من حق أي مسؤول أن يدافع عن منجزاته الدورية أو السنوية او الحكومية، وأن ينشر على الملأ ما قام به من أعمال خلال ولايته، وأجمل من هذا الحق أن ينصت هذا المسؤول أو ذاك لصوت رحيم يبذل له النصح بمرارته، لأن الحياة علمتنا أن الدواء المر غالبا ما يكون مصدر شفاء وراحة بعد المعاناة، وفي هذا العلاج المر تموت الفطريات المنتشية بالفوز والإنجازات أو اللاهثة وراء المصالح والامتيازات. وقد تكون هذه الإشارات نوعا من "النصح المر" لتستيقظ قلوب وعقول لتعلم أن منصة "الإصلاح" تكون في سدة التدبير كما قد تكون في سدة المعارضة، كما قال الفقيد عبد الله باها، رحمه الله وجميع موتى المسلمين. شخصيات وأفكار كثير هم أؤلئك الذين يحومون حول بعض المسؤولين ليشعرونهم أنهم أوفياء لا يشق لهم غبار، وأن وجودهم المادي، وربما القولي، هو عربون دعم ومساندة شبيهة بالعلاقة المريدية بين الشيخ والمريد، حتى إن تحدثت عن هذا الوزير أو المسؤول بنوع من الانتقاد سلقتك ألسنة الحداد بأنك ضد التجربة، أو أنك تتحامل على إخوانك أو تحمل في نفسك شيء من حتى لفلان وعلان، والله يعلم السرائر. فمع فقدان بنكيران لشخصية نصوحة مثل "باها"، رحمه الله، يكون قد فقد جناحا من أجنحة التحلق في السماء، وبدفع "العثماني" للاستقالة فقدت المؤسسة الحكومية شخصا متواضعا وعاقلا لا يتلون مع المنصب، وبفقدان "الشوباني" بافتعال معركة تهتم ب"الأشخاص"، كما هي عادة العقول المتوسطة، يكون قد فقد بنكيران جناحا آخر، وبدفعه لمعارك تمهد للتخلص ممن يجهرون بقول "لا" أمامه وأمام غيره من صناع القرارات المطبوخة، مثل أقتاتي وغيره، يكون بنكيران قد فقد شيئا من وصية حذيفة بن اليمان، الذي كان يسأل النبي عليه السلام عن الشر مخافة الوقوع فيه، في وقت كان الصحابة يسألون عن الخير.. وهكذا تشتغل الماكينة بآلياتها المتنوعة، المستمدة من نفوذ الدولة العميقة، لتأقليم أظافر بنكيران، حتى إذا حان الوقت، وتقرر إغلاق الباب أمامه، وغيره من المصلحين مستقبلا، سيجد نفسه محاطا بالمثل الذي طالما ظل يردده على أسماع من عاشروه: ما أكثر الإخوان إذا عددتهم..". وما سبق ليس تخوينا لصلحاء ما يزالون يكابدون لتوسيع دائرة الإصلاح من أجل الاستقرار، ولكن فقط همسة لإيقاظ من استئنسوا بالمقاعد الوثيرة، وعز عليهم أن يفارقوها كأنها شاطئ الأمان والإصلاح الأوحد دون باقي مجالات الإصلاح المتنوعة. قطاعات ليست للحكومة كثيرة أيضا تلك الأوراش، التي تروج لها حكومة بنكيران أنها فتحت: دعم الأرامل، المقاصة، منحة الطلبة، تخفيض الدواء، العزم على إصلاح التقاعد، وهلم جرا. وكلها فعلا ملفات حارقة لا يلجها إلا من قطع "الصباط"ن ولم يعد ينتظر من المشاركة السياسية أو الانتخابات أي فرصة للإصلاح. غير أن التعامل مع هذه الأوراش يجب أن يتم بحذر وفطنة تستمع لأصوات النصوحة، فما معنى أن أسارع الخطا لتنزيل قرارات تحتاج لاستشارات عموم المجتمع وتداعياته بقول مريح "ولتضع مع هذه القرارات الشعبية"، فالشعبية لم تعد فرديةن بل هي في الحقيقة نافذة أمل لمشروع شمولي يتوخى الإصلاح لوطن ظل يرزح لعقود تحت وطأة الفساد والمفسدين. إن تدبير مشاكل وكوارث السابق لا يمنح أي مسؤول الصلاحيات في التصرف حسب ما يملي عليه عقله الفردي، فم يعد متسعا أمام الشباب لورهن الإصلاحات لوقت مؤجل. ولمزيد من التوضيح، نتساءل بالصوت المسموع: هل جميع مداخيل الوطن والتحكم في أوجه صرفها هي بيد بنكيران وحكومته؟ أين بنكيران وحكومته في ما يعتمل في الشأن الديني وما يحاك ضد المصلحين فيه، ولو لم يكونوا من حزبه؟ وما هي وجهة المغرب الأخضر ومن يتحكم في "الفلاحة" دعم مشاريعها، وأين تصب مجاريها؟ واين المواطن المغربي من الأمن والعدالة وأن يمثل المواطن أمام القطاء يحاكم متغطرسا مارس عليه تعسفا أو شططا دون أن يخشى تكالب لوبيات الفساد المهيكلة وذات الأدوار المتقاسمة (إعلام، قضاة، مال لشراء الذمم..)؟ أين ستصل قطار الإصلاح في قطاعات المجتمع المدني والتعليم بعدما فقد هذان القطاعان بعض ركائز نجاحهما مع السعي للتحرر من الوصايات والإملاءات برجالات سيذكرهم التاريخ بعد أن تمر نشوة الارتخاء النفسي للمقاعد؟ ومن يتحكم في مجال الإعلام والأعمال والعقار والبحار والمقالع..، وأين سيحط المتضررون من السياسيات المرتبطة بها الرحال مع تسريع تنزيل القوانين دون تشخيص ينصف الفئات المتوسطة والصغيرة بعد أن فصل الكبار القوانين المرتبطة بها مثل تفصيل الثياب والنعال؟ وهل كل وزير في قطاعه يمتثل لرؤية الإصلاح كما يرجوها قائد السفينة، أم كل يعمل على شاكلته، بتفضيل المصلحة الخاصة أو الحزبية عن المصلحة العامة، ومن يمثل هاته المصلحة العامة؟ التوقعات مغايرة أكيد أن الغيب يعلمه عالم الغيب والشهادة، ولكن من حق الإنسان أن يستفيد من أحداث الماضي ليرشد خطوات المستقبل بما يعود عليه وعلى دينه ووطنه بالخير والرفاهية. والسؤال المحوري: هل كل الحيثيات التي أوصلت حزب العدالة والتنمية ومن معه لدفة التدبير الحكومي ما زالت صالحة؟ البعض يقول: نعم، وهو بلبس القبعة الوردية وليس السوداء وليقال عنه أنه امرء فيه إيجابية، ويدعم المنجزات والمكتسبات على ضآلتها، وإن كان بين الفينة والأخرى قد يبدي نوعا من التبرم من كثرة الكلام وضعف وثيرة العمل، خاصة عندما يريد أن يقنع نفسه ان الإصلاحات تحتاج لصبر وتحمل. لكن من يضمن لهؤلاء المستضعفين نصرا وفتحا بعد الصبر والتحمل؟ وهل الفقراء والضعفاء فقط من يدفع ضريبة هاته الإصلاحات، التي لم يكن لهم فيها يد؟ وحالهم مثل قول بني اسرائيل لموسى أنهم تعرضوا للإذاية قبل مجيئه وبعد مجيئه. ومن يقول "لا" صريحة واضحة، يستحضر ان أسباب النجاح السابق لم تعد متوفرة الآن، فالمجال ليس مجالا للتجريب مرة أخرى، والربيع العربي تحول إلى خريف، والطموح أصبح واقعا بتواضع المنجزات، والشعب لم يعد مستعدا للصبر أكثر؟ غير أن يقينا كبيرا يحفز على الصبر والتحمل، فقط ينبغي أن تنفتح الآذان على كل الناصحين الصادقين، وليس من يخاطب الوزير بتعبير: سيادة الوزير المحترم.. لأن هذا الوزير أو الوزيرة هو سيدا محترما فعلا ما دام يخدم الآخرين، ولكن هاته الصفة تنتفي عنه تلقائيا إن هو أو هي أراد أن يخدم مصالحه الخاصة ويرقع حالته وأوضاعه الخاصة. إن الاستسلام للمديح والإطراء الممجوج لحاجة في نفس صاحبه، قد ولى زمانه مع شعر التكسب، ولا ينفع إلا الكلام الصريح، الذي يخاطب وزراء حكومة بنكيران جميعا وليس لوزراء العدالة والتنمية: هاتوا ما عندكم من إصلاحات وإنجازات على أرض الواقع وليس على الأوراق حتى لا ينفذ الصبر؟ -كاتب صحافي