إعادة نشر تقرير "المغرب أسير السياسيات الصهيونية" من طرف موقع وكالة "فارس"، التابعة للحرس الثوري الإيراني، دفع بالباحث في الدراسات الإيرانية في مركز الإمارات للسياسات، الدكتور رشيد يلوح، إلى تقديم قراءتين تفسران هذا المستجد، أولهما أنه سلوك يؤشر على صراع الأجنحة بين الحرس الثوري وحكومة الرئيس حسن روحاني. والقراءة الثانية، وفق مقال خص به يلوح جريدة هسبريس، أن إيران لديها رؤية خاصة لموضوع استئناف العلاقات مع المغرب، والتي قطعت منذ مارس 2009، ومفادها أن "المملكة هي من تحتاج لهذه العلاقة، حيث تعتبر طهران العالم العربي "رجلا مريضا"، ومجالا هشًّا قابلا للاختراق". وفيما يلي نص مقال الدكتور رشيد يلوح كما ورد إلى الجريدة: أعاد اليوم موقع وكالة "فارس" التابعة للحرس الثوري الإيراني نشر التقرير المسيء للمغرب بعد أن قام بحذفه مباشرة بعد صدور بيان الحكومة المغربية الذي ندّد بهذا السلوك، وطالب الحكومة الإيرانية بتوضيح في هذا الشأن، وبعد استدعاء القائم بالأعمال الإيراني في الرباط إلى مبنى وزارة الخارجية. يبدو هذا السلوك المُستفز صادماً من دولة تطمح إلى الخروج من عزلتها، وإلى تطبيع علاقاتها مع المجتمع الدولي، ويبدو أيضا غير مفهوم لأنها ترغب باستئناف علاقتها الدبلوماسية مع المغرب والتي دام انقطاعها لحوالي 6 سنوات. لكن الأمور ستتضح إذا ما نظرنا إلى الأسس الأيديولوجية للنظام الإيراني، وإلى طبيعة سلوكه السياسي وتعقيدات صناعة القرار بداخله، والأهم، لدينا هنا، هو استراتيجيات مركز القوة داخل النظام في التّعامل مع الدول العربية، والتي يمثل الخطاب الإعلامي والسياسي أحد أهم تجلياتها. ففي الوقت الذي دأب فيه الإعلام الإيراني عموماً على نشر المواد الإعلامية المسيئة للعرب، أصبح هذا السلوك أحد مرتكزات الخط التحريري لدى وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري، إذ تنشر هذه المنابر بشكل مستمر مواد مسيئة للدول العربية، وتتنوع الإساءة من الاتهامات إلى الإهانات والسخرية، ومن الواضح أن الحرس الثوري اختار لحظة استئناف العلاقات الدبلوماسية مع المغرب ليجرب تكريس هذا السلوك تجاه الدولة المغربية منذ أول يوم لانطلاق العلاقة الرسمية. وعموما يُمكن فهم إعادة نشر التقرير بعد حذفه ضمن احتمالين: الاحتمال الأول: أنه سلوك يندرج ضمن الصراع القائم بين الحرس الثوري وحكومة حسن روحاني، إذ من المرجح أن حذف التقرير في المرة الأولى كان نتيجة لضغوط من جهات حكومية على إدارة موقع وكالة "فارس" التابعة للحرس، لكن يبدو أن صقور الحرس استعادوا المبادرة وأعادوا نشر التقرير في تحد واضح لإرادة الحكومة، وكما سبقت الإشارة، يرجع سبب هذا الصراع إلى عطب جوهري في هيكلية النظام الإيراني نفسه، وهو عطب ثنائية الثورة والدولة، وهي الثنائية التي تُمثل فيها الدولة الطرف الأضعف. الاحتمال الثاني: أن يكون هناك تقدير إيراني استراتيجي لمسألة استئناف العلاقة مع المغرب، يرى أن الدولة المغربية هي من يحتاج لهذه العلاقة، لاسيما وأنه سبق للرئيس حسن روحاني أن صرّح بأن العرب سيتسابقون إلى تطبيع العلاقة مع إيران بمجرد أن تسوي طهران مشاكلها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهذا التقدير الاستراتيجي يفترض أن العالم العربي أصبح "رجلا مريضا" ومجالا هشًّا قابلا للاختراق. وهو تقدير يستبعد أي نوايا حسنة لبناء علاقات قائمة على الثقة والاحترام مع العرب، والأحداث الجارية حاليا في سوريا والعراق واليمن تؤكد هذا الاحتمال، ففي الوقت الذي تتفاوض فيه طهران مع الغرب وتقدم تنازلات وتحاول إثبات حسن النية لواشنطن، تُواصل تمددها في المحيط الاستراتيجي العربي، وترفع من وتيرة اعتداءاتها على سيادة الدول العربية. وفي النتيجة، يمكن القول إن الإستراتيجية الإيرانية الراهنة تجاه العالم العربي تقوم على سوء فهم كبير، وتنطلق من فرضيات خاطئة، وذلك لسببين: أولا: لأن إيران نفسها ليست بالدولة القادرة على لعب دور المستورث الحضاري للعرب، فهي أضعف بكثير من أن تقوم بهذا الدور. وثانيا: ضعف الدول العربية الحالي لن يطول كثيرا، وهو لا يعني بالضرورة موت إرادة الشعوب في الاستقلال والتّحرر من أي قوة خارجية، ويُمكن للإيرانيين أن يراجعوا تجربة الاحتلال الغربي للدول العربية نهاية القرن 19 وبداية 20، كيف انتهى ذلك الاحتلال. وفي الختام، ينبغي للحكومة المغربية فتح قناة تواصل مع مركز القوة في النظام الإيراني، أي تحالف الحرس الثوري، وبيت المرشد علي خامنئي، وعدم الاعتماد على مُمثلي حكومة روحاني، لأن هذه الأخيرة محدودة الصّلاحيات، وفي هذا السّياق ينبغي إفهام التّحالف الحاكم بأن الطريق الأمثل للعلاقة مع الدولة المغربية هو إطار القوانين والأعراف الدبلوماسية الدولية، والتي منها الاحترام المتبادل وتبادل المصالح. *باحث في الدراسات الإيرانية/ مركز الإمارات للسياسات [email protected]