تجتاح الحركات الأصوليّة اليوم المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، سياسة وثقافة وايديولوحيا، وتسعى إلى إزاحة كل ما هو عقلانيّ في التراث العربيّ والإسلاميّ. ليس الفكر الأصوليّ وليد هذه الحركات، وان كان اتخذ حجما استثنائيا في التعبير عنها، بل يعود إلى القدم، إلى تاريخ الدعوة النبوية نفسها وانتشار الدين الإسلاميّ في اكثر من مكان، وما تولد عن هذا الانتشار من صراعات سياسيّة وفقهية حول قضايا رئيسية في موضوع الدين والعقل والغيبيات والبرهان، وهي صراعات دخل فيها الدين بقوة منذ وفاة الرسول وما اعقب الوفاة من صراعات. لذا يمكن اعتبار ان المعركة ضد التفكير الأصوليّ مستمرة منذ خمسة عشر قرنا، وإن اتّخذت في كلّ مرحلة أشكالا متفاوتة وفق الواقع الذي يسود. من هنا تبدو استعادة المفكّرين والفلاسفة الذين انخرطوا في هذا السّجال استعادة لا تخرج عن الزمن الراهن يشير نصر حامد ابوزيد في كتابه "الخطاب والتأويل" إلى "أنّ استدعاء ابن رشد فكريا وثقافيا هو في بعض جوانبه محاولة لممارسة صراع إيديولوجي ضدّ تيّار فكريّ سياسيّ يدّعي ممثّلوه أنّه التيّار الوحيد الممثّل للإسلام". فالحاجة إلى ابن رشد ضرورية اليوم للمساهمة في تجديد الثقافة العربيّة الإسلاميّة من داخلها، وعلى ادراج هذه الحضارة في سياق الحضارة الإنسانية الشاملة. وتأتي أهمّية استدعاء ابن رشد اليوم من كون االثقافة العربيّة الإسلاميّة تقف أمام تحدّي مدى سيطرة العقلانية على الفكر والحياة بمختلف ميادينها في مواجهة الفكر الظلاميّ الغيبيّ. فالعودة إلى ابن رشد هي انحياز الثقافة العربيّة إلى العقل والبرهان والتعدّدية والاختلاف، هي عودة إلى ما نادى به ابن رشد من أجل اعتبار العقل وحده الذي يميز الإنسان ويعبّر عن حقيقته، وهو العقل نفسه الذي يعطي الإنسان شرف تمثيل الله على الأرض وخلافته يصعب التطرّق إلى كل ما تعرّض له ابن رشد في كتاباته، لذا سيركّز هذا البحث على جوانب محدّدة تتّصل بالإطار السياسيّ والاجتماعيّ الذي عاش فيه، والقراءة الرشدية المخصوصة للنصّ الدينيّ، والنظرية الأخلاقية الرشدية، ونظريته في الفلسفة والدين وموقع العقل منهما، وابن رشد السياسيّ، وأخيرا إلى محاولة الجواب عن سؤال يتّصل بأسباب احتضان الغرب لابن رشد واضطهاده وإهمال تراثه في مجتمعاته الاطار السياسيّ والاجتماعيّ لفلسفة ابن رشد ابن رشد هو محمد بن أحمد بن محمد وكنيته ابو الوليد (الحفيد)، ولد في قرطبة بالأندلس عام 520 هجرية،1126 ميلادية، وتوفي في مراكش عام595 هجرية،اي 1198 ميلادية. تميز زمن ابن رشد بجملة تطورات سياسيّة واجتماعيّة صبغت عمله الفكريّ والفلسفيّ كما تركت اثرها في علاقته بالسلطة التي تفاوتت بين السلب والايجاب. فزمن ابن رشد هو زمن مسار الدولة الأندلسية نحو الانحطاط، وهي مرحلة تسود فيها الصراعات والانقسامات وتتغلب فيها النزعات المحلية، كما تنعكس فيها صراعات القوى المقربة او البعيدة عن مراكز القرار ينتمي ابن رشد إلى أسرة عريقة في الأندلس، وهي أسرة تميزت بموقع اجتماعيّ رفيع خرجت من صفوفها قضاة وفقهاء لعبوا دورا مهما في السلطة. عايش ابن رشد السلطة من موقعين، الأوّل بوصفه قاضيا بل ومسؤولا في هذا المجال، والثاني في علاقته بخليفتين متناقضين في علاقتهما بالفكر وبالفلاسفة إجمالا. عرف صلة جيدة بالدولة وأهلها في زمن الخليفة أبي يعقوب، الذي كان متميّزا عن سائر أقرانه من حكّام الأندلس بجمعه للتقوى والورع، ومن التفقّه في أمور الدين والرحابة في النظر إلى علومه من ناحية، ومن السعي الدّؤوب للاطّلاع على الحكمة والفلسفة وكسب المعارف فيهما وانفتاحه على العاملين في هذا الميدان بل احتضانهم وحمايتهم. كانت تلك مرحلة الازدهار والعطاء لدى ابن رشد بعد وفاة الخليفة ابي يعقوب وتولّي ولده المنصور السلطة، انقلبت الأمور في الأندلس في ما يخصّ موقع الفلسفة والعاملين في مجالها. ستشهد هذه المرحلة من حياة الأندلس اشتدادا لنفوذ الفقهاء المحدّثين الذين أفادوا من علاقتهم بالسلطة لتصفية الحساب مع "أهل الرأي" وقيادة حملة "ظلامية" ضدّهم وتقليص مواقع نفوذهم الرسمية منها والشعبية، فأحرقت كتب الفلاسفة وجرى اضطهادهم ورميهم بالهرطقة والكفر، وهو أمر يذكر بمحاكم التفتيش اللاحقة في اوروبا لم ينج ابن رشد من هجمة الفقهاء الذين شجعهم المنصور في حملتهم، وخصوصا أنّ ابن رشد كان يتولّى منصب قاضي القضاة في قرطبة، فتعرض للنفي مدة سنتين وهو في عمر يتجاوز الثالثة والسبعين، عبر اتهامه "بالاشتغال بعلوم الاوائل"، كما جرت محاكمته وصدر بحقّه " صكّ حرمان"، وجرى التشهير به وأحرقت كتبه. لا تزال أسئلة كثيرة تدور حول الأسباب الحقيقية لنكبة ابن رشد وما اذا كان السبب يقتصر على آرائه الدينيّة والفلسفيّة أم تتصل بآرائه في السلطة السياسيّة وموقفه السلبي من الاستبداد السائد وحملته على المحيطين بالخليفة. في أي حال، دفع ابن رشد ثمنا باهظا لمقولاته الفلسفيّة والدينيّة والتي خالفت السائد من الفكر الدينيّ التقليدي، وهو بذلك كان يؤشر بقوة إلى مداخل للتصدّي "للأصوليّة الدينيّة" ومشرعا الباب أمام تحكيم العقل بكل ما يترتب على ذلك من نتائج فكرية وعلى صعيد الدين أيضا الاجتهاد في قراءة النص الدينيّ ورث ابن رشد وضعا كان الاجتهاد يعاني فيه من أزمة مروعة في اعقاب محنة المعتزلة على يد الخليفة المتوكل، وسيادة التقليد والنقل، وما تبعهما من عملية تنكيل بالفكر العقلاني والاجتهادات والتأويلات في ميدان الفلسفة. قاد الغزالي الحملة على المتكلمين المخالفين في نظره لما يراه من الدين القويم، وشنّ عليهم الهجمات لا سيما في كتابه "تهافت الفلاسفة". لم تقتصر الهجمات التي طالت الاجتهاد على الغزالي بل جرى تشريعها ووضع القواعد للنص الدينيّ وكيفية قراءته على يد الشافعي خصوصا في مقالته "الرسالة". كان على ابن رشد أن يخوض نضالا شاقّا ضدّ الفقهاء والعلماء من أصحاب التقليد، وكان عليه ان يتصدى للغزالي ويقيم الحجة بالحجة ويقارع طروحاته من منطلق عقلاني، بحيث يمكن القول ان القاسم المشترك والموضوع الرئيسي في اعمال ابن رشد قد تركزت على الاجتهاد في قراءة النص الدينيّ، وهو بذلك استخدم كل ما لديه من اسلحة فكرية ورثها عن الفلاسفة اليونان ولا سيما منهم أرسطو، ومن خلال استخدام ما اورثه ابن باجه من عقلانية في قراءة النص الدينيّ ومجابهة الذين سعوا إلى قولبة هذا النص في اطار لا يسمح بأيّ تأويل لموضوعاته تدور الكتب التي تركها لنا ابن رشد حول أولوية الاجتهاد وضرورته بل وحتميته.في كتابه "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة في الاتصال"، يقدّم ابن رشد ما يمكن تسميته بالفتوى الشرعية في ضرورة الفلسفة، فيشير إلى "أن ما قيل من مخالفة الحكمة أو الفلسفة للشرع دعوى باطلة...فالحكمة هي صاحبة الشريعة وأختها الرضيعة". وفي كتابه "بوابة المجتهد ونهاية المقتصد" تناول مجمل مسائل الفقه الإسلاميّ التي سبق للفقهاء ان وضعوها في مراحل محددة ونصبوها حقائق مطلقة وأسبغوا عليها التقديس بما يمنع النقاش في مضمونها او ادخال تعديلات عليها بما يتوافق وتغيرات الزمن. أمّا كتابه "الكشف عن مناهج الأدلّة في عقائد الملّة" فهو مختصّ بالاجتهاد في المجال الدينيّ، وفيه يعبر ابن رشد عن غضبه واستيائه مما اصاب الشريعة من تحريف واعتقادات باطلة وإدخال الأهواء الفاسدة عليها بما منع تبيان جوهرها الحقيقيّ الروحيّ والإنسانيّ. وفي كتابه الخاصّ ب"تصحيح العقيدة" يكمل مشروعه الهجوميّ على العلماء والفقهاء الذين حرّموا الاجتهاد، ودعا صراحة إلى فتح باب هذا الاجتهاد أمام "الخواصّ" من العلماء المؤهّلين للقيام بهذه المهمّة وذلك من أجل "النظر التام في أصل الشريعة" ينطلق ابن رشد في نقاش مسألة الاجتهاد من نقد المتكلّمين الذين سبقوه خصوصا الذين عاشوا منهم في العصر العباسيّ، يورد محمد عابد الجابري في كتابه "ابن رشد، سيرة وفكر" بعض النصوص من كتاب "تصحيح العقيدة" الذي يقول فيه ابن رشد:"التأويل الحقّ ليس يوجد لا في مذاهب الأشعرية ولا في مذاهب المعتزلة، أعني أن تأويلهم لا يقبل النصرة ولا يتضمن التنبيه على الحقّ ولا هي حقّ، ولهذا كثرت البدع....نشأت فرق الاسلام حتى كفّر بعضهم بعضا وبدّع بعضهم بعضا وبخاصة الفاسدة منها، فأوّلت المعتزلة آيات كثيرة، وصرّحوا بتأويلهم للجمهور، وكذلك فعلت الأشعرية، فأوقعوا الناس من قبل ذلك في شنآن وتباغض وحروب وفرقوا الناس كل التفريق"، ويكمل ابن رشد نقده بالقول:"انّ كلّ فرقة منهم تأولت في الشريعة تأويلا غير التأويل الذي تأوّلت الفرق الأخرى وزعمت انه الذي قصده الشرع، حتى تمزّق الشرع كلّ ممزَّق وبعد جدّا عن موضعه الأول" كان ابن رشد مؤمنا بحاجة النصوص الدينيّة إلى التأويل والاجتهاد، وكان جازما باستحالة القيام بمثل هذه المهمة دون استخدام النظر العقليّ في قراءة الشريعة. فاذا كان جوهر العقيدة تنظيم العلاقة بين الله والإنسان، فلا يمكن إجراء ذلك دون تحكيم العقل، لأنّ هذه العلاقة تستوجب نظرا في الموجودات ومسبّباتها والنتائج المترتّبة عليها، وهي أمور يستحيل الخوض فيها والوصول إلى نتائج في شأنها من دون النظر العقليّ. دفعه إصراره على إعطاء الأولوية للعقل إلى استحضار الفلسفة والدفاع عنها خصوصا في مرحلة كانت خاضعة فيها لرجال الدين الذين شكل الفكر العقلانيّ عدوّهم الأوّل، فوظّف التأويل والاجتهاد في التوفيق بين الدين والفلسفة، وكان بذلك يقدّم جديدا في هذا المجال سيكون له أثره في ما بعد على ما يعرف بفصل القضايا الدينيّة عن القضايا السياسيّة وبتغليب العقل عندما يتعأرض الدين معه يحدد ابن رشد الفلسفة في كتابه "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتّصال" بأنّها "النظر في الموجودات من حيث هي مصنوعات، أي من حيث دلالتها على الصانع"، لكنّه في المقابل يرى وجوب اتّفاق الشريعة مع أختها الحكمة أي الفلسفة، وإذا ما بدا من تضارب بينهما، يتوجب عندها على العالم اللجوء إلى التأويل، بمعنى الغوص إلى باطن الآيات القرآنية وعدم الاكتفاء بالظاهر مما تقدّمه من معانٍ، لكنّ جديد ابن رشد هنا اعتباره أنّ القادر على هذه المهمّة وإعطاء الصواب في شأن التفسير الصحيح ليس الففقهاء بل الفلاسفة الذين يستخدمون البرهان العقليّ الموصل وحده إلى فهم حقائق النصّ القرآنيّ وتتجلى أولوية العقل وأهميته عند ابن رشد من خلال طروحاته حول "الاتصال"، اي اتّصال الإنسان بالله، حيث يؤكّد أنّ الطريق الموصل لله انما يمر عبر العقل والفكر القادرين وحدهما على رسم الطريق الصحيح للانسان بما يؤمن له السعادة الدنيوية والاتصال بالله بما هي سعادة روحية، وهو أمر يساعد الإنسان أيضا على التغلّب على الأهواء والشهوات والمفسدات في هذه الحياة الدنيا التأويل العقلاني للنص الدينيّ والعلاقة بين الفلسفة والدين بالقياس إلى الفلاسفة المسلمين الذين سبقوه، يعتبر ابن رشد "ارسطيا" بكل معنى الكلمة، من حيث إيلاؤه مؤلفات أرسطو أهمّية خاصة في الدراسة والتعليق، بحيث بات ضروريا قراءة هذه التعليقات ليمكن الغوص في ما اراد ابوالوليد قوله والتعبير عنه. استحوذت مسألة فهم الدين من قبل الجمهور على هموم ابن رشد، وفيما كان يرى استحالة هذا الفهم عبر التقليد السائد في شرح النص وأخذه على علاّته، وإدخال "الأسطرة" في التعبير عن مضمونه، رأى ابن رشد انه لا بدّ من إعمال العقل في تقديم النصّ الدينيّ وسيلة لإقناع الجمهور به. لم يجد أفضل من كتابات أرسطو سبيلا لتقديم قراءة توفق بين ما يقدمه العقل من مفاهيم وتصوّرات، وبين ما يأتي به الوحي من عقائد وشرائع تحمل في جوهرها وظاهرها ما يتعارض مع تفسيرات العقل، وهو ما فتح الباب لمسألة التأويل. ستشكّل دراسات ابن رشد وتعليقاته على كتب أرسطو مرجعا أساسيّا للفلاسفة الاوروبيين في العصر الوسيط واتاحة الطريق امامهم للغرف من الفلسفة اليونانية عبر مصادرها الأساسية. على رغم دعوة ابن رشد للتوفيق بين الدين والفلسفة، إلا انه كان يؤكد دوما على خصوصية الخطاب الدينيّ وتمايزه عن الخطاب الفلسفيّ، ويرى فيهما بنائين مستقلين يفترض ان لا يخضع الواحد منهما للاخر، وهو أمر يعود إلى أنّ أصول ومبادئ الدين تختلف عن أصول ومبادئ الفلسفة على الرغم من كونهما تعبيرا عن حقيقة واحدة، يصل إليها الدين من خلال ضرب الأمثلة الحسية المباشرة بما يسمح للجمهور استيعاب النصوص، ويصل اليها العلماء عن طريق أعمال البحث والاستدلال والبرهان تحتل قضية التأويل موقعا مركزيا في مجادلات ابن رشد مع خصومه وفي بلورة مفاهيمه الفلسفيّة المستقلة. بدأ سجاله مع فرق المتكلمين في عصره فأكّد انه "نحن نقطع قطعا أنّ كل ما أدّى إليه البرهان وخالفه ظاهر الشرع، إن ذلك الظاهر يقبل التأويل". كما اشار أيضا في هذا المجال إلى انه "يوجب التأويل لتطبيق الدين على العلم (لا العلم على الدين)، فكل شيء لا يقبله العقل والبرهان العلميّ يجب تأويله...ليس يجب أن تحمل ألفاظ الشرع كلها على ظاهرها ولا ان تخرج كلها من ظاهرها بالتأويل، والسبب في ورود الشرع فيه الظاهر والباطن هو اختلاف نظر الناس وتباين قرائحهم في التصديق" كانت معركة ابن رشد مع أبي حامد الغزالي أكبر المعارك "العقلية- الفقهية". قام الغزالي بعملية "ترهيب" للفلاسفة الإسلاميّين الذين اجتهدوا في تأويل بعض النصوص الدينيّة التي خالفت النظريات "المحافظة" السائدة والتي كانت الاشعرية تشكّل حرسها. في كتابه "تهافت الفلاسفة" عمد الغزالي إلى تكفير الفلاسفة واتهامهم بالزندقة، مما وضعهم عرضة للاضطهاد وحجر على تفكيرهم وعلى اي خروج لهم عن ظاهر النص. سيشكّل كتاب ابن رشد "تهافت التهافت" مرجعا أعاد فيه فيلسوف الأندلس الاعتبار للفلسفة والفلاسفة وقاد سجالا حادّا مع فكر الغزالي والأشاعرة على السواء، وأكّد أولوية العقل عندما تتعارض مع الشريعة عندما نقرأ هذه "المعركة" الكلامية الفلسفيّة في منظار الحاضر يتبين ان قضية التأويل لم تكن قضية شكلية في التاريخ الفلسفيّ الإسلاميّ، فخلفها تكمن قضية جوهرية تتصل بمعضلات راهنية في العالم العربيّ والإسلاميّ، وهي "مسألة التعدّدية والحق بالاختلاف". فالقبول بمنطق التأويل هو قبول بالخلاف في الرأي والسماح بتعدّد وجهات النظر في قراءة النص الدينيّ، وهو أمر رفضته المؤسسة الدينيّة الفقهية في السابق وتقف بحزم في وجهه راهنا. اذا كان ابن رشد قد أدرك مبكرا أهمّية الاختلاف وحق التعدد في التعبير عنه، الا ان زمنه السياسيّ والاجتماعيّ وهيمنة الفقهاء التقليديين جعلت مفاهيمه هذه غريبة لا أرض جاهزة لتنبت فيها او تزدهر في العالم العربيّ والإسلاميّ، لذا وجدت تربتها الخصبة في مجتمعات سائرة في درب التقدم على حدود الأندلس وفي قلب العالم الأوروبي الذي سيدرك أهمّية ما قدمه لها ابن رشد في معركة الإصلاح الدينيّ التي كانت طلائعها قد استهلت، ولاحقا في معركة التنوير الأوروبي.