عبيد أعبيد - سارعت الدول المغاربية إلى تهنئة حسن روحاني، لإنتخابه كرئيس جديد لإيران، بما في ذلك جبهة "البوليساريو"، في وقت تواصل فيه الرباط إعطاء ظهرها لطهران. ويطرح واقع الدبلوماسية المغربية فرضيتين، إما أن الأمر يتعلق فقط ب"تأخر" في بعث برقية التهنئة، بسبب إنشغال الملك بأولويات أخرى "أكثر أهمية"، وإما أن الرباط ماضية في مقاطعتها لطهران، ولو في ظل الرئيس الإيراني الجديد، علي روحاني، الذي يمثل التيار "الإصلاحي"، والمتحمس لسياسة دبلوماسية أكثر "إنفتاحا" من التي كان ينهجها سلفه محمود أحمدي نجاد . كما أعلن في حملته الإنتخابية. وكانت العلاقة بين طهرانوالرباط قد وصلت إلى الباب المسدود في مارس من سنة 2009، على خلفية موقف ملك المغرب المتضامن مع البحرين بعد تصريحات مسؤولين إيرانيين أكدوا فيها بأن البحرين هي المحافظة ال 14 لإيران، في وقت سعى فيه المسؤولون المغاربة إلى تبرير أسباب قطع العلاقات، إلى "نشر مذهب التشيع في المغرب والمنطقة"، وهو ما أشار إليه مؤخرا وزير الداخلية المغربي، أمحند العنصر، في حوار له مع صحيفة "الرياض" السعودية في مارس من السنة الجارية،، بأن سبب قطع العلاقات هو "ضبط نوع من التغلغل والتشيع عبر القنوات الدبلوماسية الإيرانية بالمغرب"، قبل أن يشير إلى أن "التغلغل الشيعي الذي مارسته إيران من خلال قنواتها الدبلوماسية لم يكن ممكنا قبوله من طرف المغرب"، مشيرا إلى أن إيران كان لها دائما اهتمام بإفريقيا ونشر التشيع فيها. بقابل ذلك، يرى محللون بأن الحاجة إلى إحياء العلاقات بين الرباطوطهران، باتت ذات أهمية إقتصادية قصوى، خاصة وأن المغرب سبق أن ربطته علاقات وطيدة مع إيران عكستها إتفاقيات تعاون في مجالات عدة، أبرزها إتفاقيات الثقافة وإلغاء التأشيرات والتعاون التقني والعلمي المبرمة في يونيو 1966، إضافة إلى إتفاقية تمويل إيران لمشروع "تساوت" بالمغرب في يونيو 1967، فضلا عن برتوكول التعاون في مجال التنمية القروية الموقع في مارس 1974، حسب وثائق رسمية لوزارة الخارجية بالمغرب . أما على المستوى التجاري بين البلدين، فقد شهدت المبادلات التجارية نموا مطردا منذ 2003، بحيث بلغت قيمة المبادلات التجارية 0.7 مليون درهم، وانتقلت إلى 2.74 مليون درهم، لترتفع إلى ما يزيد عن 8 مليون درهم في سنة 2006، وسجل الميزان التجاري عجزا لصالح إيران بفعل ارتفاع حجم الواردات الإيرانية التي يأتي على رأسها النفط في مقابل انخفاض قيمة الصادرات المغربية والمكونة أساسا من مادة الفوسفاط. ولعل ما يزيد، سياسيا، من ملحاحية التعاون المغربي- الإيراني، هي قضية "نزاع الصحراء"، التي بدت فيها طهران منحازة لدعم جبهة "البوليساريو" بحكم العلاقة الوطيدة لها مع الجزائر، خاصة بعد أن كشفت وثائق موقع وكيليكس الشهير عن دعمها العسكري لجبهة البوليساريو ودخول الحرس الثوري الإيراني على الخط، لتدريب ميلشيات جبهة "البوليساريو" على تقنيات القتال وتحدي الجدار الرملي المغربي . وعلى أساسه، يطرح موقع "لكم. كوم" السؤال حول مستقبل العلاقات الدبلوماسية المغربية – الإيرانية، و هل بإمكان الرباط إعادة النظر في علاقاتها مع نظيرتها طهران في ظل تولي حسن روحاني سدة الحكم بإيران، وتتجاوز بذلك كل الخلافات التي نشبت طيلة الثمانية سنوات الماضية، إبان فترة الرئيس محمود أحمدي نجاد ؟ علاقة "غير ممكنة" استبعد رئيس "المركز المغاربي للدراسات الأمنية"، عبد الرحيم منار السليمي، إمكانية أن تعيد الرباط علاقاتها مع طهران ولو في ظل الرئيس الجديد، حسن روحاني، مادامت "الأسباب التي دفعت المغرب إلى قطع العلاقات مع إيران لازالت قائمة"، خاصة تلك المتعلقة بالأمن القومي، في إشارة إلى نشر المذهب الشيعي الذي يعتبر من ثوابت السياسة الخارجية لإيران . يقول السليمي. وسجل السليمي في تصريحه لموقع "لكم. كوم"، أن إيران باتت تركز في السنوات الأخيرة على المنطقة المغاربية، إذ لوحظ تزايد عدد الشيعة في الدول المغاربية ومنها المغرب، مشيرا إلى أن تجربة المغرب مع إيران قبل قطع العلاقات الدبلوماسية، أوضحت أن إيران لها علاقة ببعض الحركات الإسلامية وكانت بصدد اختراق بعض مسالك الدراسات الاسلامية في الجامعات المغربية وعملت على ممارسة نوع الإستقطاب غير المباشر لفاعلين من الحركات الاسلامية ونخب جامعية لحضور مؤتمرات ومنتديات شيعية بإيران . وأشار الخبير في الدراسات الأمنية، بأن ثوابت السياسة الخارجية الإيرانية لا تتغير بصعود الرئيس الجديد "حسن روحاني" (رئيس المخابرات الإيرانية السابق) لكون العوامل المحددة لهذه السياسة في ايران مرتبطة بمرشد الجمهورية، الذي يملك السلطة في قضايا الأمن القومي المتعلقة بالملف النووي، الموقف من سوريا، العلاقة مع دول الخليج، التواجد بإفريقيا والعلاقة مع الولاياتالمتحدة وأوربا. "حتمية" العلاقة من جهته، يرى الباحث والكاتب المغربي، إدريس هاني، المحسوب على المذهب الشيعي بالمغرب، بأنه لا يمكن أن تستمر القطيعة الدبلوماسية بين طهران والمغرب في الوقت الذي تحتفظ فيه طهران بعلاقات دبلوماسية متميزة مع دول الخليج وسائر بلدان المغرب العربي، مؤكدا على أن معظم حلفاء المغرب الدوليين والإقليميين يحتفظون بعلاقات دبلوماسية مع طهران. بل حتى أمريكا نفسها (يقول هاني) تدعو طهران للحوار والمفاوضات لإعادة العلاقات الدبلوماسية. وأضاف الباحث المغربي، في حديثه لموقع "لكم. كوم"، بأن دول الغرب والخليج والمغرب العربي، بعثوا ببرقية التهنئة للرئيس الإراني الجديد، لأنهم يحافظون على علاقات متفاوتة مع طهران . وذكر في نفس السياق بأن إيران تظل ذات أهمية جيوسياسية بالنسبة لمعظم الدول المغاربية، ودولة مفتاحة في منطقة الشرق الأوسط والمجال الأوراسي. ووفقا لهاني دائما فإن جزءً مما ساهم في توتير العلاقة بين الرباطوطهران، هو ما كانت ترفعه حركة "التوحيد والإصلاح" وحزب العدالة والتنمية (القائد للحكومة الحالية) من شعارات حول "نشر التشيع" بالمغرب. الأمر الذي أوجد جوا من فقدان الثقة، يضيف نفس المتحدث. أسباب "واهية" بخصوص الدوافع الرسمية التي برر بها المغرب قطع علاقاته مع إيران، والمتمثلة في الدفاع عن البحرين أمام إيران، والتسرب الشيعي للمغرب، يرى الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية، سعد الركراكي، بأنها "أسباب واهية" ( كيقلبو على السبة حسب تعبيره)، لإرضاء واشنطن والاصطفاف إلى جانب معسكرها. وأشار بأن خطوة المغرب في إتجاه قطع العلاقات مع دولة قوية وفاعلة في السياسات الدولية كإيران، تعد خطوة "متسرعة"، كان على المغرب أن يتريث قليلا بخصوصها، مشددا على أن الرئيس الإيراني الجديد، حسن روحاني، لا يمثل النظام الشمولي لإيران، التي تظل لها ثوابت راسخة في سياستها الخارجية، والمتعلقة أساسا بالملف النووي والتحالفات الإستراتيجية. لأن العلاقة مع المغرب وشمال أفريقيا – يقول- تظل مسألة مرتبطة بأجندة النظام الإيراني ككل، وليس فقط بالرئيس الجديد . وأردف في ذات التصريح لموقع "لكم. كوم"، بأن عودة العلاقات بين الرباطوطهران، يتطلب بذل الجهود من كلا الطرفين، ومزيدا من الوقت. وإذا كان مفهوما إلى حد ما أن لا يبرق الملك محمد السادس الرئيس الإيراني الجديد للأسباب المذكورة أعلاه على الأقل وفقا للرواية الرسمية العلنية، فإن الشيء غير المفهوم هو صمت حكومة بنكيران المطبق عما جرى في إيران وعدم تحقيقها لأي اختراق للعلاقات المغربية الإيرانية الجامدة رغم المرجعية الدينية الواحدة في الحكم وإن اختلفت المذاهب؟