهان (فقرة 46). فبعد حكم وفتوى إبن رشد، يبقى للعلماء (علماء الدين والطبيعة) خيارين في ميدان المعرفة والتأويل، كل منهما أحرج من أخيه. وفيما يخص النشر لنتائج عملهم فالخيار ممتنع :
فإما يقرون بالقطع، كابن رشد، أن الأسبقية للشريعة ويلزمهم إلغاء كل حكمة لا تقبل تأويلا. وهذا ما أدى به إلى غض النظر عن الفيزياء والنظريات الفلكية غير الأرسطية التي تفحصها الإغريق.
وإما يقرون بتقدم الحقيقة البرهانية فيلزمهم إيجاد تأويل لنص عقيدتنا يوفق بينهما في كل الأحوال، وهذا ما قد تترتب عنه تأويلات من الأفضل كتم سرها
أما في ميدان النشر، فيلزم مخاطبة الجمهور (كتابيا وشفويا) بظاهر الشريعة. ومن الكفر أن نفشي له بنتائج علمية صعبة الهضم. وإذا طرح أسئلة محرجة، كتمنا علمنا وأجبناه : "الله أعلم". أما مناظرات وكتب الخاصة فلا يمكن بطبيعة الحال (بعد الإختيارين الأولين) أن تقرر سوى إتفاق الحكمة مع الشريعة.
نعتقد أنه كان من شأن هاته المواقف الرشدية أن تشل كل حركة ذهنية وأن تؤدي إلى تعقيم العلوم العقلية والفقهية على حد سواء.
والنتيجة العملية لهذا كله هو رجعة إلى حكمة وعلوم أرسطو التي كان الإغريق قد تجاوزوها بتبني فيزياء رياضية دشنها إبرخس في ميدان الفلك وأرخميدس في ميدان الحركة. لقد بين هذا الأخير بما لا يدع مجالا للشك (هندسيا) أن العناصر الثقيلة هي التي ترفع العناصر الأخف إلى أعلى وأنه ليس للعناصر طبيعة خاصة كما قرر ذلك أرسطو. وهذا القانون الطبيعي هو ما زلنا ندرسه اليوم تحت إسم دفعة أرخميدس التي تشرح كيف تطفوا البواخر المثقلة بالسلع. ولقد توج أرسطرخس ذلك التيار الرياضي عندما قام بتقدير حجم الشمس والقمر وبعديهما عن الأرض. ولقد بين حسابه الهندسي البسيط جدا والذي لا يشكك ابن رشد في صحته أن الشمس أعظم بكثير من الأرض. إلا أن أرسطرخس استنتج من ذلك أن الأرض الضئيلة هي التي تدور حول النير الأعظم دون أن يعير أي انتباه لنظرية جده أرسطو الذي يعتبر الأجسام السماوية مختلفة عن العناصر الأرضية الدنيئة. إننا نظن أن ابن رشد "اختار" من الحكمة ما يوافق الحق عند السلطان الذي فهم أن نظرية المحرك الأول المتواجد وراء السماء العليا، حسب أرسطو، منقذة من التوترات التي كانت الحكمة الإغريقية سببا لإثارتها في المجال المعرفي العربي الأندلسي. ولم يكن لإبن رشد ما يكفي من الحرية ولا الشجاعة الفكرية لتجاوز التراث الأرسطي العتيق والأخذ بما تبين أنه أفضل من ذلك بكثير. لقد فهم ابن ميمون وابن رشد والبطروجي أن النظرية الأرسطية لا تتفق مع الظواهر الفلكية التي وقفوا عليها بأعينهم ولم يتمكنوا من إيجاد حل توفيقي لها كما لم ينجح في ذلك قبلهم ابن طفيل ولا ابن باجة(7).
بعدما كان هدف علماء الفلك الإغريق هو "إنقاذ الظواهر" (حسب عبارة أفلاطون)، فإن هدف فلاسفتنا الأندلسين أصبح هو إنقاذ أرواحهم من الهلاك في الدنيا قبل الآخرة. ولا بد أن نستخلص من تاريخ هاته الحقبة الأندلسية التقدمية نسبيا، أنه لا يمكن للعلم أن يتطور في ظل سيف معلق فوق الأرقاب سواء كان ذلك السيف شرقيا أم موحديا.إننا نميل إلى الإعتقاد أن العقلانية الرشدية كانت محدودة بحد السيف.
هذا هو التحليل النقدي الذي يجعل حل إشكاليتنا العريقة في متناولنا : علينا إذن أن نتشبث بأخلاق طيبة تستبعد كل إرهاب أو تهديد بالقتال أو العنف دون أن نغض الطرف عما تجاوزه الدهر ولم يعد طيبا بزماننا هذا. فاحترام العقيدة ليس عبودية مطلقة لأجدادنا بل إحترام لهم ولأنفسنا. ومن أخلاقنا المتجاوزة تلطيخ درقة الدين (الشريعة حسب قاموس إبن رشد) في قضاءنا وفتاوانا كما في غزواتنا قبل فتنتنا الكبرى وبعدها. هذا هو الإحترام الحقيقي لأنفسنا، لإخواننا، لجيراننا ولمعارضينا والذي لم نفهمه بعد.
مراجع
(1) - نحن والتراث. قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي. للدكتور محمد عابد الجابري. المركز الثقافي العربي. بيروت والدار البيضاء. الطبعة السادسة، 1993 ص 50.
(2) -ابن رشد. فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الإتصال. أو وجوب النظر العقلي وحدود التأويل (الدين والمجتمع)، مع مدخل ومقدمة تحليلية للدكتور محمد عابد الجابري. مركز دراسات الوحدة العربية. الطبعة الأولى. بيروت 1998.
(3) - الإعتقادات، كما ورد بنص ابن رشد، وليس التأويلات، لأن اعتقاداتهم "لا تقبل تأويلا". نظن أن الأستاذ الجابري لم ينتبه أن لابن رشد خصمين في هذا المقال، الفلاسفة والفقهاء وهو يميز بينهما بينما اقتصر الأستاذ الجابري على الإهتمام بأهل التأويل ربما انطلاقا من طول النص المخصص لهذا الموضوع وقصر تقريرالحكم ضد الفلاسفة الذين صرحوا للجمهور بآراء لا يخبرنا بتفاصيلها.
(4) - نلمس في هاته الفقرة وعي ابن رشد بأن قياسه غير يقيني وغير لائق. وربما كان جوابه هنا ردا على مطالبة خصومه بالحجج البرهانية. أما مقارنته للشارع بأطباء زمانه فغريب حقا إذ أخبرنا بنفسه أنه عانى طول حياته من داء أساء الأطباء معالجته.
(5) - من المحتمل أن يكون علماء الأندلس قد روجوا لنظرية أرسطرخس القائلة بدوران الأرض.
(6) - من المضحك ملاحظة أن كلمة حسام من مشتقات فعل حسم ! فلغتنا تسجل بكل ثقة وسائلنا التي استعملناها مع معارضينا عبر التاريخ.
(7) - راجع مقال الدكتور عبد الحميد صبره الذي نشر تحت عنوان "إبن رشد وموقفه من فلك بطلميوس" بالجزء الأول من كتاب جمعت به مقالات مؤتمر ابن رشد الذي عقد بمناسبة الذكري المئوية الثامنة لوفاته. الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1978. إن الدكتور صبره يتحير لأمر ابن رشد ومن موقفه المتأرجح تجاه علم الفلك الأرسطي. ونحن نظن أن ابن رشد تحول بعد لقاءه المشهود بأبي يعقوب إلى منحاز ومداح للنظرية الأرسطية رغم معرفته بتفوق هيئات بطلميوس الرياضية. لا نعتقد أن ذلك صدر جهلا منه لأصول الهندسة وإنما استجابة لطلب السلطان الذي قلده مهمة شرح كتب أرسطو وتمشيا مع آراءه. لا ريب أن ابن رشد كان يعلم أن كل نقط الدائرة تقع وتبقى على نفس البعد من مركزها وأن ذلك يصدق على سطح الكرة وأن نظرية أرسطو القائلة بدوران الأفلاك حول نقطة واحدة هي مركز الأرض لا تسمح باقتراب ثم ابتعاد الكواكب كما كانت كل الأرصاد الإغريقية ثم العربية قد برهنت على ذلك وكما كان ابن رشد لا يشك في صحتها. فعلماء الفلك العرب كانوا يعلمون أن الكسوفات تكون كاملة أحيانا بينما تكون حلقية (أي لا يكشف القمر الشمس بأكملها) أحيانا أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.