قال الخبير في التاريخ الإسلامي وتاريخ شمال إفريقيا الليبي الدكتور علي محمد الصلابي إن الحضارة والثقافة الإسلامية فيها من الفكر الإصلاحي الذي يمكن أن يتعلم منه الآخرون، وإنه لا ينبغي أن نكون منهزمين أمام الصراع مع ما يسمى الطرح الإصلاحي الغربي، مشيرا إلى أن هناك خلافا كبيرا بينهما لأن الفكر الإصلاحي الغربي ينبثق من قيم وعقائد وثقافة فيها شيء نتفق معهم فيه وأشياء كثيرة نخالفهم فيها في ثقافتنا وعقيدتنا. وشدد علي الصلابي على أن المشاريع الإصلاحية يجب أن تنبثق من عقيدتنا وحضارتنا وتجاربنا ومن القيم الإنسانية المحضة، مشيرا إلى أن الأنظمة لها الأثر الواضح على المشاريع الإصلاحية التي قال إنها متنوعة ومتغيرة ولها علاقة بالنظام الحاكم وبطبيعة الناس وبعلاقتهم بهذا النظام. وقال مؤلف كتاب "فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم" إن عموم الحركات الإسلامية وصلت إلى نوع من النضج في مسألة التعامل مع الأنظمة، لكن "هناك بعض الأنظمة لا تزال متصلبة"، مؤكدا أن الإسلاميين ليس لديهم مشكلة في التعامل مع الحكام الذين لديها نوع من المرونة والأخذ والعطاء، مشيرا إلى تجربة عمر بن عبد العزيز الإصلاحية الذي لم يهجر السلطة الحاكمة بل كان قريبا منها ويصلح بقدر المستطاع في قربه من عبد الملك والوليد وسليمان، وأن وصول عبد العزيز رضي الله عنه للحكم لم يكن من فراغ وإنما من خبرة كافية في إدارة الدولة بحكم قربه من الحكام وإشرافه على بعض الأقاليم. وأوضح مؤلف كتاب "تاريخ الخلفاء الراشدين" أن احترام الإنسان وكرامته وحقوق المرأة والحريات وغيرها تدخل ضمن فقه الخلافة الراشدة، التي قال إن الناس يفهمونها على أنها خليفة يملك الأرض ومن عليها فقط وأن هذا المعنى مخالف للحقيقة التاريخية والدينية. وأشار الدكتور الصلابي إلى أن الجانب التاريخي أو فقه الحضارات يحتاج إلى اهتمام وعمق ثم تبسيط للمعلومة لأن "الموجود تناول التاريخ بأسلوب نخبوي يصعب على كثير من الناس فهمه"، موضحا أن حركة القادة السياسيين الإسلاميين ممتازة ولديهم قدرة على الاجتهاد، لكن قادة الفكر والقادة الشرعيين لديهم ضعف، منبها إلى أن هناك إشكالية في الجانب الفكري والجانب التأصيلي لاجتهادات العاملين في الميدان السياسي. وأضاف أن المرحلة الحالية تحتاج لقدرات وإمكانيات أكبر وأضخم في التأصيل، وأنه لا يوجد في الفضائيات شخص تميز بالعمق الفكري والقدرة على حل الإشكاليات الحالية بتأصيل شرعي عميق إلا القليل. وقال صاحب "الوسطية في القرآن" إن تنظيم القاعدة لا يملك مشروعا حضاريا أو نهضويا وإنما هو ردة فعل على الظلم الواقع على الأمة الإسلامية، وأن اجتهاداتهم أربكت أصحاب المشاريع الحضارية الإسلامية الوسطية المعتدلة وفيها حدة في مخاطبة الحكومات والمخالف لها. وقال مؤلف كتاب "دولتي المرابطين والموحدين في الشمال الإفريقي" بأن تاريخ المغرب يشهد إشكالية والدليل على ذلك أنني أبحث منذ سنتين عن كتاب شامل عن محمد عبد الكريم الخطابي فلم أجده، متسائلا عن سر عدم ترجمة نحو 90 كتابا عن محمد عبد الكريم الخطابي كتبت بالفرنسية والإسبانية. وأضاف أن دولة المغرب بدون إسلام لا قيمة لها تاريخيا، مشيرا إلى أن دولة المرابطين قامت على أكتاف البرابرة الذين حملوا الدين الإسلامي إلى الأندلس وإفريقيا. وتاليا نص الحوار الذي أجرته التجديد مع الدكتور علي محمد الصلابي بمقر إقامته بالعاصمة القطرية الدوحة: - لماذا اخترت التاريخ الإسلامي؟ وما علاقتك به؟ علاقتي بالتاريخ الإسلامي كانت في المعتقل بليبيا حيث احتككت بسياسيين ومثقفين كبار واكتشفت بالنسبة لنا نحن الشباب أن هناك حلقات مفقودة خصوصا فيما يتعلق بتاريخ البلاد وما يتعلق بشخصية محمد علي السنوسي وأحمد الشريف وعمر المختار ومحمد المهدي. كما وجدت أن السيرة النبوية تحتاج إلى دراسة خصوصا فيما يتعلق بالسنن التي تعامل معها النبي صلى الله عليه وسلم. كما أن اهتمامي بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم وأنواعه وأسبابه وشروطه ومراحله وأهدافه، دفعني للرجوع إلى المادة التاريخية لاستخلاص فقه التمكين في القرآن الكريم وعند النبي صلى الله عليه وسلم وكيف اهتم بالجماعة؟ كيف واكب المجتمع؟ كيف أقام الدولة؟ كيف دخل في صراع مع اليهود مع النصارى؟ كيف صنع الحضارة؟ وبعد ذلك اهتممت بعصر الخلافة الراشدة وكيف دخلت فيه أياد خبيثة في تحريفه في رواياته التاريخية والموضوعية شوهت شخصيات خصوصا في بعض المحطات الرئيسية في التاريخ مثل سقيفة بني ساعدة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك من الأمور. - لماذا تناولت الخلافة الراشدة بشكل مفصل في كتاباتك؟ وعن أي جانب ركزت؟ اهتممت في هذا الجانب بالفقه السياسي وما يتعلق بحركة الفتوحات في هذا العهد والنوازل التي حدثت في عهد أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وكيف تعامل معهما الخلفاء الراشدون لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى باتباع سنتهم أيضا. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم تحدث عن عودة الخلافة الراشدة بعد المُلك الجبري والعضوض، فلابد من فهم ما هي الخلافة الراشدة؟ ما هي معانيها وصفاتها؟ ما هي طبيعتها؟ ففقهها في حد ذاته خطوة نحو الخلافة الراشدة ولابد أن يكون هذا الفقه أو ثقافة الخلافة الراشدة سائدة بين الناس. من هذا المنطلق اهتممت بعهد الخلافة الراشدة واكتشفت أن هناك خليفة خامسا هو الحسن بن علي رضي الله عنهما. وسيدنا الحسن قدم للأمة مشروعا إسلاميا إصلاحيا ضخما هائلا وقاد مشروعا تُوج بوحدة الأمة وانطلاق حركة الفتوحات من جديد. ومن خلال مشروع الحسن الإصلاحي يمكن فهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين عظيمتين، ومن معاني السيادة في شخصية الحسن رضي الله عنه حرصه على وحدة الصف وحقن الدماء وعلى انطلاق حركة الفتوحات. - أي من المناهج تقيدت بها في كتابة التاريخ الإسلامي؟ لم أتقيد بالمناهج المعروفة عند المؤرخين كالاهتمام بالجانب السردي أو بالمادة التاريخية المحضة، بالنسبة لي التاريخ وسيلة إلى الدعوة لله سبحانه وتعالى. والمادة التاريخية التي أعتمدها أدونها بمنهج قريب من منهج القرآن الكريم في سرد قصص الأنبياء. هذه القصص تركز على صفات الأنبياء وعلى مناهجهم وعقائدهم وعلى خطورة الشرك وأهمية الإيمان بالله واليوم الآخر. وعندما أتحدث عن الشخصيات الإسلامية مثل أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم تكون الفكرة المركزية عندي هي كيف فهم أحدهم الإسلام؟ وكيف عاش به في حياته؟ وما هي علاقته بالقرآن؟ أي نظرته إلى الله وإلى الكون والحياة وإلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى، فبالتالي لا أهتم بالجانب التاريخي المحض فقط وإنما أهتم بالجانب العقائدي وأثره أيضا، وباستخراج ما يسمى بالدروس والعبر، لقد كان في قصصهم عبرة، العبرة هي الهدف من دراسة التاريخ ومحاولة التركيز على السنن، لأن السنن تتكرر، وكيف نتعامل معها. - يتهمك البعض بأنك تطنب في تناول التاريخ وتحشر العقيدة في كل شيء؟ أنا عندي قناعة هي أن الجمهور الذي يقرأ التاريخ أوسع من الجمهور الذي يقرأ كتب العقائد أو كتب التفسير أو الحديث أو الفقه لأن التاريخ يمكن أن يقرأه السياسي والمفكر ومخرج المسلسلات بمعنى يقرؤه جمهور عريض وضخم، وبالتالي أسمح لنفسي من خلال المادة التاريخية أن أوصل شيئا من العقائد والأخلاق والأحكام الشرعية تكون لها علاقة بالمادة التاريخية، فهذه وسيلة دعوية. كما أنني أضع النقاط على الحروف ولدي نوع من الصراحة في مسألة الخلط في الإسلام حيث يدعي الكل وصلا بالإسلام هذه قضية غير صحيحة في وجهة نظري. غير أنني أتقيد بالأدب ولا أشتم ولا أسب لكن في نفس الوقت أناقش القضايا مناقشة موضوعية تبحث عن الحقيقة حتى أنني تناولت مسألة الفتنة في كتاب سيدنا علي رضي الله عنه، ومعروف أن علماء السنة يقولون لا تدخل في الفتنة لأن الله سلمنا منها بأيدينا فلا نلوث ألسنتنا بحديث عنها، هذه العقلية جعلت فرقا ضالة يدخلون روايات ضعيفة مزيفة ويشوهون هذه المرحلة ثم جاء المستشرقون اتبعوا مواقف هذه الفرق، لهذا أجتهد في مناقشة هؤلاء الناس لكن بأدب والحجة بالحجة والفكرة بالفكرة والدليل بالدليل وبيان حقيقة ما حدث. - قلتم إنكم ستتحدثون عن الصفحات البيضاء في التاريخ الإسلامي فهل يدخل هذا في إطار القراءة الموضوعية للتاريخ؟ أهتم بالنقاط البيضاء من حيث تسليط الأضواء عليها وكيفية التعامل معها، فهي بطبيعتها تؤثر في النفس تأثيرا إيجابيا ويحيي الله بها القلب وينور بها العقل. ثم إن النقاط البيضاء فيها مجال للاقتداء، إلا أنني أهتم أيضا بالنقاط السوداء لكن من حيث الدرس والعبرة والاتعاظ وكيف نبتعد عنها. فبعد الصراع الفكري وخاصة بعد سقوط بغداد وظهور المد الشيعي الرافضي بقوة واضحة بدأت تثار شبهات كثيرة خصوصا حول عهد الخلافة الراشدة أو حول التاريخ الإسلامي عموما، لهذا اهتم ببيان الحقائق، فأطرح منهج الرؤية الإسلامية السنية الصحيحة وأهتم أيضا بالأخطاء التي وقع فيها الصحابة رضي الله عنهم فأذكرها وأبين الصواب فيها، فسيدنا معاوية رضي الله عنه مثلا شخصية دار حولها جدل خاصة فيما يتعلق بقضية توريث يزيد، فأحافظ على مقام الصحابي الجليل وعلى أعماله وماذا قدم للأمة، لكن في نفس الوقت لا أدافع عن الخطأ الذي وقع فيه عند توريثه ليزيد وأحاكم اختيارات معاوية في عهد الخلافة الراشدة وكيف اختير أبو بكر وعمر وعثمان وعلي؟ وكيف اختير معاوية نفسه؟ رضي الله عنهم جميعا، لهذا أعتبر توريث يزيد من الأخطاء التي وقع فيها سيدنا معاوية ولكن في نفس الوقت أعطيها حجمها الطبيعي لأن الصحابي بالنسبة لنا ليس معصوما. إن ما يهمني هو الحقيقة والشبهة الموجه للحقيقة، ومعالجة الخطأ بطريقة نستخرج منها بعض العبر ونتفادى الأخطاء. - هل تكتبون للحركة الإسلامية فقط؟ طبعا أكتب للأمة عموما ومن ضمنها الطلائع التي تمثلها الحركة الإسلامية ولسان الحال يقول للآخرين سواء كانوا يهودا أو نصارى هذا تاريخنا من منظورنا، لأن تاريخنا للأسف الشديد الذي تُرجم إلى الإنجليزي أو الفرنساوي كله كتب بأيدي المستشرقين تختلف عن الرؤية الإسلامية السنية الصحيحة. - التاريخ يتم تناوله حاليا بمناهج حديثة فكيف سيتفاعل معك الآخرون؟ لم أتقيد بالمناهج السائدة لأن قضية المنهج قضية اجتهادية ومن حقي أن أجتهد، كما أنه كلما ظهرت في الساحة كتب خصوصا المراجع العلمية في مجال التاريخ أستفيد منها ومن طريقة ما وصلت إليه من حقائق سواء من السعودية أو المغرب أو مصر، هذا التراث جُله أهتم به وأهتم بالاستفادة من قضية الجرح والتعديل في الأساليب التي وصل إليها هذا العلم، وبالتالي نحن جزء من هذا التقدم، لكن تهمنا الرؤيا الإسلامية الصحيحة. - ما هي ملامح المشروع الذي تقدمونه للقراء والأمة الإسلامية في كتاباتكم؟ وكيف نصنع نهضة في زماننا؟ مشروع النهضة مشروع ضخم لا يستطيع أن يساهم فيه فرد بل يساهم فيه عشرات بل مئات من المفكرين في مجالات متعددة، لكن أقول إن حسن قراءة التاريخ تساعد على استيعاب الحركة التاريخية للأمم والشعوب لإقامة الدول وزوالها وسقوطها، كما نستطيع من خلالها توحيد ما يسمى ثقافة النهوض الصحيحة من خلال دراسة حركات نهوض كالعثمانيين أو الزنكيين أو الأيوبيين أو الخلافة الراشدة، كحركات نهوض ضخمة من معالمها صفاء العقيدة وصفاء المنهج، فهناك صفات معينة تمثلت في أبو بكر الصديق وعثمان وعمر وسيدنا علي رضي الله عنهم جميعا، كما نلاحظ أن محمد الفاتح أو يوسف بن تاشفين وصلاح الدين مثلا كقادة عسكريين كان بجانبهم قادة فكر وعلماء دين. فيوسف بن تاشفين مثلا كان بجانبه عبد الله بن ياسين الذي أسس الدولة ومهد له، ومحمد الفاتح كان بجانب آق شمس الدين أحد العلماء الأتراك، أما صلاح الدين فكان يقول ما فتحت بلدا بسيفي ولكن بقلم القاضي الفاضل. فالقيادة العسكرية تحتاج إلى قيادة فكرية لها رؤى ولها نقطة بداية لها ونقطة نهاية، وبالتالي قضية النهوض هي خلطة بين الجانب الفكري والسياسي والعقائدي وجوانب أخرى لا تأتي بسهولة وبتسطيح الأمور. ومن الأمور التي تؤهلنا إلى فقه النهوض الدراسة العميقة المتأنية في التراث التاريخي الضخم الذي أكرمنا الله به نحن الأمة الإسلامية. - قلتم إن الأمام الحسن بن علي رضي الله عنهما قدم مشروعا إصلاحيا ضخما رغم أنه قتل، فعلى ماذا كان يرتكز مشروعه؟ وما هي ملامح الإصلاح من خلال الحكم في التاريخ الإسلامي؟ بالنسبة للحسن بن علي رضي الله عنهما قام بمشروع إصلاحي ضخم إذ استطاع أن يقنع المتخاصمين في عهده بأهمية الصلح لصالح الأمة ولصالح الدين. فمشروع الحسن رضي الله عنه قطع عدة مراحل واعترضت طريقه عدة عوائق حتى قام الصلح الذي نجح بشروط معينة وعلى مقاصد الشريعة من حفظ الدماء ووحدة الصف من أجل الدعوة إلى الله والفتوحات، فسيدنا الحسن أصل هذا الصلح على فقه الخلاف وفقه مقاصد الشريعة، وبالتالي أعتبرها تجربة إصلاحية ضخمة قائدة بالنسبة لوقتها وقد كتبت فيه كتابا سميته خامس الخلفاء الراشدين الحسن بن علي. أما بالنسبة إلى عمر بن عبد العزيز فهذه دعوة إصلاحية من داخل الأسرة الحاكمة حيث أن الأمويين انحرفوا بطريقة أو بأخرى في جوانب متعددة وجاء هذا الرجل المصلح والمجدد العظيم فقام بحركة إصلاحية ضخمة عبر الحكم حيث كان في فترة قريبا من عمه عبد الملك الذي كان فيه ظلم وجور وفيه عدل يعني ملَكَ في فترة الحكم العضوض، فلم يهجر السلطة الحاكمة بل كان قريبا منها ويصلح بقدر المستطاع في قربه من عبد الملك والوليد وسليمان، ثم جاءت الفترة الذهبية بالنسبة حيث وصل للحكم وعنده خبرة كافية في إدارة الدولة بحكم قربه من الحكام وإشرافه على بعض الأقاليم، فحكمه لم يأت من فراغ وإنما من ثقافة وفقه في إدارة الدولة بحيث كان يعرف أين الخلل والانحراف في المجال الإداري وفي المجال الاقتصادي والسياسي.. وفي الجانب العقائدي اهتم بالحوار وناقش الخوارج والفُرُق المنحرفة، واهتم بالجانب الدعوي.. وهذا دليل آخر على أن حضارتنا وثقافتنا وفكرنا فيه من الفكر الإصلاحي الذي يمكن أن يتعلم منه الآخرون، ولا ينبغي أن نكون منهزمين أمام الصراع مع ما يسمى بالطرح الإصلاحي المعاصر الذي تتبناه أمريكا أو الغرب، وعلينا أن نستوعب التاريخ والفكر الإصلاحي الذي عندنا ونقدمه للآخرين للاستفادة منه. وقد ألفت كتابا عن عمر بن عبد العزيز ومعالم التجديد والإصلاح الراشدي. - توجد طوائف كثيرة في الأمة الإسلامية، ألا تشكل قراءتكم السنية إقصاء للطوائف الأخرى؟ عندما أقول أهل السنة المقصود بها هو دين الله الحق الذي كان عليه رسول الله وأصحابه في الفهم لهذا الدين في الجانب العقائدي والفكري والأخلاقي والمعاملات والعبادة.. وبالتالي الإسلام الصحيح عندي هو المدرسة السنية التي تمثلت فيها علوم الصحابة وأخذها التابعون ثم جاءت بعدها مذاهب الإمام مالك وأحمد والشافعي غيرها من المذاهب السنية التي حافظت على أصول الفهم للقرآن والسنة من خلال علماء الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم. أما الآخرون مثل الاثني عشرية فإنهم خرجوا عن كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في فهم العقائد وفي تفسير القرآن وفي النظر لكثير من القضايا الفكرية التي أصل لها الصحابة أخذوها من الرسول. فأنا ضد الخلط لابد أن تتمايز الأمور، الحق حق والباطل باطل ونتعامل مع الأخطاء والانحرافات بنصح، فلن تحدث نهضة للأمة إلا إذا صفت الأمور وعرفنا من هو على الإسلام الصحيح ومن هو المبتدع ومن هو المنحرف. فهذا أصل من أصول النهوض لهذه الأمة. - في هذا السياق ألا تعتبر مبادرة أمريكا وأوروبا فرصة بالنسبة للشعوب العربية والإسلامية يجب استغلالها؟ هناك خلاف هائل بيننا وبين الغرب، لأن الفكر الإصلاحي الغربي ينبثق من قيم وعقائد وثقافة، هذه القيم والعقائد والثقافة فيها شيء نتفق معهم فيه وأشياء كثيرة نخالفهم فيها في ثقافتنا وعقيدتنا وفكرنا. فالمشاريع الإصلاحية يجب أن تنبثق من عقيدتنا ومن ثقافتنا وحضارتنا وتجاربنا ومن القيم الإنسانية المحضة، وفي عالم الأفكار الأمة الإسلامية تستطيع أن تعلم الآخرين، ربما الفائدة الأكبر لدى الغرب هي الجانب التكنولوجي، أما جانب القيم فهم -لو أحسنا طرح ما عندنا- سيتتلمذون علينا. - إذا عدنا لمسألة المنهج، في العراق مثلا هناك جماعات تتبنى خطابا سنيا متشددا كما يصفه المراقبون فكيف تستقيم دعوتكم للمنهج السني الموحد في ظل وجود مذاهب مخالفة؟ المذهب السني تجربته في المشاريع النهضوية كانت حاضرة وكانت ناجحة سواء في عهد نورالدين زكي أو عهد محمد الفاتح أو صلاح الدين أو يوسف بن تاشفين في المغرب. أما الانحرافات التي تحسب على أهل السنة وعلى منهج بعضهم فهذا يقوّم ونحن لا نرضى إلا بالحق وما وافق الصواب، أما مصلحة العراق ففي الإسلام، فإذا قلنا إن الخطاب السني سبب إشكالية نكون قلنا إن الإسلام لا يستطيع حل مشكلة العراق وهذا لا يقول به عاقل من أبناء المسلمين فالمصلحة الوطنية لكل العراقيين تحقق بالمشروع الإسلامي الأصيل الذي يحافظ على حقوق الأقليات والأعراق ويبسط العدل الشامل على الجميع ويضبط العلاقات بين الحاكم والمحكوم ويحترم الحريات والمساواة والعدالة. - هناك من يقول بضرورة قراءة التراث الإسلامي من فوق وليس من الداخل حتى تكون قراءة الحدث التاريخي موضوعية، ما وجهة نظرك؟ التراث الإسلامي تراث ضخم، تراث تجربة إنسانية ولا نقول إنها كلها صحيحة لكن نحن عندنا ميزان العدل هو الكتاب والسنة التي حفظها الله بحفظه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) اللذين نزن بهما هذا التراث، فما وافق هذا الميزان نأخذ به، وما خالفه نزيحه من طريقنا. وأي أمة تريد أن تنهض لابد أن تلتفت إلى تراثها حتى تستفيد منه في حاضرها وتستشرفه في مستقبلها سواء كانت هذه الأمة أوروبيين أو يابانيين أو صينيين أو مسلمين، ونحن عندنا كما قلت الميزان الذي نزن به الأمور وبالتالي أنا مع النظرة الفاحصة والاستفادة من التراث دون أن ننظر له بمنظار أسود أو أبيض ولكن نأخذ منه ما يفيدنا ونترك الباقي. - ما هو المنهج الأقوم من أجل الإصلاح والتغيير في العالم العربي والإسلامي؟ التجارب متعددة ومتنوعة، وكل قٌطر يلائمه مشروع إصلاحي يختلف عن الآخر وعندما يكون من طبيعة الحكم الدكتاتورية والظلم فيصعب الأخذ والحوار مع مثل هذا النظام مثلما قال فرعون لقومه (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) فكان مشروع سيدنا موسى الخروج بقومه إلى منطقة ومكان ليس تحت سيطرة وقبضة فرعون السياسية، لكن عندما يكون هناك ملك يأخذ ويعطي فيسهل التعامل معه، فسيدنا يوسف عليه السلام كان في زمانه ملك يستمع للآخرين ولهذا قال (آتوني به أستخلصه لنفسي) فلما كلمه عرف إمكانيات وقدرات ومؤهلات سيدنا يوسف عليه السلام قال (إنك اليوم لدينا مكين أمين) فسيدنا يوسف جعل المُلك جزءا من المشروع، إذا المشروع الذي قدمه سيدنا يوسف ما كان ينجح لولا الله ثم وجود هذا الملك العاقل الذي يقدر الملكات والإمكانيات والقدرات، وبالتالي أقول إن المشاريع الإصلاحية متنوعة ومتغيرة ولها علاقة بالنظام الحاكم وبطبيعة الناس وبعلاقتهم بهذا النظام، إن الأنظمة لها الأثر في المشاريع الإصلاحية. - ألا تعتبر مسألة التعامل مع السلطة من القضايا التي يجب إعادة النظر فيها خاصة إذا استحضرنا ما تتعرض له الشعوب الإسلامية من ضغوط دولية من أجل إفراغ هذه الشعوب من محتواها الثقافي والحضاري؟ لا شك أن قضية التعامل مع الحكومات من القضايا التي أعيد النظر فيها وأظن أن قيادات الحركات الإسلامية عمومها وصلت إلى نوع من النضج في هذه القضية، لكن هناك بعض الأنظمة لا تزال متصلبة، وفي الأنظمة التي نجد فيها نوعا من المرونة والأخذ والعطاء نجد أن الإسلاميين ليس لديهم أي إشكالية في التعامل معها. القيادة الإسلامية أظن أنها أعادت النظر بشكل صحيح وقطعت أشواطا ممتازة، ونحن نطلب من الحكومات أن تبدي نوعا من المرونة لإيجاد قواسم مشتركة بينها وبين الحركات الإسلامية وتفسح مجالا للانفتاح على المجتمع وعلى الشعوب، خاصة أن الحركات الإسلامية جزء من هذه الشعوب. - هناك من يقول بأن طرح قضية الخلافة الإسلامية لا يتلاءم مع الواقع الحالي، ألا يعد هذا من إعادة النظر؟ من الناحية الفكرية والنظرية أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم أنه سوف تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة ولم ينكرها عليه الصلاة والسلام، ولكن من حيث الواقع الذي نحن فيه هل بالفعل يمكن أن تقوم الخلافة في المنظور الواقعي، لا أظن. إذ لابد أن يكون المد الإسلامي وفق الأقطار ثم يحدث التطور المنشود نحو الخلافة، وعادة هذا التطور يأخذ زمنا طويلا وأجيالا عدة، وهذا من طبيعة الحضارات. لكن ما هو حكم الخلافة الراشدة؟ فالقيم في الخلافة الراشدة قيم راقية حتى الغرب لم يصل إليها إلى يومنا هذا سواء في جانب الحريات أو في جانب العدالة أو المساواة أو الدستور أو مراقبة الحكام، وبالتالي من حيث القيم الخلافة الراشدة هذه نحن نطرحها بقوة بل قابلة للتطبيق على بعض الأقطار التي تتاح لها الفرصة في هذا الجانب على اعتبار أن احترام الإنسان وكرامته وحقوق المرأة والحريات وغيرها تدخل ضمن فقه الخلافة الراشدة أصلا. أما من الناحية السياسية بمعنى الدولة الواحدة الكبرى هذه القضية في تصوري الواقع بعيد عنها، لكن لا بد على الأمة أن تعمل من أجل تحقيقها ولو بعد أجيال لأنها قضية ربانية، نحن علينا أن نبذل الجهد أما تحقيقها ربما يأخذ أجيالا. على أن نتذكر أن الخلافة الراشدة من ناحية الفكر الإنساني فهي فكر راق جدا ويرتكز على أصول من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن لا بد أن نوضح معنى ملامح الخلافة ومعالمها ومنهجيتها ومؤسسات دولة الخلافة. هذه المعاني لا بد أن نوضحها للناس حتى يفهموا معنى الخلافة الراشدة لأن في ذهن كثير منهم أن الخلافة ما هي إلا خليفة يملك الأرض ومن عليها فقط وطبعا هذا ليس صحيحا أصلا. - ما هو اللقب المناسب لمن يحكم المسلمين؟ في تصوري بالنسبة للوقت الحاضر ليس مهما إطلاق كلمة خليفة أو رئيس دولة أو رئيس جمهورية أو ملك أو أي لقب آخر ، إن ما يهمني هو قرب هذا الشخص أو بعده من الشريعة، أما المصطلحات فلا تهمني، فلو جاء ملك مثلاً وجعل أو زعيما أو قائدا المرجعية الكبرى له كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي الخلافة الراشدة فلن تكن لدي مشكلة معه. - في إطار التجربة الإسلامية هل ترى أنها حققت المستوى المطلوب من التطبيق؟ الأتراك في الفقه السياسي قطعوا مسافات كبيرة وهم من التجارب الرائدة التي تحتاج إلى الدراسة والاستفادة منها. والنقطة المهمة جدا أن الإنسان البعيد عن الحدث وعن المعترك يحسن تصيد الأخطاء، وأظن أن المسلمين الأتراك يستحقون الاحترام والتقدير خصوصا في ظل قيادة رجب أردوغان فهو رجل انتماؤه واضح للأمة وللإسلام وعبر عن ذلك بزيارة باكستان أو مساعدة ضحايا الزلزال بمائة وخمسين مليون دولار ففي هذا رسالة واضحة على عكس باقي العالم الذي لم يهتم كما ينبغي بزلزال باكستان بعكس عاصفة كاترينا التي قلبت الدنيا والشعوب العربية والإسلامية. والحدث الثاني لما اشتد النقاش حول الحجاب فقال أوردغان إن الحجاب لا يحكم فيه لا الساسة الأتراك ولا الساسة الأوروبيون وإنما يحكم فيه علماء الإسلام، أظن أن الرجل عنده ملفات إسلامية ساخنة بين كل الحين والحين يخرج للناس ملفا. في أحداث العراق أيضا الدولة الوحيدة التي أتعبت أمريكا هي تركيا إذا قارناها بأي دولة إسلامية أو عربية أخرى، والبعد الإسلامي كان حاضرا في هذه القضية وأظن هذا شيء رائع أن القيادة الإسلامية السياسية تصل إلى هذا المستوى. - تثار قضية تجديد الخطاب الديني بشكل قوي جدا، السؤال كيف نجدد الخطاب الديني؟ التجديد أو الإصلاح فيه ثوابت تحتاج إعادة طرح في أسلوب يلائم العصر، ففي جانب العقيدة مثلا الإيمان بالله واليوم الآخر هذا ثابت من الثوابت يحتاج بعض المنظرين في هذا الجانب أقوياء مثل ابن تيمية رحمة الله الذي أعاد مثلما قلنا نحن للعقيدة وهجها من حيث الطرح بالنسبة للأمة وكذلك فعل الغزالي وعبد القادر الجيلاني. الأمة تحتاج بين الحين والحين من ينظر ويحيي العقيدة الموجودة الكامنة ويلائمها مع العصر. وفي الجانب الأخلاقي يحتاج إلى تمازج وعملية يحدث فيها نوع من التجديد ومحاربة الأخلاق السيئة. في الجانب العلمي أيضا يحتاج إلى تجديد لكن باعتباره حقا للإنسانية كلها تستفيد الأمة الإسلامية منه. - كيف تنظر إلى الثقافة التاريخية لدى الحركة الإسلامية؟ الثقافة التاريخية وفقه النهوض في الحركة الإسلامية وفي عموم الأمة ضعيف ويحتاج من أبناء الحركة أن يهتموا به حتى يدخل ضمن المناهج التي لا تزال تعاني من نوع من الركود لدى الحركات الإسلامية. في فترة معينة نوعا ما سدت ثغرة ضخمة عندما كان الإسلام هو الحل أمام المد الاشتراكي أو المد العلماني في الستينيات وفي غيرها حيث الكتابات كانت نافعة، أما الآن فالأمة ليست لديها مشكلة في كون أن الإسلام هو الحل ولكن كيف يمكن تطبيق هذا الحل. لهذا بدأت بالاهتمام بالجانب التاريخي أو فقه النهوض أو فقه الحضارات والذي يحتاج إلى اهتمام وعمق ثم تبسيط للمعلومة لأن الموجود تناول التاريخ بأسلوب نخبوي يصعب على كثير من الناس فهمه. - الحل هو الإسلام، هل هذا الشعار يتوافق مع سنة التغيير والإصلاح؟ لا شك أن فكرة "الحل هو الإسلام" فكرة مركزية تلتقي عليها الأمة يعني أي حركة نهوض تحتاج إلى فكرة مركزية، فبالنسبة لنا نحن الفكرة المركزية هي عقيدتنا وديننا (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء) التبيان لكل شيء يعني برامج منبثقة من ديننا تكون واضحة من حيث الأهداف والوسائل والقدرة على التنفيذ سواء في المجال الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي أو القضائي أو مؤسسات الدولة. - هناك من يقول إن الحركة الإسلامية تعيش في مثالية أي أنها لا تملك برامج سياسية واقتصادية؟ إذا نظرنا للحركة الإسلامية في عمومها فهي قفز قفزات كبيرة مثلا في تركيا واضح أن الحركة هناك تملك برامج سياسية واقتصادية واجتماعية ونجحت إلى حد كبير باعتراف الخصوم والأعداء. إذا نظرنا إلى المغرب أيضا هناك قفزات واضحة المعالم سواء في الجانب السياسي حيث توجد للإسلاميين برامج واستطاعوا أن يتفاهموا مع الشعب والحكومة ومع الدولة بطريقة أو أخرى. كما أثبتت الانتخابات الأخيرة في مصر أن الأخوان قوة لا يستهان بها وعندهم قدرة على تحريك الناس ومنظمين وعندهم أهداف ورؤى وحركت سكونا استمر فترات طويلة. أظن أن الحركة الإسلامية خصوصا في المعترك السياسي خطت خطوات نحو النهوض لكن لا تزال هناك إشكالية في الجانب الفكري والجانب التأصيلي لاجتهادات العاملين في الميدان، بحيث يكون المفكرون والعلماء مساندين للحركة الإسلامية من حيث التأصيل والفكر يلائم المستجدات. أشعر أن حركة القادة السياسيين ممتازة ولديهم قدرة على الاجتهاد، لكن قادة الفكر والقادة الشرعيين لديهم ضعف، وجمال الإسلام يكون في الانسجام بين القادة السياسيين والقادة الفكريين والشرعيين، فالأمة تحتاج الآن إلى شخصيات نيرة ذلك أن الخطاب الديني الذي يطرح من خلال الفضائيات مثلا خطاب عام وليس فيه عمق فكري يصنع حضارة مطلوبة خاصة الذي تجسده شخصيات تبرز على الفضائيات الحالية. - هل ظاهرة الفضائيات ودعاتها إيجابية تخدم مسيرة التغيير في الأمة الإسلامية أم أنها تشكل محطة للمراجعة؟ نعم هو شيء إيجابي وممتاز، لكن لابد أن يوضع في محله ويعطى قيمته الطبيعية مثلا عمرو خالد أو طارق سويدان أو غيرهما ممن يتكلمون في الفضائيات هؤلاء يضيفون شيئا جديدا ويكسبون جمهورا آخر في الأمة ولكن الذي يستطيع أن يقوم بالحركة النهضوية الفعلية هم الذين في الميدان، لكن الحركات المنظمة داخل الميدان تستفيد من جهود هؤلاء، أما أن يتصور شخص في فضائية ما أنه يستطيع تحريك الأمة يمينا وشمالا، هذا الكلام لا يخضع للسنن التي تقول إن الذين يؤثرون في المجتمعات هم الذين يملكون القوة التنظيمية والجانب القيادي المشروع والرؤية والتحرك في أوساط المجتمع. - كيف تنظر لظاهرة القاعدة؟ القاعدة لا تملك مشروعا حضاريا أو نهضويا وإنما هي ردة فعل على الظلم الواقع على هذه الأمة توجت بهذه الأعمال والكثير من اجتهاداتهم أربكت أصحاب المشاريع الحضارية الإسلامية الوسطية المعتدلة، وفيها حدة في مخاطبة الحكومات والمخالف لها. - هل استوعبت الحركات الإسلامية المغربية تاريخ المغرب؟ بحكم قراءتي لتاريخ المغرب والمرابطين والموحدين، هناك إشكالية في تاريخ المغرب والدليل على ذلك أنني أبحث منذ سنتين عن كتاب شامل عن محمد عبد الكريم الخطابي فلم أجده في دور النشر أو حركة المطابع، أنا أهتم بشخصية محمد عبد الكريم الخطابي لأنه قاتل فرنساوإسبانيا والمعارك التي خاضها هذا الرجل تدرس في إسبانياوفرنسا، ويقولون أنه كُتب عنه أكثر من 90 كتابا وكلها بالفرنسية والإسبانية فلماذا لا تترجم هذه الكتب ويستفاد منها، كما أنني وجدت كتبا عن محمد عبد الكريم الخطابي وعن حركة الجهاد المعاصر لاستقلال المغرب التي كانت تملك رؤية إسلامية واضحة ويفترض أن يكتب الكتاب المغاربة هذا التاريخ لأن هؤلاء أجدادنا من حق الأمة علينا أن يعرف بهم، وهي تمدنا ثقافة المقاومة الواعية والمحتسبة عند الله الأجر والمثوبة. - من هي الدولة المغربية من وجهة نظر تاريخية؟ هوية الدولة المغربية هي التي تحمل الإسلام لا قيمة للمغرب بدون إسلام هذه هي الحقيقة لمن يدرس التاريخ المغربي حيث انصهر الأمازيغ والعرب في بوتقة الإسلام العظيم والحضارة الإسلامية حتى وصل الإسلام عبر المغرب إلى الأندلس وغرب إفريقيا كالسنغال وغيرها وإلى يومنا هذا ينظر الأفارقة إلى علماء المغرب كمرجعية لهم. -كيف كان يعيش الأمازيغ في الدولة المغربية؟ المغرب جزء من الأمازيغ أو البرابرة المسلمين يكفينا في التاريخ يوسف بن تاشفين أو دولة المرابطين التي قامت على أكتاف البرابرة الذين حملوا هذا الدين إلى الأندلس في الفتوحات، وفي الجزائر نجد مثلا أن عبد الحميد بن بديس كان بربريا صنهاجيا وجميع المسلمين في المشارق والمغارب يحبون هذه الشخصيات العظيمة وأصبحوا جزءا لا يتجزأ من تاريخ الأمة لما قدمته لدين الله. - هل ترون أن القيادات الإسلامية الحالية تواكب المستجدات في الساحة الفكرية والثقافية؟ هناك مستجدات كثيرة ومعقدة ومتداخلة تحتاج لجهود فكرية مؤصلة بالشريعة، حيث هناك علماء يطرحون حلولا لقضايا في فترة الثمانينات والسبعينات والتسعينات، وأعتقد أن المرحلة الحالية تحتاج لقدرات وإمكانيات أكبر وأضخم ففي الفضائيات لا يوجد شخص تميز بالعمق الفكري والقدرة على حل الإشكاليات القائمة الحالية بتأصيل شرعي عميق إلا القليل، أظن أن هذا التحدي ضخم خصوصاً مع وجود الشخصيات التي خرجت على الفضائيات وبرزوا كدعاة إلى الله تعالى كثير من الإخوة الإعلاميين الذين برزوا كدعاة إلى الله سبحانه لاشك أن جهودهم عظيمة وسدوا ثغرة وقاموا بدور كبير لكن نطالب بشخصيات أعمق من حيث الفكر ومن حيث الشريعة ومن حيث طرح حلول للنوازل الحالية. - هل يعيد التاريخ نفسه ؟ إذا أحسنا التعامل مع السنن، بمعنى أن هناك سننا ضابطة لحركة المجتمعات في الصراع وفي قيام الدول وسننا أخرى في سقوط الدول، فالذي يفيدنا في الدراسة التاريخية استيعاب هذه السنن وكيف ننزلها في عصرنا وواقعنا، أما الإعادة الكلية فهذا صعب المنال. - البعض يقول إن انتشار كتاباتكم لا يعود إلى محتواها الموجود لكن يعود لتنازلكم عن بعض حقوقكم حيث نشرت لكم أكثر 14 دار نشر الكتاب الواحد؟ لقد شهد عدد من العلماء والدعاة والأكاديميين بقيمة الذي أنتجته وأن فيه شيئا جديدا وهناك عدد من الجامعات والمعاهد تعتمد بعض كتبي كمادة تدرس. أما قضية القبول وعدمها فهذه قضية ربانية وإن كان تنازلي عن حقوقي عامل من عوامل الانتشار. لكنني أقول لو كنت أملك أموالا سأصرفها على إيصال ما أومن به من فكر يخدم أمتي إلى كل بيت من بيوت المسلمين، ومن هذا المنطلق أتنازل عن حقوقي وأشعر أيضا أن دور النشر لها فضل علي بعد الله سبحانه لأنهم نشروا ما أنا مؤمن به في المشارق والمغارب.